"ببالغ الأسى والألم، تلقّينا نبأ انقلاب سيارة تحمل على متنها ثلاثين عاملةً زراعيةً، يعملن في إحدى الضيعات في أحد البراشوة (غرب المغرب)، وذلك مساء الأربعاء 29 آذار/ مارس الماضي، ذهبت ضحيتها 14 عاملةً، ونُقلت باقي العاملات إلى المستشفى في وضعية حرجة، بين الموت والحياة، وقبل أن نستوعب الأمر بلغنا صباح اليوم التالي 30 من آذار/ مارس، خبر حادث سير آخر، لشاحنة تقلّ عاملات زراعيات في جماعة بلفاع/ أشتوكة آيت باها (جنوب المغرب)، خلّفت إصابات متفاوتة الخطورة لنحو 26 عاملةً زراعيةً"؛ بهذه العبارت، دقّ تنظيم المرأة في القطاع الفلاحي ناقوس الخطر، بسبب ما وصفه بـ"الاستهتار بحياة العاملات الزراعيات".
في بيان حصل رصيف22، على نسخة منه، أكّد تنظيم المرأة في القطاع الفلاحي، أن "هاتين الحادثتين تُضافان إلى العديد من حوادث السير التي تتعرض لها العشرات من العاملات الزراعيات، في طريقهن من مقرات العمل وإليها، وبشكل مستمر"، مشيراً إلى أن "هذه الفئة من العاملات، تفتقر إلى أدنى شروط العيش الكريم والعمل اللائق، إذ يعشن كل أشكال القهر والاستغلال والعنف والتمييز بأنواعه كلها، وغياب شروط الصحة والسلامة، مما يعرّض حياتهن للخطر؛ وقد أصبحت حوادث السير التي يذهب ضحيتها العمال والعاملات الزراعيات، تتكرر باستمرار، بسبب استعمال وسائل نقل مهترئة، أغلبها مخصصة لنقل البضائع، ومكتظة بعاملات، يفوق عددهن الطاقة الاستيعابية، ويرجع كذلك لمسؤولية المراقبة الطرقية التي تغضّ الطرف عن التجاوزات الخطيرة لقانون السير".
دقّ تنظيم المرأة في القطاع الفلاحي ناقوس الخطر، بسبب ما وصفه بـ"الاستهتار بحياة العاملات الزراعيات"
حياتهن صعبة ومطالبهن بسيطة
هن نساء دفعهن ضيق ذات اليد للعمل ساعات طويلةً، في ظروف محفوفة بالمخاطر، وبأجور زهيدة، إذ يتقاضين ما بين 60 إلى 70 درهماً (5.7 -6.6 دولارات)، يومياً، وفي غياب عقود العمل والضمان الاجتماعي، فضلاً عن صبرهن إزاء شتّى أشكال الوصم الاجتماعي.
يقمن بجُملةٍ من المهام، التي تُنعت من طرف المزارعين ومُسيّري المزارع بكونها تتناسب مع تركيبتهن الجسدية، من قبيل القطاف، وإزالة الأعشاب الضارّة، وغرس الشتلات، وغيرها، فيُشكّلن إثر ذلك حلقةً مهمةً في الإنتاج الزراعي المغربي، خاصةً بعد عمل الحكومة على "مخطط المغرب الأخضر"، الذي هيكل التنمية الزراعية والريفية بين سنتي 2008 و2020.
أثارت حوادث السير التي ذهبت ضحيتها العديد من العاملات الزراعيات التساؤلات حول أوضاعهن وحقوقهن في المغرب
تقول عضوة المكتب التنفيذي لفدرالية رابطة حقوق النساء في ورزازات (جنوب المغرب)، فاطمة الزهراء نجاح: "أصحاب الضيعات ومتعهدو خدمات النقل جميعهم يجب عليهم الالتزام بمعايير السلامة والأمان في أثناء نقل العاملات والعمال، مع ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من نزيف حوادث السير المتكررة، والتي أودت بحياة عدد من العاملات والعمال، وهم في طريقهم إلى العمل، وفي أثناء عودتهم منه بسبب انعدام شروط النقل المناسبة".
"لا بد من إلزامية تفعيل المراقبة الصارمة على متعهدي خدمات النقل للالتزام بشروط السلامة والأمن، وعدم تجاوز العدد المسموح به من الركاب في أثناء نقل العاملات، مع مراقبة وسائل النقل باستمرار، وكذلك ضرورة تحسين شروط عمل العاملات في الضيعات الفلاحية، والتطبيق السليم لمقتضيات مدوّنة الشغل في القطاع الفلاحي"؛ تضيف نجاح في حديثها إلى رصيف22، مؤكدةً أنه "يجب على الجهات المسؤولة التعجيل في وضع خطة شاملة لوقف كل مظاهر التشغيل الهش للنساء في القطاع الفلاحي، مع إلزام كل الأطراف الاجتماعية باحترام شروط 'علاقات العمل' التي يكفلها الدستور، والحق في الشغل اللائق الذي تقرّه منظمة العمل الدولية ومواثيق حقوق الإنسان".
وأشارت الناشطة المدنية المنشغلة بالدفاع عن حقوق النساء، إلى ضرورة "ضبط ومراقبة الظروف اللا إنسانية التي يتم من خلالها نقل العاملات الزراعيات، والتي تهدد حيواتهن في كل يوم عمل، ذهاباً وإياباً، من عدد من الضيعات حيث يعملن وإليها، والتي لا يتحمل بعض أصحابها ما يلزم من المسؤولية التي من شأنها أن توفّر لهؤلاء النساء العاملات أبسط الحقوق المتمثلة في وسائل وشروط نقل تليق بإنسانيتهن".
خطر الحوادث مستمر
في بيان لها، خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قد دقّت ناقوس الخطر، بالقول إن هناك "عاملات موسميات يتنقلن للعمل في الضيعات، بما فيها ضيعات فلاحية في قرى أيت إيمور وأكفاي والسويهلة وغيرها، من المناطق المجاورة لمدينة مراكش (جنوب المغرب)، مؤكدةً أنهن يشتغلن من طلوع الشمس إلى ساعات متأخرة من المساء، وبأجر زهيد، ويعملن في ظروف قاسية ولساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، ويتم استغلالهن بشكل بشع في ما يشبه الاستعباد، في غياب أي مراقبة أو احترام لحقوقهن، وفي اعتداء صارخ على حقهن في ساعات عمل معقولة وأجر عادل وحماية اجتماعية ورعاية صحية".
تجدر الإشارة إلى أن بيان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، كان قد صدر عقب حادث وُصف آنذاك بـ"المأساوي"، وكانت حصيلته أقل من الحادث الأخير، حيث شهد ملتقى طريق نواحي مدينة مراكش، خلال شهر أيلول/ سبتمبر المنصرم، حادثة سير مميتةً، نجمت عن اصطدام دراجة ثلاثية العجلات، كانت تحمل ثمانية عاملات في طريقهن إلى ضيعة فلاحية، وسيارة لنقل العربات المعطلة (خدمة الإغاثة)، كانت تجرّ سيارةً، مما أدى إلى مقتل سائق الدراجة على الفور، فيما أصيبت العاملات بجروح وكسور متفاوتة الخطورة، وفارقت عاملتان الحياة بعد نقلهما إلى المستشفى في مراكش في اليوم نفسه.
بالرغم من التحذير المستمر للمنظمات الحقوقية، بخصوص أوضاع العاملات المزري، وبالرغم من تكرار حوادث موتهن في الطرق، بسبب تكدّسهن داخل وسائل نقل بدائية، إلا أن الشروط اللا إنسانية لعملهن ما تزال مستمرةً، والخسائر البشرية تتكرر، الأمر الذي دفع النائب البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية رشيد حموني، إلى مطالبة وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يوسف السكوري، في سؤال برلماني، بالكشف عن "التدابير التي يجب اتخاذها، من أجل ضبط ومراقبة الظروف اللا إنسانية التي يتم من خلالها نقل العاملات الزراعيات، والتي تهدد حياتهن في كل يوم عمل، ذهاباً وإياباً إلى عددٍ من الضيعات ومنها، والتي بعض أربابها لا يتحملون ما يلزم من مسؤولية من شأنها أن توفر لهؤلاء النساء الكادحات أبسط الحقوق المتمثلة في وسائل وشروط نقل تليق بإنسانيتهن".
منسيّات... لكن يساهمن في التنمية
في هذا السياق، قال رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان عادل تشيكيطو، لرصيف22: "مع الأسف إننا في كل سنة نسمع عن حادثتين أو ثلاث حوادث أو أكثر مُتعلقة باصطدام ناقلة لمستخدَمي/ ات الضيعات والمعامل الفلاحية، التي لا تحترم شروط السلامة وحفظ الصحة، والسبب هو عدم قيام مجموعة من المصالح الحكومية بوظيفتها في ما يتعلق بالرقابة القبلية والبعدية لتلك الناقلات"، مشيراً إلى أن "المسؤولية في مثل هذه الحوادث تكون مُركّبةً، تتداخل فيها كلّ من وزارة النقل التي تمنح رخصةً لنقل هؤلاء النساء، ثم رجال إنفاذ القانون الذين يراقبون الطرق، من قبيل رجال الدرك والشرطة الذين ينبغي عليهم توقيف مثل تلك العربات، وأن يتأكدوا من مدى توافرها على شروط السلامة".
"إن مسؤولية تكرار هذه الحوادث المأساوية، تقع كذلك على مفتّشي الشغل، الذين يتوجب عليهم، على مدار السنة، القيام بعملية تفتيش عن مثل هذه العربات، حتى تُلزم أصحابها أو أصحاب الضيعات الفلاحية بضرورة احترام الشروط المنصوص عليها في دفتر التحملات"، يردف تشيكيطو في حديثه مشيراً إلى أن "المغرب في إطار سياسته العامة المرتبطة بالشُغل، صادق على مجموعة من الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، كما شارك في المؤتمر الأخير، الذي كان من ضمن ما نادى به هو مبدأ 'السلامة الصحية'، وتالياً لا بد من ملاءمة القوانين الوطنية مع هذه المبادئ".
بالرغم من أنهن يعملن بكدّ لساعات طويلة، ويُراكمن سنوات من الخبرة، إلا أنهن لا يحظين إلا بفُرص نادرة للترقي على المستوى المهني، بعكس الكثير من الرجال، ممن ينطلقون في العمل البسيط، لكن أوضاعهم ومكانتهم سُرعان ما تتحسن، ليتدرجوا في المهام ما بين "كابران" (اسم محلي يُطلَق على الشخص المسؤول عن إدارة العمال وتعبئتهم)، أو حارس أو مسؤول عن تشغيل الآلات؛ لذلك تجد هؤلاء النسوة من العاملات مستمرات في العمل في مختلف المزارع، بأجور قليلة، وبأدنى الحقوق، من بينها تكديسهن بأعداد كبيرة داخل شاحنات صغيرة أو سيارات نقل بضائع لنقلهنّ إلى المزارع، مع تحمّلهن تكاليف النقل. وبالرغم من أن منهن من دفعت حياتها ثمناً للقمة العيش الصعبة، أو لـ"طرف الخبز" (قطعة الخبز) كما تُنعتُ حياة الكدّ في المغرب، إلا أن الوضع المُزري لا يزال مستمراً، وكأن آذان الجهات الوصية صمّاء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...