شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
التضليل الإسرائيليّ في محاولة حماية مكانة المحكمة العليا باسم القيم ومبادئ حقوق الإنسان

التضليل الإسرائيليّ في محاولة حماية مكانة المحكمة العليا باسم القيم ومبادئ حقوق الإنسان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تندرج هذه المادة ضمن ملف "75 عاماً من النكبة... الحلم وسط المأساة"

تشهد إسرائيل، منذ مطلع شهر كانون الثاني/ يناير 2023، احتجاجات جماهيريّة كبيرة، تطالب بمنع التقدّم بالمصادقة التشريعيّة على خطة التغيير الدستوري المقترحة على يد وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين، بدعم من الحكومة الحاليّة، ويهدف الوزير ليفين في خطتّه المقترحة إلى إحداث انقلاب دستوري، نستطيع إيجازه بثلاثة محاور مركزية: الأول وهو السيطرة الكاملة لليمين على تعيين قضاة المحكمة العليا، بحيث يتم زيادة تمثيل أعضاء البرلمان والحكومة في لجنة تعيين القضاة وإقصاء ممثلي نقابة المحامين من المشاركة في هذه اللجنة؛ والمحور الثاني متعلّق بصلاحيّات المحكمة العليا بالمراجعة القانونيّة للقوانين، وجعل إمكانية تدخّلها بالإعلان عن أي قانون كغير دستوري شبه مستحيلة، وبالمقابل منح الإمكانية للمشرّع إعادة صياغة أي قانون في حال تم شطبه دستورياً على يد المحكمة.

أكبر دليل على نفاق خطاب المحتجّين الحقوقيّ هو سكوتهم على تمرير قانون سحب الجنسيّة (شباط/ فبراير 2023) في الوقت التي كانت فيه الاحتجاجات في أوجها.

كذلك يندرج ضمن هذا المحور، منع استخدام المحكمة لمبدأ المعقوليّة، والذي استعانت المحكمة به في السّابق لإبطال قرارات وزارية، مثل قرار تعيين وزير داخليّة أدين بقضايا فساد، وأما المحور الثالث، فيهدف إلى المساس بمكانة المستشار/ة القضائيّ/ة للحكومة وممثيلها في الوزارات المختلفة، عبر إضعاف مكانة رأيهم القانونيّ، وإمكانية الوزارات عدم التماهي مع أي اعتراض قانوني صادر عنهم على المشروعات التشريعيّة أو القرارات الوزاريّة.

تصبّ خطة ليفين أعلاه في مصلحة تيّارين مركزيين في الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة، وهما تيار اليمين الاستيطانيّ المتشدّد، المتمثل بالصهيونيّة الدينيّة، والتيّار الحريديّ الديني والمتزمّت. فاليمين المتشدّد يصبو بالأساس لفرض كامل السيادة على المناطق الفلسطينيّة المحتلّة، وضم أراضيها عبر توسيع وتغلغل الاستيطان، أما التيّار الحريديّ المتديّن والمتزمّت، فهدفه المركزي هو فرض حكم يهودي ديني، وضمن ذلك إعفاء المتديّنين من أداء الخدمة العسكريّة والتدخّل في قضايا حقوق النساء ومثليي الجنس، وتحويل الحيّز العام لحيّز يخضع للتعليمات الدينيّة، مثل حظر السياقة والعمل وتشغيل مرافق الدولة أيام السبت.

ومنذ شهر كانون الثاني/ يناير 2023 تحديداً، نزل عشرات الآلاف من الإسرائيليّن في الشوارع، محتجّين على محاولة المساس بمكانة المحكمة العليا، وسط شعارات تندّد بالمساس بحقوق الإنسان، وكأن المحكمة العليا شكّلت حتى اللحظة المنارة المضيئة والبوصلة لحماية حقوق الأفراد والجماعات القومية والإثنية، وكأن الخطة المقترحة ستقوم بإطفاء شعلة الحريّات المتوهجة من المحكمة. وحينما ننظر إلى مركبات فئات وشرائح المحتجيّن، نرى أنها تشمل عناصر مركزيّة تمثيليّة لجيش الاحتلال والمخابرات، وحتى لمؤسسات اقتصاديّة ترفع جميعها رايات حقوق الإنسان وشعارات مندّدة بخطورة المساس بالحريّات، بمظاهرات يتطابق عدد أعلام الدولة المرفوعة فيها مع عدد المتظاهرين، إن لم يفقه.

