تصوير: محمود الخوّاص
بناية من أربعة طوابق، وفي بعض المناطق، بناية من طابقين تضمّ فصولاً دراسية مجهزة بمقاعد ومكاتب، بعضها جديد والبعض الآخر مستهلك، وألعاب ومراجيح متهالكة في أحد أركان البناية التي تفتقر إلى وجود ملعب أو متنفس للأطفال. ورغم الإمكانات البسيطة تمكنت هذه "المدارس" من إنشاء بديل لأبناء الجالية السودانية في مناطق متفرقة في مصر للحصول على حقهم في التعليم، ومواجهة اضطرابات عصفت باستقرار العملية التعليمية في جمهورية السودان نتيجة تأخر رواتب المعلمين وإضرابهم عن العمل، ما أدى إلى توقف الدراسة أو اضطرابها خاصة في المدارس الحكومية.
في مصر، اعتادت المراكز التعليمية المجتمعية العمل مدعومةً من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية وهيئة الإغاثة الكاثوليكية، لتقديم الخدمات التعليمية للطلاب اللاجئين وطالبي اللجوء، إلى جانب المهاجرين من أبناء السودان أو الراغبين في الدراسة على الطريقة السودانية.
ولكن خلال العام الدراسي الحالي أصبحت مدارس المراكز المجتمعية ملاذاً لطلاب السودان لإتمام العام الدراسي، خاصة في مراحل الشهادات الأساسية (الابتدائية – الثانوية).
مع اضطراب الأوضاع التعليمية في الداخل السوداني خلال العام الدراسي الحالي، أصبحت مدارس المراكز المجتمعية السودانية في مصر ملاذاً لطلاب السودان لإتمام العام الدراسي، خاصة في مراحل الشهادات الأساسية (الابتدائية – الثانوية)
اضطرابات تعليمية في السودان
بدأت المدارس الحكومية السودانية والخاصة للتعليم الأساسي والثانوي العام الدراسي في يوليو/ تموز الماضي، لكن السنة الدراسية – من بدايتها- شابتها الاضطرابات، التي بدأت بالإعلان عن تعديل تقسيم مراحل التعليم ما قبل الجامعي من مرحلتين فقط إلى ثلاث مراحل دراسية هي: الابتدائية وهي عبارة عن ست سنوات، ثم مرحلة المتوسط وهي ثلاث سنوات، ثم المرحلة الثانوية وهي ثلاث سنوات يعقبها أداء امتحان الثانوية العامة السودانية، متممة مرحلة التعليم ما قبل الجامعي.
إضافة إلى توقف الدراسة بسبب إضراب المعلمين للمطالبة بزيادة الرواتب وانتظامها، وتغيُّر المناهج.
كل هذه الاضطرابات كان لها تأثير مباشر على المدارس السودانية في مصر والمراكز المجتمعية التعليمية السودانية، التي ازداد عددها لاستيعاب القادمين من السودان وانتشرت في محافظات كانت تغيب عنها
كل هذه الاضطرابات كان لها تأثير مباشر على المدارس السودانية في مصر والمراكز المجتمعية التعليمية السودانية، التي ازداد عددها لاستيعاب القادمين من السودان وانتشرت في محافظات كانت تغيب عنها، إذ استقبلت محافظات مصرية مختلفة اعداداً كبيرة من الجالية السودانية الراغبة في توفير بعض الاستقرار لمستقبل أبنائها الدراسي.
سناء محجوب* أم سودانية جاءت إلى مصر في أغسطس/ آب الماضي، اضطرت إلى نقل مقر سكنها مع ولدها إلى القاهرة، حتى يتمكن من تلقي الخدمة التعليمية بشكل منتظم، خاصة أنه في مرحلة الثانوية العامة. جاءت محجوب إلى مصر بعد أن عانت من عام دراسي سابق تعطلت فيه الدراسة بسبب الإضرابات والأحداث المتلاحقة بالسودان، فقررت هي وزوجها تحمُّل نفقات السفر، وتسجيل ابنهما في أحد المراكز المجتمعية بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة.
وفقاً لسناء، هناك فرق كبير بين المدارس الحكومية والخاصة السودانية من جهة، والمراكز المجتمعية السودانية في مصر من جهة أخرى. "المدارس في السودان مبان على مساحة خضراء كبيرة، تتوفر فيها ملاعب ومساحات واسعة للطلاب، ولكن المراكز المجتمعية في مصر هي مبان صغيرة ولا يوجد فيها ملاعب ولكن يوجد فيها يوم دراسي منتظم، وهذا هو الأهم".
ورغم ارتفاع قيمة الجنية المصري مقابل الجنيه السوداني (الجنيه المصري = 1904 الجنيه السوداني) ما يجعل تكاليف المعيشة مرتفعة في مصر مقارنة بالسودان، لكنها تحملتها هي وزوجها من أجل يوم دراسي منتظم.
المنظمات الداعمة اضطرت إلى خفض الدعم المالي المقدم للاجئين من أجل تعليم أطفالهم، ومع الضغوط الاقتصادية المتزايدة في مصر مقابل وضع اللاجئين الهش اقتصادياً، لجأت أسر إلى إنفاق الدعم البالغ نحو 30 دولار على النفقات الأساسية (طعام وبدل مسكن)، وباتت تفاضل بين الأبناء في التعليم لتزداد نسبة التسرب من التعليم بين اللاجئين في مصر
وأعلنت لجنة المعلمين السودانيين الإضراب عدة مرات نتيجة تأخر الرواتب، أحدثها لدى نشر هذا التقرير، إذ دعت اللجنة اليوم، الأربعاء 5 إبريل/ نيسان، إلى الإضراب عن العمل بدءاً من الغد، ما لم تصرف السلطات للمعلمين راتب مارس/أذار، مؤكدة على صفحتها في فيسبوك استمرار الإضراب إلى حين تلبية مطالبهم المشروعة، وما زالت الاعتصامات والإضرابات مستمرة في بعض المناطق وفقاً للصفحة الرسمية للجنة المعلمين.
توفيق أوضاع
ميسون عبد السلام، مديرة مركز أجيال المستقبل التعليمي في منطقة بولاق (محافظة الجيزة)، تعيش في مصر منذ أكثر من ست سنوات أشرفت خلالها على مركز التعليم المجتمعي القريب من مسكنها.
تشرح ميسون لرصيف22: "خلال الأعوام السابقة كان التعليم ما قبل الجامعي في السودان ينقسم إلى مرحلتين فقط، هما "مرحلة الأساس" وتمتد ثماني سنوات، ثم مرحلة الثانوية العامة وهي ثلاث سنوات، وأقرت وزارة التربية والتعليم السودانية نقل من أنهى مرحلة الأساس إلى المرحلة الثانوية، وأما من يدرس في هذه السنة الجديدة، وهي ما يطلق عليها ثالثة متوسط فهم الراسبون".
تواصل ميسون: "مع تعديل النظام التعليمي في السودان تُرك دارسو "ثالثة متوسط" من دون التأكد من توفيق أوضاعهم ووصول منهجهم الدراسي الجديد: "الآن في مصر طلاب سودانيون راسبون ولكن ليس لديهم منهج محدد، وبالتالي هذا العام بالنسبة لهم هو عام فارغ، بسبب هذا التغيير".
من المشكلات التي عانى منها الطلاب هذا العام أيضاً، تأخُّر تأمين الكتب الدراسية خاصة لمرحلتي أولى وثانية متوسط، إذ وصلت بعد بدء العام الدراسي بشهرين، ولم تصل كتب التدريبات، وبالتالي وفرت المراكز المجتمعية الكتب بشكل إلكتروني من مدرسين في السودان وقامت بطباعتها في مصر.
ومن خلال تواصلها مع معلمين في ولاية الخرطوم، توضح ميسون أن بعض المدارس الحكومية استجابت للإضرابات التي دعت لها لجنة التعليم السودانية وتسبب ذلك في غلق المدارس بعض الوقت، ما أدى إلى عدم إتمام امتحانات الفصل الدراسي الأول في بعض المدارس الحكومية، خاصة مدارس الأقاليم الشمالية وولاية الخرطوم، تبيِّن: "هذا كان له أثر سلبي على بعض المراكز المجتمعية العاملة في مصر والتي تتبع إدارياً ولاية الخرطوم (لإصدار الشهادات الدراسية) ولكن المراكز المجتمعية أصرت على إتمام الامتحانات حتى لا يفقد الطالب العام الدراسي رغم عدم إتمامها في بعض المدارس بالخرطوم".
وتضيف: "الدراسة في الخرطوم شغالة، ولكن عملياً المدارس الحكومية متوقفة بسبب الإضراب".
من المشكلات التي عانى منها الطلاب هذا العام أيضاً، تأخُّر تأمين الكتب الدراسية خاصة لمرحلتي أولى وثانية متوسط، إذ وصلت بعد بدء العام الدراسي بشهرين، ولم تصل كتب التدريبات، وبالتالي وفرت المراكز المجتمعية الكتب بشكل إلكتروني من مدرسين في السودان وقامت بطباعتها في مصر
نتضامن مع المعلمين ولكن...
تحدث رصيف22 مع عدد من الأهالي الذين لا يزالون يقيمون بالخرطوم ويفكرون في الانتقال للقاهرة لإلحاق أبنائهم بالمدارس المجتمعية، وأكد الذين وافقوا على الحديث إلينا تضامنهم مع المعلمين المضربين وتفهُّم قرارهم بالإضراب في ظل توقف الدولة عن دفع الرواتب. إلا أن التظاهرات والإضرابات بسبب تأخر الرواتب كان لها تأثير سلبي في مراحل التعليم ما قبل الجامعي وخاصة في المدارس الحكومية.
اضطراب في التمويل
تعتمد المراكز المجتمعية التعليمية السودانية في مصر على تدريس المنهج السوداني للطلاب (المهاجرين واللاجئين) من مختلف الجنسيات. ولكن وفق المنهج السوداني، ويلتحق بها عادة سودانيون من الشمال وجنوب السودان وإريتريا وجنسيات إفريقية أخرى.
يذكر أن مواردها المالية تأتي من المنحة التعليمية التي تقدمها هيئة الإغاثة الكاثوليكية crs لكل طالب وتبلغ ألف جنيه مصري، يتسلمها ولي أمر بموجب مقابلة رسمية وبعد الاطلاع على بطاقة الهوية الخاصة بالطالب (سواء الرقم الوطني – أو بطاقة الهوية الصادرة من مفوضية اللاجئين)، أو منحة يتم تقديمها إلى المركز المجتمعي باسم الطالب من قبل منظمة سانت أندرو ومنظمة الهجرة الدولية للمهاجرين واللاجئين المسجلين لديهما، إضافة إلى دعم عيني في صورة صيانة وأثاث وأدوات تعليمية تتلقاها المراكز المجتمعية.
هذا العام تأخرت المنحة التعليمية للطلاب، وبعض ممن حصلوا عليها استخدموها في سد الاحتياجات الأساسية غير التعليم، خاصة مع التضخم الهائل الذي ضرب الاقتصاد المصري وأثّر على اللاجئين والمهاجرين ذوي الموارد المحدودة. في المقابل، انخفض الدعم الموجه من المنظمات الدولية إلى العملية التعليمية، ورغم ذلك استمرت المراكز المجتمعية بأقل الإمكانات رغم ارتفاع الكثافة في الفصول التي أصبح يدرس فيها الطالب اللاجئ مع المهاجر من دون فرق أو تمييز.
نقص الإمكانات المادية ونقص الدعم وارتفاع الكثافة أدت إلى عدم قدرة بعض المراكز على دفع الرواتب، لتتجدد الأزمة السودانية في الداخل المصري، إذ انسحب معلمون كثيرون وبحثوا عن مهن أخرى لإعالة أسرهم في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة في البلاد. وهذا ما تؤكده ميسون عبد السلام: "الكثير من المنظمات ليس لديها خريطة مجتمعية وليس لديها رقابة عليها ولا تعرف ما هي المراكز الأكثر احتياجاً وليس لديها أرقام واضحة عن أعداد الطلاب في كل مركز".
مقيّد لدى ميسون عبد السلام 250 طالباً من مرحلة الحضانة حتى الثانوية العامة، لم يتمكن أولياء أمور عديدون من دفع المصاريف، تقول مديرة مركز أجيال: "حاولت تقسيم المصاريف على أقساط، لكن البعض لم يدفع أيضاً بسبب تأخر المنح سواء على الطالب اللاجئ أو المهاجر، والسوداني أو غير السوداني، كما أن تأخر رواتب الأسر في السودان جعل الطلاب المعتمدين على رواتب ذويهم المقيمين بالسودان يعانون من أزمة اقتصادية في مصر".
مدرسة لكل اللاجئين
بين الساعة الواحدة والثانية بعد الظهر، تعلن أجراس المدارس نهاية اليوم الدراسي الذي بدأ في الثامنة صباحاً، ليخرج طلاب ويدخل آخرون ملتحقون بالمدرسة المسائية، ويتقابل طلاب المرحلتين مرتدين الزي الدراسي الموحد الرمادي اللون على سلالم المبنى المكون من أربعة طوابق، في كل منها عدة فصول مجهزة بمقاعد دراسية ووسائل حماية للطلاب، إضافة إلى وسائل تعليمية وغرفة للأنشطة بها معرض رسومات للأطفال. هذه خريطة أحد مراكز الرعاية المجتمعية في مدينة 6 أكتوبر، والمقيد في مدرسته طلاب من الجنسيات السودانية والجنوب سودانية واليمنية وغيرها من المقيمين بالمدينة.
يدير هذا المكان محمد أبو نعامة الأمين العام لتجمع المراكز المجتمعية، ومدير مركز التميُّز السوداني، الذي يوضح لرصيف22 أنه بسبب الاضطرابات في النظام التعليمي في السودان، فتحت العديد من المراكز مجتمعية ومدارس سودانية أبوابها في مصر لاستقبال طلاب من السودان من غير اللاجئين في مصر.
ويشرح أبو نعامة الوضع في السودان: "لا يوجد استقرار في وزارة التعليم السودانية، فظلت وزارة التربية والتعليم السودانية بدون وزير بعض الوقت، حتى أُسندت إدارتها إلى وزير مكلف، هو زير التربية والتعليم محمود سر الختم الحوري، وذلك وفقاً للموقع الرسمي لوزارة التربية والتعليم السودانية.
يشير ابو نعامة إلى أن تغيُّر تقسيم المراحل الدراسية وتغيير المناهج تبعاً لذلك، كانت نتيجته تأخر الكتب الدراسية وبدء العام الدراسي من دونها، كما أن إضافة مرحلة "ثالثة متوسط" يعني وجود كتب ومناهج دراسية جديدة كلياً لهذه المرحلة، إلا أن هذه الكتب لم تصل مصر إلى الآن.
بحسب الموقع الرسمي للمفوضية السامية للاجئين، فإن المدارس والمراكز المجتمعية السودانية في مصر يلتحق بها طلاب من السودان وجنوب السودان وهم النسبة الأكبر، ثم طلاب من إريتريا، واليمن ونسبة قليلة من التشاديين وجنسيات أخرى، يتاح لهم أيضاً الالتحاق بالمدارس الحكومية والخاصة المصرية.
وعن أثر قيام أٍسر سودانية بإرسال أطفالهم إلى مصر لتلقي التعليم في ظل عدم استقرار العام الدراسي في السودان، يوضح أبو نعامة أن تلك التحركات أسهمت في التطوير وزيادة التنافسية بين المدارس السودانية في مصر على اختلاف أوضاعها.
عشرات الآلاف في احتياج إلى الخدمات
وفقاً لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لفبراير/ شباط الماضي وصلت أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لديها في مصر حتى نهاية الشهر المشار إليه إلى 291 ألف لاجئ وطالب لجوء ينتمون إلى 56 جنسية.
يُذكر أن الجنسية السورية هي أعلى الجنسيات المسجلة في كشوف اللاجئين في مكتب مصر، إذ بلغ عدد السوريين 146 ألف لاجئ وطالب لجوء، تليها الجنسية السودانية بنحو 59 ألف لاجئ وطالب لجوء، ثم جنسية جنوب السودان بنحو 42 ألف لاجئ وطالب لجوء.
ويتركز وجود السودانيين في القاهرة والجيزة والقليوبية وأسوان والإسكندرية وذلك وفق بيانات مفوضية اللاجئين.
تبعات اقتصادية
بحسب أبو نعامة، فإن مصاريف الدراسة للطلاب في المرحلة الابتدائية بالمراكز المجتمعية تبدأ من 2500 جنيه مصري (نحو 80 دولاراً) للطالب، وقد تصل إلى 4000 جنيه سنوياً ( 130 دولاراً) في بعض المدارس والمراكز المجتمعية، وهذا مبلغ كبير في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وفرص العمل المحدودة والمتواضعة الدخل المتاحة أمام اللاجئين، خاصة أن هناك مبلغاً يضطر ولي الأمر إلى دفعه إلى جانب مبلغ المنحة التعليمية التي لا تتجاوز ألف جنيه، فيضطر البعض إلى المفاضلة في التعليم بين الأبناء، "لنجد بذلك متسربين من التعليم أو متأخرين في المراحل الدراسية".
المنحة التعليمية كانت عام 2018 نحو 1900 جنيه مصري، وانخفضت على مدار السنوات إلى ألف خلال العام الجاري، وبحسب مصادر في المراكز المجتمعية "لم يحصل عليها جميع المسجلين".
وبررت هيئة الإغاثة الكاثوليكية انخفاض قيمة المنحة، بسبب زيادة أعداد اللاجئين وملتمسي اللجوء كل عام مع عدم زيادة الموارد بنسبة تناسب زيادة أعداد اللاجئين.
وأكد أبو نعامة أن هذا الانخفاض ساهم في زيادة الأعباء على الطلاب والمراكز حيث تنخفض المنحة التعليمية في الوقت التي تزداد مصاريف المراكز التعليمية بسبب زيادة بدل الإيجار وتكلفة الخدمات في مصر. فالمراكز المجتمعية تعتبر المنحة التعليمية هي مصدر دخلها لدفع رواتب المعلمين وبدل الإيجار والخدمات المتعلقة بالمركز.
وأضاف أنه حتى عام 2016 كانت هيئة الإغاثة الكاثوليكية crs تتولى دفع بدل إيجار المراكز التعليمية والصيانة والكتب المدرسية، ولكن هذا توقف في الأعوام الماضية، وباتت المنحة التعليمية التي يتسلمها أولياء الأمور ويدفعونها مقابل تسجيل أولادهم في المراكز التعليمية هي البديل لتشغيل المراكز.
أضيف إلى كاهل أولياء الأمور عبء آخر، هو أن الكتب الدراسية أصبحت تكلفتها تراوح بين 250 و500 جنيه للطالب الواحد حسب كل مرحلة، وفي السابق كانت تأتي من السودان مدعومة من الحكومة السودانية. وخلال العام الماضي، نتيجة الأوضاع في السودان أصبحت المدارس السودانية والمراكز المجتمعية تحصل على الكتب إلكترونياً بصيغة pdf وتتولي المدارس طباعتها في مطابع مصرية في محاولة لخفض التكاليف، وإضافة مصاريف الطباعة على أولياء الأمور، لكن طباعة الكتب على هذا النحو ساهمت في خفض التحصيل الأكاديمي للطلاب.
وفقاً لبيانات تجمع المراكز والمدارس المجتمعية السودانية لم يتعدَّ عدد المراكز المجتمعية السودانية في مصر عام 2018 الـ20، قفز العدد عام 2020 إلى 57 مركزاً ومدرسة سودانية، وهو العدد الرسمي الذي تأسس من خلاله تجمع المراكز المجتمعية السودانية في مصر، وعام 2023 قارب عدد المراكز المجتمعية الـ130، وظهرت هذا العام مراكز دروس خصوصية للشهادة السودانية في مصر بسبب الأوضاع في السودان.
علماً بأن تجمع المراكز المجتمعية أنشأه عدد من مؤسسي المراكز التعليمية السودانية في مصر بهدف التواصل مع وزارة التربية والتعليم السودانية والسفارة السودانية، ووزارة التربية والتعليم المصرية، والتنسيق في امتحانات الشهادات الرسمية، ومتابعة المراكز المجتمعية.
وضع التجمع شروطاً للمراكز المجتمعية المقيدة به في محاولة لتنظيم آلية القيد، وهي أن تكون بالمركز مرحلتان تعليميتان على الأقل، وتكون لديه شهادة قيد معتمدة من هيئة الإغاثة الكاثوليكية وعدد الطلاب لا يقل عن 150، وأن يكون مر على المركز عام دراسي، ثم يقدم طلب انضمام للتجمع ولجنة من التجمع تفحص المركز ومن ثم اعتماده.
بحسب أبو تعامة، افتتح البعض مراكز مجتمعية من دون علم السفارة أو وزارة التربية والتعليم السودانية، ومن دون دعم المفوضية أو هيئة الإغاثة الكاثوليكية وتعرض بعضها للإغلاق والتشميع. طلاب هذه المراكز يتعرضون لمشكلات "بسبب غلق المراكز في منتصف العام" على حد قول أبو نعامة.
في عام 2022، بدأت المراكز المجتمعية في توفيق أوضاعها حتى تحصل على التصديق وعضوية التجمع، ووضعت شروطاً للمراكز، منها أن يكون المركز منفصلاً وليس ضمن مبنى سكني، وأن يتمتع بغطاء قانوني من خلال مظلة الجمعيات والمبادرات الرسمية، مصرية كانت أو خاصة باللاجئين.
تسمح الحكومة المصرية للطلاب من أبناء الجنسيات السورية والسودانية واليمنية وجنوب السودان بالالتحاق بالمدارس المصرية، والمعاملة بالمثل مع الطالب المصري. وفي تصريحات صحافية سابقة لبابلو ماتيو ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدى مصر ولدى جامعة الدول العربية السابق، فإن 80% من أطفال اللاجئين لديهم الحق في دخول المدارس المصرية الحكومية. ولكن 20% ليس لديهم هذا الحق حتى الآن، وجاري العمل على ضم باقي الجنسيات إلى المدارس المصرية، مؤكداً أن المفوضية لا تعطي الدعم بشكل مباشر للمدارس المجتمعية "ولكن نعطي دعماً رمزياً للأهالي، ولديهم الفرصة لاختيار أي نظام تعليمي يودون إلحاق أبنائهم به".
رغم أن الدراسة للطلاب السودانيين بالمدارس المصرية مجانية، يفضّل أولياء الأمور إلحاق أبنائهم بالمدارس السودانية لتجنب ما قد يتعرض له الطلاب من العنصرية والتنمر، والتمييز من قبل المعلمين أو الطلاب المصريين، وفقاً لما أكده أبو نعامة.
ادفع بالدولار
ارتفاع رسوم امتحانات الشهادة السودانية والشهادة الإبتدائية والإصرار على تسديدها بالدولار من الأعباء الإضافية على الأسر.
قبل الثورة السودانية، لم تكن السفارة السودانية تسمح للطلاب بأداء امتحانات الشهادة ببطاقة المفوضية، سواء كانوا من اللاجئين أو طالبي اللجوء، ولكن بعد الثورة سمحت السفارة لأي طالب أن يؤدي امتحان الشهادة السودانية وشهادة الأساس، ما دامت لديه بطاقة هوية، سواء كانت جواز سفر سودانياً أو بطاقة هوية لاجئ أو طالب لجوء، ولديه شهادة تفيد بإنهاء مرحلة الأساس، وذلك لطلاب الشهادة الثانوية، ويتم تنظيم الامتحانات للمهاجرين واللاجئين معاً، وتشرف عليها المستشارية الثقافية التابعة للسفارة السودانية وتتم الامتحانات في مدرستين هما المدرسة السودانية والمجلس الإفريقي، وهما المركزان الأساسيان للامتحانات الشهادة السودانية.
ولكن الأزمة في ارتفاع أسعار امتحان الشهادة السودانية تأتي في اشتراط تسديد الرسوم بالدولار، فرسوم مرحلة الابتدائية هي الأعلى، إذ تبلغ 130 دولاراً للطالب، وقد ارتفعت الآن إلى 230 دولاراً.
هذه الرسوم تحددها الولاية وليست وزارة التربية والتعليم في السودان أو مصر، وجميع المراكز المصرية تتبع ولاية الخرطوم، وبالتالي ناشد تجمع المراكز والي الخرطوم والسفارة السودانية، خفض رسوم الامتحانات، واستجاب والي الخرطوم لتعود الرسوم إلى 130 دولاراً لامتحان شهادة الأساس بالنسبة للسودانيين، ويسدد غير السودانيين 150 دولاراً.
لكن مع تغيير نظام التعليم – والحديث هنا لأبو نعامة- بتنا بصدد مشكلة جديدة: "حالياً لدينا ثلاث مراحل، وهناك صعوبة في توفير الدولار في مصر، وبالفعل استجابت الولاية والسفارة وأصبح تسديد رسوم الامتحانات بالعملة المحلية". وباتت رسوم الشهادة الابتدائية 3970 جنيهاً مصرياً للطالب، و2440 جنيهاً للشهادة السودانية، وأرسل التجمع مقترحاً إلى السفارة السودانية وولاية الخرطوم للمطالبة بتخفيض رسوم الشهادة الابتدائية.
استيراد المعلمين
بسبب الأوضاع في السودان، هاجر عدد من المعلمين المقيدين لدى وزارة التربية والتعليم السودانية إلى مصر، وبدأوا رحلة عملهم داخل المراكز المجتمعية، بعضهم جاء باحثاً عن فرصة عمل أفضل، والنسبة الأقل جاءت بناءً على طلب الأسر السودانية والمعلمين نظراً لشهرتهم وكفاءتهم في السودان.
وفقاً لبيانات رابطة معلمين السودانيين في مصر، فإن عدد المعلمين المسجلين لدى الرابطة هو 562 مقيماً في مصر، وخلال العام الدراسي الأخير انضم 67 معلماً من السودان.
بشير يونس جامع، رئيس رابطة المعلمين السودانيين في مصر، اعتبر أن وصول المعلمين السودانيين إلى العمل في مصر هو إضافة إلى العملية التعليمية لدى المراكز والمدارس السودانية، وذلك بسبب تمكنهم من تدريس المنهج السوداني والتواصل مع أبناء الأسر السودانية وتوفير مناخ تعليمي للطالب مثلما كان يدرس في السودان، وتمكنوا من تدريس المناهج وإعداد الطلاب للامتحانات، خاصة طلاب الشهادة الثانوية.
في 22 مارس/ أذار الماضي، أعلن وزير التربية والتعليم المكلف في السودان، محمود سر الختم الحوري، تأجيل امتحانات الشهادة السودانية التي كان مقرراً إجراؤها في 27 مايو/ أيار المقبل، لمدة أسبوعين بسبب الإضرابات.
عام 2015، تأسست رابطة المعلمين السودانيين في مصر بهدف الترابط وحل المشكلات بين المعلمين والعاملين في المراكز المجتمعية وأصحابها، خاصة أن المعلمين السودانيين لا يعملون في مصر بموجب عقود عمل رسمية على غرار السودان، وبالتالي كان لهذه الرابطة دور في المساعدة لحل مشكلات المعلمين. وبعد ذلك تشكلت رسمياً، ولديها شراكات مع اليونيسيف ومنظمة إنقاذ الطفولة Save the children، وتشارك في الفعاليات مع الوزارات المصرية مثل وزارة الشباب والرياضة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...