شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
في الحروب المتتالية... انتصرت الفصائل وهُزمت غزة

في الحروب المتتالية... انتصرت الفصائل وهُزمت غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

انسحب شارون من غزة في شهر آب/ أغسطس من عام 2005، فيما أطلق عليه في ذلك الحين "خطة فكّ الارتباط من جانب واحد". هذه الخطة كانت قد نوقشت في الكنيست الإسرائيلي، وتم التصويت عليها بالقراءة الثالثة قبل تنفيذ الانسحاب الفعلي بستة أشهر. خلال هذه الأشهر، احتدم النقاش في إسرائيل بين المعارضين الذين يعتبرونها وسيلة لهروب شارون من المحاكمة القضائية، وبين المؤيدين الذين يعتبرون غزة جحيماً لا يمكن الاستمرار بالاحتفاظ به. 

على الجانب الفلسطيني، كانت الاحتفالات تعمّ غزة والضفة؛ المحتفلون من الفصائل الإسلامية اعتبروا أن هذا الانسحاب حدث تحت ضربات المقاومة، فاعتبروه نصراً. جماهير فتح وبعض اليسار وعموم الوطنيين غير المنتمين فصائلياً اعتبروه نتيجة حتمية للصراع بشقيه المقاوم والمفاوض. لكن قلّة قليلة من السياسيين والكُتاب، وعلى رأسهم مكتب الرئاسة ودائرة المفاوضات، كانوا كمن ابتلع السكين. فمن ناحية كان هذا تحريراً لجزء من وطنهم الذي طالما حلموا به، وأفنوا حيواتهم من أجله، ومن ناحية ثانية كان إعلاناً صريحاً من جانب إسرائيل أنها تنسحب من العملية السلمية، وتأخذ قراراتها منفردة، ودون الاحتكام لما رعاه العالم بأكمله من تفاهمات واتفاقيات.

لقد تمّ تجاهل القيادة الفلسطينية من قبل إسرائيل، وتمّ التعامل مع غزة وكأنها مشكلة إسرائيلية ويجب حلها إسرائيلياً فقط.
لقد تحولنا من أصحاب قضية سياسية يناصرها أحرار العالم، إلى أصحاب ثأر يناصره أيديولوجيو الإقليم، والتخوف الذي يلوح في الأفق، إن لم يكن قد تكرّس، هو أن نصير أداة لمصالح هذه الدولة أو تلك
لكن بغض النظر عن كل هذه الآراء والخلافات، فإن غزة أصبحت تحت حكم الفلسطينيين. انسحب الجيش المحتلّ وتمّ تفكيك المستوطنات القليلة وإخلاء المستوطنين. وما هي إلا شهور قليلة حتى احتدم الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، والذي انتهى بسيطرة حركة المقاومة الإسلامية حماس، أمنياً وسياسياً، على قطاع غزة.
صار لنا حكومة في غزة تحكم على بقعة جغرافية هي الأكثر كثافة سكانية في العالم، بلا موارد ولا مقومات دولة، ولا حتى اعتراف إقليمي ودولي، وحكومة في الضفة الغربية تحكم مدناً وسكاناً في بقعة غير محرّرة، لكن هذه الحكومة تحوز على بعض الاعتراف الدولي كممثل سياسي، وبالتالي فهي المسؤولة، قانونياً وسياسياً، عن الشعب الفلسطيني.

لكل من الحكومتين يوجد برنامج سياسي ورؤية لحل القضية، ولكل منهما يوجد حلفاء وداعمون من الإقليم والعالم. هذا الوضع أراح إسرائيل، ولا نبالغ إن قلنا إنها سعت له بكل طاقاتها السياسية والاستخباراتية، فالعدو الأمني أسهل في التعامل من العدو السياسي، خاصة لدولة مدجّجة بالسلاح والهوس الأمني، ومتفلّتة من كل المعايير السياسية والقانونية، ومتجرّدة من قيم الأخلاق... أو باختصار، دولة استعمارية محتلة.

لم يعد الحديث عن انتصار الشعب الفلسطيني أو هزيمته هو الذي يتصدر المشهد، بل الحديث عن انتصار هذا الفصيل أو ذاك.

بدأت هذه الدولة بشن الحروب الوحشية على غزة، تارة بحجة استعادة جلعاد شاليط (جندي مأسور من قبل حماس في 2006)، وتارة لتأمين مستوطنات غلاف غزة من صواريخ حماس والجهاد، وتارة كرد على صاروخ هنا أو عملية هناك.

شنّت إسرائيل سبعة حروب كبيرة على قطاع غزة، مستخدمة أحدث ما توصلت إليه الصناعات العسكرية من قوة نارية متوحشة وأسلحة محرّمة وطيران متطور. كانت حصيلة هذه الحروب أكثر من أربعة آلاف شهيد من فلسطينيي القطاع، وعشرات آلاف الجرحى، ناهيك عن أكثر من عشرين ألف مبنى.
في المقابل أطلقت الفصائل الفلسطينية ما يزيد قليلاً عن خمسة عشر ألف صاروخ، وذلك حسب الأرقام التي كانت تصرّح بها هذه الفصائل، والتي لم تكن تنفيها إسرائيل. كان حصيلة خسائر هذه الحروب من الجانب الإسرائيلي تسعة وتسعين قتيلاً، وبعض المباني والباصات.
ما يثير الفضول لدى المراقب، وما يستدعي نقاشاً جدياً ومسؤولاً من النخب الفلسطينية، على مستوى السياسيين والمثقفين، بدوافع وطنية خالصة، ومن أجل الوصول إلى نقاط التقاء تخرجنا مما نحن فيه، هو التالي:
أولاً: ثلاثة من هذه الحروب كان المستهدف منها هو حركة حماس، وهي حروب 2008، 2012، 2014. وأما الثلاث الأخيرة في 2019، 2022، 2023 فقد كانت معلنة ضد الجهاد الإسلامي. أما حرب 2021 فجميعنا يعرف أن القدس كانت المحرّك، وشملت كل الأراضي الفلسطينية.
ثانياً: في هذه الحروب جميعها، تم إعلان الانتصار من قبل طرفي الحرب. فإسرائيل كانت تعلن أن مهمة الجيش في غزة قد تم تحقيق غاياتها على أكمل وجه، وأن حماس أو الجهاد قد جُرّدت من جزء كبير من قوتها القتالية، وهذا هو المطلوب من شنّ الحرب. وعلى جانب الفصائل، كانت حماس والجهاد تعلنان الانتصار. وهذا بالطبع لم يحدث في أية حرب على مدار حروب التاريخ البشري.
إن لم تستطع إسرائيل النيل من الفصيل فكل الأمور تمام وخير، وكأن مليوني سجين في قطاع غزة ليس لهم أهمية أو معنى

ثالثاً: معايير الانتصار لدى الجانب الفلسطيني تعرّضت لتآكل ملحوظ، فبينما كانت في البدايات تتعلق بشروط التهدئة، من قبيل الحصول على أميال أكثر للصيد، أو المطالبة بمطار أو ميناء، وذلك بعد التأكيد على أن الانتصار تحقّق بترهيب المجتمع الإسرائيلي ونزوله إلى الملاجئ، وإيقاف حركة طيرانه، نرى أن هذه المعايير تدنّت مؤخراً إلى أن العدو هُزم لأنه لم يستطع بثّ الفرقة بين الفصائل.

رابعاً: رغم هذا التآكل إلا أن الفصائل ما زالت تصرّ على تقديم نفسها وشعبها كندّ عسكري حقيقي لآلة البطش الإسرائيلية، وما زالت تفضل اللعب في ملعبه العسكري المريح له. هي تسمّي الحرب عدواناً إسرائيلياً، وهذا صحيح، وتطالب الوسطاء بالتدخّل لوقفه، وهذا من الحكمة، لكنها تدير المعركة إعلامياً بلغة الندّ والبطل المنتصر، لا بلغة الضحية المعرّضة للقتل والتدمير.
خامساً: لكل حرب مكاسب وخسائر سياسية يبدو أننا لم نعد نلتفت إليها. وهنا لا أريد الدخول في المكاسب الأخلاقية التي تتعلق بعدالة الحق وقوته، بل بكل فعل على الأرض يقرّبنا، ولو قليلاً، من إنجاز هدفنا. هل ابتعدنا خلال وبعد هذه الحروب أم اقتربنا من تحقيق هذا الهدف؟ لقد تحولنا من أصحاب قضية سياسية يناصرها أحرار العالم، إلى أصحاب ثأر يناصره أيديولوجيو الإقليم، والتخوف الذي يلوح في الأفق، إن لم يكن قد تكرّس، هو أن نصير أداة لمصالح هذه الدولة أو تلك.
أخيراً والأهم: لم يعد الحديث عن انتصار الشعب الفلسطيني أو هزيمته هو الذي يتصدر المشهد، بل الحديث عن انتصار هذا الفصيل أو ذاك. إن لم تستطع إسرائيل النيل من الفصيل فكل الأمور تمام وبخير، وكأن مليوني سجين في قطاع غزة ليس لهم أهمية أو معنى. لا وجود لهم إلا كوقود للمعارك المتتالية، لا وجود لأحلامهم بحياة كريمة تشبه بقية البشر، ولا وجود لطموح أطفالهم بمستقبل يشبه بقية أطفال المعمورة. فهم أبطال وصامدون وعليهم أن ينجبوا أبطالاً وصامدين. لا يهم أن من يتولون شؤونهم لم يتفقوا على الهدف ولا على الوسيلة، لا يهم أن الانقسام أنهكهم وجعل حياتهم جحيماً، ولا يهم أن الحروب أكلت منهم ومن آمالهم، المهم أن يهتفوا مع كل حرب لانتصار الفصيل الذي "لم يُهزم".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard