شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف تستقبل العائلات العربية التربية الجنسية في المدارس الأوروبية؟

كيف تستقبل العائلات العربية التربية الجنسية في المدارس الأوروبية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

الجمعة 24 فبراير 202304:50 م
Read in English:

No longer the ultimate taboo, Arab migrant families' attitudes on sex education

تواجه العائلات العربية المهاجرة إلى أوروبا الكثير من التحديات من أجل الانخراط في المجتمع الأوروبي. أحد تلك التحديات هو قدرة أطفالهم على التأقلم والتقدم في النظام التعليمي الأوروبي. الصعوبات التي تواجه الأطفال لا تقتصر على اللغة كما يعتقد البعض، ولكن على طبيعة المواد التي تقدم في المدارس، خاصة للأطفال الذين هاجرت عائلاتهم وهم في منتصف التعليم الأساسي.

من المواد التعليمية التي تشكل نوعاً من التحدي أو الاستغراب في البداية بالنسبة للأطفال وذويهم، هي التربية الجنسية المقدمة في المدارس الأوروبية بحرية منذ الأعمار الصغيرة، وهو أمر لم نعهده في الكثير من مدارسنا العربية.

كانت المرة الأولى التي يتلقى بها جاد، 12 عاماً، التربية الجنسية في المدرسة قبل أشهر قليلة فقط.

"نحن لا نرفض مادة التربية الجنسية، لأن هذه الثقافة حين تقدم بطريقة مدروسة، أفضل من أن يتعلمها الطفل بطرق قد تكون خطيرة". ريم، أم سورية مقيمة في ألمانيا

جعل كم المعلومات التي لم يكن جاد مهيأً لها يقول لمعلمته إنه متعب من الدرس، تفهمت معلمته ما يمر به وحاولت تهدئته ومساعدته، بحسب والدته ريم.

انتقل جاد وعائلته السورية إلى ألمانيا قبل عام واحد. وتعزو ريم صدمة جاد للفجوة في المعلومات بينه وبين أقرانه في العمر ذاته في ألمانيا، حيث يكون لدى الأطفال الدين هم في عمره معلومات حول التربية الجنسية، اكتسبوها من فصول دراسية سابقة تهيئهم لهذا الكم من المعلومات في الصف السادس، بينما بالنسبة لجاد كانت تلك المعلومات جديدة كلياً.

توضح ريم: "كنا نظن بأننا منفتحون كفاية وبأن ثقافة ابننا الجنسية مناسبة لعمره، لكننا اكتشفنا أن معلوماته لم تكن بالمقدار الذي توقعناه".

فضلت ريم أن نستعمل أسماء مستعارة في هذا التقرير لأنها لا تريد أن تعرض جاد لأي نوع من الإحراج من قبل زملائه لو قرأ أحدهم التقرير.

وأضافت ريم: "نحن كعائلة لا نرفض التربية الجنسية في المدارس بل نحبذها، لأن هذه الثقافة حين تكون موجهة بطريقة مدروسة وعلمية من جهة موثوق بها أفضل من أن يتعلمها الطفل بطرق أخرى قد تكون خطيرة. ولأن هذه المعلومات تعتبر محرمات لا يمكننا التحدث عنها داخل العائلة بسبب خلفيتنا الثقافية، فإنني سعيدة بتعلم ابني بحرية في المدرسة".

تكمن مخاوف ريم في أنها وزوجها لا يستطيعان تحديد سقف المعلومات التي يسمحان بها للمدرسة بنقلها لابنهما. رغم تلك المخاوف ترى ريم أن عليهما تعديل طريقتهما في الحياة لأنهما انتقلا إلى هذا المجتمع ولن يفرضا اختلافهما عليه.

وتردف: "الشيء الجيد أننا نتكلم ونتناقش كثيراً في البيت، حين أخبرنا جاد بما اختبره بعد الدرس الأول، شرحنا له أن ما يشعر به من ضيق طبيعي، لأنه ليس معتاداً هذا النوع من المواضيع، بينما في ألمانيا هذه المواضيع مطروحة للحوار بحرية، وسوف يأخذ جاد بعض الوقت ليفهم الفرق بين ما يمكن ولا يمكن التحدث عنه في هذا المجتمع".

وتوضح ريم أن جاد مع ثاني درس في هذا السياق اعتاد مثل تلك المواضيع.

وصل تيم، 14 عاماً،  مع عائلته من فلسطين إلى ألمانيا عندما كان عمره ثمانية أشهر فقط، لذلك لم يواجه أي نوع من الصعوبات عند تلقي هذا التعليم.

بدأ بتلقي مواد حول التربية الجنسية في مادة الأحياء لعدة أشهر في الصف الثالث، ولم يعد وقتها إلى البيت للحديث عن هذا الموضوع لأنه لم يكن يفهمه بعد.

أما في الصف السادس فكانت في المنهاج الدراسي مواد حول التربية الجنسية لما يقارب الستة أشهر، لكن التلاميذ لم يتلقوها بسبب جائحة كورونا، إلا أن المدرسة نظمت لهم رحلة لمركز استشاري للتعلم حول عملية تحديد النسل والإجهاض ومواضيع ذات علاقة بممارسة الجنس الآمن.

وتؤكد والدة تيم، لينة، أن في المناهج الدراسية للصف التاسع موادَّ دراسية حول عملية التكاثر بجميع تفاصيلها.

لا يتعلم الأطفال هنا التربية الجنسية من الناحية البيولوجية فقط، بل أيضاً من نواحٍ اجتماعية وإنسانية وعاطفية". لينة، أم فلسطينية مقيمة في ألمانيا.

تقول لينة: "أنا سعيدة بهذه المناهج، لأنها تعلم الأطفال التربية الجنسية بطريقة متتابعة ومناسبة لكل فترة عمرية، كما أنهم يتعلمونها لا من الناحية البيولوجية فقط، بل أيضاً من نواحٍ اجتماعية وإنسانية وعاطفية، فلقد قامت المدرسة بجعلهم يشاهدون أفلاماً حول علاقة ولد بعمرهم بفتاة، والمشاعر التي يشعران بها عند أول قبلة رومنسية، هذا ما يجعل التلاميذ يفهمون ما يمرون به بطريقة واقعية بعيدة عن المحرمات".

ترى اختصاصية التربية المصرية رنا هاني، أن للتربية الجنسية في المدارس الكثير من الإيجابيات، أهمها أن الطفل يبدأ بتعلم هذه المواضيع بطريقة علمية مثل أي مواد دراسية أخرى دون أن يشعر بالتوتر والحرج والقلق أو الخوف، وهو ما يجعله يتعلم عن جسده والهوية الجندرية والعملية الجنسية بطريقة سلسة وسهلة.

من وجهة نظر أخرى، تلفت أماني، أم فلسطينية لأربعة أولاد تقيم في ألمانيا منذ العام 2016، إلى أن سلبيات التربية الجنسية في المدارس الأوروبية برأيها أكثر من إيجابياتها لأنها تبدأ في أعمار صغيرة قد لا يكون الأطفال جاهزين فيها لهذا النوع من المعلومات.

وتعبر أماني عن عدم رضاها عن هذا النوع من التعليم، ولقد وجب عليها دوماً، على حد تعبيرها، بسبب الثقافة الجنسية التي يتعلمها أطفالها في المدارس، أن تنبههم كي لا يقترفوا أفعالاً متهورة قد تؤذيهم.

وتعتقد بأن ابنها البالغ من العمر خمسة عشر عاماً، صار يشاهد الأفلام الإباحية في الحمام بسبب تلك المعلومات التي يتلقاها في المدرسة. 

من ناحية علمية وتربوية، لا ترى اختصاصية التربية رنا أن هنالك أي مخاطر أو سلبيات للتربية الجنسية في المدارس، خاصة أنها تقدم من قبل أشخاص مهنيين بطريقة علمية مناسبة لكل عمر، ويكون الشخص الذي يقدمها مهيأً للإجابة المباشرة الصحيحة التي لا تشعر الطفل بأن أسئلته محرمات أو تابوهات.

كيف نجيب عن تساؤلات أطفالنا الجنسية؟

توصي خبيرة التربية رنا بالعديد من القواعد التي على الأهل العمل بها حين يطرح أطفالهم عليهم أسئلة عن الجنس.

أولاً، عدم الكذب أبداً. ما دام الطفل قد سأل فهذا معناه أنه مستعد ليعرف الجواب، فعلينا أن نبحث عن طريقة بسيطة تناسب سنه للإجابة لكن دون كذب.

ثانياً، عدم استعمال الجمل الهجومية في الإجابة، مثل : "كيف تتجرأ على السؤال عن ذلك؟! أو أنت وقح"، لأن هذا بحسب رنا سيجعل الطفل يبحث عن الإجابات لدى مصادر أخرى قد تكون خطيرة وغير موثوق بها.

"يجب ألا يتهرب الأهل من الإجابة. بقولهم: ستعرف حين تكبر! على الأهل الإجابة ليبقوا مصدر المعلومات الموثوق بها بالنسبة للطفل". الاختصاصية التربوية رنا هاني

ثالثاً، يجب ألا يتهرب الأهل من الإجابة. كأن يقولون: "ستعرف حين تكبر! أو أنت صغير على هذه الأسئلة". طالما سأل فعلى الأهل الإجابة ليبقوا مصدر المعلومات الموثوق بها بالنسبة للطفل.

رابعاً، حين لا يعرف الأهل الإجابة الحقيقية، عليهم البحث والرجوع للطفل بعد ذلك للإجابة.

