شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
البداوة الرقميّة: هل تقدّم العملات الرقميّة مهرباً من

البداوة الرقميّة: هل تقدّم العملات الرقميّة مهرباً من "العالم"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الجمعة 31 مارس 202309:25 ص

هذا المقال جزء من مجموعة مقالات ينجزها رصيف22، عن العملات الرقمية والاستثمارات الجديدة، في محاولة لتقديم خريطة طريق نحو "اقتصاد آمن"، بعيداً عن احتكارات البنوك، وفساد الحكومات، والتغيرات السياسية العالميّة.

انتشر، بداية التسعينيات، مصطلح Digital nomad، الذي نترجمه هنا تجاوزاً، بالبداوة الرقميّة، في إشارة إلى فئة من العاملين في قطاع التكنولوجيا القادرين على العمل عن بعد، من دون الحاجة إلى مكتب، ما يمكّنهم من الانتقال حول العالم، والعمل من أي مكان، فهم يتحركون بين فئة "السيّاح" محبّي التنقل والاستكشاف، وفي الوقت ذاته هم "أصحاب دخل"، يمارسون مهنةً لا ترتبط بالنظام المالي للبلد المضيف.

بقي مفهوم البداوة الرقميّة مُقتدياً بالبنك، وأنظمة الدفع المشابهة لـPaypal، ناهيك عن الحدود السياسية التي تعيق تنقّل الكثيرين، ومنذ عام 2014، كانت أستونيا من أولى الدول التي منحت الإقامة الرقميّة، وما يُسمّى "فيزا البداوة الرقميّة". لكن مفهوم البداوة الرقميّة أًصبح أشدّ جدّيةً مع ظهور العملات الرقميّة، وتطور أساليب الدفع عبرها، بحيث يمكن للفرد أن يكون في أي مكان في العالم، ويعمل ضمن قطاع التكنولوجيا، ويتقاضى أتعابه بالعملات الرقميّة من دون الحاجة إلى وجود البنك. ازداد الأمر حدّةً مع وباء كوفيد 19، إذ اكتشفت الشركات والموظفون أن "المكاتب" تهدر الأموال، وأحياناً تقلل الإنتاجيّة، فبدأت الدول منذ عام 2020، تمنح فيزا للبدو الرقميين، لممارسة أعمالهم، كالأرجنتين، والبرازيل، كوستاريكا وكرواتيا، إيسلندا وإيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، والإمارات.

وصل عدد البدو الرقميين حول العالم إلى 35 مليوناً، يتنقلون حول العالم من دون استقرار، وكل ما يحتاجونه هو لاب توب، واتصال بالإنترنت، ويعمل كثرٌ منهم محاسبين، ومديري تسويق ومصممين، وغيرها من المهن التي لا ترتبط بمكان ما

سهّلت العملات الرقميّة مفهوم البداوة الرقميّة بدايةً عبر غياب الهويّة، أي تساعد سرعة التعاملات بالعملات الرقميّة على التنقل من دون الحاجة إلى إعلان الوظيفة أو العمل (هذا الشأن يهدد الحصول على فيزا البدو الرقميين)، وبرغم ارتباط الكثير من العملات الرقميّة بالبنوك والهويات وبطاقات الائتمان، هناك حالياً ما يُسمّى Ledger وهي محفظة رقميّة ذات وجود مادي (USB Drive)، غير مرتبطة بشيء، يمكن تحويل العملات إليها ومنها، والتنقل حول العالم من دون أي ارتباط ببنوك أو مؤسسات رسميّة أو هويّة محددة.

وصل عدد البدو الرقميين حول العالم إلى 35 مليوناً، يتنقلون حول العالم من دون استقرار، وكل ما يحتاجونه هو لاب توب، واتصال بالإنترنت، ويعمل كثرٌ منهم محاسبين، ومديري تسويق ومصممين، وغيرها من المهن التي لا ترتبط بمكان ما، وهنا جاءت تأشيرات البدو الرقميين لتشجيع هذا النوع من العمل، خصوصاً أن البدوي الرقمي يختلف عن السائح، فالأخير يُمنح فيزا لمدة قصيرة، وعليه إثبات امتلاكه المال في حسابه البنكي، بعكس البدوي الرقمي، الذي عليه فقط إثبات أنه يعمل، ليُمنح إقامةً طويلةً تصل إلى حد السنة، وأهمية هذه الفيزا، أنها تعفي حاملها من ضرائب الدخل في البلد الذي يسكنه، وتتيح له فتح حساب بنكي في البلد المضيف إن أراد. لا ينفي ذلك أن بعض الدول تطلب دخلاً شهرياً يصل إلى حدود 5 آلاف دولار، كالإمارات العربية المتحدة، و1،500 دولار في البرازيل.

لن نخوض في فلسفة البداوة الرقميّة بشكل عالميّ، خصوصاً أن إمكانية تنقّل مواطني المنطقة العربيّة محدود بتغيّرات سياسية، قد تمنع أحياناً انتقالهم إلى البلد المجاور، مع ذلك يبقى احتمال البداوة الرقميّة قائماً، بشرط ضمان عمل من نوع ما، يمكن ممارسته من بعد، إذ يمكن الاستفادة من فرق أسعار العملات، وإمكانية السفر نحو جنوب أمريكا مثلاً، أو شرق آسيا، أو حتى بعض الدول العربيّة.

تتيح البداوة الرقميّة لمن يتبنّاها إمكانية التحرر من الانهيار الاقتصادي الذي تشهده المنطقة العربيّة، خصوصاً مع إمكانية الدفع بالعملات الرقميّة الذي توفره بعض الشركات، ووجود وسطاء قادرين على شرائها واستبدالها بالعملة المحليّة، وهنا الاختلاف عن امتلاك حساب بنكي في بلد ما، فكلفة التحويل وقلب العملة وسحبها من البنك قد تهدد الدخل، في حين أن هذه التكاليف قليلة جداً حين الحديث عن العملات الرقميّة.

تتيح البداوة الرقميّة لمن يتبنّاها إمكانية التحرر من الانهيار الاقتصادي الذي تشهده المنطقة العربيّة، خصوصاً مع إمكانية الدفع بالعملات الرقميّة الذي توفره بعض الشركات، ووجود وسطاء قادرين على شرائها واستبدالها بالعملة المحليّة

إحدى ميزات البداوة الرقميّة أيضاً (ومساوئها)، ارتباطها بالإنترنت، النافذة المفتوحة على العالم التي تتيح العمل في الكثير من المجالات، لذلك لا بد من اختيار مدينة تحوي اتصال إنترنت ملائماً ومستمراً، كي لا يُهدَّد العمل نفسه، ناهيك عن أن مفهوم البداوة الرقمية يحرر متبنّيه من الالتزامات التي يفرضها الاستقرار، هنا مثلاً محمد شيخ الأرض يحدّثنا عن تجربته في البداوة الرقميّة، هو الذي قرر بعد حصوله على شهادة الجامعة، عدم العمل في الاختصاص الذي درسه؛ "الطبخ"، والتحول إلى صانع محتوى قادر على التنقل من مكان إلى آخر، متحرراً من الالتزامات المرافقة لنمط الحياة العادي.

بالعودة إلى المنطقة العربيّة، مفهوم البدو الرقميين قد يبدو شائكاً، أو مغامرةً غير محسوبة، خصوصاً أنه يعتمد على دخل "خارجي" يصبّ في المحفظة الرقميّة، ناهيك عن أنه متاح لجيل محدد، أي لا يمكن لكل المهن أن يتحول أصحابها إلى بدو رقميين. هي مغامرة "جيل جديد" يدرك عوالم الإنترنت، لكن يمكن الاستفادة منه لصالح هذا الجيل الجديد، الذي يضطر إلى العمل مع "الخارج" بمبالغ زهيدة، إذ يتيح نظام الدفع بالعملات الرقميّة، عدم الانصياع لمفاهيم "تصدير الجهد-exporting labor"، ويتم "الحساب" حينها على أساس نوعية العمل وجودته، لا مكان تواجد الشخص، واعتماد أجره حسب اقتصاد البلد الذي يعيش فيه، فالتواصل مع مجتمعات البدو الرقميين، يتيح فرصاً جديدةً ومتنوعةً، قد تفتح آفاقاً للسفر والتنقل لم تكن موجودةً سابقاً، أو على الأقل، وفي حال لم يرغب الفرد في "السفر"، يمكن لهذا الخيار أن يتيح له العمل ضمن قنوات لا تخضع للانهيارات المحليّة، لكن تبقى المشكلة في تحويل العملات الرقميّة، إلى عملة البلد الذي يقيم فيه الفرد، والتي أشرنا إليها سابقاً في هذا المقال.

اللافت أن مفهوم البداوة الرقمية لم يعد غريباً على العالم العربيّ. المقالات عن هذا الموضوع العام الماضي، كانت تكتفي بالعموميات، لكنها أخذت منحاً جدّياً هذا العام، إذ تأسس "مجتمع الرحالة الرقميين العرب"، وخيضت على منصته نقاشات وتم تبادل نصائح حول السفر والعمل وإمكانية التشبيك مع مجتمعات أخرى، في سبيل إيجاد فرص جديدة.

في النهاية، لا يمكن نفي غواية البداوة الرقمية. هي مغامرة تتطلب تغيّراً كاملاً في نمط حياة الفرد، لكنها ما زالت مأزومةً في المنطقة العربيّة، لا بسبب الوضع الاقتصادي فحسب، بل أيضاً بسبب المعوقات السياسيّة التي تهدد تنقّل الأفراد وأحياناً أمنهم الشخصي.


هذه المقالة ليست استشارةً ماليةً أو نصيحةً استثماريّةً. رصيف22، منصة صحافية مستقلة، لا تقدّم خدمات ماليةً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image