شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
نزاع على

نزاع على "حقوق التحرير" قد يدفع باسم الشيوعي الهادئ "ألبير آريه" إلى ساحة القضاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 17 أبريل 202305:28 م

في مطلع العام الجاري، أصدرت دار الشروق – واحدة من كبريات دور النشر المصرية- مذكرات السياسي الراحل ألبير آريه تحت عنوان "ألبير آريه... مذكرات يهودي مصري"، وسط حفاوة الأوساط السياسية والأدبية المصرية، كون صاحب المذكرات من قادة الحركة الشيوعية المصرية، وواحداً من يهود مصر الذين اختاروا البقاء فيها برغم ما تعرض له اليهود المصريون عقب حركة الجيش في يوليو/ تموز 1952.

تأتي مذكرات آريه شهادة على تسعين عاماً من تاريخ مصر، عاشها ألبير، آخر المناضلين الشيوعيين في مصر من المنتمين إلى الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني "حدتو"، وأكبر سكان القاهرة من اليهود سناً، مما يجعلها وثيقة عن تاريخ الحركة الشيوعية في مصر، وعن عقود من التحولات على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

ومع الحفاوة النقدية والجماهيرية، كان من المتوقع أن تستضيف الصحف ومواقع الدراسات مقالات تعيد النظر إلى عقود متعددة في القرن العشرين في مصر من ناحية أوضاع المصريين اليهود وتاريخهم، أو تاريخ الحركة الشيوعية المصرية، أو علاقة المصريين الذين يدينون باليهودية بثورة يوليو وما أحدثته من تغييرات حادة في النسيج الاجتماعي، أو حتى أوضاع السجون وعلاقة المعارضين – لا سيما اليساريين- بالسلطة وبغيرهم من الحركات السياسية التي شاركتهم في مرارات الاعتقال. إلا أن كل تلك العناصر المهمة التي طرحتها مذكرات ألبير آريه توارت في ضوء نزاع بين محررتين مصريتين على حقيقة جهديهما في تقديم تلك المذكرات.

جدل مؤجل

مع حلول الذكرى الثانية لوفاة الكاتب الراحل ألبير آريه، في 15 إبريل/ نيسان، شهد فيسبوك تفجر البيانات والوثائق بين المحررتين الكاتبتين هند مختار ومنى أنيس، إذ أعلنت الأولى في بيان نشرته عبر صفحتها أن دار الشروق المصدرة لمذكرات الكاتب الراحل نسبت تحرير المذكرات إلى الكاتبة منى أنيس، واكتفت الدار بذكر اسمها - اسم هند - باعتبارها مسؤولة عن "تفريغ" التسجيلات الخاصة بالمذكرات فقط، وهو ما تنفيه مختار.


أشارت هند إلى أنها بدأت العمل على الكتاب في سبتمبر/ أيلول 2019، حين باشرت التسجيل مع ألبير في حياته، ورفضت الاعتماد على تسجيلات صوتية سابقة حتى تستطيع التعبير عنه بصورة أفضل، وظلت تسجل وتراجع معه طوال جلسات عمل امتدت حتى قبل وفاته في 15 إبريل/ نيسان 2021، وانتهت من عملية الكتابة. وبعد وفاة ألبير "سلمت النسخة محررةً والتسجيلات إلى أفراد عائلة ألبير بعد خلافهم مع الناشر السابق"، وحصلت على كامل مستحقاتها المادية.

سجلت هند مختار حقوق الملكية الفكرية لنسخة المذكرات المحررة قبل تسليمها إلى الورثة في 25 نوفمبر 2021، كما عرضت لرصيف22 جزءاً من التسجيلات الصوتية التي أجرت خلالها الحوار المطول مع آريه، والذي شكلت إجاباته خلاله نص المذكرات

بحسب شهادة هند التي أكدت على تفاصيلها في اتصال مع رصيف22، وتقول: "فوجئت من حوالى سنة أن المذكرات ستنشر في دار نشر كبيرة، وظننت أن المشروع كُتب من جديد بطريقة ثانية، حتى وجدت أن النسخة الصادرة هي نسختي نفسها بتعديلات «تنسيقية»، ورغم ذلك اسمي مذكور على الترويسة باعتباري مفرّغة التسجيلات".

تواصل هند أنها "حاولت بكل الطرق حل المشكلة ودياً" ولم تستطع، فاضطرت إلى كتابة المنشور كخطوة تصعيدية قبل اتخاذ إجراءات رسمية قانونية ضد الدار.

تعتمد هند في المطالبة بحقها على مستندات أطلعتنا على بعضها، إذ سجلت حقوق الملكية الفكرية لنسخة المذكرات المحررة قبل تسليمها إلى الورثة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 في مصلحة التوثيق التابعة لوزارة العدل المصرية، كما عرضت لرصيف22 جزءاً من التسجيلات الصوتية التي أجرت خلالها الحوار المطول مع آريه الذي شكلت إجاباته خلاله نص المذكرات. وتؤكد أن هناك شهوداً على على جلساتها مع ألبير آريه أو "ممن أطلعوا على الكتاب الأصلي"، كما أنها أضافت بعض المعلومات والفقرات من كتب ومقالات إلى التسجيلات. وتقول: "ولأن الدار (تعني الشروق) لم ترجع إليّ كمحررة للكتاب، فلم يتم التنويه للمصادر داخله، كما أن لدي نسخة تحوي تعديلات قام بها ألبير بخط يده داخل المسودة".

دفع أصحاب دار الشروق إلى منى أنيس بالمخطوط لإبداء الرأي. وكان رأيها أن المخطوط يحتاج الى تحرير مكثف وبناءً على رأيها هذا، كلّفتها دار الشروق بتحرير المخطوط، وأضافت أنها عملت نحو ألف ساعة على عدة عناصر في الكتاب واختصرت المحتوى من 470 صفحة إلى 393

منى أنيس تنفي وتوضح

الكاتبة منى أنيس التي يحمل الكتاب المنشور اسمها كمحررة وحيدة، وصاحبة الخبرة الكبيرة في مجال تحرير الكتب ورئيسة قسم التحرير سابقاً في دار الشروق، كتبت على صفحتها الشخصية بفيسبوك رداً على ما ذكرته هند مختار، عمدت خلاله إلى توضيح الـ"فارق بين التأليف والتحرير وتدوين الشهادة الى آخر ما يعرفه أي محرر محترف". واعتبرت ما قامت به هند مجرد استماع الى شهادة ألبير آريه عن حياته وتسجيلها على شرائط كاسيت، ثم تفريغها مقابل مادي، وأكدت أنها لم يكن لها علاقة بعملية التسجيل أو قرار النشر الأول، "فقد تقدمت أسرة آريه برفقة الدكتور محمد أبو الغار بمخطوط المذكرات إلى صاحب دار الشروق. وقد ذكروا وقتها أنهم عملوا على هذا المخطوط بضعة شهور بعد تسلُّم التفريغ".

واصلت أنيس أن أصحاب الدار دفعوا إليها بالمخطوط لإبداء الرأي. وكان رأيها أن المخطوط يحتاج الى تحرير مكثف لأنه على حد وصفها "عبارة عن أجزاء غير مترابطة ويجب ضمه في سردية متصلة. كما أن لغة المخطوط كان ينقصها الكثير" من وجهة نظرها، وبناءً على رأيها هذا، كلّفتها دار الشروق تحرير المخطوط.

وأضافت أنها عملت نحو ألف ساعة على عدة عناصر في الكتاب  واختصرت المحتوى من 470 صفحة إلى 393، وسهّلت سردية المذكرات، وسعت إلى التأكد من صحة المعلومات التاريخية.

واستنكرت منى أنيس ما أوردته هند معتبرة أن جهد هند المشترك مع المؤلف "بلا دليل عليه، فهي لم تقم بأي مهمة بحثية" وفق قولها، على عكس المؤلفات التي يشترك مساعد الباحث مع مؤلف الكتاب في تحقيقه، ويحق له وضع اسمه كمساعد بحث أو محرر أو حتى مؤلف مشارك.

قالت هند مختار أن الكتاب الصادر عن دار الشروق لا يحوي أية تغييرات جوهرية  لـ"نص تحريرها الأصلي". كما أشارت إلى أنها لا علاقة لها بإرسال الكتاب للشروق بعد الاتفاق مع ناشر آخر وأن الأمر يرجع إلى الورثة وإلا لكان قد تم الرجوع إليها وكتابة اسمها باعتبارها المحررة للكتاب

دور الناشر السابق

في شهادتها قالت هند مختار إن اتفاقها كان مع ناشر آخر خلافاً لدار الشروق – الناشر الحالي للمذكرات- لكن عقب وفاة آريه، و"نتيجة ظروف ما، لم يتم الاتفاق مع الورثة"، واستمرت في عملها رغم ذلك.

الدار المشار إليها يديرها الناشر والمترجم مصطفى الطناني، الذي يذكر في اتصال مع رصيف22 أن الأمر بدأ بالاتفاق مع دار النشر التي يملكها فعلاً، وأنه اتفق مع ألبير آريه تلفونياً "أن يحكي بشكل متسلسل زمنياً"، وكانت هند مختار ترسل إليه التفريغ وإن كان هناك نقصاً ما يوجه هو – أي الطناني- باستكماله، ولا يرى أن معرفة مختار بتاريخ الحركة الشيوعية المصرية يؤهلها لتحرير مثل هذا الكتاب.

يقول الطناني: "صاحب الحق الآن هي الشروق، رغم إخلاله بالاتفاق معي وتعمده إغفال جهد دار الطناني وعدم ذكر اسم هند مختار بناءً على طلبي". فيما تنفي هند ما قاله الطناني حول دورها ودوره في تحرير المذكرات، وتؤكد أن عملها مع ألبير دفعها للقراءة والبحث، وأن الكتاب الصادر عن دار الشروق لا يحوي أية تغييرات جوهرية  لـ"نص تحريرها الأصلي". كما تشير إلى أنها لا علاقة لها بإرسال الكتاب للشروق وأن الأمر يرجع إلى الورثة وإلا لكان قد تم الرجوع إليها وكتابة اسمها باعتبارها المحررة للكتاب.

البحث عن الحقيقة

سعى رصيف22 للتواصل المباشر مع الكاتبة منى أنيس للرد على النقاط التي أثارتها هند مختار، وكذلك تواصل مع عدد من المسؤولين عن التحرير في دار الشروق للرد على الاتهام الموجه للدار من الكاتبة هند مختار والناشر مصطفى الطناني، إلا أن كلا الفريقين رفضا التعليق، ولم تصدر دار الشروق بياناً حول الواقعة فيما تستعد لإصدار الطبعة الثانية من كتاب "ألبير آريه..." محل الخلاف.  

وأكدت الكاتبة والسيناريست هند مختار أنها تعتزم التقدم بالوثائق التي في حوزتها إلى القضاء للحصول على حقوقها الأدبية عن إعداد الكتاب وتحريره.

يذكر أن دار الشروق نفسها كانت محل جدل قبل أسابيع، عندما أثار الكاتب والمترجم حسام فخر مسألة عدم تقديره أدبياً بطباعة اسمه كمترجم على غلاف كتاب "السعي للعدالة" للدكتور خالد فهمي، على الرغم من تأكيد المؤلف - أستاذ كرسي السلطان قابوس للتاريخ في جامعة كامبريدج - على أن عقده مع الدار ينص على احترام الحق الأدبي للمترجم، بما في ذلك حق طباعة اسمه على الغلاف وصفحة العرض الداخلية. واضطرت دار الشروق بعد ما كتبه الدكتور خالد فهمي إلى إصدار نسخة إلكترونية تلتزم حقوق المترجم المتفق عليها، وتعهدت احترام الحقوق الأدبية نفسها في الطبعات الورقية المقبلة من الكتاب.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image