ارتبطت القهوة اليمنية ارتباطاً وثيقاً بأصالة اليمن وعراقته، فالبن اليمني بنكهته الزكية ومذاقه الفريد حاضر لدى عشاق القهوة حول العالم، ما جعل له موطئ قدم في الأسواق العالمية، وما اسم "موكا" وهو أحد أنواع القهوة، إلا تخليداً لأحد أهم المنافذ البحرية وهو "المخا"، الذي كان البن اليمني يعبر من خلاله إلى العالم منذ مئات السنين.
وبينما يتنامى قلق صناع القهوة والمزارعين والتجار بسبب تغيُّر الظروف المناخية عالمياً، لا يبدو أن جميع المزارعين والتجار في اليمن يعيشون نفس القلق، فالبعض يجلسون مطمئنين واضعين رجلاً على رجل، ممسكين بكوب قهوتهم غير مكترثين بما يحدث للمناخ حول العالم، وآخرون يدقون ناقوس الخطر متخوفين على مصير هذه الشجرة الأصيلة، خاصة لكونها تعتمد اعتماداً كلياً على الماء في معظم مراحل زراعتها ونموها.
مراحل إنتاج البن
للبن اليمني العديد من الأنواع، منها المطري والبرعي والخولاني والأنسي والحرازي والاسماعيلي واليافعي وقشر البن. وبحسب قول المزارع علي الصراري لرصيف22، فإن إنتاج البن يمر بمرحلتين.
يدق البعض ناقوس الخطر بخصوص شجرة البن في اليمن، لكونها تعتمد اعتماداً كلياً على الماء في معظم مراحل زراعتها ونموها.
الأولى ما قبل الحصاد، وتبدأ بالبحث عن مكان توفر الماء، ثم انتقاء أجود حبات البن كبذور زراعية، بحيث تكون ذات جودة عالية تقاوم العوامل الطبيعية، ثم اختيار أفضل أنواع التربة للمشتل وخلطها مع السماد البلدي وريّها بالماء من خمس إلى سبع مرات في اليوم قبل وضع البذرة، ثم تغطية أرض المشتل لحجبها عن أشعة الشمس، ووضع البذرة وغمرها بالماء، وتستمر عملية الغمر بالماء كل أسبوع ولمدة طويلة حتى تنمو الشتلة، مع الحفاظ عليها من نزلات البرد طوال تلك المدة، إلى أن يأتي موسم الحصاد أو الجني في موعده المحدد، وذلك عندما تكون حبة البن ناضجة، وعلامة نضجها أنها تتحول للون الأحمر.
وبعد جني المحصول تأتي عملية التجفيف ولها طرق عدة، كل طريقة تعطي البن نكهة مختلفة، وقبل التجفيف هنالك طريقة للمعالجة يستخدمها البعض من خلال التخمير أو التقشير، أي قشر المادة الخضراء اللزجة من الحبة، وينتج عنها ما يسمى بالقهوة المغسولة، لأنها تقشّر وهي خضراء، وتغسل المادة اللزجة وتفرك وتجفف، وتبقى قشرة خفيفة زجاجية داخلية.
ويضيف الصراري: "هذه الطريقة ما بعد الحصاد يقوم بها بعض تجار البن الذين لديهم أسواق خاصة، أما ما يباع للسوق التجاري فالمزارع يكون مسؤولاً عن جميع مراحله، هو من يحصد ويجفف ويبيع، والتجار يأخذون منه البن ويصدرونه".
يتحدث مدير عام مؤسسة قهوة القمة في اليمن أحمد مهيوب لرصيف22 عن آلية العمل في مجال البن في اليمن، وذلك عن طريق شركات إنتاج تجمع المحاصيل من تجار محليين أو مزارعين أو من تجار كبار في المدن، وتعرضه في الأسواق الخارجية ثم تتم إجراءات البيع والشراء، وهي تختلف باختلاف السوق الذي تستهدفه أو تتعامل معه، ونوع المنتجات والطلب عليها في الأسواق الخارجية.
ويتابع: "البن في الأسواق العالمية له معايير ومجالات، منها مجال البن التجاري الذي يعتمد على أخذ المحاصيل من المزارع أو من التجار بعدما مر بالتقشير والفرز، وهذا أكثر أنواع البن تصديراً عالمياً لقلة سعره، إذ يقارب 10 دولارات للكيلوغرام الواحد، وينافس إلى حد ما في الأسواق العالمية. ثم يتم التصدير حسب الكميات التي يطلبها الزبون، وتكون الإجراءات بأخذ عينات وإرسالها ليتذوقها الزبون ويتأكد من كونها خالية من العيوب قدر المستطاع، ثم يحصل الشحن عبر الميناء".
وحسب كلام مهيوب، فإن هناك الكثير من الدول التي تستورد البن اليمني لما يتميز به من مواصفات جيدة ومذاقات حلوة، ومنها دول أمريكية وآسيوية وخليجية، وتعتبر السعودية أكثر الدول استيراداً له، إذ يذهب ثلاثة أرباع المحصول إليها، لكن لا تعتبر صادرات اليمن من البن اليوم كبيرة مقارنة بالماضي، إذ لا تتجاوز بضعة أطنان سنوياً.
من التأثيرات السلبية على شجرة البن قلة المياه والصقيع في المناطق المرتفعة جداً والمفتوحة، كذلك تؤثر زيادة درجة الحرارة على نمو البن ونضجه وجودته، إلى جانب العوامل البشرية من عدم الاهتمام بزراعته وتراجعها، والتوجه نحو محاصيل أخرى بديلة تدر مكاسب أكثر مثل شجرة القات
تأثير المناخ
يوضح مهيوب أن البن اليمني يزرع في بيئات مختلفة، وتتركز زراعته في المناطق ذات المناخات المعتدلة كالمدرجات الجبلية والوديان، لكن تُفضل زراعته في المدرجات لما تمتاز به من عوامل بيئية تساعد على جودة الإنتاج، كاعتدال المناخ وملاءمته، إضافة إلى عوامل جينية مرتبطة بنوعية البذرة وأصالتها. وتساعد تلك العوامل على تنوع النكهات من حيث قوتها أو ضعفها وربما اختفاؤها، وتركيز مادة الكافيين في الحبة والبذرة على فترات مختلفة، وهو أمر يتم خلال مراحل نضج حبة البن على الشجرة.
ويلفت إلى أن هناك تأثيرات سلبية وإيجابية للطقس وعوامل المناخ على البن، فمن التأثيرات الإيجابية اختلاف المناخات المتباينة في محافظات الجمهورية، ما يعني تنوعاً يجعل البن اليمني متميزاً ومتباين الخصائص إلى حد كبير، وكأنه من دول مختلفة وليس من بلد واحد.
ويضيف: "أما التأثيرات السلبية فهي قلة المياه والصقيع في المناطق المرتفعة جداً والمفتوحة، والتي علوها بين 2000 و 3000 متر عن مستوى سطح البحر. كذلك تؤثر زيادة درجة الحرارة على نمو البن ونضجه وجودته، إلى جانب العوامل البشرية من عدم الاهتمام بزراعته وتراجعها، والتوجه نحو محاصيل أخرى بديلة تدر مكاسب أكثر مثل شجرة القات".
ولدعم زراعة البن من ضمن زراعات أخرى، تأسست عام 2018 جمعية "الحيام التعاونية الزراعية المتعددة الأغراض" في اليمن. يقول مجيب علي رئيس الجمعية إن الجمعية تسعى لتقديم الخدمات لمزارعي ومزارعات البن، بالإضافة إلى تمثيل أعضاء الجمعية في الفعاليات الداخلية والخارجية. ويقول لرصيف22: "تهدف الجمعية إلى الحد من تراجع مستوى زراعة شجرة البن والتشجيع على زراعتها والمحافظة عليها".
وتشير أرقام رسمية إلى تراجع كبير في إنتاج البن في اليمن في السنوات الأخيرة، وتوجد حالياً في البلاد قرابة 60 مليون شجرة مزروعة على مساحة 38 ألف هكتار، ويعمل بهذا المجال نحو مليون يمني.
تضم الجمعية المذكورة 2500 عضو وتمثل فيها النساء نسبة 30% من إجمالي عدد الأعضاء، وفي العام 2022 وزعت 18 ألف شتلة على أعضاء الجمعية وغيرهم، كما عملت على تسويق محصول البن للكثير من المزارعين بكميات وصلت إلى 25 طناً لعدد من الشركات العاملة في هذا المجال، منها مؤسسة الجودة ومؤسسة قهوة القمة. كذلك نفذت الجمعية بدعم من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو مشروع إعادة ترميم وتأهيل خمسة من مصادر المياه التي تستخدم لري أشجار البن ضمن عزلة (تجمع قرى) الأحبوب.
يقول لرصيف22 الخبير الزراعي المهندس صالح السنيدي إن "البن اليمني هو المحصول الوحيد الذي يفتقر للأبحاث والدراسات والكوادر العلمية داخل البلاد، وهذا الافتقار يجعلنا مقيدين ولا نستطيع التحرك لنعرف تأثير التغيّر المناخي على هذه الشجرة وكيف يمكننا معالجته، وبحسب معلوماتنا فالتغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة يؤثران على جميع المناطق، بغض النظر عن كونها باردة أو حارة".
يزرع البن اليمني في بيئات مختلفة، وتتركز زراعته في المناطق ذات المناخات المعتدلة كالمدرجات الجبلية والوديان، لكن تُفضل زراعته في المدرجات لما تمتاز به من عوامل بيئية تساعد على جودة الإنتاج، كاعتدال المناخ وملاءمته
ويضيف: "من الممكن التحول من الإكثار البذري للبن إلى الإكثار في الأنسجة، فهو سريع جداً ويمكن أن يتيح لنا العمل ضمن الفرص غير المستغلة من قبل، لاستنباط أصناف جديدة منتجة كماً ونوعاً، ومتميزة بكفاءة عالية لمقاومة التغيرات المناخية والعطش والآفات وتحمل الإجهاد الناجم عن التقلبات الحرارية، وبذلك نضمن مواجهة المشكلات المناخية وحفظ الأصول الوراثية والصفات الإنتاجية والاستهلاكية".
وتشير دراسات حديثة إلى أن الأراضي الصالحة لزراعة البن حول العالم سوف تقل بمقدار النصف في السنوات المقبلة في أكبر الدول المنتجة لهذه الحبوب، بسبب درجات الحرارة المنخفضة جداً خلال مواسم الإزهار أو المرتفعة جداً خلال فترات النمو.
تصوير: أمة الرحمن العفوري
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...