يُقال إنّه عندما دخلت إيرانَ أولُ عربة في العهد القاجاري (الحكم الملكي، من عام 1796 إلى 1925)، وبسبب انعدام الطرق، كان خدم فتح علي شاه يحملونها على أكتافهم. يمرّ أكثر من قرن على هذا المشهد، أي من دخول أول سيارة بلادَ فارس.
في الرحلة الأولى للملك مظفر الدين شاه إلى الغرب عام 1900، طلب سيارتين، وبعد مرور سنة، دخلت سيارة واحدة عن طريق روسيا من شمال إيران، ومع سائق ومكانيكي وصلت هذه السيارة إلى طهران.
واجهت السيارة الثانية مشاكل كبيرة بسبب الطرق الوعرة وبعد انكسار قطعة حساسة في الاطار توقفت في الطريق واستمر وقوفها أعواما تحت الشمس والمطر.
كتب الأمير القاجاري عين السلطنة في مذكراته: "مهما وصفنا السيارة فهو قليل في حقها. السيارة هي بساط الريح"
احتشد الناس في اليوم الأول لوصول السيارة إلى طهران في الطرق الرئيسية وكلّ مَن رآها وضع لها اسماً: "العربة الدخانية، العربة البخارية، عربة النار"، بيد أن انعدام الزيت والبنزين جعل صيانة السيارة غالية جداً، ولذلك لم يستطع إلا بعض أثرياء طهران من الحصول على هذه الآلة الجديدة. بالطبع، كانت السفارات مثل السفارة الألمانية والأمريكية والروسية والبريطانية والفرنسية، تمتلك سيارات وأكثرها للسفراء والموظفين.
كتب الأمير القاجاري عين السلطنة في مذكراته: "مهما وصفنا السيارة فهو قليل في حقها. السيارة هي بساط الريح".
مع بداية الحرب العالمية الأولى ودخول الدبابات والشاحنات الروسية، تمّ رصف وتعديل بعض الطرق والشوراع مما أدّى إلى تفكير البعض في شراء السيارة، حتى سائقو العرابات خطر ببالهم تعلّم قيادة السيارات وتصليحها. ومع حلول العام 1910 وصل عدد السيارات في طهران إلى 100 سيارة.
كتب عين السلطنة عن حبّ الأثرياء للسيارة: "اشترى فخر الدولة (أخوه) سيارته بمبلغ 1350 روبية. كانت سيارة الفورد قبل عام بأربعة آلاف روبية، ونزل سعرها هذا العام".
مع تصاعد عدد السيارات، أصبحت حوادث المرور والاصطدام بالمشاة ظاهرة جديدة، وكان أول ضحايا هذه الحوادث درويش خان، الموسيقار الشهير في العصر القاجاري. عام 1926 وإثر اصطدام سيارة به نقل درويش خان إلى مشفى طهران ومات متأثراً بجراحه.
يذكر روح الله خالقي مؤلف كتاب "سيرة الموسيقى الإيرانية": "حين كان الأستاذ في طريقه إلى منزل أحد أصدقائه اصطدمت عربته بسيارة وبعد الضربة الشديدة برأسه، مات متأثراً بها".
بعد هذا الحادث وحوادث مشابهة قررت شرطة طهران أن تدوّن قانوناً لتحدّ من تجاوز قوانين المرور من قبل السيّاق. أصدر رئيس الشرطة ثمانية بنود باسم "جدول نظام السيارة"، وهي: ألف. يجب ألا تتجاوز السرعة في الأماكن المزدحمة 10 كيلومترات في الساعة، باء. إطفاء السيارة عند التوقف الطويل، جيم: صلّحوا تسرّب الزيوت. دال. مع حلول غروب الشمس، أشعلوا الأضواء. هاء. خففوا السرعة عند ظهور الحيوانات. واو. انطلقوا دائماً من جهة اليمين، إلخ. ومن لا يحترم هذه القوانين يعاقب.
في العام 1952 مع رحيل الحكومة القاجارية وصعود العائلة البَهلوية إلى السلطة، تزايد عدد السيارات ودخولها إلى إيران. كتب الباحث جعفر شهري في كتابه "التاريخ الاجتماعي لطهران القرن الثالث عشر": "أول سيارات دخلت طهران كانت سيارات فورد كروكي لا تتجاوز سرعتها الأربعين كيلومتراً في الساعة، ولأنّ ناقل الحركة يحتاج إلى قوة كان يفقدها المحرك، فلم يمكن استخدامها إلا في الشوارع المسطحة، كما لم يمكن استخدامها أبداً في المرتفعات. وفي المنحدرات لا حلّ أمام الركاب إلا الترجل من السيارة من أجل أن تواصل سيرها بأمان". في ما بعد دخلت سيارات ذات ناقل حركة أقوى ومضخات هواء لملء الإطارات. وحتى العام 1926 وصل عدد السيارات إلى 1111.
