شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لا ميراث للفتيات عند العلويين...

لا ميراث للفتيات عند العلويين... "لماذا يحمل إخوتي هذا القدر من القسوة والظلم؟"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 7 أبريل 202303:13 م

لا ميراث للفتيات عند العلويين... "لماذا يحمل إخوتي هذا القدر من القسوة والظلم؟"

استمع-ـي إلى المقال هنا
Read in English:

The invisible victims: How women in Alawite families are denied inheritance

"ما لا أفهمه حقاً، هو متى قام إخوتي بتجميع كل هذا القدر من القساوة والظلم؟ وبالأمس فقط حَمَلنا بطن واحد، وجمعنا إطار صورة واحدة، لا أدري في أي نقطة زمنية بدأت مشاعرهم بالتحوّل. أنا رؤى، شابة علوية يُقال إنني جميلة، وأنا محامية متزوجة من طبيب، علمت بالدليل القاطع أن زوجي يخونني مع عشرات النساء الأخريات، وهو عرف أيضاً وباليقين الكامل أني أضعف من أن أقوم بردة فعل، لذلك، فهو مستمر في خيانته لي، وأنا مستمرة في صمتي عن فعله هذا، والسبب في ذلك، أن ذكور عائلتي توافقوا منذ زمن على أنه لا ميراث للبنات، فالبنات يَحلِبن الغرباء والأرض للعائلة والبنات وأولادهن ليسوا من العائلة".

"أنا رؤى الملقّبة بأم البنات كفعلٍ مشين تُعيّرني به عائلة زوجي، لأني لم أنجب له أطفالاً ذكوراً، أبحث عن سند معنوي نفسي، وحتى مادي، يكون عوناً لي في قراري الذي اتخذته بالانفصال عن زوجي، لكن جميع من أخبرتهم من عائلتي بنيّتي وقفوا ضدّي، وقالوا إني صعبة المَعْشَر وإني لست الوحيدة التي يخونها زوجها، وهي ليست المرة الأولى. وحدها شقيقتي التي تعيش خلف المحيطات منحتني وعداً ودعماً، وقالت لي: اتخذي قرارك وأنا معك، هذا بيتي موجود في دمشق، وهذا مفتاحه".

حتى الأمس القريب، كنت أستمع إلى قصص تُروى عما يفعله الزمن بالإخوة، وكيف يتحوّلون إلى غرباء، لكنني لم أتوقع أن نصبح نحن القصة

غيّر الوعد معطيات رؤى (اسم مستعار طبعاً)، وهي من قرية السودا في طرطوس، لأوّل مرة ستعيش فرصتها كما تخبرنا، فرصة أنها تفعل ذلك لأنها تريد، وليس لأنه لا توجد لديها خيارات. تتذكر موقف إخوتها، وكيف تقاسموا الميراث بينهم من دون إخبار البنات. يقفز إلى رأسها عدد المرات التي رغبت فيها بقضاء العيد مع والدتها، ووالدتها تتجنب النطق بعبارة "ننتظرك"، لاحتمال أن ينزعج إخوتها من وجودها، وهي الغريبة بينهم في حضورها وطريقة معاملتها.

في مقابل ذلك، تقول رؤى التي تبلغ من العمر 42 عاماً: "عندما أجرت أمي عمليةً جراحيةً، استغرب إخوتي كيف لم أندفع لخدمتها أنا وشقيقاتي، فنحن الأولى برعايتها وفقاً لمنظورهم، لأنه ببساطة واجبنا، أما عندما يتعلق الأمر بحقنا من الميراث، فهذا عيب علينا وعار".

حب اللوز والأكيدنيا

"ما أن يتزوج الأخ ويُرزق بأولاد، حتى يظهر ما أسمّيه أنا جوع الطائفة"، تقول هنادي(38 عاماً)، وتضيف: "حتى الأمس القريب، كنت أستمع إلى قصص تُروى عما يفعله الزمن بالإخوة، وكيف يتحوّلون إلى غرباء، لكنني لم أتوقع أن نصبح نحن القصة، وأي قصة؟ قصة أبطالها حبة اللوز والأكيدنيا".

"مَنْ يصدّق أننا نتشاجر كل عام بسبب حبّة لوز أو حبّة أكيدنيا؟"؛ تسأل هنادي، وتجيب: "اعتقدت في البداية أننا وحدنا من نعيش هذه التفاصيل التي كنت أخجل من روايتها، قبل أن أكتشف أنها قصة مشتركة ومنتشرة بكثرة في قرى الساحل، اتصلت بي أختي بالأمس وهي تضحك وطلبت مني أن أقرأ قصة 'حبّة اللوز'".

تحكي القصة التي نشرتها إحدى الصفحات، أن سيدةً ذهبت إلى محل الخضروات لشراء أوقية من اللوز الأخضر، سألها "الخضرجي": "جاي تشتري لوز وأخوكي عم يبيع اللوز قفاص قفاص، هاد اللوز اللي عم تشتريه من عند أخوكي؟". غصّت السيدة، فهي التي ساعدت والدها في زراعة هذا اللوز عندما كان أخوها ينام حتى أذان الظهر، وتولّت مع شقيقاتها إزالة الأحجار وتنظيف الأرض حتى أصبحت صالحةً للزراعة، وعندما نقل والدها ملكية الأرض، وزّعها على الصبيان وحرم البنات منها.

