شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"لم يعد هناك وقت للمماطلة"... تقرير مثير للقلق قبل مراجعة "الصندوق" للاقتصاد المصري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 30 مارس 202304:52 م

اعتاد مواطنو مصر على الاستيقاظ يوم الخميس المقرر فيه الاجتماع الدوري للجنة السياسات المالية بالبنك المركزي، على أخبار صادمة، عليهم التعامل معها وتكييف حياتهم عليها في الساعات الأولى من صباح يوم العمل. هذه المرة، لا يزال المصريون مع اقتراب موعد الإفطار في انتظار انتهاء اجتماع اللجنة، التي تعقد اليوم الخميس 30 مارس/ آذار 2023، ثاني اجتماعاتها الدورية لعام 2023، من أجل حسم مصير الفائدة في ظل عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية ونمو معدلات التضخم بشكل تاريخي، وسط توقعات من خبراء الاقتصاد برفع للفائدة يراوح بين 2 و3%، وربما انزلاق جديد قريب في قيمة الجنيه.

يأتي هذا تزامناً مع استعداد مصر للمراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولي. وبموجبه وافق الأخير في ديسمبر/ كانون الأول 2022 على تقديم قرض تسهيل ممتد قيمته ثلاثة مليارات دولار، في إطار برنامج مدته 46 شهراً، يخضع لثماني مراجعات، أولاها كانت مقررة في 15 آذار/ مارس الجاري. وفي تصريح للمتحدث باسم صندوق النقد الدولي، جيري رايس، قال إن الاستعدادات للمراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري بدأت، لكن موعد وصول بعثة المراجعة سيعلن عند الاتفاق مع السلطات.

مورجان ستانلي: تحرير سعر صرف الجنيه وحده لن يكون حلاً سحرياً للتخفيف من أزمة الاقتصاد المصري، خاصة في ظل تفاقم معدلات التضخم مدفوعة بفقدان العملة المصرية نصف قيمتها تقريباً، وارتفاع نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي

وتبلغ قيمة الشريحة الثانية من قرض الصندوق 347 مليون دولار، مماثلة للدفعة الاولى التي تلقتها مصر في ديسمبر/ كانون الأول الفائت، وللحصول على القرض، تعهدت مصر التزام عدة شروط أهمها التحول الدائم إلى نظام سعر صرف مرن، وإصلاحات هيكلية واسعة النطاق، أبرزها الحد من تأثير الدولة في الاقتصاد من خلال التخارج من العديد من الأنشطة الاقتصادية، إلى جانب تخارج الدولة والقوات المسلحة والأجهزة التابعة لها من بعض الأنشطة الاقتصادية التي تخضع لممارسات شبه احتكارية، وإتاحة المجال للقطاع الخاص للاستثمار فيها.

للحصول على القرض، تعهدت مصر التزام عدة شروط أهمها التحول الدائم إلى نظام سعر صرف مرن، وإصلاحات هيكلية واسعة النطاق، لكن تقارير اقتصادية عديدة، تؤكد أن مصر لم تتخذ خطوات جادة للوفاء بتعهداتها حتى اللحظة

وخلال عام 2022، خفضت الدولة قيمة عملتها المحلية ثلاث مرات، فقدت خلاها نحو 50% من قيمتها، إذ تحرك سعر الجنيه من 15.70 في مارس/ آذار 2022، إلى 30.95 جنيه لكل دولار اليوم 30 مارس/ آذار 2023. ومن المنتظر خفض جديد في قيمة العملة المصرية خلال الأيام المقبلة بعد قرارات البنك المركزي المرتقبة.

وعلى مستوى تخارج الحكومة من الأنشطة الاقتصادية، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في فبراير/ شباط 2023، اعتزام الدولة بيع حصص حكومية في 32 شركة، من خلال طرح أسهمها في البورصة، ابتداءً من الربع الأول من العام الحالي حتى نهاية الربع الأول من 2024، بهدف جمع ستة مليارات دولار. ومن بين الأصول التي تتضمنها خطة الخصخصة، بنك القاهرة والمصرف المتحد والبنك العربي الإفريقي الدولي، وشركتان تابعتان لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، هما "الشركة الوطنية للمنتجات البترولية"، وشركة "صافي لتعبئة المياة" اللتان تطرحان لأول مرة في البورصة أول مستثمر إستراتيجي. مع ملاحظة أنه رغم إعلان الحكومة اعتزامها القيام بهذه الخطوة منذ العام الماضي، لم تدخلها حيز التنفيذ بعد.

مورجان ستانلي: لم يعد هناك وقت للمماطلة

وقبل أيام من الاجتماع المرتقب، وبالتحديد الاثنين 27 مارس/ آذار، أصدر بنك مورجان ستانلي، وهو مؤسسة خدمات مالية واستثمارية تعد من أكبر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة الأمريكية، تقريراً حول واقع الاقتصاد المصري بعنوان "الاقتصاد بين المطرقة والسندان"، أكد فيه أن إجراءات السياسة النقدية بمفردها لن تخرج مصر من أزمة العملات الأجنبية، وأنه للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي وتحجيم ضبابية المشهد الاقتصادي في مصر، هناك حاجة إلى إصلاحين هيكليين رئيسيين متلازمين، أولهما تسريع وتيرة تخارج الدولة من الأنشطة الاقتصادية، والثاني الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن بشكل دائم، مشيراً إلى أن كلا الحلين ليس بالأمر السهل وهما عرضة لمخاطر التنفيذ.

"مصر من أكثر البلدان الناشئة تأثراً بالصراع الروسي الأوكراني، لأنها مستورد صاف للغذاء"

وأوضح التقرير أن تحرير سعر صرف الجنيه وحده لن يكون حلاً سحرياً للتخفيف من أزمة الاقتصاد المصري، خاصة في ظل تفاقم معدلات التضخم مدفوعة بفقدان العملة المصرية نصف قيمتها تقريباً خلال الـ12 شهراً الأخيرة، مع ارتفاع نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي (حوالى 92% خلال السنة المالية 2022 ومن المتوقع وصولها إلى 96.2% في 2023 ثم انخفاضها إلى 91.5% عام 2024)، ولكنه يجب أن يكون جزءاً من برنامج إصلاح هيكلي يتضمن خصخصة الأصول المملوكة للدولة.

وذكر التقرير أن مصر من أكثر البلدان الناشئة تأثراً بالصراع الروسي الأوكراني، لأنها مستورد صاف للغذاء، وتتحمل عبئاً كبيراً من دعم المواد الغذائية والطاقة في الميزانية، كما أن تعرضها لهروب رأس المال مع بداية الحرب أثر على سيولة العملات الأجنبية، ما قادها إلى السعي إلى نيل قروض جديدية، على رأسها طلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي، تمت الموافقة عليه في ديسمبر/ كانون الأول 2022، ليمثل دعامة لاستقرار الاقتصاد من خلال تعزيز التزام السلطات المصرية بالإصلاحات الهيكلية، التي من شأنها تحفيز التمويل الإضافي من الشركاء المتعددي الأطراف والإقليميين، وتسريع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى السنوات الأربع المقبلة لتجاوز 10 مليارات دولار أمريكي سنوياً.

وتسببت الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في فبراير/ شباط 2022، في أزمة تتعلق بإمدادات الغذاء إلى مصر، خاصة بالنسبة لاستيراد القمح، الذي كانت تعتمد الدولة على استيراد غالبية احتياجاتها منه من روسيا وأوكرانيا، كذلك توقف السياحة الروسية والأوكرانية التي كانت تدر العملة الصعبة، ثم هروب الأموال الساخنة، بعد قرارات الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، إذ فقدت الدولة إثر ذلك نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة.

وفقدت الدولة نحو سبعة مليارات دولار من الاحتياطي النقدي الأجنبي لديها، إذ كان يصل إلى 40.934 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2021، بينما انخفضإلى 34 ملياراً في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وقال التقرير إن الشكوك المتعلقة بوتيرة الإصلاح وتشديد الظروف المالية التي تشهدها الاقتصادات حول العالم، والتي من المحتمل أن تقيِّد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر والمحافظ الأجنية، من شأنها استمرار حساسية الاقتصادي المصري تجاه الصدمات العالمية.

التمويل الأخير من صندوق النقد لن يغطي سوى 17% من إجمالي فجوة التمويل المقدرة بنحو 18 مليار دولار أمريكي

ولفت إلى أن التمويل الأخير من صندوق النقد لن يغطي سوى 17% من إجمالي فجوة التمويل المقدرة بحوالى 18 مليار دولار أمريكي.

وبحسب بيان للبنك المركزي، تحتاج مصر لسداد نحو 83.8 مليار دولار عن خدمة الدين الخارجي بين 2023 و2027 كالتالي: 17.6 مليار دولار خلال عام 2023، و24.2 مليار دولار عام 2024، و15.1 مليار دولار في 2025، 16.8 مليار دولار عام 2026، ثم 10.1 مليار دولار عام 2027.

نصيحة مورجان ستانلي: على مصر ألا تعتمد على الخليج وحده في سعيها لجذب التدفقات الاستثمارية

ووصل إجمالي الدين الخارجي المصري إلى 155 مليار دولار في نهاية سبتمبر/ أيلول 2022، وفق آخر تحديث للبنك المركزي المصري.

وبيّن تقرير مورجان ستانلي أن استمرار الشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي مهم لمصر في الفترة المقبلة، ومع ذلك نصح بالتنويع في الأسواق الأخرى لتكون مفتاحاً للحفاظ على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وتحويل الاقتصاد نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية مع إمكانية توليد أكبر دخل من العملات الأجنبية.

وفي شأن التضخم، توقع بنك مورجان ستانلي أن تصل معدلاته إلى الذورة بـ38% في أغسطس/ آب، أو سبتمبر/ أيلول 2023، بسبب تبعات ارتفاع سعر الوقود وسعر صرف العملات الأجنبية، ثم التراجع على أساس سنوي إلى 13.6% بنهاية عام 2024، لكن هذا التراجع سيظل أعلى من مستهدفات البنك المركزي بنهاية عام 2024 عند 7% بزيادة أو نقصان 2%.

وقفز المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى مستويات تاريخية وصلت إلى 40.3% في فبراير/ شباط الماضي، مقابل 31.2% في يناير/ كانون الثاني 2023، بحسب بيان للبنك المركزي المصري، كذلك قفز معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية خلال فبراير/ شباط إلى 32.9% مقابل 26.5% في يناير/ كانون الثاني 2023، بحسب أحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

لا نريد سيناريو لبنان

يتفق الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل، مدحت نافع، مع تقرير مورجان ستانلي، فيما يتعلق بتخارج الحكومة من بعض الأنشطة الاقتصادية، مشيراً إلى أن لا خلاف على أن القطاع الخاص أكفأ في إدارة المنظومة الاقتصادية فيما يتصل بالمجالات التي لا تتمتع فيها الحكومة بأي ميزة نسبية، لكنه يختلف كلياً مع الشق المتعلق بالتحرير الكامل لسعر صرف الجنيه، لافتاً إلى أنه في ظل الندرة الدولارية وعدم المضي قدماً في إصلاحات هيكلية للاقتصاد، يدفعنا التحرير الكامل لسعر الصرف إلى سيناريو لبنان: "هيبقى عندنا كل يوم سعر صرف لحد ما نوصل للدولرة الكاملة - تعني اعتماد الدولة على الدولار الأمريكي في المعاملات بدلاً من عملتها المحلية أو بالإضافة إليها-".

مدحت نافع: مصر تحتاج أولاً لإصلاحات هيكلية تتمثل في تقليل فاتورة الاستيراد إلى أدنى مستوى، إنتاج بدائل الاستيراد، زيادة فاتورة التصدير، ضبط المالية العامة وضبط الإنفاق العام

ويقول نافع لرصيف22 إن مصر تحتاج أولاً لإصلاحات هيكلية تتمثل في: تقليل فاتورة الاستيراد إلى أدنى مستوى، إنتاج بدائل الاستيراد، زيادة فاتورة التصدير، ضبط المالية العامة وضبط الإنفاق العام، مشيراً إلى أنه في حالات عجز الموازنة يكون ضبط الإنفاق أهم من زيادة الإيرادات، والضبط يتحقق من خلال إعادة ترتيب أولوليات الإنفاق والتقشف الحكومي، إضافة إلى تخارج الحكومة من النشاط الاقتصادي لزيادة كفاءة الأداء بصفة عامة.

ويؤكد نافع أن هذه الإصلاحات الهيكلية تحتاج إلى وقت طويل، خاصة أن أداء الحكومة لا يواكب المتطلبات ويتحرك ببطء فيما يتعلق بالتخارج من الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي يجب عدم الاتجاه للتحرير الكامل لسعر الصرف.

كما اتفق نافع مع مورجان ستانلي فيما يتعلق بأن السياسة النقدية وحدها لن تخرج مصر من أزمتها، مشيراً إلى أن السياسة النقدية تقدم حلولاً مؤقتة على المدى القصير، لكن مشكلة مصر الأساسية تكمن في بناء اقتصاد حقيقي يقوم على تحسين الإنتاج كماً وكيفاً.

إلهامي الميرغني: تخارج الدولة من الانشطة الاقتصادية إذا تم من دون دراسة؛ سيؤدي إلى كارثة تضر بالأجيال المقبلة، خاصة أن وثيقة ملكية الدولة المعلنة تتضمن أصولاً منتجة ومربحة يتم التخطيط لبيعها

توجهات تدعم التبعية إلى الخارج

يقف الكاتب والباحث الاقتصادي والاجتماعي، إلهامي الميرغني، ضد وصفة مورجان ستانلي لحل أزمة الاقتصاد المصري، مشيراً إلى أنه يتبع سياسة صندوق النقد الدولي الثابتة، التي تتفق مع توجهاته وانحيازاته الداعمة لمزيد من التبعية والاعتماد على الخارج ولمزيد من الانخراط في النظام الرأسمالي العالمي.

وأوضح الميرغني لرصيف22 أن آلية التحرير الكامل لسعر الصرف في ظل تدهور القطاعات السلعية في الزراعة والصناعة وفي ظل الهيكل الحالي للاقتصاد المعتمد على الطرق والكباري والإنشاءات، لن يحقق أي نتائج تتعلق بزيادة الإنتاج أو جذب الاستثمار الأجنبي، خاصة في ظل سيطرة بعض قطاعات الدولة على الاقتصاد ومعاناة القطاع الخاص في ظل فوضى السوق، بل سيؤدي إلى مزيد من الضغوط التضخمية وتفاقم المديونية ورفع تكلفة الإنتاج.

أما الحديث عن تخارج الدولة من بعض الأنشطة الاقتصادية، فقال الميرغني إن هذا التخارج إذا تم دون دراسة فسيؤدي إلى كارثة تضر بالأجيال المقبلة، خاصة أن وثيقة ملكية الدولة المعلنة تتضمن أصولاً منتجة ومربحة.

 وفي الوقت نفسه تعجب الميرغني من أنه رغم التصريحات عن تخارج الدولة من الاقتصاد، نجد مزيداً من المصانع الجديدة من أسمنت وحديد إلى صناعات غذائية وكيماوية وأدوية ومزارع سمكية، وبالتالي فإن ما يتردد حول التخارج ربما يكون تصريحات لإرضاء الصندوق وتوابعه مثل بنك مورجان ستانلي، لكن في الواقع هناك مزيد من النشاط الاقتصادي للدولة ومنافسة غير عادلة تطيح القطاع الخاص ولا تجذب أي استثمار أجنبي.

وأكد الميرغني في النهاية أن وصفة مورجان ستانلي قديمة ومستهلكة وتعمق الأزمة، ولا مخرج أمام مصر سوى وقف الاستدانة ودعم الزراعة والصناعة والقطاع الخاص الوطني ووقف بيع الموارد والأصول المملوكة للشعب المصري والتي هي ملك للجيل الحالي والأجيال القادمة.

وفي مقال نشره مدحت نافع في جريدة "الشروق"، بعنوان "دائرة الديون المفرغة"، قال إن الديون دائرة مفرغة تزداد قبضتها على المدينين الذين لا يجدون منها مخرجاً إلا بمزيد من الاستدانة وبتكلفة متزايدة، لتتحول إلى سلاح السيطرة الجديد الذي تسلطه الدول الدائنة على دول العجز المزمن، مع حرص الدائنين على بخس أسعار السلع والخدمات التي ينتجها الجنوب الفقير وفي مقدمتها المواد الخام والنفط ومشتقاته والمحاصيل الزراعية.

أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر: إدارة الأزمة الاقتصادية من قبل المسؤولين المصريين تتصف بنوع من التراخي والهدوء

وللخروج من قبضة الديون يجب أن تسير الدول المستدينة في حل مستدام يسير في مسارات ثلاثة متوازية، أولها يتمثل في إسقاط جانب من الديون القائمة، والمسار الثاني يتمثل في إنشاء بورصات سلعية ومنظمات متخصصة للدول النامية، يتم من خلالها التسعير العادل للسلع والخدمات التي تتمتع تلك الدول بمزايا نسبية وتنافسية في إنتاجها وتصديرها مع توفير نفس السلع بأسعار مناسبة لمواطني تلك الدول، والمسار الثالث هو تغيير أنماط الاستهلاك بالدول النامية للتحول إلى مصادر القيمة ذات الوفرة بتلك الدول، مع تقليل الاعتماد على الاستيراد والإحلال محل الواردات بانتظام مع التطور التدريجي في المقومات الصناعية والتقنية.

نظرة إلى إدارة الدولة للأزمة الاقتصادية

يقول صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر ورئيس وحدة الأبحاث العلمية بالمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، إن إدارة الأزمة الاقتصادية من قبل المسؤولين المصريين تتصف بنوع من التراخي والهدوء، فعلى سبيل المثال كانت قراءة المستثمرين لبوادر الأزمة التي ستحدثها الحرب الروسية الأوكرانية أسرع من القراءة المصرية، ما أفقد الدولة نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة في ثلاثة أشهر فقط، ثم دمُّرت صناعتان مهمتان هما الدواجن واللحوم بسبب أزمة الأعلاف ووقف الاستيراد: "ومع ذلك بنلاقي الدولة بتستورد دواجن ولحوم من الخارج بالدولار، ألم يكن أولى دعم الصناعة إذن؟ ده بيبين الاسترخاء في إدارة الأزمة حتى تتضخم وتضطرنا لحلول مكلفة".

الدكتور صلاح الدين فهمي: رفع سعر الفائدة حل غير سليم يؤدي لمزيد من عجز الموازنة وعبء الدين، وهذا أمر مدمر للأجيال الحالية والقادمة، فالتنمية المستدامة يجب أن تطبق على أرض الواقع ولا تستقر في الكتب فقط

وعلق فهمي لرصيف22 على مسارعة الدولة لرفع أسعار الفائدة تبعاً لتحركات البنك الفيدرالي الأمريكي، مشيراً إلى أن للتضخم جانبين، إذا كان من جانب الطلب فيكون رفع سعر الفائدة مهم لكبح جماح التضخم، أما إذا كان من جانب العرض  فيكون الحل في إيجاد حلول لتوفير السلع، مشيراً إلى أن التضخم المصري من جانب العرض وبالتالي فإن رفع سعر الفائدة حل غير سليم يؤدي لمزيد من عجز الموازنة وعبء الدين، وهذا أمر مدمر للأجيال الحالية والقادمة، فالتنمية المستدامة يجب أن تطبق على أرض الواقع ولا تستقر في الكتب فقط.

وعن خصخصة بعض الشركات الحكومية، قال الخبير الاقتصادي إن استمرار تأجيل الحكومة للبيع سببه عدم استقرار سعر الجنيه، فكلما همت ببيع الشركات، ظهرت مؤشرات تدل إلى حدوث تعويم جديد في سعر الجنيه: "كدا المستثمر اللي ناوي يشتري هيأجل علشان مايخسرش وهيختار يشتري لما يوصل الجنيه لأقل سعر، وطالما مفيش موارد من مصادر العملة الصعبة، الاستقرار هيكون صعب حالياً".

وقال فهمي إن الحل في إعادة ترتيب الاقتصاد الداخلي والعمل بآليات نظام العولمة حتى يكون الاقتصاد قوياً ولديه القدرة على تحمل الصدمات الداخلية والخارجية: "أعترف إن الوضع صعب، وإن الحكومة بتحاول تحل الأزمة، لكن الاقتصاد القوي لا يتأثر بالصدمات بهذه الصورة".

هل يمنحنا صندوق النقد الدفعة الثانية من القرض؟

أكد الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، أنه ليس أمام الدولة المصرية إلا تنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي باتباع سعر صرف مرن وتخارج الحكومة من بعض الأنشطة الاقتصادية، لأن الوضع صعب، والشريحة الثانية من القرض تمثل 347 مليون دولار فقط، وهو مبلغ ضئيل، وبالتالي فإن الروشتة التكميلية ضرورة لا بد منها، متوقعاً أن يكون للصندوق بعض الملاحظات المتعلقة بالإسراع في التخارج من الأنشطة الاقتصادية لكنه في النهاية سيقدم الشريحة الثانية من القرض.

وتوقع عبده مزيداً من الانخفاض في قيمة الجنيه خلال الأيام المقبلة، مشيراً إلى أن خفض قيمة العملة تعني تخفيض دخل المواطنين، وبالتالي ليس أمام المواطن سوى التحمل وإعادة الحسابات والاستغناء عن بعض الاحتياجات.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image