هذا المقال جزء من مجموعة مقالات ينجزها رصيف22، عن العملات الرقمية والاستثمارات الجديدة، في محاولة لتقديم خريطة طريق نحو "اقتصاد آمن"، بعيداً عن احتكارات البنوك، وفساد الحكومات، والتغيرات السياسية العالميّة.
ترافقت تقنية البلوك تشاين، مع ظهور الـNFTs أو ما يسمّى بالعربيّة "الرموز غير القابلة للاستبدال"، التي شكلت مدخلاً جديداً إلى سوق الفن العالميّ، وفتحت الباب أمام استقلال الفنان أو الكاتب عن المؤسسات الرسمية ودور العرض والنشر، والأهم، فتحت الباب أمام علاقة تجاريّة مباشرة مع الجمهور، أي تتم عملية البيع والشراء مباشرةً بين الفنان والمهتمين به من دون وسيط سوى منصة العرض.
يتم شراء الـNFTs، وتداولها، عبر المحافظ الرقميّة، وهي شيفرات تشبه العملات الرقميّة من حيث إمكانية شرائها وتبادلها لكنها تمتلك صيغة "الفنّ" المشفّر، ولا يمكن لاحقاً تغيير سلسلة مالكيها وكيفية انتقالها. بلغ سعر بعض الـNFTs الملايين، كـCrypto Punk التي وصل سعر الواحدة منها إلى 6 ملايين دولار.
هذا الشكل من عمليات البيع والشراء، يمر بمراحل عدة، لكلّ منها أسلوب خاص في فتح الباب أمام المستثمرين وصانعي المحتوى الفني والكتابي، أي يمكن تصميم صورة صغيرة تشبه الـPixel art، كحال كل سلسلة الـCrypto Punk، أو لوحة (كلّ الأيام: أول 5،000 يوم)، لـbeeple أو مايك وينكلمان التي بيعت في مزاد في كريستي، بـ69 مليون دولار، وتعكس سنوات عمله الطويلة في التصميم البصري والفنون الرقميّة.
لا يقتصر الأمر فقط على الأعمال الفنيّة. الأمر أوسع، إذ دخلت الصحف كنيويورك تايمز في السوق إلى جانب الأفلام والروايات، أي بصورة أخرى، يمكن أن يتحول أي شيء إلى NFT، شرط وجود المهتمين والمستثمرين.
يمكن الاستثمار في الرموز غير القابلة للاستبدال على مستويين: الأول يرتبط بصنّاع المحتوى الفني والأدبي، إذ يمكن تحويل المُنتَج البصري أو النصي أو المصوّر إلى NFT، ومن ثم عرضه ضمن منصات متعددة كـOpean sea، وطرحه للعلن، وهذا الأسلوب البسيط في العمل كلفته ثمن التعدين، إذا استثنينا كلفة إنتاج العمل الفنيّ، أي الأمر أشبه ببيع لوحة رقميّة، عبر "عقد ذكيّ-Smart contract"، بعدها يمكن للمشتري إعادة بيع ما اشتراه وهكذا دواليك، محافظاً على نسبة من الربح عند كل عملية بيع، والأخيرة تتم بسريّة تامة، كما في العملات الرقميّة، إذ يمكن للفنان أن يخفي هويته وللمشتري أيضاً، ما يجعل التركيز على العمل الفنّي فقط.
شكل من الاستثمار كهذا توفّره منصة "وزارة" التي انطلقت عام 2021، واستضافت معرضها الأول تحت اسم "أرقام"، والذي عرض أعمالاً لفنانين من العالم العربي وشمال إفريقيا بصيغة الـNFT، سواء كانت لوحات، أو فيديوهات، أو صفحات بصريةً من كتاب، ناهيك عن أن "وزارة" تؤمّن خدمات للفنان الراغب في دخول هذا السوق، أي تساعده على تحويل أعماله إلى NFTs وتساهم في الترويج لها وبيعها وعرضها ضمن المعارض الرقميّة المختلفة مقابل نسبة ثابتة تُحدَّد في "العقد الذكيّ"، ولا يمكن التلاعب بها لاحقاً، وتضمن نسبةً للفنان والمنصة وكل المشترين المستقبليين في كل عملية شراء.
يتم شراء الـNFTs، وتداولها، عبر المحافظ الرقميّة، وهي شيفرات تشبه العملات الرقميّة من حيث إمكانية شرائها وتبادلها لكنها تمتلك صيغة "الفنّ" المشفّر، ولا يمكن لاحقاً تغيير سلسلة مالكيها وكيفية انتقالها
تتميز هذه الأسواق أو مساحات العرض من هذا النوع بالاستقلال عن المؤسسات الرسميّة، وتسعى إلى كسر الحدود التقليديّة، والأهم نفي دور صالة العرض، التي تتحكم بالسعر وتبعد الفنان عن السوق أو تُدخِله ضمنها، وفي الوقت نفسه هي مساحة لاستعراض الأعمال بشكل عام من دون تدخّل مباشر في جمهور المشترين، كما نرى في مشروع "نقطة" الذي لا يخفي هويته السعوديّة، ويسعى إلى خلق مساحة وسوق مشابهين لـOpen sea، يمكن ضمنهما للفنانين عرض أعمالهم التي تتراوح بين التصوير الفوتوغرافي ولوحات الذكاء الاصطناعيّ وغيرها مما يتلاءم مع شكل السوق. يقدّم مشروع "نقطة"، فيديوهات تعليميةً لمن يريد عرض أعماله واستعراضها على المنصة وبيعها لمن يرغب، إذ هناك NFTs يبلغ ثمنها 9،411 بوليغوناً (11،068 دولاراً أمريكياً)، وهناك 0.02 إيثيريوم (34 دولاراً).