ضحكتُ في نهاية القصة، أنا أيضاً، لأنها تتشابه مع قصتنا، قصة "حبة الأكيدنيا"، وتتابع هنادي: "مذ وعيت على الدنيا وأنا أرى أبي يعتني بالأرض المحيطة بمنزلنا، لا أذكر أن أحداً من إخوتي اقترب يوماً وساعده، نحن البنات من كنا نقوم بذلك. مذ وزّع أبي ملكية الأرض على إخوتي، بدأ أخي بغرس الأشجار المثمرة، شعرت بالسعادة، لن نشتهي بعد الآن، قلت في نفسي، وعاد بي أرشيف ذاكرتي إلى صورة قديمة من طفولتي عندما كنت أعبر بجوار أرض مليئة بشجر اللوز في طريق عودتي من المدرسة، وأنظر إليها بحسرة، أشتهيها وأتمنى لو أسرق كمشةً من ثمارها".

أنا رؤى الملقّبة بأم البنات كفعلٍ مشين تُعيّرني به عائلة زوجي، لأني لم أنجب له أطفالاً ذكوراً، أبحث عن سند معنوي نفسي، وحتى مادي، يكون عوناً لي في قراري الذي اتخذته بالانفصال عن زوجي

تروي هنادي وهي من قرية الحصان في ريف جبلة، والتي أيضاً لا تستطيع أن تقول اسمها الكامل: "ذهب الأمس وجاء اليوم، وكبرنا وكبر اللوز وصار لدينا أكيدنيا ورمان وريحان، لكن الشجر مذ بدأ يُثمر، لم نعد نتوقف عن الشِجار في كل مرة نزور فيها أبي وأمي، فأخي يغضب كلما اقترب أولاد أختي من شجرة الأكيدنيا وقطفوا منها حبةً، وهو لا يجد حرجاً في أن يسأل أمي عمن ارتكب هذا الجُرم، وأمي ساكتة لا تجيب، أخيراً، قام أخي بتسييج شجرة الأكيدنيا بشريط من الشبك المعدني كي لا يقترب أحد منها، وعرفت في ما بعد أنه ينوي بيعها".

حق الفتيات وعنف الرجال

دفاع الفتيات عن حقّهن لا يقلّ قساوةً وعنفاً عن قساوة الآباء والأبناء، حيث العنف لا يولّد سوى العنف، والظلم لا يولّد سوى الكراهية والانتقام. قاطعت سمية والديها قبل ثلاث سنوات، وهذا رد فعل منها على حرمانها من الميراث كما قالت، ففي آخر لقاء جمعهما، أقسمت سميّة(35 عاماً) والمنحدرة من قرية بتمانا في ريف جبلة، أنها صرخت بأعلى صوتها في وجه والدها، وهو ما لم تكن تتوقع أن تُقدِم عليه في حياتها، لكن ضيق الحال والحاجة أخرجا كل ما لديها من ألم. كرشاش أطلقت أسئلتها، ولم تتوقف حتى أفرغت ما في جعبتها.

تقول سمية: "لم أستطع أن أستوعب فكرة حرماني من الميراث، فقط لأنني فتاة. تزاحمت الصور في رأسي، وتذكرت لهفتي على أبي عندما وقع طريح الفراش بسبب مرض ألمّ به، وكيف كنت أجالسه في النهار، وأعدّ أنفاسه في الليل عندما ينام، وكيف كنت أعانقه وأبكي، أبكي لأنني أخاف من أن أفقده، أنا أحب أبي، أحبه كثيراً، تغمرني السعادة عندما يمسح بيديه على شعري ويدعو لي بالتوفيق، أشعر بالرضا والفرح عندما أقلّم له أظافر يديه وقدميه".

تضيف: "برغم أنه حرمني من الميراث، فأنا لا أستطيع أن أكنّ له إلا الكثير من العاطفة والحب والاحترام والدعاء بطول العمر وسترة الآخرة، وأدعو من قلبي أن يكون إخوتي أصحاب عرفان للإرث الذي حصّله أبي لهم بتعبه وجهده، وأن يبقوا أوفياء لأبي وأمي حتى نهاية العمر، فنحن لم نمت بعد ولكننا رأينا من مات، فليس بعيداً عن عائلة أبي، توفي عمي مكسوراً وحيداً، وبعد وفاته، بقيت زوجته أيضاً وحيدةً، كل القرية تعرف كم تعبت زوجة عمي في حياتها، وكم ضحّت في سبيل أولادها، وكم ركضت، لكن النتيجة أن رائحتها كانت تفوح منها لأن أحداً من أولادها أو زوجاتهم لم يكن يعتني بخدمتها جسمها ونظافته واستحمامها أو حتى غسيل ملابسها، وهي غير قادرة على القيام بذلك وحدها".

الميراث هو أحد الأمور التي يتضمنها قانون الأحوال الشخصية، والنص واضح فيه في توريث المرأة

تروي سميّة أن "في آخر لقاء رأيتها فيه عندما جاءت لزيارتنا، وقبل وفاتها بوقت قصير، كانت حزينةً جداً وكئيبةً. أخبرتنا كم هي ضجرة، بكت كثيراً عندما أخبرتنا بأن لا أحد من أولادها يأتي ليؤنس وحدتها أو يزورها، برغم أن أمتاراً قليلةً فقط تفصل منازلهم عن منزلها. هي أيضاً ماتت مكسورةً ووحيدةً. مقهورة أنا جداً وحزينة. اشتقت إلى أبي وأمي، اشتقت إليهما كثيراً، لكن طائفتي لم تعد تعنيني بعد الآن، ولم يعد يعنيني التعرف على خميرتها، فخميرة رأسها تقول إنها فاسدة، وفسادها يترجمه سلوك أبنائها تجاه بناتها".

نص القانون واضح

تشير المحامية والناشطة صفية فاضل، في حديثها لرصيف22، إلى نقطة مهمة وهي أن تسمية "الطائفة العلوية" تسمية مغلوطه ومرفوضة، لأنه لا يوجد في القانون وفي تقسيمات الدولة السورية شيء اسمه الطائفة العلوية.

أما بالنسبة إلى الميراث، فتوضح أن "هوية الدولة في سوريا ودينها هما الدين الإسلامي الذي يعتمد القرآن الكريم والمذاهب الإسلامية لا سيما المذهب الحنفي مصدراً أساسياً له، وتم وضع قانون الأحوال الشخصية والذي ينطبق على كل من يُدين بدين الإسلام باستثناء الطائفة الدرزية، والميراث هو أحد الأمور التي يتضمنها قانون الأحوال الشخصية، والنص واضح فيه في توريث المرأة، علماً بأن هناك صورةً كاملةً في القرآن الكريم تتناول الميراث، هي سورة النساء، ويتم اعتمادها أساساً في توزيع الميراث".

تضيف المحامية فاضل: "يوجد في سوريا نوعان من الإرث؛ إرث شرعي، وهو ما ينطبق عليه الكلام السابق، وحصر إرث قانوني، وقد تم وضعه في زمن الدولة العثمانية، إذ إن أحد الخلفاء العباسيين لم يكن لديه غير البنات ووفقاً للشرع الإسلامي فإن نصف ملكه سيكون لأشقائه وأبنائهم مما استدعى أن يجمع الفقهاء ويضعوا له حلاً ينقذ الملك، فتم وضع قانون انتقال الأموال الأميرية، وبموجبه يكون الذكر والأنثى متساويين في الميراث ولا يحتاج إلى وجود ما يُسمّى عصبه أي ذكر، وهذا القانون ينطبق على الأراضي الأميرية انطلاقاً من قاعدة ما للأمير للأمير، أما الأراضي الأميرية فهي الأراضي التي تقع خارج الحدود الإدارية للبلدات والمدن".

عادة لا عقيدة

كل من استطلعنا آراءهم من مشايخ ورجال دين في قرى الساحل، أكدّوا أن الحرمان من الميراث عادة وليس أساساً في العقيدة العلوية، ونشأت هذه العادة كون الأقلية العلويّة بمعظمها قد عاشت في مجتمع زراعي وكانت للأرض قيمتها، وكان يُخشَى في حال إعطاء البنت حصّتها من الميراث أن تذهب الأرض من خلال المصاهرة إلى العائلة الأخرى وتالياً كان هناك خوف من تشتت الملكية الزراعية.

أنا شابة علوية يُقال إنني جميلة، علمت أن زوجي يخونني مع عشرات النساء، وأنا مستمرة في صمتي عن فعله هذا، لأن ذكور عائلتي توافقوا منذ زمن على أنه لا ميراث للبنات

مع الوقت، تحولت هذه العادة إلى عُرف وتقليد، من دون أن نستطيع القول إن الغالبية من أفراد الأقلية العلوية تطبّق هذه العادة، فهناك الكثير ممن يورّثون الفتيات، وهذا يختلف من قرية إلى أخرى، كما أنه يختلف بين القرى ومراكز المدن، وهو متغير وفقاً للبيئة ومرتبط بالوضع الاقتصادي وكذلك التطوّر الفكري وتأثره بتطور نظرة المجتمع إلى المرأة.

الأكيد أن هذه العادة راسخة أكثر في الأرياف والقرى، حيث يلجأ أرباب الأسر في حال أرادوا حرمان الإناث من الإرث، إلى نقل ممتلكاتهم إلى الورثة من الذكور خلال حياتهم عن طريق عقد بيع شكلي، وبذلك يضيع حق البنات، وهكذا عند وفاة الأب لا يكون هناك من وِرْثة ليتمّ تقسيمها على الوَرَثة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image