إن انضمام عناصر من الجيش والمخابرات لاحتجاجات جماهيريّة لهو مؤشر واضح بأن الالتفاف الجماهيريّ ليس حماية للمحكمة العليا كجهاز مؤسساتيّ وجوده مصيريّ لحماية المستضعفين، بل حماية للهويّة الإسرائيليّة التي بلورتها المحكمة العليا في قراراتها

إن انضمام عناصر من الجيش والمخابرات لاحتجاجات جماهيريّة لهو مؤشر واضح بأن الالتفاف الجماهيريّ ليس حماية للمحكمة العليا كجهاز مؤسساتيّ وجوده مصيريّ لحماية المستضعفين، بل حماية للهويّة الإسرائيليّة التي بلورتها المحكمة العليا في قراراتها، والتي يخشى الإسرائيليّون من تغييرها. وما يميّز هذه الهويّة الإسرائيليّة هو رؤية الجيش كمؤسسة أمنية قوميّة جامعة، وضمان الفوقيّة اليهوديّة بموازاة ضمان الحقوق الفرديّة للنساء ولمثلييّ الجنس.

وقرارات المحكمة الإسرائيليّة تتطابق تماماً مع هذه الرؤية، سواء بقضايا التجنيد للجيش ولزوم فرض التجنيد على المتدينين، وأيضاً في التوجّهات المتعلقة بالفوقية اليهوديّة وحقوق الفرد. فلم تتردّد في الماضي بالتدخّل في قرارات انتهكت حقوق المثلييّن بالعائلة والولادة والمساواة، إلى جانب تدخّلها بقرارات انتهكت حقوق النساء بالتجنّد لوحدات الطيران والتمثيل بالشركات الحكومية وفي مؤسسات دينيّة والأجور المتساويّة وضمان حقوق النساء الحوامل في العمل، وغيرها من القرارات التي تعتبر تقدميّة.

كما لم تتردّد المحكمة بالتدخل بقرارات وتشريعات أعفت المتدينين اليهود من الخدمة العسكرية، أو بقرارات للمحاكم الرابانيّة بقضايا الأحوال الشخصيّة، وحتى سمحت لنفسها التدخّل بقضية تعريف من اليهودي وفقاً للقانون الإسرائيليّ، بالشكل الذي تناقض مع تعريفات التيَارات الدينية المتعصّبة لما هو يهوديّ.

ولا يرغب الإسرائيليّ بتقويض تدخّل المحكمة بقضايا الاحتلال تحديداً، ليس حبّاً بالفلسطينيين أو إيماناً بحقهم في تقرير المصير، بل لأن وجود الصلاحيّة بالتدخّل، ولو من الناحية الشكليّة النظريّة، يضمن لإسرائيل حماية معينة من محكمة الجنايات ومحكمة العدل الدوليّة. فطالما تغنّت إسرائيل أمام الأمم المتحدة وهيئات تمثيليّة دوليّة أخرى بأهمية وجود المحكمة العليا كمؤسسة "مستقلة"، طوّرت خطاباً تقدمياً في مجال حقوق الإنسان، بل وقامت بإبطال تشريعات تتناقض مع القانون الدولي حتى بسياق الأراضي المحتلة*. إلا أن ما يهمّ الحركة الاحتجاجيّة ليس إنهاء الإحتلال أو العدالة للفلسطينيّ والتخوف من المساس به، بل التخوّف من خدش إضافي لمكانة إسرائيل الشكلية من ناحية النظرة إلى قضائها كتقدمي وكعادل.

لا يرغب الإسرائيليّ بتقويض تدخّل المحكمة بقضايا الاحتلال تحديداً، ليس حبّاً بالفلسطينيين أو إيماناً بحقهم في تقرير المصير، بل لأن وجود الصلاحيّة بالتدخّل، ولو من الناحية الشكليّة النظريّة، يضمن لإسرائيل حماية معينة من محكمة الجنايات ومحكمة العدل الدوليّة

وأكبر دليل على نفاق خطاب المحتجّين الحقوقيّ هو سكوتهم على تمرير قانون سحب الجنسيّة (شباط/ فبراير 2023) في الوقت التي كانت فيه الاحتجاجات في أوجها. فقد صادقت الكنيست مؤخراً على مشروع قانون يقضي بسحب المواطنة أو الإقامة من أسرى الداخل الفلسطيني والقدس المحتلة وعوائلهم، وإبعادهم إلى الضفة الغربية المحتلة أو إلى قطاع غزة، إذ ثبت حصولهم على مساعدات مالية من السلطة الفلسطينيّة، بدعوى أن ذلك يعتبر تشجيعاً على القيام بأعمال عدائية و"إرهابيّة".

ولو أن ما يُقلق المحتجين هو التخوّف من تعزيز الفصل العنصري في النظام والتشريعات كما يدعون، لكانوا أثاروا ضجة حول تمرير القانون، ليس فقط لاستسهال طرد مواطنين من البلاد والمساس بأهم حق سياسيّ يملكه الفرد، إنما أيضاً لأنه موجّه ضد الفلسطينيين من مواطني البلاد فقط، فاليهودي المواطن الذي قام بأعمال عدائيّة ضد فلسطينيين لن يتلقى الأموال من السلطة الفلسطينيّة، وإنما من جهات أجنبية وتمويلات داخليّة. هذا النوع من التمويل لا تعتبره الدولة دعماً للإرهاب، على الرغم من أنه جاء لدعم عائلة سجين يهودي حوكم بقضايا ارهابية.

لذا، فكلّ ما نلمسه اليوم عمليّاً هو احتجاج جماهيريّ من أجل الحفاظ على الوضع الراهن لا غير، بعيداً كل البعد عن محاولة تحويله لحركة حقوق إنسان جماهيريّة. وفي السياق الفلسطينيّ، فإن الوضع القضائي الراهن هو الأسوأ، سواء على مستوى قضايا فلسطينيّ احتلال 1967 أم فلسطينيّ الداخل، وهم من مواطني الدولة. ففي سياق الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، لا شك أن المحكمة أخذت قسطاً فعّالاً في توسيع رقعة الاحتلال، هدم البيوت الفلسطينيّة، شرعنة جدار الفصل العنصري، حصار غزة، استمرار سياسة الاعتقال الإداري التعسفيّ، انتهاك حقوق الأسرى، شرعنة سياسة الاغتيالات دون محاكمة، سياسات الطرد وغيرها من ممارسات الاحتلال غير الشرعيّة دولياً، والتي شرّعت إسرائيلياً عبر المحكمة. (تاريخياً، تدخلت المحكمة الإسرائيليّة فقط بقرارين لاستمرار الاعتقال الإداري الأول في الثمانينيّات والثاني بداية عام 2022، حينما أمرت بتقليص مدة الاعتقال ولم تجتهد بتعليل القرار حقوقياً.)

في السياق الفلسطينيّ، فإن الوضع القضائي الإسرائيليّ الراهن هو الأسوأ، سواء على مستوى قضايا فلسطينيّ احتلال 1967 أم فلسطينيّ الداخل، وهم من مواطني الدولة

أما في سياق فلسطينيي 48 أو ما يسمى بمواطني الداخل الفلسطيني، فأول ما يميّز توجه المحكمة بأنها لم تتجّرأ على إبطال أغلب القوانين التي وجّهت ضدهم بالأساس. نذكر شرعنة قانون منع لم الشمل العنصري، والذي حرم فلسطينيي الداخل من لم شمل عائلاتهم مع أزواجهم/ن الفلسطينيين من المناطق المحتلة، كما نذكّر أيضاً بقانون حرمان الدعم الماديّ الوزاري لمؤسسّات تعلن عن يوم استقلال إسرائيل كيوم النكبة، والقانون الذي يهدّد بمقاضاة كل من يجرؤ على النداء بمقاطعة دولة إسرائيل، وطبعاً قانون القوميّة الذي كرّس دستوريّاً الفوقيّة العرقيّة لليهود.

لذا فعملياً، لن يشعر الفلسطينيّ بتغيير جذريّ إن تم تقويض صلاحية المحكمة العليا بالتدخل بالتشريعات، لأن الوضع الراهن اليوم هو سيء من أصله، والمحاكم عادة لا تتدخّل. فبدل من احتمال التدخل بالنسبة 30% بالتشريعات غير الدستورية الموجّهة ضد الفلسطينيين، فالاحتمال مستقبلاً مع المصادقة على الخطة المطروحة سيكون صفراً. لا شك أنه سيء لكن ليس لدرجة إثارة القلق أو الأرق.

