شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"السنوات الضائعة أكبر من سنوات الخبرة"... كيف تحصلين على عمل في أوروبا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

إحدى أبرز اللحظات التي تشكل ضغطاً نفسياً كبيراً على اللاجئين واللاجئات ومهجري ومهجرات الحروب، لحظة كتابة السيرة الذاتية للتقدم لوظيفة ما، أو للبحث عن عمل. كيف يمكن تبرير الانقطاع عن العمل لسنوات مرت بين المنافي بحثاً عن أرض يمكن العيش فيها دون تهديد أمني، على أمل أن تقبل باستقبالهن/م. الخوف والقلق من عدم القدرة على ملء الفراغ الذي يبين سنوات الخبرة في السيرة الذاتية، هو تحد يواجهه عدد ممن اضطررن واضطروا لخسارة بلدانهن/م. البدء من الصفر هو أمر لم يعد غريباً، وخاصة بالنسبة للسوريات والسوريين، ورغم كونه أمراً محبطاً يبقى مرهوناً بإيجاد عمل يسمح بالبدء من جديد.

 تمتلئ مواقع البحث عن عمل، ومنها LinkedIn ، وهي تعلن عن وظائف تشترط عدداً من المهارات التي تقرنها بعدد من سنوات الخبرة. وعادةً يزيد عدد السنوات الضائعة، في البحث عن الاستقرار والأمان، عن عدد سنوات الخبرة. ورغم كون عدد لا بأس به ممن لجأوا لبلاد عربية أو غربية يملكون تحصيلاً علمياً وشهادات جامعية فإن عقبات مثل إتقان لغة البلد المستضيف، فهم طبيعة الوظائف فيه، يمنعان الكثيرات والكثيرين من إيجاد فرص عمل تناسب رغباتهن/م. 

رغم كون عدد كبير ممن لجأوا لبلاد عربية أو غربية يملكون شهادات جامعية فإن عقبات مثل إتقان لغة البلد المستضيف، فهم طبيعة الوظائف فيه، يمنعان الكثيرين من إيجاد فرص عمل تناسبهم

لا يبدو أن إدارة الشركات والمنظمات ترى النجاة من الموت ومن حرب فتاكة كمهارة كافية. ولا يعترف بمهارة القدرة على البدء من صفر في مجتمعات وبلاد غريبة والسعي للاندماج فيها كإمكانيات تؤهل أصحابها لتحصيل عمل. وقد تبدو الأمومة وفترات الانقطاع عن العمل لتربية الأولاد كأنها نزهة طويلة تعيشها النساء ولا تدخل ضمن حسابات الخبرة وسنوات التأهل لوظائف. عدا أن تغيير الاختصاصات والمهن لتناسب معطيات البلدان الجديدة لا تعد دليلاً على قدرات الفرد على تحدي الصعاب.  

بعض التحديات التي تعيق حصول السوريات على عمل في أوروبا

 شاركت مجموعة من السيدات في نقاش موضوع يتصل بإيجاد عمل وكتابة السيرة الذاتية. وكلهن من "مجموعة أختية" الموجودة على منصة فيسبوك، تضم سيدات من مختلف الفئات والأعمار والمهن وأغلبهن سوريات مقيمات في دول متعددة. ووجّه رصيف22 إليهن عدداً من الأسئلة وهي:

هل تواجهن صعوبة في كتابة السيرة الذاتية وتبرير سنوات الانقطاع بسبب اللجوء أو الهجرة أو الأمومة أو تغيير المهنة والاختصاص؟  مع كون المؤسسات النسوية تحمل قيماً وأجندات تسعى لتمكين النساء، هل تقدر بناءً على ذلك، التحديات التي تقف في وجهكن مع حقيقة تهجيركن أو عدم قدرتكن على تحصيل كامل الشروط المطلوبة؟ هل تساهم المجموعات النسائية على منصات التواصل في كتابة السيرة الذاتية ومشاركة إعلانات فرص العمل؟ ولم نحدد ضمن العينة

لا يبدو أن إدارة الشركات والمنظمات ترى النجاة من الموت ومن حرب فتاكة كمهارة كافية.

مكان الإقامة إذ من الممكن بفضل النت العمل عن بعد. فحتى لو كانت المؤسسة في فرنسا يمكن توظيف نساء يعملن من لبنان وتركيا أو حتى سوريا والعكس صحيح.

قالت ريم الأصيل، 45 عاماً، مقيمة في كامبريدج/ بريطانيا، وتعمل في مجال المنظمات: "في أوروبا يعتبر موضوع كتابة السيرة الذاتية وإيجاد عمل تحدياً كبيراً للنساء عموماً. ففي حال كانت الصبية المتقدمة لعمل في بداية حياتها المهنية، من الممكن أن تجد وظيفة في أول السلم الوظيفي، ومن الممكن ان تتقدم وترتقي حتى لو بشكل بطيء. لكن اللواتي يمتلكن تقدماً مهنياً seniority وسنين طويلة من الخبرة حصلن عليها في سوريا، ففرصهن شبه معدومة في أن يتعيّن بوظيفة أو موقع يناسب تقدمهن المهني في أوروبا، سواء من حيث الراتب أو من حيث المنصب، وغالباً ما تُحذف سنوات خبرتهن الطويلة لأنها غير معترف بها، ويضطررن أن يقبلن بال underemployment ، أي أنهن يصبحن مضطرات للقبول بوظائف أقل من مستوى خبرتهن بكثير كي يستطعن إيجاد عمل وتسلّق السلّم الوظيفي أحياناً من الصفر."

 لقد واجهت ريم هذه المشكلة، للأسف، في المهن التي زاولتها خلال العقد الأخير.

تقول بيان دياب، 29 عاماً، مقيمة في تركيا وتعمل في الصحافة: "تشكل المجموعات النسوية والنسائية منصة دعم من ناحية مساعدة النساء في كتابة السيرة الذاتية والبحث عن عمل. ولكن من التحديات التي نواجها، وجود التعقيد بالمؤهلات والخبرات المطلوبة مع قلة الفرص المتاحة للتطوير. وهناك قضية أخرى مختصرها أن جيلاً كاملاً خسر تعلميه الجامعي أو لم يستطع إكماله. الشروط الكثيرة لأي مسمى وظيفي تدفع النساء اللواتي فقدن جامعتهن في بداية حياتهن وتهجرن ثم وجدن أنفسهن دون المستوى ودون خبرات إلى شيء من اليأس. لكن هناك شركات ومنظمات تعتمد فكرة التدريب قبل العمل وأجد أنها فكرة جيدة."

"الشروط الكثيرة لأي مسمى وظيفي تدفع النساء اللواتي فقدن جامعتهن في بداية حياتهن وتهجرن ثم وجدن أنفسهن دون خبرات، إلى شيء من اليأس". بيان، سورية مقيمة في تركيا

أما ليندا بلال العمر، 40 عاماً، وهي حاملة للجنسية الهولندية وتقيم في فرنسا وتعمل في منظمة عن بعد وتمتهن الصحافة، فتقول: "كوني أعمل بمجال المنظمات صار عندي معرفة بوضع الشغل في الدول التي عملت بها وهي هولندا وفرنسا وألمانيا. بأوروبا هناك معايير عالية. وقد واجهت صعوبة في مجاراتها. في فرنسا مثلاً يعتبرون العمل مع منظمات المجتمع المدني غير الفرنسية أو الأوروبية بمثابة عمل من الدرجة الثانية وغير مستقر، وبالتالي لا يؤخذ به بشكل كبير عند التقديم على الجنسية التي تشترط وجود عمل بعقد ثابت للحصول عليها. ففي فرنسا العقد الثابت ينظر له بشكل أساسي لتحصيل قرض أو سكن أو جنسية، بينما يأتي العمل عن بعد بعقود استشارية وغير دائمة بشكل عام في المرتبة الثانية أو قد لا يتم الأخذ به في حالات كثيرة." 

وتضيف: "هناك اختلافات تفصيلية بين الدول الأوروبية بما يخص العمل، أضيفي لكل ما سبق أن عدم معرفتي بالمعايير وأحياناً كثيرة اندفاعي لأي عمل أوروبي يمس سوريا، جعلني أقع ضحية نصب واحتيال من قبل الكثير من الأوروبيين، آخرهم مخرج هولندي كان يريد تقديم فيلم عن المعتقلين السابقين، فحَرف موضوع الفيلم في آخر وقت لمنحى آخر له علاقة بطبيعة مجتمعاتنا معتبراً أن النساء جاءوا إلى أوروبا للتخلص من الحجاب، هذا عدا النظرة الفوقية لنا كلاجئين، مما دفعني للانسحاب. علماً أنه لم يعطني أجراً لقاء عملي سنة كاملة معه. ما أود قوله هو أن عدم معرفتي بقوانين العمل وغيرها أوقعني في مشاكل عدة وكثيرون غيري مروا بنفس التجربة."

تقول سارة، 34 عاماً، مقيمة في تركيا: "بعض المؤسسات السورية غير نسوية تعمل بصورة صورية للنساء، للأسف. تواجه النساء تحديات عند تقدمهن لوظيفة حسب مكان إقامتهن. بتركيا يواجه بعضنا مشكلة عدم امتلاكنا الجنسية التركية والأوراق والتسجيل عند الدولة، وهناك مشكلة العلاقات أو ما يسمى بالوساطة والتزكية، لأنه يكفي في حالات ذكر اسم فلان أو فلانة حتى يتم قبول التوظيف. إن كانت الصبية غير محجبة وتريد التقدم لمنظمة او مؤسسة خلفيتها ملتزمة دينياً أو إدارة المنظمة محافظة، فيتم التدخل حتى بلباس الصبية، والعكس صحيح. وإن كانت منظمة منفتحة والصبية ملتزمة، تواجه نفس التعدي على الخصوصية باختيار اللباس."

وتقول ليال، 30 عاماً، مقيمة في لبنان: "بعض المنظمات السورية تحمل أجندات معينة أي تفوم بالتوظيف بناءً على مصالح مديريها الشخصية من جهة، سواء كانت طائفية او مرتبطة بالمعارف او بأمر شخصي في أحيان كثيرة. من جهة ثانية يفضلون مصلحة استمرار المؤسسة بغض النظر عن الجودة، مما يعني أن هناك فساداً غالباً على بعض المؤسسات."

وتضيف ليال: "تضع بعض المؤسسات وخاصة المختصة بالشأن السوري شروطاً تعجيزية أحياناً بينما المنصب لا يحتاج لكل هذه المؤهلات. أعتقد أن عمل المجموعات النسوية غير كاف لأن أغلب طلبات العمل ناقصة أو موجهة لفئة معينة من ذوات الخبرات والدراسات العليا والموجودات خارج سوريا أو البلاد العربية، مما يعني أنه لا يوجد نساء من منطقتنا قادرات على الاستفادة، لكن على العكس، وياوقع منهن أن يساعدن الأكثر حاجة.  بالنسبة لكتابة السيرة الذاتية هناك تعاون بشكل عام عند طلب السيدات المساعدة ضمن المجموعات النسوية على مواقع التواصل الاجتماعي."