ما هي المخاوف التي تواجه الأهل؟

ترى هبة، أم سورية، انتقلت إلى ألمانيا في العام 2015، أن التربية الجنسية أثرت على ابنتها ذات الأحد عشر عاماً بشكل ايجابي، لأن ابنتها أصبحت على دراية بموضوع الجنس.

توضح: "أجد هذا النوع من التربية حسنة للتوعية، إذا كان للطفل خلفية دينية وتربوية جيدة في المنزل. التعليم الجنسي لم يخِفني لأنني كنت أبحث في صغري عن معلومات ولم أحصل عليها بالشكل الصحيح، لذا أرى من الجيد التطرق لهذا الموضوع في المدرسة لكن تحت إشرافي وعبر مناقشات تدور بيني وبين ابنتي".

بعد تلك الدروس كانت تسألني ابنتي الكثير من الأسئلة حول الولادة والدورة الشهرية ومتى اختبرتُ الدورة الشهرية لأول مرة، وكنت أجيبها دوماً بشكل واضح لتفهم كل شيء من مصدر موثوق به، وكنت ألاحظ أنها تتحاشى التفكير بأن ما تعلمته في المدرسة يحصل بيني وبين أبيها، وهذا يعود لذكائها. ومن الطبيعي ألا يتقبل الطفل هذا الأمر.

وتكمن أكبر مخاوف هبة والتحديات التي تؤرقها بسبب هذا النوع من التعليم في الحرية الجنسية خارج إطار الزواج.

أما بالنسبة لهدير، المصرية التي تقيم في ألمانيا منذ العام 2019، فمخاوفها تكمن في ألا يكون لدى الأطفال توعية جنسية كافية، لذلك لا ترى أي مخاطر من هذا النوع من التعليم على ابنها آدم ذي الستة أعوام.

قالت هدير إن ابنها بدأ في مرحلة الحضانة، تعلم الفرق بين تكوين جسد الولد والبنت بما يتناسب مع صغر سنه: "أهم ما تعلمه هو أهمية المحافظة على خصوصية جسده، وبأنه من غير المسموح أن يلمس أي كان جسده، وأجد ذلك مهماً جداً ويحميه من التحرش، ولو حصل تحرش فهو مدرك بأن عليه إخباري عن ذلك، وهو يعرف أنه وحده المصرح له باكتشاف جسده".

"أهم ما تعلمه ابني هو أهمية المحافظة على خصوصية جسده، وبأنه من غير المسموح أن يلمس أي كان جسده". هدير، أم مصرية مقيمة في ألمانيا.

وهو ما أكدته خبيرة التربية رنا: "نبدأ بتعليم الطفل عن التربية الجنسية منذ ولادته حين يتعلم الكلام، فنعرفه على أعضائه التناسلية مثلما نعلمه باقي أجزاء جسده بأسمائها الواضحة. ومن ثم بعمر الثلاث سنوات يتعلم الطفل في الحضانة. بحسب رنا، من حق الطفل أن يرفض أن يسلم أو يقبل أياً كان إذا لم يرد ذلك، ومن حقه أن يرفض أن يلمسه أحد بطريقة غير مريحة، كما نعلم الطفل أننا نصدقه حين يشعر بأن أحدهم لمسه بطريقة لم يحبذها لنحميه من التحرش والاستغلال.

التربية الجنسية في المدارس من وجهة نظر علمية وتربوية تحمي الطفل لا تضره. لكن رغم ذلك هذا لم نعتَدها في مجتمعاتنا العربية، وما زال حديث الأهل مع أبنائهم حول الجنس أمراً محرماً. لذا على العائلات المهاجرة إيجاد طريقة للتأقلم والتغيير من أجل الانخراط في المجتمع الأوروبي وفتح الآفاق لأولادهم للتعلم حول التربية الجنسية بطريقة علمية ومهنية، وهو ما حرم منه الكثير من الأهالي أنفسهم في صغرهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بين دروب المنفى وذكريات الوطن

خلف كلّ مُهاجرٍ ولاجئ، حياة دُمِّرت وطموحاتٌ أصبحت ذكرياتٍ غابرةً، نُشرت في شتات الأرض قسراً. لكن لكلّ مهاجرٍ ولاجئ التمس السلامة في أرضٍ غريبة، الحقّ أيضاً في العيش بكرامةٍ بعد كلّ ما قاساه.

لذلك هنا، في رصيف22، نسعى إلى تسليط الضوء على نضالات المهاجرين/ ات واللاجئين/ ات والتنويه بحقوقهم/ نّ الإنسانية، فالتغاضي عن هذا الحق قد يؤدّي طرديّاً إلى مفاقمة أزمتهم والإمعان في نكبتهم. 

Website by WhiteBeard