منذ توقّفت دورتها الشهرية قبل نحو 15 عاماً، لم تواظب السيدة اللبنانية حسناء مطر (60 عاماً) على الفحوص الدورية التي يوصي بها الأطباء في هذه المرحلة العمرية المهمّة لتفادي أمراض خطيرة قد تؤثّر على القلب والمفاصل وغيرها.
تقول لرصيف22 إن التزامات الحياة لم تترك لها مجالاً لمنح صحّتها الأولوية وهو ما تشدد على أنه بلغ مرحلة غير مسبوقة مع استفحال الأزمة الاقتصادية في لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حتّى باتت تذهب للطبيب "مضطرّةً" إذا كانت آلامها "غير محتملة".
التكلفة المادية "التي تفوق قدرتنا" هي أبرز الأسباب التي تمنع حسناء من المتابعة الصحيّة الدورية. بل هي تعتبر أن سؤالها عمّا إذا كانت تجري متابعة صحيّة دورية من عدمه "سؤال صعب"، مردفةً "ما عندي متابعة شهرية أو سنويّة. بس أحس أني بحاجة للفحص، أزور الطبيب".
وتضيف: "أنا عم قول إن كتير ناس اليوم مش في قدرتها تروح عند حكيم. وإذا كان فيه علّة تتطلب الواحد يعمل الفحص بيضطر. لكن إذا مش عم بيحس بعوارض، بيطوّل باله… ما بيروح".
لا تعرف حسناء أي سيدة من قريباتها وصديقاتها تلتزم المتابعة الدورية في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث أو المتابعة الصحيّة الدوريّة بوجه عام خارج نطاق الحوامل وصاحبات الأمراض المزمنة. "حواليّا أنا ما بعرف سيدات بتروح تعمل كشف شهري أو سنوي. الوضع بتعرفي، تكاليف الوضع المعيشي وتكاليف الدواء وتكاليف التحاليل. كل هاي اليوم صارت فوق قدرة الإنسان هون عنّا. الله يكون بالعون"، قالت.
"الإياس" لدى النساء
يُطلق على مرحلة انقطاع الطمث "الإياس" الذي يرتبط لدى النساء بتوقُّف الحيض/ الدورة الشهريّة، وهو "إحدى حلقات سلسلة مراحل حياة المرأة، ويمثل نهاية سنوات الإنجاب إذ لا يمكن للمرأة أن تحمل إلا في حالات نادرة عندما تُستخدم علاجات الخصوبة المتخصّصة"، وفق "منظمة الصحة العالمية".
"تتطلب أنماطاً حياتية أكثر إيجابية وتناسباً"... الأزمة الاقتصادية في لبنان تعرقل مساعي توعية النساء بأهمية المتابعة وإجراء الفحوص الدورية في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث. ما خطورة ذلك؟ وهل من حلول؟
عادةً تصل النساء إلى "الإياس" في عمر يراوح بين 45 و55 عاماً كمرحلة طبيعية من مراحل التقدم البيولوجي في العمر إذ ينتج عن "توقُّف الوظيفة الجريبية للمبيض وتراجع مستويات الإستروجين في الدم" أو "نتيجة لإجراءات جراحية أو طبية". علماً بأن هناك حالات "إياس مبكِّر" تحدث لنساء قبل سن الأربعين بسبب "بعض الشواذات الصبغوية أو اضطرابات المناعة الذاتية أو عن أسباب أخرى غير معروفة".
ويُحدد بلوغ المرأة سن الإياس بمرور 12 شهراً متتالياً دون أن تحيض بلا سبب فسيولوجي أو مرضي آخر وفي غياب التدخل السريري. وهو أمر لا يمكن التنبؤ به برغم ارتباط الإياس ببعض العوامل الديمُغرافيّة والصحيّة والجينيّة.
يحدث الإياس أحياناً جرّاء العمليات الجراحية التي تنطوي على استئصال المبيضين ويُعرف بـ"انقطاع الطمث الجراحي" أو التدخلات الطبية التي تسبب توقف وظيفة المبيض، مثل العلاج الإشعاعي أو العلاج الكيميائي. ويتوقف الحيض لدى العديد من النساء قبل الإياس بسبب عمليات جراحية معيّنة، منها عمليات استئصال الرحم أو إزالة بطانة الرحم جراحياً، أو بسبب استخدام بعض وسائل منع الحمل الهرمونية وغيرها من الأدوية التي تسبب تباعد دورات الحيض أو توقفها.