تقول ليا، 38 عاماً، سورية تعمل في مجال المنظمات الإنسانية وتقيم في فرنسا: "تطلب المؤسسات التي تعمل في المجال السوري سواء الإنساني أو الثقافي أو النسوي، والتي تحمل أجندة إنسانية، مؤهلات وخبرات لا تراعي ظروف السوريين والسوريات وتدعي العمل لتمكينهن/م. وفي المقابلات لا يتردد البعض بالتصغير من قيمة الشخص بإشعاره/ا بعدم امتلاك مهارات كافية. وفي حالات، حتى لو كانت السوريات يملكن خبرات عالية يتم توظيفهن تحت رؤية تجعل قبولهن يبدو كعمل خيري من قبل المؤسسة وليس لأنهن من أهل الكفاءة. فمجرد كونها سورية يتم التعاطي مع عملها كقضية إنسانية وإشعارها بالمنة وبكرم المؤسسات التي توظفها. أذكر أننا كنا نعمل مع زميلات من جنسيات أوربية وأمريكية ونحصل على دخل أقل رغم كون عملنا أساسياً لاستمرار المشاريع، والسبب أن جنسيتنا سورية، بالتالي لم يتم تقديرنا وإعطاؤنا ما نستحقه. فالمشاريع بمنطقتنا تحتاج لمعارفنا ومهاراتنا، التي لا تعطى حقها. بالنسبة للمجموعات النسائية أحلم بتقديم مشروع يساعد النساء على كتابة السيرة الذاتية، ولكن يتطلب تنفيذه جهداً وتمويلاً ووقتاً لا أملكها."

"تطلب المؤسسات التي تعمل في المجال السوري سواء الإنساني أو الثقافي أو النسوي، مؤهلات وخبرات لا تراعي ظروف السوريين والسوريات وتدعي العمل لتمكينهن/م". ليا، سورية، مقيمة في فرنسا

وترى مرام، 32 عاماً، تقيم في بلجيكا، أن مؤسستها التي تحمل فكراً نسوياً وإنسانياً وتعمل في المجال المدني قد ساعدتها على تطوير خبراتها وساهمت في تأمين تدريبات متنوعة لها مكنتها من التطور في عملها، وتقول عبر الهاتف: "لقد لاحظ فريق التوظيف حماسي ورغبتي في العمل مع كوني امتلك التعليم المناسب لكن خبرتي غير كبيرة، فتم توظيفي مع فترة تجريبية ستة أشهر ونجحت فيها، وبعد ذلك، تم خصت تدريبات لمساعدتي على التطور."

هل توجد حلول بديلة؟ 

مما سبق تتضح بعض التحديات التي تمنع شريحة من السوريات من تحصيل عمل، وبالتالي التمكن من تحقيق نوع من الاستقرار في ظل واقع تغيب عنه مقومات الأمان. لذا تبرز جملة من التساؤلات، أهمها دعوة للمؤسسات والمنظمات لمراعاة الظروف الإنسانية للباحثين والباحثات عن عمل دون التعاطي معهن بطريقة متعالية أو كحالة صدقة أو شفقة. ومن المهم أثناء قراءة السيرة الذاتية فهم سنوات الانقطاع بسبب الهجرة أو الأمومة استطاعت فيها المتقدمة تطوير مهارات نجاة وتواصل، يمكن تثمينها والنظر لأهميتها للمنصب الوظيفي المطلوب. ومن الضروري فهم الاختلافات بالتجارب التي ترتبط بظروف الأفراد بشكل يُثمن كل التجارب وينظر بعمق لفهم الكفاءات المتنوعة التي تطورها هذه التجارب بعيداً عن مقاييس سوق العمل التجارية التي تتعاطى معهن/م كآلات. 

يمكن تأمين حلول بديلة لتدريب الأفراد والمساهمة في الاستفادة من مهارتهن المتعددة التي لا تشترط بالضرورة سنوات من الخبرة. كما يمكن أن تشمل الأجندات الإنسانية والنسوية ليس فقط المستفيدات والمستفيدين من العمل، بل أيضاً العاملات والعاملين في القطاع نفسه. لذا من المهم تعميق القيم الإنسانية والنسوية ضمن سياسات التوظيف لضمان بيئة عمل داعمة ومتوازنة وحساسة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image