شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عن اختفاء

عن اختفاء "آداب" نهايات العلاقات… قصّة لمى الأصيل وزوجها نموذجاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الأربعاء 17 مايو 202310:31 ص

هذه حكاية أُخرى لا تختلف عن عديد من حكايات الانفصال سوى أنّها خرجت إلى العلن. حكاية تروي لحظة انكسار القشرة الرقيقة وانسكاب الداخل.

لا تتمتّع بأي نوع من روح الدُعابة.  ذلك هو الانطباع الأوّل الذي راودني حين رأيتُ لمى الأصيل، ذلك أنّ ميلها الشديد للفكاهة ولّد في نفسي نتيجة معاكسة. أذكر أنّ ذلك الفيديو  كان لشخصية تُدعى "أم تيسير" وقد انتحلتها لمى طويلاً في سلسلة ساخرة حققت لها شهرة واسعة، تناولت فيها  بلهجة ممطوطة سيناريوهات كوميدية كتبتها بنفسها.
امتلكتُ دوماً تحفّظات حول أسلوبها الفكاهي الصاخب، لكنّني حافظت على متابعتها لسبب غير واضح. بدت لي تلك الصبية، بعيداً عن "فلاتر شخصياتها الكوميدية، ذات وجه بشوش،  تبدي حماساً طفولياً وتتمتع بمزاج طيب على الدوام، شديدة المرح حدّ التهريج، من اللواتي يتكلّمن بكل ما يتبادر إلى أذهانهن. ومع ازدياد شهرتها أصبحت أقرب إلى طفلة منحها والداها هاتفاً لتصوّر على مدار الساعة معيشتها في أميركا، انطلاقاً من مُحيطها، صديقاتها، مواقفها المضحكة وطرافتها التي لا تنتهي.
تحوّلت مع مرور الأيام، حالها حال الكثيرات، إلى "مؤثّرة"، ولا أدري إلى اليوم أين وكيف ظهرت تلك اللفظة وما هي مدلولاتها الحقيقية، لكن قيل إنّ من يمتلك عدداً أكبر من المتابعين يحظى بفرص أكبر لأن يكون "مؤثّراً"، وقد كانت لمى واحدة من جيل كامل تقتله الحماسة ليكون مؤثّراً، وقد حظيت بذلك. توزّعت فيديوهاتها بين منصاتها على  فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، وقد حصدت إلى جانب المتابعات المتزايدة، نجاحاً حمل معه فرصاً للإعلانات والتسويق.

منذ البداية، عرّفت لمى نفسها كزوجة وأم سورية مُغتربة، وقد كان لزوجها حضور شبه دائم في محتواها، بظهوره في فيديوهاتها متقمّصاً دوماً دور الزوج البارد أو المتذمّر بصمت، وكنت أحسبه لا يمثّل في هذه النقطة، وفي أحيان أخرى يشاركها تمثيل مشهد، أو يكون مادة لتريند تطلقه بين الحين والآخر.

الفضول دودة عملاقة تتناول المحتوى الأخضر واليابس

حين يُصنّف الكائن الإنساني في خانة مشاهير المواقع الاجتماعية، ينضم إلى تلك الخانة جميع أفراد الأسرة رغماً عنه، الأمر بمثابة ترك باب حياتك موارباً للجميع، ولا حاجة لأن تقول لأحد: تفضّل! أنت مشهور وهذا يعني لِزاماً أن نعرف الوالدين، والأشقّاء، والزوج وأبناء العمومة والأصدقاء، ويتحوّل فضول المتابعين إلى دودة تدخل في نسيج العلاقات وتطلق الأحكام متى أرادت ذلك.

عرّفت لمى الأصيل نفسها في فيديوهاتها، كزوجة وأم سورية مُغتربة، وقد كان لزوجها حضور شبه دائم في محتواها، بظهوره في فيديوهاتها متقمّصاً دوماً دور الزوج البارد أو المتذمّر بصمت

ولأنّ  كل ما سبق في حياة تلك المؤثّرة الكوميدية بدا دوماً جميلاً ومتّسقاً مع هذه الشخصية ذات القالب المرح، لم يرغب  أحد في استشفاف ما وراء تلك حياة الافتراضية التي كانت تنساب بهدوء، حتى صرّحت مؤخراً عن مشاكل زوجية دون تفاصيل، ليسارع زوجها ويُعلن عبر ستوري له أنّ زوجته طلبت الطلاق... ونصف ثروته.

الشيطان يكمن في التفاصيل، لكنّها ليست ذات أهمّية هنا، فالشياطين تتقافز دون رغبة منها أو حاجة للاختباء أو التواري، وككرة صغيرة آخذة بالنمو ركلاً بين الزوجين، جيئة وذهاباً، تحوّل الجدال ليصبح علانية، ولتظهر لمى عبر أحد ستورياتها باكيةً بصورة هستيرية لتُبارك لطليقها زواجه الجديد.

 لا أعلم إن كانت واعية لمحنتها أو الصورة التي ظهرت بها، حيث سارعت إلى حذف المقطع المصوّر بعد وقت قصير، لكن هذا المقطع بدقائقه القصيرة انتهى به المطاف ليُصبح "تريند" رائجاً بعد ساعات قليلة، ولتخرج شقيقتها ولفيف من الأصدقاء يطالبون بحذف المقطع المتداول، كما لو أنّها نشرت مقطعها ضمن غروب العائلة في واتساب.

أين وضع معجم الأصول، باب اللياقة، فصل الخصوصيات؟

البعض منّا مازال ينتمي لحياة ما قبل منصّات التواصل الاجتماعية، ويرى في استعراض الحياة اليومية وحديث المرء علناً عن أطفاله وأمواله وأشغاله ومشاكله الخاصة ضرباً من عدم اللباقة.
فكيف الحال بسيّدة تصيح بصورة هستيرية وتعبّر عما ألمّ بها من خيانة، أضف إلى ذلك ما أخذهُ الكثيرون عليه كونها امرأة ترتدي حجاب الرأس، وهيّ كما يصفها الكثيرون "سيدة ملتزمة"، فكيف لها أن تخرج بتلك الصورة؟
اكتسحت صفحات الإنترنت مياه طوفان آسنة بعد ما أدلى الجميع بدلوه المتسخ، فأخرجوا ما في أحشائهم من آراء، وانقسم الجميع ما بين "جنود" في "جيش" المؤثّرة لمى، وهم تمثّلوا حرفياً بتلك الصفة، وبين كارهين لها وبالتالي مناصرين لطليقها.
بالإضافة إلى فئة ثالثة لا تعلم هوية طرفي الشجار ولا طبيعة النزاع الحاصل. تلك الفئة أشبه بعابري سبيل شهدوا شجاراً صاخباً، فجلسوا القرفصاء بالقرب من الواقعة ليراقبوا بهدف التسلية وتزجية الوقت، ولا ننسى فئة "النساء الكارهات للنساء". هؤلاء لهم في كل عرس قرص.
 أمّا جيش لمى فهبّ إلى نصرتها عبر التبليغات على الفيديو الذي أجمعوا على أنّها صوّرته "في لحظة غضب":
" لقد لجأت لكم فلا تخذلوها".
" لم تكن بكامل وعيها فالصدمة كبيرة".
" من المعيب نشر خصوصيات سيدة في لحظة ضعف لها".
في نفس السياق قام هذا الجيش بالتوجّه بقلب واحد إلى حسابات أفراد من عائلة الزوج (والدته وشقيقته) بالإضافة لحسابه الشخصي، وأطلقوا سيلاً من أقذع الشتائم والاتهامات.
هل هناك معجم للأصول؟ إن وُجد مثل هذا الشيء، ففي تلك اللحظات لا أحد يمتلك الوقت لتصفّحه أو المرور سريعاً ببروتوكولات المواساة وشدّ أزر الأصدقاء.
استمر الهذيان المُنهك ليوم كامل، ورغم اتّفاق الجميع على أنّه مهزلة، لكن في الوقت ذاته يستحق المتابعة بل وإدلاء الدلو. شاركت لمى مُجدّداً  -لوقت قصير قبل الحذف - بعضاً من تحرّياتها حول الزوجة الجديدة، أحبّائها السابقين وأشياء من هذا القبيل، لتنضمّ الزوجة الجديدة إلى الركب وتصبح مادة أخرى للنهش.
البعض منّا مازال ينتمي لحياة ما قبل منصّات التواصل الاجتماعية، ويرى في استعراض الحياة اليومية وحديث المرء علناً عن أطفاله وأمواله وأشغاله ومشاكله الخاصة ضرباً من عدم اللباقة

لا شيء مِما سبق يبدو منطقياً، لكن في الوقت ذاته كل ما سبق صورة نمطية عن الشجارات والنزاعات التي نراها في هذا الفضاء الإلكتروني، لكن بالعودة إلى أرض الواقع، وبعد تجريد تلك الحادثة من الفلاتر، نبقى أمام انفصال "طلاق" يجري آلاف المرّات كل يوم في هذه البقعة من العالم المدعوة: عالمنا العربي، وفي معظم الحالات تتّشح تفاصيل الانفصال باللا إنسانية بعيداً عن أدنى مقوّمات اللياقة.

وحين أتحدّث عن اللياقة لا أقصد مجموعة من الشكليات المهذّبة. إنّها باب لهُ مُسمى عريض: "إمساك بمعروف أو تسريحٍ بإحسان"، تندرج أسفل هذا الباب عشرات التفاصيل "النبيلة" التي تُدهس تحت رعونة الأزواج الغاضبين.

المُضحك أنّ لمى في مقطعها المحذوف الذي أُخذ عليها فيه فورة غضبها وصراخها، جاءت على ذكر زوجها السابق بجملة مثيرة للاهتمام فقد وصفته بأنّه: " لا يقطع فرضاً، يصلّي قيام الليل، لهُ يد بيضاء في مشاريع خيرية...".
ومع ما ذكرته من خصال ومحاسن كان يجدر به أن يكون قد مرّ بالباب الذي جئنا على ذكره فيما يتعلق بالانفصال اللائق، لكنّه بعد أقل من مرور 24 ساعة على إطلاق مقطع زوجته السابقة، خرج "العريس" في فيديو ليطلق من مدفع رشاش ملاحظاته النقدية المُضادة،
وليبقر بطن العلاقة، مخرجاً أحشاءها بهدوء بارد.
الشخص اللطيف الودود الذي كان يظهر فيما مضى مع زوجته، ظهر مفتقراً  إلى أدنى المشاعر الإنسانية. لقد قرّر أن يفسّر لنا سبب انفصاله عن طليقته التي  وصفها على أنّها امرأة مهملة لبيتها وزوجها وأطفالها، شغلها الشاغل حياة الشهرة، حتى إنّه في بعض الأحيان يُطعم أطفاله بنفسه، وهو المسؤول عن أخذهم من وإلى المدرسة.
بصوت متهلهل يكمل طامّته الكبرى التي وصفها بـ (الأمر الثاني الأكثر أهمّية) من كونها أمّاً مُهملة: زيارة شخص "مؤثّر شهير" إلى منزلهم، وهنا ينوّه بأنّه لا يقصد أن بينهم علاقة، لكنّ ذاك الشاب الدخيل يتحادث مع زوجته بطريقة غير لائقة، وهنا يخرج الزوج السابق بجملة مُعترضة: "أنا رجل شرقي"، وهذا ما يعني عدم رضاه عن تلك المحادثات الخاصة.

وهكذا أُطلق النار علناً على علاقة استمرت لما يزيد على عقد من الزمن وأثمرت عن طفلين، ليضمحل الحُب كماء يجري نحو بالوعة منصات التواصل، ولا أدري إيّهما كان أجدى للأب المُثقل بإحباط علاقته الزوجية كما صرّح، أن يبقي على صورة والدة أطفاله جميلة في عالم يدري هو قبل أي أحد آخر أن لا شيء يُمحى فيه، أو أن يلمّع صورته كأب وزوج مثالي.

في عوالم موازية، كان للانفصال، بين لمى الأصيل وزوجها، أن يكون أقلّ ألماً وأكثر رقّة، درجة من التدرّجات اللونية التي تمرّ بها العلاقات البشرية، لا ينبغي لها أن تكون أكثرها سواداً وظُلماً

ما لم يقله طليقها المُثقل بخيبات سنوات من الزواج في ذلك الفيديو، وربّما ما لم يعلمه، أن دعوة النساء لتمثّل أخلاق النساء الفاضلات أظهره هو كأسوأ مثال على الأخلاق.

عن النهايات في عوالم موازية

هذه حكاية أُخرى لا تختلف عن عديد من حكايات الانفصال سوى أنّها خرجت إلى العلن.

و هذا الجدال يبدو أرشيفاً حيّاً لما يجري كل يوم، وقد أعادت تلك الحادثة ذكرى انفصال ثنائيات شهيرة بمدى توافق علاقتها كما هو ظاهري. ففي الثواني القليلة التي يدحرج أصبعنا فيها شاشات هواتفنا الذكية، كل ما نستطيع رؤيته هو ابتسامات وأحضان توحي بأنّ تلك العلاقات هي التعريف الحقيقي للحب الذي لا يشيخ ولا يفنى، لكنّ الطامة لا تكمن في الانفصال، بل بكيفية العبور إلى الضفّة الأخرى بشيء من السلام. وهنا لا يُمكننا إلا أن نتساءل: من الذي أعلن الانفصال كوجه آخر للكره؟
 في عوالم موازية، كان للانفصال أن يكون أقلّ ألماً وأكثر رقّة، درجة من التدرّجات اللونية التي تمرّ بها العلاقات البشرية، لا ينبغي لها أن تكون أكثرها سواداً وظُلماً.
في عوالم موازية -بعيداً عن التشبيهات المُهترئة- كان للانفصال أن يكون مزيجاً من الحزن والغضب والانكسار، لكن الحنين لأيام جميلة يرشح من جدار الروح ليخفّف مرارة النهاية ويعمل على "صيانة الود"، ومع مرور الأيام يخطف من كلا الطرفين ابتسامة لا تذبل مع الزمن.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image