أما التغيّرات الهرمونية المرتبطة بالإياس، فمن شأنها أن تؤثّر على "الرفاه البدني والوجداني والنفسي والاجتماعي للمرأة" في تلك المرحلة العمرية، حسبما تؤكد منظمة الصحة العالمية. علماً بأن الأعراض المرتبطة بالإياس تختلف بشدة بين سيدة وأخرى وقد تكون بسيطة أو وخيمة.
أما أبرز الأعراض المرتبطة بالإياس لدى النساء، فتتمثّل في:
1- هبّات الحرارة ونوبات التعرق الليلية. وتُشير هبّات الحرارة إلى شعور مفاجئ بالحرارة في الوجه والعنق والصدر، قد يصاحبه إحمرار في الجلد وتعرّق وخفقان وإحساس شديد بعدم الارتياح البدني ربما يستمر لدقائق.
2- تغيّرات في انتظام الدورة الشهرية وتدفقها، تنتهي بانقطاعها تماماً.
3- جفاف المهْبِل والشعور بالألم أثناء الجماع، وانسياب البول.
4- صعوبات النوم.
5- تغيّر المزاج و/ أو الاكتئاب و/ أو القلق.
6- قد تتأثر نسب مكونات الجسم ومدى المخاطر القلبية الوعائية أيضاً. ويختفي تدريجياً تمايز المرأة على الرجل في احتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية، مع التراجع الكبير في مستويات الإستروجين بعد الإياس.
7- احتمال إضعاف الهياكل الحوضية الداعمة، ما يزيد من مخاطر هبوط الأعضاء الحوضية.
8- يُسهم تراجع كثافة العظام عند الإياس بشكل كبير في ارتفاع معدلات هشاشة العظام والكسور.
لذلك، يوصي الأطباء بمجموعة متنوعة من التدخّلات الهرمونية وغير الهرمونية تساعد على تخفيف أعراض الإياس. الأمر الذي يغيب عن الكثيرين/ات هو أن حدوث الحمل يبقى ممكناً أثناء فترة الـ12 شهراً السابقة للإياس رغم انقطاع الحيض. لذا، يُوصى عادةً باستخدام وسائل منع الحمل 12 شهراً متتالياً من بعد انقطاع الحيض، لتجنب الحمل غير المقصود.
من الأمور الواجب الانتباه لها أيضاً هو أن احتمالات الإصابة بالالتهابات المنقولة جنسياً تظل موجودة خلال الفترة السابقة للإياس وبعده. كذلك، يزيد ترقق جدار المهبل بعد الإياس احتمالات الإصابة بالآفات والتمزق، ما يرفع مخاطر العدوى بفيروس العوز المناعي البشري أثناء ممارسة الجنس المهبلي.
"في مجتمعاتنا، حيث الاهتمام بصحة المرأة يتركّز على الخصوبة والحمل والإنجاب، تتكثّف المتابعة الصحيّة غالباً في الحمل والولادة. ويقل الاهتمام فور وضع المرأة جنينها من 90 و95% إلى نحو 40 و45%. فما هي حال متابعة المرأة في مرحلة خارج فترات الحمل؟"
هل تحظى نساء لبنان برعاية صحيّة في هذه المرحلة؟
يقول لرصيف22 الدكتور فيصل القاق، اختصاصي طب النساء في الجامعة الأمريكية ببيروت ورئيس مجموعة صحة المرأة العربية، إن العناية بصحة النساء في لبنان بهذه المرحلة العمرية أمر غير شائع.
ويضيف: "في مجتمعاتنا (يقصد العربية)، حيث الاهتمام بصحة المرأة يتركّز على الخصوبة والحمل والإنجاب، تتكثّف المتابعة الصحيّة غالباً في الحمل والولادة. ويقل الاهتمام فور وضع المرأة جنينها من 90 و95% إلى نحو 40 و45%. ما بالك بمتابعة المرأة في مرحلة خارج فترات الحمل؟".
وهو يرى أن معدلات الاهتمام بصحة النساء في لبنان تصل إلى ذروة انخفاضها في مرحلة الإياس، أحياناً لعدم تمكن النساء من الذهاب للطبيب، أو عدم تشجيعهن على المتابعة مع طبيب في ظل عدم توفّر الوعي بأهمية هذه الفترة من عمر المرأة وأهمية المتابعة الدورية السنوية "لإجراء فحوص تعزيز الصحة وفحوصات الكشف المبكر عن الأمراض".
يتابع د. فيصل: "كل هذا كان متدنياً وتحت المطلوب في لبنان وأصبح أكثر سوءاً في ظل الأزمة الاقتصادية. بتقِلّ لك (السيدة) إنها ما كانت تروح تفحص حالها ‘بأيّام الخير‘، هلأ كيف بالأزمة الصعبة والكلفة العالية للزيارات والفحوص".
ويؤكد أن كلفة الزيارات الطبية والفحوص الضرورية بهذه المرحلة مثل الميموغرافي (التصوير الإشعاعي للثدي) وفحص ترقق العظم وتحاليل الدم، ارتفعت بدرجة كبيرة، وهو ما "يؤثّر على مساعي الأطباء لرفع الوعي وزيادة متابعة النساء والتزامهن بالأدوية المطلوبة للبعض منهن".
ويشدد الطبيب النسائي اللبناني على أن "هذه المرحلة هي مرحلة أساسية ويجب أن نركّز عليها في حياة المرأة. ويجب أن نرفع مستوى المعرفة ومستوى التوعية في هذه المرحلة المهمة، ونزيل كل الأفكار الخاطئة والأمور الشائعة على سبيل الخطأ والوصم مثل تعبير ‘سن اليأس‘ الشائن"، وأنها "تتطلب أنماطاً حياتية أكثر إيجابية وتناسباً" مع التغيّرات التي يمر بها جسم المرأة.
"هذه المرحلة مرحلة أساسية ويجب أن نركّز عليها في حياة المرأة. ويجب أن نرفع مستوى المعرفة ومستوى التوعية في هذه المرحلة المهمة، ونزيل كل الأفكار الخاطئة والأمور الشائعة على سبيل الخطأ والوصم مثل تعبير ‘سن اليأس‘ الشائن"
ما شكل الرعاية الضرورية في "الإياس"؟
وتقر "الصحة العالمية" بالتحدّيات العديدة التي تواجه توفر الرعاية الصحية اللازمة للنساء في مرحلة الإياس، وفي مقدمتها الوعي بالمعلومات والخدمات المتعلقة بالإياس وإتاحتهما، والمشاعر السلبية التي تكتنف النساء في هذه المرحلة، مثل الحرج والخجل من طلب المساعدة، جرّاء عقود من الأفكار المغلوطة عنها.
علاوة على ذلك، لا يكون مقدمو الرعاية الصحية مدربين بالقدر الكافي على التعرّف على أعراض ما قبل الإياس وما بعده في الكثير من الدول. ومن الشائع أن الحكومات لا تعتمد سياسات صحية أو تموِّل برامج متعلقة بالإياس في خدماتها الروتينية المتاحة.
للتغلب على ذلك في لبنان تحديداً، يوصي د. فيصل بضرورة التزام النساء في هذه المرحلة بإجراء "فحص الزجاجة" (فحص عنق الرحم)، والميموغرافي، ومراقبة زيادة الوزن ونسب الدهون، والعناية بالصحة الجنسية والنفسية، وحماية القلب، وغيرها، مستدركاً "هذه الأمور إذا لم تعرفها السيدة ولم تتعامل معها فبالطبع ستتأثر حياتها بشكل سلبي".
ويقول إنه يشدد دائماً على أهمية أن تكون قضية الإياس لدى النساء حاضرة ومشمولة بالمتابعة والتغطية"، مردفاً: "يجب أن نضع الإياس على القائمة المهمة للمتابعات الصحية. ونعزّز ثقة المرأة بمرحلة الإياس حتى تعانق هذه المرحلة من حياتها بلا غضاضة. ونحاول أن نشجعها على عدم إهمال الرعاية الصحية".
ويتابع: "ينبغي تعزيز المعرفة والتركيز على هذا الموضوع لدى طلاب الطب وفي مرحلة التخصّص. وأن تتم إثارته في كل مؤتمر علمي أو طبي مع مقاربة الحديث مع النساء وتشجيعهن على الزيارات الطبية بهذه المرحلة. ويجب أن نسعى مع الدولة اللبنانية قدر الإمكان كي يكون هناك اهتمام أوسع بهذه القضية، مع زيادة الأبحاث العلمية عن هذه المرحلة. وزيادة العيادات المتخصصة فيها".
بدورها، تقول "الصحة العالمية" إن الإياس قد يُتيح للمرأة فرصة مهمّة لإعادة تقييم صحتها ونمط حياتها وأهدافها، وذلك حال الالتزام بتوصيات الأطباء المتمثلة في اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، وممارسة الرياضة بانتظام. علماً بأن بعض النساء قد تحتاج علاجاً سلوكياً معرفياً للتعامل مع التغيّرات المزاجية، أو تناول هرمون الإستروجين للوقاية من مشكلات صحية مثل النوبات القلبية، والسكتة الدماغية، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستويات الكولسترول، وهشاشة العظام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم