تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
هل تخيلنا يوماً أن نقرأ قصة حب تتخطى الثنائيات المعتادة التي تربينا عليها في طفولتنا، والتي تحكي لنا عن الروحين اللتين خلقتا لبعضهما البعض، كقيس وليلى، روميو وجولييت... فتصبح العلاقة التي تجمعهما علاقة عاطفية متعددة أو ما يسمى بالبولياموري polyamory؟
العلاقات العاطفية المتعددة
يأتي مصطلح بولياموري من الكلمة اليونانية poly التي تعني المتعدد وAmory التي تعني الحبيب، بما معناه بالعربية "العديد من الأحباء"، أي الانخراط في العلاقات العاطفية المتعددة، سواء كانت جنسية و/أو رومانسية، بمعرفة وبموافقة كاملة من جميع الأطراف.
يختلف تعريف العلاقات العاطفية المتعددة بشكل كبير من شخص لآخر بدرجات مختلفة من الالتزام، بحيث يمكن أن نرى شركاء يعيشون معاً، في حين يقيم البعض الآخر علاقات مع أفراد يعيشون على مسافات بعيدة، واللافت أن هناك بعض الأشخاص الذين لديهم رغبات أو توجهات جنسية أخرى مختلفة عن رغبات شركائهم.
هل تخيلنا يوماً أن نقرأ قصة حب تتخطى الثنائيات المعتادة التي تربينا عليها في طفولتنا، والتي تحكي لنا عن الروحين اللتين خلقتا لبعضهما البعض، كقيس وليلى، روميو وجولييت... فتصبح العلاقة التي تجمعهما علاقة عاطفية متعددة أو ما يسمى بالبولياموري polyamory؟
يختار البعض البولياموري لكونهم يرون في هذه العلاقة فرصاً للنمو والاستمرارية بعيداً عن مفهوم العلاقات الأحادية، بالإضافة إلى تعزيز علاقاتهم وما يتاح لهم من عيش تجارب جديدة ومتنوعة، لكن هناك تحديات كبيرة يواجهها الشركاء الذين يختارون هذا النوع من العلاقات، كما أنَّ العثور على شريك/ة مستعد/ة للدخول في علاقة بنفس الصدق والقواعد الاساسية هو أمر صعب، وخاصة في ثقافة تفضل الارتباط الأحادي، لهذا السبب تنشأ مجتمعات يمكن أن يلتقي فيها الأشخاص الذين يتشاركون الاهتمام ذاته بهذه العلاقة، وغالباً ما تكون البداية عبر الإنترنت.
شهادات حيّة
حسام، ضياء وكريم، هي أسماء مستعارة لثلاثة شبان يقيمون في دمشق، تجمعهم علاقة عاطفية مشتركة، يتحدثون لرصيف22 عن تجربتهم مع العلاقات العاطفية المتعددة.
كشف حسام (28 عاماً) عن الأسباب التي دفعته للانخراط في علاقة عاطفية متعددة: "في السابق، مررت بعلاقات عاطفية عديدة مع شريك واحد فقط، وفي كل مرة كان يكون مصيرها الفشل، عندها قررت البحث عن نمط آخر من العلاقات التي تتسم بالاستمرارية".
وتابع بالقول: "في البداية تعرفت على ضياء، وبعد فترة من المواعدة تساءلنا عن طبيعة العلاقة بيننا، في الحقيقة، إن الصدق والثقة المتبادلة كانا الأساس لهذه العلاقة، وضعنا الحدود والأولويات وأخبرنا بعضنا بالأمور الحساسة، بخاصة كل ما يتعلق بالمسائل الجنسية، لكن مع الوقت وعلى مدى سنتين، بدأت باكتشاف نفسي ورغباتي بشكل أفضل، حتى جاء اليوم الذي عرّفني فيه على كريم وهو الشخص الذي كان يلتقيه سابقاً".
"الحب ليس عقد احتكار، والإنسان قادر على مشاركة مشاعره مع العديد من الأشخاص"
وبالرغم من أن لقاءات ضياء بكريم المتكررة كانت تشعر حسام بالغيرة، غير أنه بعد فترة بدأت تتولد المشاعر بين الأطراف الثلاثة: "لكل شخص فينا صفاته الخاصة به، وتماماً مثل أي علاقة أحادية تمر بمطبات، لكن قابلية النقاش وتصحيح الأخطاء هنا تكون بمرونة أكبر"، وختم حسام بالقول: "ما دامت العلاقة صادقة ومبنية على الصراحة فهذا هو سر الاستمرارية".
بدوره، تحدث ضياء (30 عاماً) عن مفهومه ونظرته للعلاقة العاطفية المتعددة: "بالنسبة إلي، لا يجب على الحب أن يكون مقيداً، وكل فرد لديه رغباته المختلفة التي لا يستطيع شخص واحد أن يلبيها، لذلك كنت دائماً أشدد على أنه في حال انخرطت في علاقة عاطفية يجب أن تكون لديّ مساحتي الحرّة التي أمارس بها حياتي كما أريد".
ورداً على الأفراد الذين ينتقدون هذا النوع من العلاقات، أجاب ضياء: "الحب ليس عقد احتكار، والإنسان قادر على مشاركة مشاعره مع العديد من الأشخاص، لذلك عندما تعرفت على شريكي الثاني كريم، عشت معه تجربة العلاقة المتعددة، وسمحت لنفسي عيش الأحاسيس التي تراودني، وعندما عرَّفتُ أحبائي على بعضهم وأصبح هناك انسجام واستلطاف بينهم، أصبحت لدينا الفرصة لعيش علاقة متعددة الأطراف بأريحية".
وعلى غرار حسام، اعتبر ضياء أن المفتاح الرئيسي لنجاح هذا النوع من العلاقات هو التفاهم والصدق والتراضي التام: "يجب على الأطراف أن يكونوا واضحين وأن يدخلوا العلاقة بإرادتهم الكاملة كي يقوموا برعايتها لتستمر".
أما كريم (33 عاماً) وهو الشريك الثالث في هذه العلاقة، فكشف أنه لطالما كان يتجنب الانخراط في علاقات عاطفية خشية من الخسارة: "كنت دائماً أبتعد عن أي علاقة عاطفية خوفاً من خسارة الأشخاص، فالالتزام بأخلاقيات العلاقة الثنائية صعب جداً بالنسبة إليّ".
وتابع حديثه بالقول: "تعرفت على ضياء والتقينا مرات عديدة، وبدأت المشاعر تتولد بيننا بشكل تدريجي، اقترح أن يعرفني على شريكه الأول، كنت متردداً في البداية، فالأمر غير مألوف بمجتمعنا، لم تتكون العلاقة بيننا نحن الثلاثة بين يوم وليلة، بل بشكل تدريجي، وبعد أن قضينا فترات طويلة سوياً وجدنا أنفسنا، دون أن نحسب حساباً للمصطلحات، في علاقة جامعة لنا".
وعن الأمور التي يسمعها وتزعجه: "ما يزعجني أن نظرة الأصدقاء والمجتمع دائماً يسودها الشك تجاه مشاعرنا، كأن يحكموا علينا أن ما نعيشه ليس حباً، ودائماً يربطونها بالرغبات الجنسية فقط، لكن الجنس هنا أصبح شيئاً تشاركياً، مثل الأكل والشرب والحياة الاجتماعية، شعرت أن عاطفتي كبرت وأصبحت قادراً على توزيع مشاعري بشكل أكبر".
الجنس الآمن ونجاح العلاقة
لعلّ إحدى أهم الأمور التي يتم الاتفاق عليها بين الشركاء متعددي العلاقات العاطفية هي كل ما يتعلق حول الجنس الآمن ووضع الحدود فيما يتعلق بالنسل للأشخاص القادرين على الحمل، وتظهر الأبحاث أنه من المحتمل أن يكون لدى الشركاء المتعددين نسبة خطورة أقل للإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً مقارنة بالعلاقة الأحادية، وذلك بسبب ارتفاع وتيرة اختبارات الأمراض المنقولة جنسياً، وزيادة استخدام الواقي الذكري في البولياموري.
بالنسبة لحسام، فإن الجنس الآمن يشكل النقطة الأهم في العلاقة المتعددة: "الجنس الآمن أولوية بالنسبة إلي، في إحدى المرات أفصح شريكي بأنه مارس الجنس غير الآمن، فاحتدّ بيننا النقاش، لكن أعاود التأكيد على أن الصدق ينقذ العلاقة من هذه المواقف، بحيث يجب التعامل مع الأمور بعقلانية، والقيام بالفحوص للأمراض المنقولة جنسياً، ثم فتح باب النقاش مجدداً لعدم تكرار الموقف".
إذن، يمكن القول إن الثقة، الحدود الواضحة، الموافقة والاحترام المتبادلين، هي كلها أسس مهمة لنجاح العلاقات العاطفية المتعددة، فالشركاء الذين يعيشون هذا النوع من العلاقة كما غيرها من العلاقات العاطفية الأخرى يشعرون بالغيرة.
وفي هذا الصدد، يرى الباحثون أن الشركاء المتعددين يميلون لأن يكونوا مستعدين للتعامل مع مشاعر الغيرة بفتح نقاش واضح مع شركائهم الآخرين، كما أن انتهاك الحدود المتفق عليها مسبقاً، والدخول في علاقات أخرى دون إعلام الشركاء، هي تصرفات تندرج ضمن الخيانة، وهو لا يقل خطورة عن الخيانة التي تهدد الارتباط بين الشركاء في العلاقات الأحادية، على عكس الصورة النمطية المأخوذة عن العلاقات العاطفية المتعددة أنها تفتقر للالتزام.
لا قيمة للحياة دون عشق
طبرق ايرديرم، شاب تركي يقيم في أنطاكيا، مر بتجربة علاقة متعددة لكنها لم تكلل بالنجاح، كما كشف لرصيف22: "عندما تسألني عن الحب أجيبك بما ورد في قواعد العشق الأربعون، أنه لا قيمة للحياة دون عشق، لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف، إنه كما هو، نقي وبسيط".
وأضاف الشاب العشريني: "عند انتقالي من إسطنبول الى أنطاكيا، تركت ورائي مجتمع منفتح تجاه العلاقات المتعددة، واعتقدت أنه لن تتسنى لي فرصة الدخول في علاقة متعددة، لكن الفرصة جاءت هنا حيث لم أتوقع أبداً، فبعد فترة من علاقة مفتوحة مع شاب باتت العلاقة تأخذ منحى العلاقات المتعددة، فأصبحنا نذهب في مواعد غرامية مع الآخرين، لاحظت أن أحد الذين يواعدهم شريكي جذاب، وأن هناك تجاذباً وطاقة بينهما، دعوتهما للدخول في علاقة متعددة تجمعنا نحن الثلاثة، وبدأت الرحلة، قضينا شهور صيف مثالية، يجمعنا الحب والمغازلة والجنس، ثم بدء الفصل السيء من العلاقة".
وكشف أن المشكلة كانت في غياب الشفافية بين الأطراف الثلاثة: "خطأنا أننا لم نتكلم عن الأجزاء الحساسة، ولا عن قواعد الصدق والثقة، أو عن كيفية التواصل واللقاء بيننا، وبدون هذه الأحاديث فإن العلاقات المتعددة تنهار".
"عندما تسألني عن الحب أجيبك بما ورد في قواعد العشق الأربعون، أنه لا قيمة للحياة دون عشق، لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف، إنه كما هو، نقي وبسيط"
وأوضح ايرديرم أنه مع الوقت اكتشف أن هناك خللاً ما يتعلق بانجذاب الشريك الثالث جنسياً تجاهه، فقرر الانسحاب، غير أنه لا يزال يؤمن بالعلاقة المتعددة وينتظر تجربة جديدة بخبرة ومعرفة أكبر.
بحسب الباحث في العلاقات الجنسية في جامعة مانشستر ميتروبوليتان، كرستيان كلاس، أن معاني البولياموري لا تزال محور نقاش كبير بين الباحثين، لكن المتفق عليه أن الحب هو المحور الأساسي لهذه العلاقة، وهو ما يتجذر في المصطلح نفسه، وهذا ما يميز العلاقات العاطفية المتعددة عن الأشكال الأخرى من العلاقات المفتوحة التي تنطوي على ممارسة الشركاء الجنس العرضي خارج العلاقة، دون ارتباط عاطفي.
غالباً ما يتعرض الأفراد الذين ينخرطون في علاقات متعددة الأطراف لوصمة عار، على اعتبار أن هدفهم من العلاقة هو الجنس فقط، وعليه، يحاول العديد منهم الإبقاء على علاقاتهم العاطفية سراً حتى عن الأصدقاء والمقربين، بسبب رفض المجتمع لهذا النوع من العلاقة، واعتبارها تمرداً مستحدثاً على العلاقات الثنائية، وهذا ما دحضه لويس مورغان، في كتابه "المجتمع القديم"، الذي قدم فيه نتائج عن انتشار أنماط العلاقات العاطفية المتعددة بين بعض القبائل الأصلية، كأسلوب حياة بينهم.
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...