في العام 1929 كان ما يقارب تسعين مصنعاً يصدّر السيارات إلى إيران، يتصدرها الأمريكان. هذا الحجم من المستوردات، أوصل عدد السيارات في إيران إلى سبعة آلاف سيارة تتنقل في شوراع ترابية وغير مرصوفة. وهذا التصاعد أدّى إلى رصف الشوراع بالقراميد وتوسيعها. وجدت السيارة مكانتها في حياة الناس فتغنوا في وصفها، وكتبوا الأشعار الشعبية، أشهرها:
"سيارة محمد علي/لا بوق فيها ولا كرسي
سيارته مخملية/ بأخشاب غابية".
مع تزايد عدد السيارات في طهران ظهرت مشكلتان؛ المشكلة الأولى كانت البنزين، وقد تمّ حلّها من خلال الشركات البريطانية مع افتتاح أول محطة بنزين في منطقة الأثرياء في طهران، ودخلت الشركات الروسية أيضاً على الخط. من جانب آخر كانت مدينة طهران تحتاج إلى قوانين جديدة، منها إشارات المرور. بدأ الشرطة بالوقوف على منصة إسمنتية وسط مفترق الطرق بحملون لافتات كُتب عليها "قفْ"، بالإضافة إلى استخدام الصفارات من أجل انتظام حركة السير، حتى ظهرت أضواء يحملها بعض الشرطة على أكتافهم في المفترقات. وفي العام 1951 ركّبت أول إشارات مرور في بعض المفترقات في طهران.
يشير عين السلطنة في مذكراته: "في المفترق اصطدم إطار سيارتنا بإشارة مرور، فاهتززنا بشدة، وأدى تحطيم جزء من اشارة المرور. أوقف الشرطيُّ السيارة فوراً، وأخذ السائق".
الأربعينيات والخمسينيات كانت البداية لأمور مختلفة تتعلق بالسيارات، من أول تغيير زيت، وأول مصلح، إلى أول بائع إطارات، أول بائع بطاريات، إلخ.
أول سيدة حصلت على رخصة قيادة كانت سيدة باسم هيلِن جهانْباني، وهي من العائلة القاجارية. كان ذلك في العام 1940 وقد أشعل الحدث ضجة في الصحف الإيرانية آنذاك.
اليوم تسير ملايين السيارات في شوراع إيران. يتم تكرير البنزين في مصانع داخلية. وثمة مصانع تنتج ما بين 500 و800 ألف سيارة سنوياً
وضع أسس مقدمات مصنع سيارات في العام 1965 في إيران وأقيم مصنع مجهز في أطراف طهران تحت امتياز شركة "روتس" البريطانية وتغيّرت في ما بعد إلى "كرايسلر".
أول سيارة صُنعت داخلياً سمّيت باسم "پيْكان". استُخدمت هذه السيارة في أسطول سيارات الأجرة وكل الدوائر الحكومية.
استمرت صناعة پيْكان حتى عام 2000 ثم توقفت صناعتها. وبرغم مرور سنوات على توقف صناعتها إلا أنّها له مكانة خاصة في الذاكرة الجمعية الإيرانية، ومعظم العوائل الإيرانية لها صورة في ألبومها إلى جانب هذه السيارة.
اليوم تسير ملايين السيارات في شوراع إيران. يتم تكرير البنزين في مصانع داخلية. وثمة مصانع تنتج سيارات في إيران بين 500 و800 ألف سيارة، ولكن في الأعوام الأخيرة انخفض الإنتاج وأصبح النقص في إنتاج السيارات يُسدّ بالاستيراد من كوريا الجنوبية والصين. إلى جانب هذا ثمة الكثير من المنتجين لقطع غيار السيارات في إيران اليوم.
لم يعد يطلق الناس اليوم على السيارة "العربة النارية" و"بساط الريح"، فقد باتت جزءاً أساسياً في حياة الإيرانيين كما عند كثير من شعوب العالم، وقليلة هي العوائل التي لا تمتلك على الأقل سيارة واحدة في المدن الكبيرة في إيران اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...