المساهمة والشراكة
الأسلوب الثاني لتوظيف الـNFTs هو الاستثماري، أي يطرح أحدهم مشروعاً بحاجة إلى تمويل ما، سواء كان كتاباً، أو لوحةً أو فيلماً، ويستقبل النقود الرقمية مقابل ذلك، لكن الاختلاف عن الشكل التقليدي، هو أن المساهمين في هذه الحالة شركاء في العمل، ولا نقصد في إنتاجه، بل في ملكيته، فما أن يجمع الفنان المبلغ المطلوب لإنجاز مشروعه، ويطلقه، حتى تتحول المبيعات والتبادل إلى استثمار في الزمن، يعود إلى الفنان و"المستثمرين" في الوقت عينه، عبر العقد الذكيّ، أي بصورة أخرى، يصير المساهمون شركاء يمتلكون حصصاً في هذا "المشروع".
هذه الخدمة تتيحها كل منصات الـNFT، كحالة منصة Oaisis X، التي انطلقت في لبنان والتي تتيح صناعة الـNFT، وإطلاقها وتبادلها، واختيار العقد الذكي المناسب. انطلقت المنصة عام 2019، مع الأزمة الاقتصادية في لبنان في محاولة لفتح فضاء أمام الفنانين والمبدعين لمتابعة أعمالهم ومحاولة الاستقلال عن الاقتصاد المنهار.
العقد الذكي: ضمان إلى الأبد
يشكل العقد الذكي أساس عمل الـNFTs، وهو عقد إلكترونيّ، يشبه عقود البيع والشراء، لكن لا يمكن تعديله والتلاعب به، تقدّمه بعض المنصات بصورة أوتوماتيكية، وبعضها يتيح لمن يريد البيع "كتابته" بالصورة المناسبة سواء عبر البرمجة أو عبر منصات تفاعليّة. يضمن هذا العقد، حقوق المستثمرين وصانع العمل الفني، بحيث يتم تحويل الأرباح إلى الشركاء بصورة آلية، فمع كل عملية بيع، هناك قيمة مضافة royalties، تعود لكلٍّ من الفنان والشركاء، وهذه العائدات لا تتوقف على أول "عملية بيع"، بل تستمر مع كل عملية بيع مستقبلية مهما غلا ثمن الـNFT.
يشكل العقد الذكي أساس عمل الـNFTs، وهو عقد إلكترونيّ، يشبه عقود البيع والشراء، لكن لا يمكن تعديله والتلاعب به، تقدّمه بعض المنصات بصورة أوتوماتيكية، وبعضها يتيح لمن يريد البيع "كتابته" بالصورة المناسبة سواء عبر البرمجة أو عبر منصات تفاعليّة
المجتمع: أزمة الترويج والاستمراريّة
يُقصد بالمجتمع، جمهور المهتمين الذين تستهدفهم حملات الترويج والدعم التي يطلقها الفنانون أو المنصات من أجل حشد المشترين المحتمَلين والمستثمرين في سبيل المشاركة في الاستثمار في الـNFT، أو شرائها، ولا يكتفي الفنان هنا بالتعريف عن مشروعه وغواية "الشراكة"، فالبعض يقدّم ما يُسمّى بالـAir drop، وهي أشبه بهدية تكتسب قيمةً لاحقاً في حال نجح المشروع واكتسب جمهوراً واسعاً، بل وتمتد جهود الترويج أحياناً إلى معارض حقيقية تقام على أرض الواقع.
تعتمد تقنيات الترويج على جمع أكبر عدد ممكن من الأشخاص، وشرح المشروع لهم ودعوتهم إلى المشاركة. الأسلوب يبدو لافتاً، لكن في النهاية يعتمد الأمر على من يشتري، خصوصاً أننا أمام مشكلة إلى من يتوجه المشروع؟ فعدم معرفة الجمهور القادر على الدفع، قد يحوّل الترويج للأعمال الفنيّة إلى جهد يتجاوز جهد إنجاز العمل نفسه، وهنا المفارقة: الحصول على "دعم" المجتمع لا يعني القدرة على البيع والانتشار.
هذه المفارقة قد يراها البعض انتقاصاً من الفنان أو عمله، لكن التركيز على الحشد ومحاولة استمالته وإقناعه، يتحولان في بعض الأحيان إلى شكل من أشكال النشاط، أو القدرة على ملاحقة السوق، أي بصورة ما هناك التراند، وهناك المشروع الفنيّ، والأخير، إن لم يتمكن من ركوب التراند، فلن يحصل بيع أو تبادل، وهذا ما يمكن ملاحظته في المنصات المرتبطة بالعالم العربيّ، وربما يعود الأمر إلى ضعف السوق العالمي بشكل عام، والضربات التي تلقّاها، لكن إلى الآن، ما زال هذا السوق فتيّاً، ولم ينفجر بعد ليشمل الفنانين التقليديّين الذين من الممكن أن تحقق لهم هذه التقنية استقلاليةً ماديةً ونموذجاً اقتصاديّاً أكثر عدالةً من نموذج الصالة والمعرض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع