هذا المقال جزء من سلسلة مقالات ينشرها رصيف22 عن العملات الرقمية والاستثمارات الجديدة، لتقديم خارطة طريق نحو "اقتصاد آمن"، بعيداً عن احتكارات البنوك، وفساد الحكومات، والتغيرات السياسية العالميّة.
...
ظهرت العملات الرقميّة إلى العلن عام 2009، أولاها البيتكوين، التي بدأت كحلم بالاستقلال عن سلطة البنوك المركزية والدولية، وتحرير المتعاملين بها من سلطة الدولة. لكن، حالياً، بعد 14 عاماً من صدورها، وتحول سوق العملات الرقمية إلى حقيقة لا يمكن تجاهلها، عمدت بعض الدول إلى إطلاق عملات رقميّة خاصة بها عبر البنوك أو عبر المبادرات الفرديّة، في محاولة لتوظيف تقنية البلوكتشاين، وما توفره من سرعة في التعامل.
لا بد من الحذر حين الحديث عن العملات الرقميّة التي تحمل اسم دولة أو بنك، ورصد الاختلاف بين العملة الرسمية، أي المدعومة من الدولة وبنكها المركزي أو البنوك الكبرى والخاصة، وبين تلك المستقلة، التي تنشئها شركات خاصة، خصوصاً بعد الحرب التي تشنها الدول على العملات الرقمية بسبب التهديد الذي تشكله على الاقتصاد ونظام الضرائب والرقابة على التحويلات الماليّة، أي يمكن القول إننا أمام صراع بين "الرسمي" و"المستقل".
البنك يدخل السباق
يمكن القول إن بنك JP Morgan الأمريكي، هو أول بنك على مستوى عالمي يطلق عملته الرقميّة الخاصة باسم، JPM Token، التي كانت قيمتها $0.00000004 حين أصدرت لأول مرة عام 2019، ولم تتغير حتى الآن. هي مشابهة لعلمة USDC ذات السعر الثابت (Stable coin) والملكية لكيان خاص، لكنها، أي عملة JPM، تعرضت للانتقادات، كونها لا تختلف عن الشكل التقليدي للعملة في تداولها، وتتحرك فقط ضمن المساحات والشركات التي تتعامل بالأصل مع البنك نفسه. كما أنها صالحة لعمليات التبادل والاقتراض ضمن بيئة البنك الماليّة، أي بصورة أخرى، تُستخدم في هذه الحالة تقنية البلوك تشاين لتسريع التعاملات، ولم تطلق عملة مستقلة لا مركزيّة.
أُطلق في الإمارات العربية المتحدة عملة UEDC، التي يبلغ سعرها 0,0075$،وهي حسب وصفها: "شبكة دفع عالمية لا مركزية بمنأى عن سلطات مركزية تمكن الناس من تخزين واستثمار ثرواتهم في عملة رقمية وتستند إلى الإيثيريوم".
رغم الاحتفاء بهذه العملة، هناك انتقادات كثيرة لها. وصفت أحياناً بالخدعة، وهنا لا يمكن تجاهل ماكينة الإمارات الدعائية، خصوصاً أن بعض الانتقادات التي طالت هذه العملة، متسائلة هل هي فعلاً بديل عن العملة الرسميّة، وهل هي مستقلة خصوصاً أمام عملة "عابر" التي توصف بـ" عملة رقمية مشتركة بين البنك المركزي السعودي ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، وتسهل عمليات التبادل. علماً أنها لا تتمتع بخصائص العملات الرقمية اللامركزيّة، وهي محصورة بين العملاء البنكيْن.
أُطلقت في العالم العربي العديد من العملات الرقميّة، كعملة إسلامي وإسلام كوين وزمزم، وحزم، وغيرها. لم تنل هذه العملات بعد شهرة واسعة وثقة المستخدمين والمتداولين، لكن غياب التعامل الكبير بالعملات الرقميّة العربيّة، لا يعني أن العالم العربيّ لا يستخدم العملات الرقميّة
لا يقتصر الأمر على السعودية والخليج العربي، إذ أعلن البنك المركزي المصري مطلع هذا العام عن بداية درس قواعد إطلاق العملات الرقميّة. حصل نفس الأمر في تونس، إذ أعلن مدير النبك المركزي التونسي، العام الماضي، عن بدء دراسة مشاريع إطلاق عملة رقميّة مدعومة من البنك أو عبر شركات خاصة.
تختلف هذه العملات "الرسميّة" عن العملات الرقمية التقليدية بشكل جوهري ولسبب بسيط، هي "مركزية" يتحكم بها البنك نفسه، وليست كغيرها قائمة على أساس اتفاق الأفراد. بشكل عام سعت البنوك الكبرى والوطنيّة نحو هذه التقنية، بهدف تسريع زمن المعاملات، لا تقديم عملات مستقلة تهدد سلطتها وقدرتها على التحكم بتدفق الأموال.
العملات المستقلة: مبادرات خجولة لا تنافس السوق العالمية
أُطلقت في العالم العربي العديد من العملات الرقميّة، كعملة إسلامي وإسلام كوين وزمزم، وحزم، وغيرها من العملات المستقلة التي تروج لنفسها بوصفها بديلاً عن النقد التقليدي، والمرتبطة بشبكة البلوك تشاين العالميّة. لم تنل هذه العملات بعد شهرة واسعة وثقة المستخدمين والمتداولين، لكن غياب التعامل الكبير بالعملات الرقميّة العربيّة، لا يعني أن العالم العربيّ لا يستخدم العملات الرقميّة.
يُذكر أن الزلزال الذي ضرب شمال سوريا وتركيا مؤخراً، والعراقيل السياسية واللوجستية أمام تقديم المساعدات الماليّة، فعّلت دور العملات الرقمية، إذ أعلنت العديد من المنصات تقديمها مساعدات للمتضررين وتسهيل عمليات التحويل المالي للالتفاف حول الطرق الرسميّة. فقد تعهدت منصة Bitget للتداول بالعملات الرقمية، تقديم حوالى 53000 دولار،، في حين تعهدت Bitfinex وKeet وSynonym وTether تقديم 265،500 دولار، وتبرعت Gate.io بمبلغ 265،500 دولار.
يُذكر أن الزلزال الذي ضرب شمال سوريا وتركيا مؤخراً، والعراقيل السياسية واللوجستية أمام تقديم المساعدات الماليّة، فعّلت دور العملات الرقمية، إذ أعلنت العديد من المنصات تقديمها مساعدات للمتضررين وتسهيل عمليات التحويل المالي للالتفاف حول الطرق الرسميّة
أتاحت العملات الرقمية المستقلة أيضاً للأفراد النجاة من الانهيار الاقتصادي في لبنان مثلاً، إذ كشفت تحقيقات صحافية عن شبكة في لبنان تتداول العملات الرقميّة وتتيح للمواطنين تحويل الأموال داخل لبنان وخارجه، إلى جانب الحفاظ على مدخراتهم ضمن محافظ رقمية، إذ يتم التبادل عبر وسيط يستخدم النقود الورقية ويتيح لأصحابها ملء محافظهم بعملة USDT وتجنب التعامل مع البنوك اللبنانيّة. حتى أن بعض المحالّ التجارية والشركات الصغيرة في بيروت تقبل الدفع بالعملات الرقمية مباشرة.
شكلت العملات الرقميّة كذلك ملاذاً لساكني قطاع غزة المحاصر، إذ استفادوا منها للمضاربة أو حماية مدخراتهم، لكنهم وجدوا أنفسهم بمواجهة إسرائيل التي صادرت المحافظ الرقمية للكثيرين، وأشارت لاحقاً إلى استخدام حركة حماس للعملات الرقمية من أجل تعاملاتها الماليّة.
على أن بصيص الأمل الذي تشكله العملات الرقمية، واستقلاليتها وحمايتها لهوية المستثمرين فيها، جعلها أيضاً محط أنظار الجماعات والتنظيمات المسلحة في العالم وفي العالم العربي خصوصاً، إذ تشير التقارير إلى أنها استخدمت في تمويل تنظيم الدولة الإسلاميّة، وحزب الله المتهم باستخدام العملات الرقميّة لتبييض الأموال وتمويل نفسه عبر إيران ومناصريه في أوروبا وأمريكا.
الجميع متهمون!
لا يمكن إنكار الرعب الذي أًصاب البنوك المركزية الوطنية والبنوك الكبرى من انتشار العملات الرقميّة، وإصدار تحذيرات رسميّة تدين من يتعامل بها وأحياناً تجرّمه. ترافق ذلك مع محاولات البنوك الدخول في السوق للحفاظ على سلطتها عبر إطلاق عملاتها الخاصة والاستثمار في منصات البلوك تشاين. لكن تبقى العملات اللامركزية الخيار الأكثر قدرة على تجاوز تغيرات السوق المحلية والتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة.
كيف نستثمر بشكل آمن في العملات الرقميّة؟ هنا عرض لنقاط مهمة عليكم/ن اتّباعها لضمان أمنكم/ن الشخصي والمالي
علماً أن "الفضائح" والتخويف المرتبط بالعملات الرقميّة وكيفية توظيفها في دعم الإرهاب والجماعات المسلحة وغيرها من التقلبات تثير القلق. لكن، هل البنوك نفسها بريئة من ذلك؟ كل عام تشير الفضائح والتقارير المالية إلى تورط البنوك في نفس الاتهامات الموجهة للعملات الرقميّة، منها جي بي مورغان، و HSBC إذ تضطر جملة من البنوك سنوياً إلى دفع غرامات بسبب تقصيرها أو تجاهلها للمعاملات المشبوهة.
هل من استثمار آمن في العملات الرقميّة؟
تلاحق العملات الرقميّة اتهامات متنوعة، أكثرها اقتصاديّة، وبعضها سياسي وبعضها الآخر يحاول وصمها بتهم مشبوهة، مع ذلك ما زالت حلاً لمواجهة سلطة الدولة والبنك. هنا بعض النقاط لضمان الأمان الشخصي والمالي:
1- ينصح باستخدام العملات اللامركزيّة، أي تلك التي لا تدعمها البنوك الخاصة أو الرسميّة.
2- عدم مشاركة معلومات المحفظة الالكترونيّة مع أي أحد.
3- محاولة تجنب إعطاء المعلومات الشخصيّة إذا ارتبطت منصة التبادل التي تستخدمها ببنك. وعند الاقتضاء، يجب البحث عن البنك والتأكد من شرعيته وإن كان معرضاً لعقوبات أولاً.
4- تتبع العملة التي تم شراؤها ومعرفة عدد التداولات والمستخدمين عبر المواقع المتخصصة.
5- تنويع العملات في المحفظة الرقمية لتجنب الخسائر الناجمة عن تغيّرات السوق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...