شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
بلا تمثيل سياسي فلسطيني يصير النضال إشفاء غليل

بلا تمثيل سياسي فلسطيني يصير النضال إشفاء غليل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ما الذي علينا، كفلسطينيين، فعله في ظل حكومة سموتريتش وبن غفير، الآن ونحن نرى مشروعنا الوطني يقترب من الوصول إلى نهاية تراجيدية لم تخطر في أحلام، ولا حتى في أسوأ كوابيس، من أطلق الرصاصة الأولى عام 1965؟

قبل محاولة الإجابة، دعونا نستعرض، باختصار، تاريخ ثورتنا الحديثة منذ 1965 وحتى هذه اللحظة، والاستعراض يجب ألّا يحمل رأياً قدر الإمكان، ويجب أن يبتعد عن جلد الذات وعن المزاودة أيضاً.

الفلسطينيون لا يسكتون إذن، ولن يسكتوا قبل نيل حقوقهم، هذا ما توصل إليه العالم والعرب وإسرائيل.

انطلقت منظمة التحرير، وحوّلت كيس طحين الأونروا إلى بندقية، واستطاعت بفضل نضالات كوادرها الأوائل أن تصوغ الملامح العامة للهوية الفلسطينية، لكنها سرعان ما وقعت، أو أوقعت، في مطبّ الصراع مع الهوية الأردنية عام 1971، أي بعد ست سنوات من انطلاق هذه الثورة.

النتيجة كانت خروج العمل الفلسطيني المسلّح من الأردن إلى لبنان. في لبنان تطوّر العمل العسكري الفلسطيني وتطوّرت بالتوازي الرؤية السياسية ونضجت. في هذه الفترة تم صياغة البرنامج المرحلي الذي يمكن اختصاره بـ "إقامة دولة فلسطينية على أي شبر يتمّ تحريره"، بالموازاة مع ذلك بدأ الحديث عن أول مؤتمر "دولي" في جنيف لحل القضية الفلسطينية، ووقف الراحل عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة وألقى خطابه التاريخي، والذي قال فيه: "جئتكم حاملاً البندقية في يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى".

لكن البندقية ضاعت هي وغصن الزيتون مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 82 وتصفية الوجود الفلسطيني فيه.

رحلت الثورة بعيداً إلى تونس، أو لنقل إن القيادات والكوادر انتقلت من لبنان، البلد القريب من فلسطين، إلى بلد بعيد لا يملك حدوداً مشتركة مع فلسطين، ما أضعف الاحتكاك المباشر والعمليات المزعجة للعدو، والمنطلقة من الجوار. لكن ثورة الفلسطينيين سرعان ما انفجرت مجدداً عام 1987 داخل الأراضي المحتلة، على شكل انتفاضة شعبية اتسعت لتشمل كل مدينة وقرية، بل وكل حارة وبيت من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.

ما الذي علينا، كفلسطينيين، فعله في ظل حكومة سموتريتش وبن غفير، الآن ونحن نرى مشروعنا الوطني يقترب من الوصول إلى نهاية تراجيدية لم تخطر في أحلام، ولا حتى في أسوأ كوابيس، من أطلق الرصاصة الأولى عام 1965؟

الفلسطينيون لا يسكتون إذن، ولن يسكتوا قبل نيل حقوقهم، هذا ما توصل إليه العالم والعرب وإسرائيل. وهنا بدأ البحث عن حل، والحل يجب أن يضمن حقوق هذا الشعب، على الأقل كما أقرّتها الشرعية الدولية عبر قراراتها المتعاقبة، والتي تعترف بحق الفلسطينيين بالتخلص من الاحتلال، وبالتالي دولتهم الخاصة وتقرير مصيرهم بأيديهم وإرادتهم داخل هذه الدولة.

وبما أن الحروب تنتهي عادة بالجلوس على الطاولة، فقد أقنعَنا العالم، أو ربما اقتنعنا من تلقاء ذواتنا، أننا جاهزون لقطف ثمار ثورتنا عبر المفاوضات. هل كنا جاهزين فعلاً؟ هذا هو السؤال الأهم الذي يجب البحث في إجابته. هل كنا قد أزعجنا العدو كفاية ليرضخ؟ هل كانت البيئة الدولية مواتية لتتبنى مطالبنا؟ وهل كنا، فوق كل ذلك، متفقين أصلاً على الهدف الذي نريد الوصول إليه؟

قد يكون أوسلو كارثة كما يصفه المعارضون، وهذا حقهم، وقد يكون نواة لدولة قادمة كما يصفه المؤيدون، وهذا حقهم أيضاً، لكن ما هو المرفوض وما هو غير الحق؟

أظن أن الإجابة عن هذه الأسئلة يمكنها أن تقرّبنا من وضع عربة المشروع الوطني على السكة الصحيحة مجدداً. لكن ومهما كانت الإجابة، فقد دخلنا مسار المفاوضات، والتي أفرزت لنا السلطة كخطوة أولى لما كنا نصبو إليه. هذه السلطة في جانبها السياسي والسيادي هي نتيجة لاتفاق أوسلو، وفي جانبها الاقتصادي وما ينتج عنه من بنية متكاملة، فهي نتيجة لاتفاقية باريس الاقتصادية.

من قاد الثورة هو نفسه من قاد المفاوضات، وهذا طبيعي جداً، إذ لا يمكن أن تناضل المنظمة ثم يفاوض باسمها صدام حسين. كان بإمكاننا أن نرفض مبدأ المفاوضات من أساسه، وكان بإمكاننا أن نرفض نتائجها، والرفض لا يعني القول فقط أو التصريح، بل يعني عدم المشاركة بكل ما نتج عنها. لكن ذلك لم يحدث، بل على العكس تماماً فإننا نرى فصائل اليسار الفلسطيني، الرافضة لأوسلو، تشارك ويتم تمثيلها بأعضاء في المجلس التشريعي، وبوظائف عليا في السلك الدبلوماسي والوزارات والمؤسسات، ونرى حماس، اليمين الديني الراديكالي، والرافض حتى للمشروع الوطني بشكله السياسي لا الديني، نراها شريكاً كاملاً، وعلى رأس حكومة الوحدة الوطنية الأولى عام 2006.

قد يكون أوسلو كارثة كما يصفه المعارضون، وهذا حقهم، وقد يكون نواة لدولة قادمة كما يصفه المؤيدون، وهذا حقهم أيضاً، لكن ما هو المرفوض وما هو غير الحق؟ المرفوض هو التمسك بأوسلو كأساس للمفاوضات بعد أن داسته بساطير الجيش الإسرائيلي آلاف المرات. المرفوض أيضاً هو شتم أوسلو وفي نفس الوقت استلام راتب عضو في المجلس التشريعي أو الجلوس على مكتب سفير في دولة إفريقية. المرفوض والمستهجن هو أن يخرج علينا عضو في المجلس التشريعي، ويقول لنا، وكأننا هواة سياسة، إن الرئيس تجاوز مدته القانونية منذ سنين ولم يعد شرعياً. وأنت يا سعادة عضو البرلمان، ما هي شرعيتك؟ لماذا لا تستقيل لتضرب لنا مثلاً في الالتزام بالقانون؟

والمرفوض أيضاً هو المناداة بحل السلطة دون وضع بديل حقيقي أمام الناس والعالم، فالسلطة ليست مكتب الرئاسة فقط. إنها حكومة ومؤسسات وقضاء وتمثيل دولي واتفاقيات عربية وإقليمية وسلك دبلوماسي ووزارات وتعليم وصحة وزراعة وما يزيد عن 200 ألف موظف.

كما أن المرفوض، دون شك ولا مواربة، هو أن تواصل هذه السلطة التصرف كجهاز أمني وجهاز إداري فاسد ومترهل، ويجب أن تكفّ أيضاً عن المراهنة باتجاه واحد على المجتمع الدولي، وأن تنظر إلى الناس ومطالبهم، لا أن تعطي الانطباع بأنها كارهة للشعب.

المطلوب هو الجلوس فوراً لحوار وطني شامل تشارك فيه الشرائح السياسية والثقافية المستقلة، للخروج ببرنامج متفق عليه، برنامج يعيد القضية الفلسطينية كقضية شعب يناضل من أجل تحقيق حقوقه كشعب، لا كأفراد يشفي غليلهم موت جندي من أعدائهم

بعد ما يزيد عن ربع قرن من هذا الوضع غير الصحي وغير الوطني، وصلنا إلى حالة من التآكل في مشروعنا الوطني لم يسبق أن وصلناها، بحيث صار نضالنا فردياً بلا ممثل سياسي له، وبلا تنظير أو مطالبات سياسية خلفه، يترافق ذلك بفقدان ثقة كامل تجاه الفصائل وتجاه السلطة معاً، ما يعيدنا إلى نقطة الصفر.

أي نحن الآن نناضل كأفراد غاضبين لا كشعب له حق سياسي ووطني، ومن المنطقي أنه كلما ابتعد الممثل السياسي عن واجهة النضال، زاد فرح العدو واطمئنانه بأنه يستطيع الاستفراد بمناضل هنا، أو خلية هناك، وهذا بالضبط ما يطلق يد حكومة يمثلها سموتريتش وبن غفير لتمعن قتلاً في شبابنا، دون تردد ودون خوف من محاسبة، والخوف هو أن نعتاد نحن على ذلك ويصير طبيعياً، وأن نكتفي بمواجهته بالشعارات أو الانتقامات الفردية.

ما هو المطلوب إذن؟ المطلوب منا، إن أردنا ألّا يشتمنا التاريخ كجيل أضاع حقوق شعبه وتسبب في فقدان كل مكتسباته ولو كانت ضئيلة، هو الجلوس فوراً لحوار وطني شامل تشارك فيه السلطة والمعارضة، ويشارك فيه الداخل والشتات، وتشارك فيه الشرائح السياسية والثقافية المستقلة، للخروج ببرنامج متفق عليه، برنامج يعيد القضية الفلسطينية كقضية شعب يناضل من أجل تحقيق حقوقه كشعب، لا كأفراد يشفي غليلهم موت جندي من أعدائهم. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image