لن يشعر الفلسطينيّ بتغيير جذريّ إن تم تقويض صلاحية المحكمة العليا بالتدخل بالتشريعات، لأن الوضع الراهن اليوم هو سيء من أصله، والمحاكم عادة لا تتدخّل.

ما يجب أن يؤرق حقاً هو سلسلة القرارات الإداريّة غير المتعلقة بالتشريعات التي تنوي الحكومة تمريرها. ففي السياق الفلسطينيّ، أغلب التضييقات على الفلسطينيين تأتي من قرارات وزاريّة وليس حصراً وفقاً للتشريعات. فترحيل أهالي أم الحيران في النقب في جنوب فلسطين، لم يكن نتيجة تشريع جديد طولبت المحكمة بالتدخّل فيه وممارسات السجون ضد الأسرى وحرمانهم من الزيارات والتعلّم (الذي صودق عليها بالمحكمة العليا) بل كانت قرارات وزاريّة وليس تشريعاً. ومحاولات منع رفع العلم الفلسطيني بالمظاهرات واعتقال حامليه لا يستند إلى أي تشريع، بل قرارات عبثية غير قانونيّة لوزير الأمن القومي.

معاينة الخطوط العريضة للاتفاق الائتلافيّ، والذي على أساسه أقيمت الحكومة الحاليّة، تظهر النوايا الحقيقيّة لهذه الحكومة، والتي هي أخطر بكثير من قضية التدخّل بصلاحية المحكمة وإبطال تشريعات البرلمان. فوفقاً للخطوط العريضة للاتفاق الائتلافيّ، فإنه سيتم تقنين منع لم الشمل الفلسطينيين بقانون أساس (أي له مكانة دستورية) ما يؤكد ما ادعيناه منذ سنة 2003، بأن تسمية القانون "بأمر مؤقت" جاءت فقط للتمويه والتخفيف من حدته العنصرية وكأنه زائل. دسترة منع لم الشمل يعني مأسسة دستورية لنظام فصل عنصري، ينفي الحق بالحياة العائلية والكرامة للفلسطيني كونه فلسطيناً لا غير. دسترة هذا التوجّه تثبت أن هدف منع لم الشمل هو ديمغرافي، وللمحافظة على التفوق العرقي، وليس أمنيّاً، لأن الإدعاء الأمنيّ بطبيعته متغيّر.

شملت الخطوط العريضة للاتفاق الائتلافيّ تعهداً بتطبيق البند رقم 7 من قانون القومية العنصري، والذي يرى بتوسيع البناء والتخطيط اليهودي كقيمة عليا وجب السعي لتحقيقها، هذا إضافة إلى مخططات للتقليص من الميزانيّات ومأسسة التمييز بمجالات التعليم، وتوسيع الاستيطان بالمناطق المحتلة ومنح حصانة لجنود الاحتلال من تقديمهم للمحاكمة مهما كانت جرائمهم.

ومن بين الخطوط العريضة التي تم الاتفاق عليها، كانت إحداث تغييرات داخليّة بجهاز الشرطة تحديداً مبنيّة بالأساس على توجهات عنصرية ضد العرب. وفي شهر آذار/ مارس المنصرم (2023) أعلن حزب "عتسماه يهوديت" موافقته إرجاء سنّ القوانين التي أثارت الاحتجاجات الجماهيريّة مقابل التزام موقّع من رئيس الحكومة بتأسيس وحدة "حرس قومي"، ولا زلنا لهذه اللحظة لا نعلم ما هي صلاحيات هذه الوحدة، ومن سيتم تجنيده إليها وبانتظار توصيات لجنة خاصة ستنشأ للخوض في التفاصيل وإبرام التوصيات. إلا أن تصريحات وزير الأمن القومي ايتمار بن جفير، لم تخف حقيقة نيّته إقامة جهاز أمني خاص بالعرب الفلسطينيين مواطني الدولة، لا سيّما سكان المدن المختلطة والسكان العرب البدو بالنقب، جنوبيّ البلاد.

من بين الخطوط العريضة التي تم الاتفاق عليها، كانت إحداث تغييرات داخليّة بجهاز الشرطة تحديداً مبنيّة بالأساس على توجهات عنصرية ضد العرب

بمعنى أنه سيتم إقامة جهاز شرطة خاص للعرب لتبقى الشرطة العامّة في خدمة اليهود. لا حاجة لإثبات العنصريّة التي تفوح من هذا المقترح، وعلى الرغم من معارضة فئات شرطيّة للمقترح إلا أنها لم تعارضه للأسباب العنصريّة، بل لتخوّفات تدخّل الوزير بالعمل الميداني للشرطة، وأيضاً لدوافع إداريّة ونفعيّة للشرطة كجهاز. ووفقاً للمقترح، فإن "الحرس القومي" هو وحدة ذات أهداف محددة، يموّل أفراده ويدرّب للتعامل مع حالات الطوارئ، مثل الإجرام القومي ومواجهة "الإرهاب"، وهي مهام منوطة بصلاحيّات الشرطة اليوم، والتي تستعملها بإفراط وبكثافة ضد العرب دون الحاجة لإقامة وحدات منفصلة.

لم يصعّد المحتجّون الإسرائيليّون احتجاجاتهم إزاء النوايا لإقامة "حرس قومي" خاص بالعرب، على الرغم من أن شعارات الديمقراطية التي يتغنّون فيها ليل نهار تندّد بالعنصرية والتمييز وضرورة فصل السلطات وإلى ما ذلك من تعابير جميلة ورنّانة، إلا أن موقفهم إزاء هذا المقترح وإزاء قانون سحب الجنسية أعلاه يثبت بشكل واضح أن المعركة الحقيقيّة في إسرائيل اليوم هي ليست قيميّة أو حقوقيّة، بل صراع على ديمومة الهوية الإسرائيليّة كعلمانيّة وصهيونيّة، تعمل على تحصيل حقوقها وحماية مؤسساتها بالموازاة مع دسترة نظام فصل عنصري في آن واحد.

يبقى التحدي القانونيّ الأكبر بنظري هو بموضوع مواطني الدولة الفلسطينيين، فغالباً ما يتم التعامل معها كقضايا أقليّات وعلاقات بين الدولة ومواطنيها قلّما تلزم تدخّلاً دولياً

يبقى التحدي القانونيّ الأكبر بنظري هو بموضوع مواطني الدولة الفلسطينيين، وذلك لأن قضايا الاحتلال وبناء المستوطنات ما زال بالمستطاع تدويلها وبناء استراتيجيّات لاستغلال المحاكم الدوليّة لمقاضاة إسرائيل عبرها، أما في قضايا المواطنين الفلسطينييّن في الداخل الفلسطيني، فغالباً ما يتم التعامل معها كقضايا أقليّات وعلاقات بين الدولة ومواطنيها قلّما تلزم تدخّلاً دولياً. إبراز هيكلة نظام الفصل العنصري ومحاولات دسترته إسرائيلياً، قد تُلزم عندها دولاً أخرى بالتعامل مع قضايا الداخل الفلسطيني بشكل أبعد من منظور علاقة دولة بمواطنيها، بل علاقة نظام عنصري مبني على الفوقية العرقية مع أقليّة مضهدة وملاحقة سياسياً.

قامت المحكمة العليا بإبطال تشريعين يخصّان الفلسطينيّين في الأراضي المحتلة. الأول هو قانون التسوية بالأراضي الذي حاولت فيه إسرائيل شرعنة بؤر استيطانية أقيمت على أراض فلسطينيّة بملكية خاصة (2020). والقانون الثاني هو القانون الذي حرم الفلسطينيين من إمكانيّة مقاضاة إسرائيل مدنياً والمطالبة بتعويضات أضرار نجمت عن قوات الاحتلال (2006) يشمل تلك التي لم تكن فيها أي اشتباكات عسكرية. عاد البرلمان الإسرائيلي وشرّع بنداً يحرّم التعويض المادي من أي فلسطيني تضرّر جراء اشتباكات عسكرية، يشمل من تضرّر بالخطأ وليس لأنه شارك بأي عملية مقاومة أو أخذ قسطاً بالاشتباك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image