"كان كبير الأسرة التي فيها حفل الزفاف يطرق أبواب القرية جميعها، ويعطي لأكبر فرد في المنزل المقصود سيكاراً، ويسكب له كأس نبيذ العنب الأحمر، فإن قَبِل الأخير الضيافة يكون موافقاً على الحضور، والعكس صحيح. كنّا أطفالاً نتعثر بأقدامنا ونحن نتسابق بمجرد رؤية ظله يقترب من بعيد، للوصول ورؤية المشهد".
بحسرة يروي سامر حنّا (40 عاماً)، الذي يعمل في إذاعة سورويو إف إم في مدينة القامشلي السورية، والمُنحدر من عشيرة النوجيايي الآشورية التي سكنت قرية تل فيضة بالقرب من نهر الخابور، لرصيف22، ويضيف: "اختفت الضحكة اليوم. فشعب كامل كان هنا لم يعد موجوداً. لغة وعادات وتقاليد، وتعاونٌ لا مثيل له مع شعوب المنطقة، استحالت رماداً لذكريات أحرقتها الحرب. لقد تشرذم شعبنا"، ينهي جملته ويصمت وكأنه قال ما لديه في جملة واحدة، اختصرت ما يختلج في قلبه.
الخطر الأكبر
تقدّر إحصائية، الآشوريين المهجرين من سوريا إلى الدول الغربية منذ عام 2012، وبالتحديد في 2015، إلى أكثر من 150 ألف آشوري، ولم يبقَ في مناطق انتشارهم في سوريا سوى بضعة آلاف (البعض يقول 30 ألفاً، فيما آخرون يعتقدون أنه أقل بكثير)، معظمهم يقطنون محيط القامشلي وثلة قليلة في حوض الخابور، بحسب ما قدّمته جمعية آشور الوطنية لرصيف22، مستندةً في أرقامها إلى الكنائس التي سجّلت الأسماء آنذاك، إلا أنها ليست دقيقةً كون الهجرة كانت فوضويةً ومفاجئةً وعلى فترات، والنسب أعلى من ذلك بكثير، ولم يتم إجراء أي إحصائية دقيقة منذ بدء الحرب السورية.
تقدّر إحصائية، الآشوريين المهجرين من سوريا إلى الدول الغربية منذ عام 2012، وبالتحديد في 2015، بأكثر من 150 ألف آشوري
يقول سامر: "لم يبقَ في منطقة الجزيرة سوى نحو 24 منزلاً لعوائل أرمنية في القامشلي، وعدد من العوائل السريانية في ديرك والقامشلي. أما الآشوريون فاختفوا تقريباً، فضلاً عن وجود 16 منزلاً كلدانياً، ولم يبق سوى الأكراد والعرب. فقدت هذه المنطقة ما يجعلها لوحةً فسيفسائيةً. لقد فقدت جزءاً كبيراً من ألوانها".
يقول سامر: "عشر سنوات مضت على الهجرة الكبرى من سوريا. وُلدت أجيال صغيرة وجديدة في بلاد الغربة، تعلمت لغات تلك البلاد ودخلت مدارسها. الآن، الآشوريون يخوضون حرباً جديدةً وصراعاً مخيفاً للحفاظ على هويتهم. حتى اللغة الأصلية دخلتها كلمات ومفردات بالإنكليزية أو الفرنسية وغيرهما. استمرار ذلك يهددنا".
ويوضح: "في الأساس كانت وما تزال كلمة ‘كامب’ دخيلةً على اللغة الآشورية، وهي تعني المخيم بالإنكليزية، ونرمز إلى القرية بها، ذلك برغم محاولات الكنيسة والشعراء والأدباء تغيير الكلمة والرجوع إلى الأصلية ‘ماطا’، إلا أنهم فشلوا لأن الأولى راسخة في أدمغتنا".
ويكمل: "الآن عندما أتحدث مع بنات أخوتي وأخواتي وأولادهم/ ن، الذين وُلدوا هناك، بت غير قادر على فهم ما يتحدثون عنه، لأنهم يقولون كلمةً آشوريةً وعشر كلمات إنكليزية أو فرنسية".
من جانبه، يوضح إنليل أوديشو (34 عاماً)، آشوري من قرية تل فيضة ينحدر من عشيرة النوجيايي ويقيم في شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية: "الآباء يمرون بمرحلة انتقالية، هذه هي الطريقة الوحيدة للتواصل مع أبنائهم، وذلك برغم أن العديد من المدارس هنا تدرس اللغة الآشورية، فضلاً عن أهمية المسافة في هذه المسألة، لأن ليس جميع الآشوريين يعيشون بالقرب من بعضهم البعض، ففي كثير من الحالات يمكن أن تكون العائلة الواحدة على بعد مدينة أو مدن، عن بعضها وأحياناً ولايات، وهذا التباعد يبقي كل منزل آشوري بمعزل عن الآخرين، لأنهم لا يجتمعون إلا في المناسبات، وكل شيء آشوري يأخذ نمطاً غربياً، كحفلات الزفاف والموسيقى والطبخ والقائمة لا تنتهي".
ويُكمل إنليل: "نحن الآشوريين نسابق الزمن في المهجر. الوقت ليس في صالحنا، وكل ما حدث لنا كان ضد إرادتنا، خاصةً أن الكثير من الآشوريين هنا بدأوا بالزواج من الأجانب، الأمر الذي بات اعتيادياً، ولا يتزوجون من أبناء قوميتهم، وهذا إلى حد ما هو الخطر الأكبر بالنسبة إلى وجودنا".
من هجرة إلى هجرة
يسير سامر في طرق قرية تل فيضة، التي يقول إنه لم يعد يألف سكانها الأصليين، لأنهم جميعاً إما نازحون أو وافدون من القرى المجاورة. ويروي لرصيف22، كيف بدأت الحكاية عبر القصص التي كان يحكيها له جدّه وهو صغير، قائلاً: "عام 1915، كان العام الدامي بالنسبة إلى الأرمن، لأنه عام مجازر الأرمن في تركيا وجبل هاكاري، الأمر الذي أدى إلى نزوح غالبيتهم إلى العراق، ومن ثم إلى سوريا، بنسبٍ أقل".
الآن، الآشوريون يخوضون حرباً جديدةً وصراعاً مخيفاً للحفاظ على هويتهم. حتى اللغة الأصلية دخلتها كلمات ومفردات بالإنكليزية أو الفرنسية وغيرهما. استمرار ذلك يهددنا
يضيف سامر: "عام 1933، أعلنت الحكومة العراقية عن مجازر في حق الآشوريين هذه المرة، نتيجة مطالبهم بإقليم مستقل كان سيطلَق عليه اسم "إقليم آشور" في نينوى. هنا أضحت القرى الآشورية في العراق هدفاً لهجمات عنيفة يشهد عليها التاريخ، كانت أعنفها وأشدها مجزرة ‘سيميلي’، على اسم البلدة التي وقعت فيها، ونتيجةً لذلك كانت الهجرة الحقيقية للآشوريين إلى سوريا".
يذكر الكولونيل في القوات البريطانية آنذاك، في كتابه "المأساة الآشورية" أن القائد العسكري المعيّن من حكومة بغداد في ذلك الوقت، نقل قواته في 7 آب/ أغسطس إلى بلدة القوش، وطالب جميع الآشوريين في المنطقة بتسليم سلاحهم والاحتماء بمخافر الشرطة من أجل القضاء على التمرد واستجاب الأهالي لهذه الطلبات وهاجروا من قراهم في اتجاه قرية سميل. في 8 آب/ أغسطس، دخلت القوات العسكرية بقيادة قائمقام زاخو والضابط إسماعيل عباوي وفصلوا النساء والأطفال المحتمين بالمخفر عن رجالهم.
ويروي المراقب البريطاني كيف تم "جمع الرجال والنساء في غرف معيّنة بعد أن نُصبت عليها الأسلحة الرشاشة، وبدأت عمليات الإعدام الجماعية التي استمرّت طوال اليوم، ولم تقتصر على رصاص الرشاشات العسكرية بل ضُرب بعض الآشوريين بقسوة حتى الموت وألقيت جثثهم في كومات متراصة قبل دفنهم في التلال الأثرية".
في ذلك الوقت، كانت سوريا تحت الانتداب الفرنسي، والعراق تحت الحكم البريطاني، فاقترح الفرنسيون استقبال الآشوريين في سوريا، ولكن من دون أي نوع من الأسلحة، وهذا ما حدث.
يذكر سامر أن أوّل المخيمات التي أٌنشئت للآشوريين كانت في حي الهلالية في القامشلي: "خيّرنا الفرنسيون كوننا شعباً يعمل في الزراعة، بين السكن على ضفاف نهر الخابور أو على ضفاف الفرات، فاختار المطران، وهو رتبة كنسية عالية، نهر الخابور"، موضحاً أن عدد الآشوريين الذين دخلوا سوريا في ذلك الوقت نحو 22 ألف آشوري، وفقاً للإحصاءات الفرنسية.
ويتابع: "عندما دخلنا المنطقة وُضعنا في ما يسمى "الكامب"، ولأن الآشوريين عشائر كثيرة، أرتأوا أن تكون كل عشيرة في مخيم، وتحوّلت المخيمات في ما بعد إلى نحو 34 قريةً ما تزال باقيةً على ضفاف الخابور، ولعل أشهر تلك العشائر النوجيايي، البزنايي، الدزنايي، الهلمنايي، والترايايي".
"أكبر قرية كانت تل تمر، بعدها تل جمعة، يليهما تل نصري، وتل شاميران، وتل جزيرة، ولم نكن نطلق على القرية اسمها بل اسم العشيرة التي تسكنها، مثلاً تل نصري كنا نطلق عليها اسم قرية ولطوا، وفقاً للعشيرة، وتل جمعة هي قرية هلمنايي، وقرية تيارايي هي تل تمر، ودزنايي هي قرية تل بالوعة، وهكذا"، والكلام لسامر.
حياة بعد القحط
نقلاً عن جدّه، يقول سامر: "كانت أراضي المنطقة في الثلاثينيات غير صالحة للزراعة، ومملوءة بالحجارة، يتخذها البدو كمراعِ لأغنامهم، ولم تكن تصلح للسكن".
ويفخر بأنهم أول من نقل زراعات جديدةً إلى الجزيرة السورية التي اشتهرت آنذاك بزراعة الحنطة والقمح، والشعير والقطن: "بعد اليأس من العودة إلى العراق، استصلح أجدادنا الأراضي بطرق بدائية، وبنوا المنازل الطينية. نحن أول من زرع الأشجار المُثمرة في المنطقة، كالتين، والعنب، والمشمش، والتفاح والخوخ".
كانت أراضي المنطقة في الثلاثينيات غير صالحة للزراعة، ومملوءة بالحجارة، يتخذها البدو كمراعِ لأغنامهم، ولم تكن تصلح للسكن
ويضيف: "بعد أن تحولت المنطقة إلى جنّة، بدأنا ببيع ورق العنب والعنب والتفاح وما تنتجه الأشجار، ويشهد المؤرخون على اختلاف ثقافاتهم وقومياتهم من خلال مقالاتهم وكتاباتهم بأن الآشوريين منحوا الحياة لهذه الأرض، ولعل قريتي تل هرمز وتل غرقان غربي الخابور، أكثر قريتين اشتهرتا بالأشجار المثمرة".
ولم يقف الأمر هنا، إذ "كنا أول الشعوب التي عرفت كيفية استغلال مياه نهر الخابور. الآن ما تزال النواعير التي أنشأناها لنقل المياه شاهدةً على جهد سواعد أجدادنا. أعطينا الأرض لوناً مُختلفاً".
وبالنسبة إلى الأشكال التي حملتها منازل القرى فكانت بشكل هندسي فريد، ويقول سامر: "أخذت شكل قبب طينية، وهو ما يظهر جلياً في الصور القديمة للقرى، قبل أن تأخذ شكلها الحديث، بالإضافة إلى أن المنازل لم تكن مسوّرةً، وفي أحواشها تتم تربية الدجاج والبط وتُبنى لها منازل صغيرة".
ويضيف: "الآن إن قررت زيارة قرية تل فيضة، يوجد منزل وحيد من القرميد والبلوك، ببناء حديث، ولكن السقف على شكل ثلاث قبب، وهو النموذج القديم. نعم، هذا منزلي، أمي هي من كانت تحب أن يُبنى هكذا. بعد أن نفذناه كان الناس يتوافدون من القرى المحيطة لينظروا إليه".
في عام 2009، وصل عدد الآشوريين في المنطقة إلى نحو 38 ألف آشوري، وكانت الهجرة موجودةً ولكن قليلة جداً"، ويذكر سامر أنه عندما كان يخرج من منزله نحو نهر الخابور، لم يكن يرى الشمس نتيجة كثافة الأشجار التي كانت مليئةً بالثمار والفاكهة.
ويتابع: "في أي مناسبة كانت نساء القرية كلها يجتمعن في منزل صاحب المناسبة، فإن كانت عرساً يساعدنه في الجهاز والتطريز وما إلى ذلك، الآن أنا ما أزال أملك سجادات صغيرةً صنعتها نساء قريتي يدوياً وقدّمنها لي كوني أعيش وحيداً في القامشلي".
لم يبقَ أحد سواي
"القرى الآن فارغة، لا صلوات، أجراس الكنائس لم تعد تقرع، استُبدلت بأصوات القذائف المدفعية التي تسمع بوضوح في تلك المنطقة، بعض المنازل محروقة والأخرى مدمرة، حتى الطيور المغردة هاجرت"، وبالرغم من ذلك، فإن رغبة سامر في العودة "لا تنطفئ". ويقول: "آلاف الحروب حدثت وما تزال مستمرةً في تلك المنطقة، وأقصد بكلمة حروب ما تعرّض له الآشوريون نفسياً ودينياً وعسكرياً، بالإضافة إلى الخوف وانعدام الأمان والثقة".
وبعينين سكنت الخيبات في حدقتيهما، يكمل، بعد أن استنشق نفساً عميقاً: "عشيرتي النوجيايي كانت فيها 400 عائلة آشورية تُلقّب بـ"نيسان"، للأسف الشديد لم يبقَ منهم في سوريا إلا أنا، هذا حال بقية القرى أيضاً".
كنا أول الشعوب التي عرفت كيفية استغلال مياه نهر الخابور. الآن ما تزال النواعير التي أنشأناها لنقل المياه شاهدةً على جهد سواعد أجدادنا. أعطينا الأرض لوناً مُختلفاً
ويقول: "مؤلم اليوم أنني لا أستطيع أن أجد عائلتي معي في كافة ظروف حياتي كالأفراح والأتراح، ولا يوجد شخص أستند إليه، حتى عندما أريد أن أتحدث لغتي لا يوجد أحد أتحدث معه، وأحزن كلما دخلت كنيسةً آشوريةً في الأعياد والمناسبات وأراها خاليةً من المصلّين، أتألم عندما أطرق باب أخوالي وأعمامي، وأجد أشخاصاً آخرين سكنوا مكانهم".
هل انتظروا هجرتنا؟
بدأت الهجرة الحقيقة للآشوريين إلى لبنان وأوروبا، مع بدء جفاف نهر الخابور في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثانية، نتيجة الجفاف وموت الأشجار، ويشير حنا إلى أنه "برغم محاولات حفر الآبار، منعت الحكومة السورية ذلك، فضاق الحال بنا، نحن شعب مزارع ولم يكن المتعلمون منا إلا قلّة، والتجار والصناعيون والمهنيون كذلك".
وينبع نهر الخباور من جنوب تركيا بالقرب من الحدود السورية، ثم يعبر الحدود جنوباً إلى سوريا من ناحية رأس العين شمال محافظة الحسكة وتصطف على ضفافه القرى الآشورية، ويوفر النهر المياه للأراضي الزراعية الخصبة التي تنتشر فيها مختلف الزراعات، ويُعدّ مصدراً مهماً لريّ منطقة الحسكة في شمال شرق سوريا.
في 14 شباط/ فبراير 2015، كانت ليلة هجوم تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على القرى الآشورية. يروي سامر أنه تمّ "خطف نحو 250 شخصاً منّا، قُتل 9 منهم، واختفى شخصان لم يُعرف مصيرهما حتى الآن، تلك كانت نكسةً حقيقيةً، وقد ذكّرنا ذلك بمجازر الأرمن ومجازر سيميلي (سميل)".
ويقول الإعلامي: "الحكومة السورية تنكرت لنا، ولم تسلّحنا أو تدافع عنا، بل تركتنا لمصير مجهول، وهكذا كانت الهجرة هذه المرة جماعيةً".
ويؤكد إنليل كلامه بالقول: "هربنا لكيلا نلاقي مصير أجدادنا نفسه، الذي عاشه بعض الأفراد من قرانا، وكنا سنلقاه نحن أيضاً على يدي داعش".
ويشير سامر إلى أنه اليوم عند تبادل أطراف الحديث مع سياسيين، سيخبرونك بأن بقية الدول كانت مستعدةً لاستقبال الآشوريين في أراضيها، "عام 2015 كانت حدود لبنان مغلقةً، ولم يستقبل أيّ سوري على أراضيه ما عدا الآشوريين حصراً، عائلتي خرجت من سوريا بهذه الطريقة".
ويوضح: "طُلبت من كل آشوري صورة للمعمودية الكنائسية من الكنيسة المشرقية الآشورية (ورقة معمودية)، طبعاً هي موجودة لدى جميع الطوائف المسيحية، لكن لم يُسمح لغيرنا بالدخول إلى لبنان، وهناك سجلت الكنيسة الآشورية أسماء العوائل".
ويتمم سامر حديثه: "أول دولة فتحت أبوابها للآشوريين وأرسلت لهم طائرات لتقلّهم على نفقتها الخاصة كانت أستراليا، ثم كندا، تليهما ألمانيا، وبعدها فرنسا وروسيا، وكانت هذه الدول تطلب العائلات بالاسم".
وأحصت جمعية آشور الوطنية عدد مهجري سوريا الآشوريين بنحو 80 ألفاً في لبنان، و5 آلاف في العراق، 30 ألفاً في أستراليا، 15 ألفاً في أمريكا، 80 ألفاً في أوروبا، و15 ألفاً في كندا، وفق إحصائية تقديرية للجمعية، منذ 2012 حتى الآن.
ويرى آشور جرجس، رئيس حركة آشور الوطنية، المقيم في لبنان حالياً، أن هجرة الآشوريين من سوريا "خسارة قومية آشورية، فضلاً عن أنها خسارة وطنية لسوريا، ما حدث في 2015، عبارة عن كارثة تحيط بها أسئلة كبيرة حول من يقف فعلاً وراءها ومن سهّل ذلك؟".
بدأت الهجرة الحقيقة للآشوريين إلى لبنان وأوروبا، مع بدء جفاف نهر الخابور في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثانية
"سنكمل بفرد واحد"
كلما نظر إنليل، إلى ناطحات السحاب التي يسكن بينها، يتجدد شوقه إلى هواء قريته العليل ومنزل أجداده البسيط. يقول إن "الحل يكمن في التواصل مع الدول الكبرى واللاعبين السياسيين في المنطقة، كالولايات المتحدة وروسيا، لإيجاد حل سياسي يكون ضماناً لنا فنحن من الشعوب الأصلية وتجب حمايتنا".
ويضيف: "على المنظمات الدولية والإنسانية أن تلتفت بجدية إلى القضية الآشورية، لأننا في خطر الآن ويجب وضع خطة للعودة، ليس إلى سوريا فقط، بل إلى آشور المحتلة شمال العراق وتركيا، تلك أرضنا التي ورثناها عن أجدادنا وآبائنا، لن نقبل أن تؤخذ منا بهذه السهولة".
يخالفه سامر الرأي، إذ يقول: "وقع الفأس في الرأس، وأصبح من الصعب تجنّب هذا الخطر، جميع الندوات التي نحضرها في الخارج ترتبط بهذا الموضوع، ولكن كمحاولات إسعافية يجب الاعتراف بدايةً بالمجازر في حق الشعب الآشوري، والاعتراف بلغته ودينه وكنائسة فضلاً عن تاريخه العريق، وحقه في العودة إلى أرضه، لكن ذلك مستحيل لأن دول العالم لا تفكر في ذلك باعتقادي".
ويرى سامر أنه حتى لو كانت المقولة الشهيرة "التغيير يبدأ من الفرد" تنطبق عليهم، إلا أن ذلك "يبقى صعباً، لأن هذا الفرد حاول كثيراً وسعى إلى رفع رأسه، لكن قوى عالميةً كانت دائماً تضربه لينكّس رأسه، ولا يطالب بحقوقه".
ويدعو الشعب الآشوري المهجر في الدول المختلفة، مثلاً في ألمانيا، إلى أن يتجمعوا ويحاولوا مواصلة تعلّم لغتهم وتلقين الأطفال تاريخهم، "ربما بعد آلاف السنين إن بقي شيء اسمه شعوب، فأنا باعتقادي العالم يسير نحو شعب واحد لا ديني، يكون هناك فرد واحد آشوري يستمر به نضال الآشوريين".
يقول قصي مصلوب، وهو باحث آشوري من سهل نينوى، لرصيف22، إنه في "سبيل الحفاظ على الشعب الآشوري، سنعمل على تحقيق مطالبنا، نريد إقليم آشور شمال العراق، وهو آخر أرض آشورية بقيت لنا".
من جهته، يشير جرجس إلى "أن الآشوريين يخسرون ذاتهم، وأقصد بذلك انحلال المجتمع الآشوري، تأثراً بالمجتمع الغربي، فضلاً عن تغيير الثقافة واللغة والعادات، أي ضياعنا كأمة على المستوى الجماعي، وهذا ليس منوطاً بالمهجرين، لكن طبيعة الحياة في المهجر تفكّك العائلة، وتبعد الناس عن بعضهم بحكم متطلبات الحياة هناك".
ويضيف: "نحن كشعب شرقي لسنا مسرورين بذلك، وهناك كثيرون ينتظرون عودة الأمان إلى الجزيرة السورية لكي يعودوا. لم نعد نشعر بما يسمى الانتماء الوطني أو القومي، شعبنا بات يشعر بأنه بلا وطن، فكلما سكن مكاناً يُهجَّر منه".
الآن في القرى الآشورية السورية، بات وجود الأشجار نادراً. ستسير في شوارع عاد إليها القحط تقريباً، لكنك بمجرد دخولك إليها ستشعر بهالة غريبة نوعاً ما، ربما هي كانت طاقات من تعبوا فيها وبنوها، وأطيافهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع