بعد ثلاثة أشهر فقط من اختفائه، ظهر قائد جماعة أجناد القوقاز، أورستيم آزيف، المعروف بعبد الحكيم الشيشاني، على جبهات القتال في أوكرانيا، في مقطع مصور، مثيراً التساؤل عن كيفية انتقاله مع عناصره من إدلب إلى أوكرانيا، التي تعيش حرباً مفتوحةً ضد روسيا منذ شتاء العام الفائت.
وكان التسجيل المصور الترحيبي الذي نشره جهاز المخابرات الأوكرانية، في كانون الثاني/ يناير الحالي، قد أظهر مقاتلين شيشانيين بينهم "الشيشاني"، على جبهات مدينة باخموت شرق أوكرانيا، وورد ضمن التسجيل، أن "المتطوعين الشيشان هم جزء من الفيلق الدولي، وهم يواصلون الدفاع عن أوكرانيا في النقاط الساخنة في الجبهة، ومن بين المتطوعين ‘عبد الحكيم’ بطل شعب إيشكيريا الشيشانية الذي تقاتل فرقته ضد الروس".
وقد أثار ظهور الشيشاني استهجان الشارع المحلي في شمال سوريا، حول كيفية وصوله إلى أوكرانيا وتركه ساحات القتال بعد مضي اثني عشر عاماً على اندلاع الثورة السورية، والتي شارك فيها على جبهات القتال المختلفة تحت راية "أجناد القوقاز" التي قاتلت إلى جانب هيئة تحرير الشام.
وكان الشيشاني الذي تتهمه وزارة الخارجية الأمريكية ببناء قاعدة للمقاتلين الأجانب في سوريا، والمصنَّف لديها عام 2014، كقائد جماعة إرهابية مسلحة في سوريا، قد غادر إلى جانب 25 عنصراً من أجناد القوقاز معظمهم من الجنسيات الروسية والشيشانية جبهات ريف اللاذقية متوجهين إلى أوكرانيا، لقتال الروس ضمن الفيلق الدولي الذي أسسته لاجتذاب المقاتلين الأجانب إليها في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وفقاً لموقع المونيتور الأمريكي.
ونشر حساب "Muslim"، المعروف بنشر الأخبار عن الجماعات الشيشانية، عبر تويتر، أن السلطات التركية اعتقلت "الشيشاني" بسبب تصريح لرجل الأعمال إريك جافاروف (الذي تم اعتقاله مؤخراً في هولندا)، حول ابتزاز الأموال، وواجه الشيشاني المحاكمة مرتين في إسطنبول، وتم الإفراج عنه بعد ستة أشهر، وأُسقطت جميع التهم ضده.
تم اعتقال الشيشاني من قبل السلطات التركية، ولكن تم الإفراج عنه في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، ليظهر في أوكرانيا
وقالت الباحثة الروسية-الأمريكية، وهي أيضاً زميلة أبحاث في جامعة "هارفارد"، فيرا ميرونوفا، عبر حسابها في "تويتر"، إنه "عندما بدأت الحرب في أوكرانيا، تم اعتقال الشيشاني من قبل السلطات التركية بتهمة القتل، ولكن تم الإفراج عنه في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وفي أقل من أسبوع ظهر في أوكرانيا".
في السياق نفسه، نقلت صحيفة "القدس العربي"، في العاشر من كانون الثاني/ يناير الجاري، عن مصادر من تحرير الشام، خروج مقاتلين ألبان من شمال سوريا إلى أوكرانيا بهدف قتال الروس، بعد انشقاقهم عن جماعة عبد الجشاري الملقب بـ"أبو قتادة الألباني"، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى.
وتُعدّ جماعة الألبان التي ينحدر مقاتلوها من كوسوفو وألبانيا وصربيا ومقدونيا، من الجماعات التي تقاتل في سوريا منذ العام 2012، تحت مظلة تحرير الشام في جبهات الساحل السوري وسهل الغاب في ريف حماه.
ورقة رابحة
شددت تحرير الشام الخناق على الجماعات الجهادية العاملة في جبهات إدلب وريف اللاذقية بين عامي 2020 و2021، إذ بدأت بتنظيم "حراس الدين" الذي تلاشى وانتهت سيطرته الجغرافية في محافظة إدلب، ثم انتقلت إلى مواجهة كل من تنظيمي "جنود الشام" و"جند الله"، أكبر التنظيمات في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2021، واللذَين كانا يتخذان من جبل التركمان في ريف اللاذقية منطقة رباط، مُخيّرةً هذين التنظيمين بين حل جسميهما والانضمام إليها أو مغادرة إدلب.
وبحسب الشيشاني الذي شارك تفاصيل لقائه مع تحرير الشام في حزيران/ يونيو 2020، عبر مقطع صوتي متداول، فقد تلقى استدعاءً من قائد جهاز الأمن العام في هيئة تحرير الشام، وفي اليوم التالي ذهب مع زملائه الأعضاء لمقابلته، إلا أنه طلب منه حلّ مجموعته ومغادرة إدلب.
وتأتي مناورات تحرير الشام في إطار تعزيز حضورها من خلال التخلص من أكبر قدر من الشخصيات الأجنبية الرافضة لتحولاتها، وسعيها إلى البحث عن القبول الأممي.
تواصل رصيف22، مع عقبة سلوم، المقرب من قيادة تحرير الشام، والذي اكتفى بالقول إن "خروج بعض الشخصيات الجهادية من إدلب إلى أوكرانيا عبارة عن مبادرة فردية ومحدودة من فئة واحدة، وجلّهم من الأوزبك أو شيشان، وإن تحرير الشام لا تجبر أحداً على البقاء في إدلب للقتال ضد الأسد، فهم نفروا وحدهم وغادروا بمحض إرادتهم".
هناك تحجيم في المعلومات عن خروج جهاديين من إدلب إلى أوكرانيا، بسبب حساسية الموضوع بالنسبة إلى دول كثيرة، فما صحة الحديث عن تنسيق "تحرير الشام" مع الأمريكيين؟
ويعتقد الخبير العسكري السوري، أحمد رحال، في حديثه إلى رصيف22، أنه "من الطبيعي أن يكون هناك تحجيم في المعلومات عن خروج جهاديين من إدلب إلى أوكرانيا، بسبب حساسية الموضوع بالنسبة إلى الدول التي مرت عبرها هذه الجماعات، وبالنسبة إلى تحرير الشام أيضاً، فالموضوع متعدد الارتباطات من حيث التنسيق مع الجانب الأمريكي".
ويشير إلى أن "الجولاني يقدّم خدمةً مزدوجةً لأمريكا، تتمثل في إبعاد إرهابيين عن إدلب وسوريا، والقتال لصالحها ضد الروس في أوكرانيا، خاصةً أن معظم هؤلاء الجهاديين العابرين للحدود من الألبان والشيشان، ولهم عداء وثأر مع الروس في حروب سابقة"، مرجحاً أن "عدد المهاجرين الشيشان القوقاز والألبان والمنتمين إلى تنظيم "حراس الدين" الذي اختفى فجأةً من إدلب وجماعة أبي مسلم الشيشاني بلغ 200 عنصر".
ويختم رحال حديثه، بأن "تحرير الشام ترى الأجانب ورقة ضغط على الغرب، فهي لن تفرط بإرسال كل الجهاديين إلى أوكرانيا، ومن مصلحتها بقاء عدد منهم، وخاصةً ذوي الجنسيات الأوروبية منهم، ما يعطيها حصانةً من الجانب الأمريكي ومكانةً محليةً في أي حلول مستقبلية قد ترفعها عن قوائم الإرهاب".
أين "التركستاني الإسلامي"؟
يواصل الجولاني سعيه إلى احتكار الفضاء الجهادي في مناطق نفوذه، من خلال رغبته في ضبط الجهاد العابر للحدود وتحركات الجماعات الجهادية الأجنبية ضمن صفوفه، ومحاولته تعويم نفسه كضابط وحيد منفرد في الظرف الحالي والمستقبلي، الذي طرأ على تحرير الشام وهيكليتها وتعاملها، الأمر الذي أدى إلى انقسام الجماعات إلى قسمين:
قسم ذو فعالية محدودة معارض لأداء الهيئة العسكري والسياسي والأمني، وآخر ذو ثقل أوسع مضبوط، كالحزب الإسلامي التركستاني، فبحسب الجولاني خلال مقابلة مع موقع "Crisis Group" (مجموعة الأزمات الدولية)، في العام 2020، فإن الحزب التركستاني لم يشكل تهديداً للعالم الخارجي وهو ملتزم فقط بالدفاع عن إدلب ضد هجوم النظام، عادّاً أن "مقاتلي الحزب ليس لديهم أي مكان آخر يذهبون إليه، لذلك هم مرحب بهم طالما أنهم يلتزمون بقواعدنا"، وفي المقابلة عينها وصف العلاقة مع تنظيم حراس الدين، بأنها "معقدة"، قبل أن يستأصلهم عسكرياً في العام نفسه.
يُعد "الحزب التركستاني الإسلامي"، من أكبر الجماعات الجهادية المقاتلة في سوريا بأعداد تقارب 3،000 عنصر
وصعد بريق "الحزب التركستاني الإسلامي"، بعد معركة السيطرة على مدينة جسر الشغور في ريف إدلب عام 2015، ويُعدّ من أكبر الجماعات الجهادية المقاتلة في سوريا بأعداد تقارب 3،000 عنصر، ينحدرون من إقليم تركستان الشرقية الذي تسيطر عليه الصين، وهو مرفوع من قائمة الإرهاب الأمريكية لأن عداءهم مع الصين.
ويقول الباحث في الحركات الجهادية، حسن أبو هنية، إن "الحزب التركستاني الإسلامي على خلاف المجموعات الأخرى، رفعته الولايات المتحدة عن لوائح الإرهاب، وتالياً هناك محاولة لاستخدامه مستقبلاً ضد الصين كون عناصره من الإيغور، ومن جهة أخرى فإن الحزب يمتاز بعلاقة جيدة مع تركيا، ولا يشكل ضغطاً على تحرير الشام مثل بقية العناصر والتنظيمات الأجنبية الملاحَقة من تركيا ومن دول أخرى".
ماذا يريد الجولاني؟
ترغب تحرير الشام في تصدير انطباع إلى الدول الفاعلة في الملف السوري، بأنها مستعدة للاشتراك في عملية مكافحة الإرهاب، وبأنها قامت بتحولات حقيقية في بنيتها وغيرت من أيديولوجيتها، عبر استئصال الجماعات الجهادية، وهو ما يتحدث عنه أبو هنية بالقول: "تحرير الشام تسهّل خروج المقاتلين الأجانب إلى أوكرانيا في محاولة منها لاسترضاء الغرب الذي ينظر مع الولايات المتحدة بإيجابية إلى قتال هذه المجموعات لروسيا، كما أن تحرير الشام، تريد إيصال رسالة إلى الغرب بأنها قادرة على لعب أدوار إيجابية في مسائل دولية مهمة، على أمل إزالة اسمها من لوائح الإرهاب الغربية".
ويشير في حديثه لرصيف22، إلى أن "تحرير الشام تريد اللعب بورقة المقاتلين الأجانب التي تُعدّ واحدةً من أكبر الإشكاليات والاختلافات بين الجانب الروسي والتركي أيضاً، لكن في المقابل، هي لن تغامر بالتخلص من كل المقاتلين الأجانب، لأن هذا الملف سيبقى ورقةً رابحةً قد تستخدمها لاحقاً، خاصةً في ظل التقارب بين تركيا والنظام السوري ونتائجه".
كذلك يقلّل أبو هنية، من تأثير هذه الجماعات في أوكرانيا، ويرى أن "هؤلاء لن يشكلوا فارقاً في حربها ضد روسيا، فانتقالهم له دور دعائي أكثر منه فعالية على أرض المعركة، لأن الحرب هناك تحولت إلى مواجهة بين روسيا والغرب ولا تستطيع هذه المجموعات أو غيرها حسمها".
مصالح الجهاديين متناقضة
منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، انقسمت الجهادية العالمية في موقفها منها، فتنظيم "داعش رأى أنها حرب صليبية-صليبية ولا ناقة له فيها ولا جمل، وأن العداء الرئيسي لأمريكا، أما "تحرير الشام" فقد روّجت عبر مساجدها في خطب الجمعة، أن القتال ضد الروس في أوكرانيا، هو جهاد دفع وفرض كفاية على كل قادر، فإذا قام به البعض يسقط عن الآخرين، بينما يرى الجهاديون الإيغور والتركستان أن عداءهم الرئيسي ضد الصين، في حين أن باقي التنظيمات من القوقاز والألبان وجنود الشام والطاجيك والأوزبك والشيشان والبوسنة، يرون أن العدو الأزلي لهم هم الروس، ولا مانع لديهم من الذهاب إلى أوكرانيا طالما أن هناك تضييقاً في إدلب.
تحرير الشام تريد اللعب بورقة المقاتلين الأجانب التي تُعدّ واحدةً من أكبر الإشكاليات والاختلافات بين الروسي والتركي أيضاً، لكن في المقابل، هل تغامر بالتخلص من كل المقاتلين الأجانب؟
ويتساءل الجهادي المنشق عن تحرير الشام علي العرجاني، على قناته في تطبيق تلغرام: "لماذا يغادر جماعة القوقاز والألبان من إدلب إلى أوكرانيا؟ التحليل المنطقي أنهم وجدوا أن في أوكرانيا حريةً أكثر لهم من إدلب، والمعارك فيها حقيقة... يبدو أنهم يسيرون على فتوى أيمن هاروش القديمة، قبل أن يأكل من أموال الظلمة، ويتسمم بها فكره، بأن الخروج إلى بلاد الكفار أفضل من الجلوس في إدلب تحت سلطة الجولاني".
يعتقد ديمتري بريدجيه، صحافي ومحلل روسي، في حديثه إلى رصيف22، أن "وجود الجهاديين في أوكرانيا سيكون مؤقتاً، فهناك تحسس من وجودهم ولا توجد أي ضمانات لهم من الطرف الأوكراني في المنظور البعيد، كما أن نقص الخبرات القتالية في أوكرانيا يعزز من وجودهم لتميّزهم وخبرتهم القتالية".
وبحسب بريدجيه، فإن "فزاعة الإرهاب التي كان يستعملها الغرب وروسيا ودور الجهاديين في سوريا قد انتهت في الوقت الحالي، وهناك ملفات باتت أهم من إرهاب الجماعات الجهادية وهي الصراع الروسي الأوكراني، خاصةً مع التغيرات التي تشهدها المنطقة من وجهة النظر التركية وتفاهمات الأخيرة مع روسيا من جهة، وعدم حدوث أي تغييرات إيجابية لصالح الشعب السوري بوجود بقايا جهاديين في الشمال السوري من جهة أخرى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم