يمنع طلاء الأظفار ووضع الخواتم والأكسسوار وارتداء أي لباس "يخلّ بالآداب"، كما تجبر الفتيات على ارتداء الحجاب. هذه قوانين تفرضها على الطالبات مدارسٌ سورية عدّة في مدينة غازي عنتاب التركية.
فصل بين الجنسين
أحمد (اسم مستعار)، واحد من اللاجئين السوريين وأب لطفلتين، يسعى إلى البحث عن مدرسة تقبل ابنتيه دون اشتراط ارتدائهما الحجاب، لكن بحثه باء بالفشل.
وروى صديق هذا الوالد لرصيف22 أنه سأل مسؤولاً في إحدى المدارس أثناء جولة البحث "ماذا لو جاء مسيحي أو شخص من دين أو طائفة أخرى لتدريس أولاده؟"، فأجابه المسؤول "لم نواجه مثل هذا الموقف، وليس في غازي عنتاب مسيحيون أصلاً". وعندما اعترض قائلاً أن هذا الأمر لم يكن يحدث في سوريا حيث كانت الكنيسة تلاصق المسجد أجابه المسؤول "كان معمي على أبصارنا".
وقال حجي دادا، مدير العلاقات العامة في وزارة التعليم في الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، لرصيف22 إن عملية فصل الطلاب الذكور عن الإناث في المرحلة الثانوية كان مقترحاً من قبل الوزارة أيضاً، وذلك لمراعاة المجتمع السوري المقيم في المدينة التركية، وأيضاً لأن الدوام في المدارس ينتهي مساءً وبالتالي سيكون للاختلاط آثار سلبية "لكن الأتراك لم يقبلوا لأن مدارسهم مختلطة وتركيا دولة علمانية".
أدلجة التعليم
وأصيب السوري خليل، وهو أب لفتاة، بصدمة كبيرة خلال زيارته لأكثر من مدرسة لأنها تطالب بفرض الحجاب ولباس معيّن على الفتيات. وقال لرصيف22 إن "هذا الفرض نوع من الأدلجة والتسيس لقطاع التعليم. لذا أُفَضّل أن تبقى ابنتي في المنزل على أن يتم فرض الحجاب عليها دون قناعة".
ودُهش أحمد من استغراب مسؤول المدرسة لرفضه فكرة الحجاب، وقال إنه "ليس من حق القطاع التعليمي أن يطالب أيّة فتاة بأداء الفروض الدينية كالصيام والصلاة بدون قناعة". وتابع: "قاطعني المسؤول وسألني إنْ كنت سنّياً فأجبته: أجل لكن ليس جميع الفتيات السنّيات يرتدين الحجاب، فقال لي: نعم هنالك الكثير ولكن لم يصدف أن جادلنا أحدٌ بهذا الخصوص".
يعتقد المسؤولون عن المدارس السورية أن فرض مثل هذه الأمور على الطلبة لا يدخل في سياق الإجبار أو الأدلجة، بل هي ضوابط مجتمعية يجب مراعاتها. وقال أحد المسؤولين في مدرسة سورية: "في عقليتنا، يُضرب الطفل في العاشرة من عمره لعدم أدائه الصلاة".آلية التعليم
قبل السنة الحالية، كانت الحكومة التركية تخصص بعض المباني لاستخدامها مدارس سورية، أو كانت تٌستأجر أبنية للتدريس. لم يكن السلك التعليمي تابعاً لوزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة، وكان التسجيل في المدارس لا يتطلب أكثر من تواصل بسيط مع المديرين.
أما هذا العام، فقد احيلت جميع المدارس إلى ملاك وزارة التربية التركية، وفي كل مدرسة عُيّن مدير تركي مكلف من مديرية التربية التركية التي تختار المعلمين والمعلمات. وكانت تركيا قد فرضت على الداعمين أن تقتصر مهمتهم على الدعم بدون التدخل في النظام التدريسي.
علماً أن المناهج التعليمية تتضمن مادة التربية الإسلامية، وتُدرس ساعتين في الأسبوع ما عدا للصفوف الابتدائية الثلاثة الأولى.
حين طلبنا من وزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة إذناً للقيام بجولة ميدانية في المدارس، أُبلغنا بأن الدخول إليها يتطلب موافقة مديرية التربية التركية. فلجأنا إلى هذه المديرية والتقينا السيد واصف مؤنس، معاون مدير التربية التركي والمسؤول عن الملف السوري الخاص بالتعليم في مدينة غازي عنتاب. ولكن الأخير ارتأى تقديم طلب إلى الوالي، وطلب كهذا سيحتاج لأكثر من شهر للإجابة عنه، ويمكن أن يأتي الردّ بالرفض نظراً إلى حساسية القطاع التعليمي.
ووافق حجي دادا على الإجابة عن بعض الاستفسارات التي تتعلق بواقع التعليم، مع مراعاة أن وزارة التربية السورية في الحكومة المؤقتة لا تملك أيّ سلطة على المدارس السورية التي سماها "مدارس مؤقتة" كونها تابعة لمديرية التربية التركية، وشرح أن "النظام الجديد المعمول به سيخول التلامذة السوريين مستقبلاً الاندماج في المدارس التركية".
المناهج الدراسية
بحسب حجي دادا، تلتزم المدارس الابتدائية نفس مناهج المدارس السورية التابعة للنظام السوري، باستثناء مادة القومية التي يتم التمجيد فيها لحزب البعث الحاكم. كما أُزيل كل ما يتعلق بالنظام السوري في المواد الدراسية من أقوال وصور وشعارات، واستُبدل بإضافات تتعلق بالثورة السورية. ومن الاختلافات استبدال العلم السوري بالعلم الذي أقرته المعارضة السورية.
بحسب النظام التركي، يتلقى التلامذة من الصف الأول إلى الرابع 25 ساعة دراسة اسبوعياً، وخمس ساعات إضافية من حق المدرسة أن تتصرف بها. وفي المرحلتين الإعدادية والثانوية يدرسون 30 ساعة اسبوعياً وهنالك خمس ساعات إضافية من حق المدرسة أن تتصرف بها.
وقال حجي دادا إن انتقاد فرض الحجاب لقبول الطالبات مبالغ فيه بعض الشيء، ولم يتردد في القول "إن سوريا دولة إسلامية، ومَن درس في سوريا يدرك أن التربية الإسلامية كانت مادة تُدرس للطلبة"، متسائلاً "لماذا يتم التركيز على موضوع العادات الإسلامية في المدارس ولا يتم الحديث عن المدارس التبشيرية التي تستهدف السوريين في تركيا"، مشيراً إلى أن مديرية التربية التركية أغلقت العديد منها.
في سوريا، كانت تُدرّس مادة التربية الإسلامية ساعتين في الأسبوع. ولكن إلى جانبها كانت تُدرّس مادة التربية المسيحية. هذا عدا وجود مدارس خاصة سريانية وأرمنية تدرّس المناهج التابعة لوزارة التربية السورية، وتدرّس مادة سريانية أو أرمنية أيضاً.
واعتبر دادا أن ما حدث مع أولياء الطلاب في المدارس حالات فردية، لكنه أعادها إلى تأثّر الناس بالواقع السوري العام الذي تأثر بالفكر الديني، خاصةً في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام. وأقرّ بأن هذا الأمر لا يجوز وغير مقبول، مؤكداً أن وزارة التربية التركية تقبل أيّة شكوى مقدمة من الأهالي حول فرض نمط معين على الطلاب.
ومعلوم أن عائلات سورية لاجئة كثيرة تعاني من موضوع أدلجة وتسييس القطاع التعليمي. وقال لرصيف22 أبو ريم، وهو من إحدى الأقليات السورية، إنه اضطر إلى نقل ابنه من مدرسة إلى أخرى بسبب بث أفكار دينية تتنافى مع مذهبهم. وقالت أمل لرصيف22 أن ابنها الذي يهوى الرسم لم يتلقّ أيّة حصة رسم بعد مرور شهرين من بدء السنة الدراسية، "لكنه بات يحفظ أكثر من أربع آيات قرآنية".
داخل مدرسة سورية
بعد شهرين من العام الدراسي، لم تُطبع الكتب السورية في تركيا بحسب حجي دادا، وذلك لعدم وجود داعم "إلا أنه أخيراً تم إيجاد داعم ولكن لم تنتهِ طباعة الكتب حتى الآن".
"في عقليتنا، يُضرب الطفل في الـ10 من عمره لعدم أدائه الصلاة" يقول أحد المسؤولين في مدرسة سورية في غازي عنتاب
وقد وافق مدير إحدى المدارس السورية في غازي عنتاب على استضافتنا بشرط عدم الكشف عن اسم المدرسة واسمه. وقال إن عدم تنظيم العملية التعليمية جعل من كل مدرسة تعمل بحسب رؤى الداعم، هذا عدا هيمنة الدولة التركية على العملية التعليمية السورية، "وذلك نوع من التتريك للعملية التربوية"، برأيه.
وأعاد أسباب فشل القطاع التعليمي إلى عدم تبني منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" للعملية التربوية لللاجئين السوريين على غرار النموذج الفلسطيني.
ولا ينكر المدير عدم حيادية التعليم ولا تأثّر القطاع التعليمي بالواقع السياسي، وبرأيه "يجب عدم تسييس العلم إذا أردنا بناء جيل سوري سوي".
حتى اليوم، تعتبر تركيا السوريين ضيوفاً لا لاجئين، وهو أمر يخول الحكومة التركية التحكّم بواقع حياتهم.
ورأى شفان إبراهيم، مدرّب على عملية دمج التكنولوجيا بالتعليم، أن فرض المقدس الديني من خلال دمجه في العملية التربوية يؤسس لعنف داخلي في المراحل المبكرة للطفولة. وقال "إن فرض أمور فكرية في مراحل عمرية غير متناسبة مع المراحل العقلية والنفسية ستشكل موروثاً عنيفاً يؤثر على حياة الطفل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
Apple User -
منذ 4 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا