قبل أشهر، بدأ المهندس الزراعي محمد من قرية شطحة في سهل الغاب وسط سوريا، تجربةً جديدة، هي إضافة نبات الآزولا إلى علف بهائمه من أبقار وأغنام وطيور بيّاضة، ثم أضاف هذه المادة إلى خلطات التغذية، لكونها جديدة على البيئة المحلية، علماً بأن فائدتها موضع جدل في البلاد، وممنوع زراعتها رسمياً حتى الآن.
يقول محمد إنّه أضاف اﻵزولا المجففة بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، فقد وصل سعر طن العلف إلى أربعة ملايين ليرة سورية (قرابة 550 دولاراً وفق سعر الصرف غير الرسمي)، أما ما تقدمه الحكومة من أعلاف منتجة لديها، فإنّ سعر الطن منها أقل ويبلغ مليوناً ومئة ألف، لكنه لا يغطي الحاجة، في حين أنّ سعر طن الآزولا المجففة حوالى 700 ألف ليرة (أقل من مئة دولار).
أضاف محمد اﻵزولا المجففة لغذاء حيواناته بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، فقد وصل سعر طن العلف إلى أربعة ملايين ليرة سورية.
ويشكل ثمن علف أي حيوان 70% من كلفة تربيته، وهو ما يعني أنّ البحث عن بدائل الأعلاف هو هاجس المربين حول العالم، وفي سوريا تزيد الحاجة إلى هذه البدائل لأسباب كثيرة، منها الظروف المناخية والجفاف وتناقص مساحات الأراضي الزراعية التي كانت تزرع فيها المواد العلفية من الشعير والباقية والجلبانة وغيرها في مناطق إدلب وريف حلب والجزيرة، التي خرجت مئات الهكتارات منها عن الخدمة بسبب الحرب والجفاف.
يعدد المهندس محمد سبباً ثانياً لإضافة اﻵزولا، هو نوعية المادة، ويقول لرصيف22: "بعد شهر من تجربتها لاحظت فرقاً في إنتاج حليب الأبقار والأغنام، فمع دمج كميات آزولا مع العلف اليومي بنسبة الربع زاد الحليب في الأبقار بنسبة الربع تقريباً، فأصبح إنتاج البقرة الواحدة عشرين كيلوغراماً بعد أن كان خمسة عشر يومياً"، ويتوقع زيادة أكبر مع زيادة اﻵزولا في العلف.
واﻵزولا Azolla نبات سرخسي دائم الخضرة يعيش على سطح الماء ويتميز بنمو سريع، وتزرعه العديد من الدول لأنه ذو تركيبة بروتينية يمكنها توفير العلف لعدد كبير من الكائنات الحية، ويمكن أيضاً تحويله إلى أسمدة ووقود حيوي. وتبعاً للعديد من البحوث والتجارب العالمية ونتائج تحاليل اﻵزولا، تصل نسبة البروتين فيه إلى 40%، ويوفر بين 50% إلى 70٪ من تكلفة العلف.
للآزولا أيضاً فوائد بيئية عديدة، فنموه السريع يجعله عنصراً كابحاً لأهم غازات الاحتباس الحراري، غاز ثاني أوكسيد الكربون، إذ يمتصه النبات محولاً إياه ضمن كتلته الحيوية، كذلك يعيش مع النبات طحلب الأنابينا الذي يثبت النيتروجين في الجو ويحوّله إلى بروتين يغذي الأسماك.
إنتاج محدود
أحد منتجي اﻵزولا في محافظة حماة، عرّف عن نفسه باسم أبو ليث، وقال لرصيف22 إنه بدأ تجربة زراعة الآزولا منذ سنوات في مزرعته، وحصل على نتائج شجعته على تحويل المشروع من اكتفاء ذاتي إلى مشروع استثماري، واليوم يجفف اﻵزولا ويبيعها، ولكن إلى الآن، فإنّ "عدم ترخيص الوزارة لزراعتها يجعل المربين يأنفون ويخافون من استخدامها".
ولكون اﻵزولا نباتاً جديداً وافداً على البيئة السورية، منعت وزارة الزراعة زراعته بشكل قطعي، بقرارها رقم (4528) تاريخ 24/11/2020 مستندةً إلى كتب رسمية من هيئة البحوث الزراعية وإيكاردا (مركز البحوث الزراعية في المناطق الجافة) ومديرية الإنتاج النباتي، وذلك بهدف منع انتشاره باعتباره من السراخس المائية التي تشكل ضرراً على المسطحات المائية والمعدات المستخدمة عليها، مع حق "الاستعانة بالجهات الأمنية لإتلافه وقت الضرورة".
في حديث سابق مع وكالة سانا الحكومية، اعترف معاون المدير العام للهيئة العامة للبحوث الزراعية، الدكتور بهاء الرهبان بمميزات استخدام اﻵزولا كعلف لتغذية الدواجن والثروة الحيوانية والسمكية، وأشار في الوقت ذاته إلى أن زراعته على نطاق واسع تحفها الكثير من المخاطر، منها حاجته إلى كميات كبيرة من المياه وضرورة تجديدها موة كل عدة أشهر، وهي كميات لا يستهان بها.
بدأ أبو ليث تجربة زراعة الآزولا منذ سنوات في مزرعته في حماه، وحصل على نتائج شجعته على تحويل المشروع من اكتفاء ذاتي إلى مشروع استثماري، واليوم يجفف اﻵزولا ويبيعها، ولكن إلى الآن، فإنّ عدم ترخيص الوزارة لزراعتها يجعل المربين يأنفون ويخافون من استخدامها
خلافاً للقرار السوري، فإنّ دولاً في الجوار تمتلك مسطحات مائية أكثر سمحت بزراعة اﻵزولا، وأمّنت بذورها للمربين، مثل فلسطين والعراق، أما مصر، فقد أجازت مراكز بحوثها الزراعية زراعة اﻵزولا، حتى أنّها تستزرع جزءاً من بحيرة الفيوم بها لإطعام الأسماك.
قرار منع زراعة اﻵزولا تزامن تقريباً مع فرض الحكومة السورية ضريبة قيمة مضافة على منتجات الأعلاف النهائية بقيمة 14%، ما أدى فوراً لرفع أسعار العلف عدة أضعاف، لحق بها ارتفاع في الأنواع الأخرى المضافة للعلف، فبلغ سعر طن فول الصويا في المرفأ حوالى ثلاثة ملايين ليرة، والذرة الصفراء 1.65 مليون ليرة، ما شكّل عبئاً كبيراً على المربين دفع بعضهم للتخلي عن "حلالهم".
تأتي قرارات فرض الضرائب ورفع أسعار العلف بعد فقدان نصف قطاع الثروة الحيوانية السورية على الأقل، حسب تصريح مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة أسامة حمود في شباط/ فبراير العام الماضي، وذلك بفعل المتغيرات الاقتصادية والمناخية والحرب، مترافقةً مع قلة توفر الأعلاف المدعومة حكومياً والتي تغطي ربع الحاجة فقط. ويعني كل هذا ضرورة التفكير ببدائل أعلاف عملية وطرحها للنقاش مع المربين للوصول لأفضل الحلول بالنسبة للمواشي والبيئة أيضاً.
خبز يابس وشعير وصويا
لطالما استخدم المربون في سوريا الخبز اليابس في التعليف، لرخص ثمنه وتوفره، ومع انقطاع الأعلاف زاد تحوّل المربين إليه كعنصر داعم، مثل طلال، وهو مربي أغنام بريف مدينة بانياس الساحلية، يتنقل بين قرى المنطقة سعياً لشراء الخبز اليابس.
يقول طلال إنه اتجه أكثر إلى شراء "اليابس" وخلطه بالشعير وكسبة فول الصويا بسبب عدم توفر الأعلاف لإطعام أغنامه، بعد أن قننت دمشق مخصصات المربّين عبر ما سمته "المقنن العلفي"، إذ يحصل المربون المسجلون على حصص أقل من حاجتهم بكثير، مع فساد في توزيعها على المعارف وأصحاب الواسطة.
يجب الاهتمام بوضع خطة وطنية للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الأعلاف.
ونتيجة ارتفاع الطلب عليها وصدور قرارات حكومية بمنع تخزين الخبز والاتجار به، شهدت أسعار الخبز اليابس ارتفاعاً، ووفق طلال وآخرين ممن التقيناهم، فإنّ سعر الكيلوغرام قفز من مئتي ليرة إلى قرابة الألف، أي يساوي تقريباً سعر كيلوغرام من العلف الحكومي.
ولأن الخبز وحده لا يكفي، يبحث مربو الحيوانات عن مزيج مساعد، ويشير طلال إلى أنّه يستخدم مع الخبز الشعير والذرة الصفراء والتبن، ولكنها هي الأخرى "غالية ولم تعد متوفرة مثل أيام زمان"، ولا يمكن بسهولة تأمين هذه المواد التي شهدت أسعارها ارتفاعاً، سواء أمحلية كانت أم مستوردة.
ويقدّر المزارع علي من قرية شطحة في الغاب تكاليف رعاية بقرة واحدة بين العلف والأدوية بنحو مليون وربع المليون ليرة سورية (قرابة 170 دولاراً)، وتعطي مقابل ذلك حليباً بنحو مليوني ليرة، وكمية روث تتجمع كل فترة بمبلغ مشابه، وهذا المردود يتفاوت تبعاً لنوعية الأعلاف والرعاية.
الجندي الأسود استثمار منتظر
إلى جوار الآزولا، هناك محاولات خجولة تهدف إلى تأمين حاجة الحيوانات من البروتينات، بطرق تستعيد أنماطاً قديمة من تغذية البهائم قبل ظهور طرق التعليف الحديثة، ومنها تغذية الحيوانات بيرقات الحشرات التي تلتهمها عادة مع الأعشاب أثناء الرعي مثل يرقات الذباب، ومنها "ذبابة الجندي الأسود".
تقوم التجارب على "تربية يرقات ذبابة الجندي لإنتاج البروتينات والدهون لتغذية الحيوانات، باستخدام مخلفات وفضلات عضوية"، كما يقول لرصيف22 الخبير البيئي رامي أزهري، وهو من أوائل الذين أدخلوا تربية الذبابة في سوريا في مزرعته برأس شمرا في اللاذقية.
"ذبابة الجندي من أنواع الذباب الشديدة المقاومة للأمراض والعوامل البيئية، ويمكن التعامل معها بسهولة، وتعيش بكثافة عالية حيث توجد فضلات عضوية، يرقاتها شرهة جداً وتأكل ضعفين ونصف من وزنها يومياً" كما يقول رامي، مضيفاً أن الذبابة "علف غني جداً بالبروتينات ومغذٍ طبيعي لكثير من الحيوانات، وتتكون من بروتين بنسبة 63% ودهون بنسبة 20%".
يتابع: "الحيوان مثل الإنسان يحتاج إلى البروتين، وأهم مصادر تأمين البروتين في أعلاف الحيوانات المنتِجة للحوم هي بودرة السمك وكسبة الصويا والحبوب، وكلها تسببت بمشاكل للبيئة، فدقيق السمك المطحون هو سبب الصيد الجائر، وتطلب الصويا والقمح مساحات زراعية كبيرة أزالت الغابات في كثير من المناطق حول العالم، والهدف إطعام الحيوانات التي نأكلها نحن البشر، ومن فوائد استبدال هذه المواد بمجففات يرقات الجندي الأسود، تقليل تكاليف الأعلاف على مربي البهائم لكون مادة إطعام اليرقات نفايات عديمة القيمة".
ويشير الطبيب البيطري علي الزعبي إلى أن حشرة ذبابة الجندي الأسود موجودة في البيئة السورية قرب مكبات النفايات وبعيداً عن التجمعات السكانية، ومن فوائدها البيئية تخلصها السريع والآمن من النفايات العضوية مما يساهم في التخلص من تراكمها.
لأن الخبز وحده لا يكفي، يبحث مربو الحيوانات عن مزيج مساعد، ويشير طلال إلى أنّه يستخدم مع الخبز الشعير والذرة الصفراء والتبن، ولكنها هي الأخرى "غالية ولم تعد متوفرة مثل أيام زمان"، ولا يمكن بسهولة تأمين هذه المواد التي شهدت أسعارها ارتفاعاً، سواء أمحلية كانت أم مستوردة
ولا تنقل ذبابة الجندي الأسود الأمراض، ويرقاتها تحارب يرقات الذباب المنزلية وذباب الفاكهة، وبالتالي فهي منظف بيئي بدرجة "سوبر جندي"، وخلال حياتها القصيرة التي لا تتجاوز خمسة أيام، لا تأكل بعد خروجها من الشرنقة، وتنحصر مهمتها بوضع 600 إلى 900 بيضة في النفايات العضوية، وتحتاج حسب الظروف المحيطة بها من شهر إلى 45 يوماً لتصبح يرقة تتشرنق وتعود لتعطي ذبابة جديدة وهكذا.
مطلوب المزيد من البدائل
اتساع طيف الأعلاف البديلة بين نباتي وحيواني يقتضي توطين أنواع من البيئة المحلية تتميز بارتفاع نسبة الغذاء فيها، ولكل نوع من الحيوانات، وهذا ما فعله الأجداد قديماً فكانوا لا يخلفون أية "زبالة" وراءهم.
المشكلة في سوريا كما يذهب المزارع والمربي وائل عباس، وهو صاحب معمل أعلاف متوقف في تل أبيض شمال حلب، تكمن في ضعف إدراك خطورة التغيرات المناخية التي أصابت الكوكب من قبل المؤسسات والمربين، وكون البدائل وإنتاجها يحتاج خبرة ومعرفة وتدريباً.
لقد انتهى زمن الوفرة، ولذلك وفق عباس "يجب الاهتمام بوضع خطة وطنية للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الأعلاف، ومتى تحقق ذلك تنخفض تكاليف تربية الحيوانات ومنتجاتها، وترتفع نوعية المنتج نفسه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...