"آني اتبهدلت آني وعائلتي حتى بيتي بعته وانفصلت من وظيفتي واكل الجهالي ما عندي، مروتج إم صفو ارحميني واعذريني آني غلطت وبعد ما أعيد هالغلط وانصح أي شاب ميندك بفاشنيستا"؛ بصوت فيه الكثير من الحزن، ووجه متعب، يتذكر جعفر، أبو صادق (35 عاماً)، من بغداد، وتحديداً من منطقة الدورة، وهو يمسك بيده مجموعةً من الصور التي يتصفح فيها، أوجاعه وتشويه أعضائه ومنها الجهاز التناسلي الذي كُوي بالكهرباء في أثناء فترة اعتقاله، ويقول: "بعد فتره من التعذيب، قدّمت أوراقي إلى القاضي وعند مثولي أمامه حاولت الشكوى إليه، فكانت الصدمة أنه طلب من حراسّه تأديبي".
بعدها، تم اقتياده إلى حمامات المحكمة والاعتداء عليه وردد عناصر الأمن على مسمعه: "اعترف على نفسك والتهم المنسوبة إليك ووقّع عليها وإلا ستموت من التعذيب". فما الذي حصل معه ليلقى كُل هذه المعاملة؟
يروي جعفر، المنتسب قبل الاعتقال إلى الداخلية، أن "فاشنيستا" تُدعى "أم صفو"، سكنت بجواره في صيف عام 2021، ومع الوقت تحوّل منزلها إلى ملهى تقريباً؛ موسيقى صاخبة وشبان وشابات يسهرون حتى ساعات الصباح ويتعاطون المخدرات بشكل علني. ولكونه منتسباً إلى الداخلية وله علم بالإجراءات المتّبعة في هذه الحالات، طلب منه جاره أن يُبلغ الأمن بما يحدث.
لم يُكذّب خبراً، وأبلغ الأمن، فأتت دورية لتداهم المنزل ووجدوا أسلحةً ومخدرات ومواد ممنوعةً، بحسب ما روى له عناصر الدورية الذين أثنوا على تعاونه معهم. لكن الأمور لم تنتهِ عند هذا الحد، فبعد 5 أيام من الحادثة، حصل ما لم يتوقعه جعفر. يقول لرصيف22: "باغتتني قوه يقودها شخص يدعى العقيد وميض، كانت ترفقهم الفاشنيستا أم صفو وقالت لي حرفياً :أندكيت بيه مو وحق ربك إلا أَنَدمك".
يروي الشرطي علي أن فاشنيستا كانت تقود سيارتها، من دون لوحة أرقام، فأوقفها زميله وطلب منها أوراق السيارة، فرفضت التحدث معه، ونزلت من السيارة وقالت له مشيرةً إلى فخذها: "شوف هذا اليوم وين راح يوديك"
قضى الرجل بعد هذه الحادثة سنةً كاملةً من حياته في أقبية التعذيب كما يصفها. انتهت جلسات المحاكمة إلى الإقرار ببرائته لعدم وجود تهمة أساساً بحقه سوى أنّه بلّغ عن الشقة وإم صفو، ليتفاجأ بعد الإفراج عنه، في نيسان/ أبريل 2022، بأن الدعوة مُيّزت ضده، وهو يجهل التهمة.
المال والنفوذ
الفاشنيستا في العراق يقدن سياراتهن الفارهة المضللة بالزجاج الداكن في العاصمة بغداد، ويتجولن بكل ثقة ويتجاوزن قوانين السير، ولا يكترثن بالإشارات المرورية ولا ينصعن إلى أي قانون في الشارع، بحسب شهادة علي (40 عاماً)، وهو ضابط في شرطة المرور في منطقة الجادرية، اكتفى بذكر اسمه الأول خوفاً على وظيفته.
يقول لرصيف22: "نحن شريحة تعاني الأمرّين من الفاشنيستا العراقيات، وموقع وظيفتي هو المكان الحيوي لتواجدهن، ففي زحمة الشارع أو في منطقة ممنوع فيها الوقوف، يقفن من دون اكتراث، ويسرن بعكس السير ولا يبالين بقانون أو بأذية قد يتسببن فيها. إن حاولنا أن ننفّذ القانون، يتوقفن ويقلن جملةً بسيطةً صار يعرفها كُل فقير في العراق: "أوكفلي بتليفون صغير للحجي أذبّك ورا الشمس".
يروي علي أنه في مطلع عام 2022، كانت فاشنيستا تقود سيارتها ذات الزجاج الداكن، من دون لوحة أرقام، فأوقفها أحد زملائه وطلب منها الأوراق الثبوتية للسيارة، فرفضت أن تتحدث معه، وبعد إلحاحه ما كان منها إلّا أن نزلت من السيارة واتصلت بشخص مسؤول في الدولة وطلبت اسم العنصر وقالت له مشيرةً إلى فخذها: "شوف هذا اليوم وين راح يوديك".
يضيف: "لم تكذب خبراً، ففي صباح اليوم التالي، استدعي العنصر للتحقيق معه في فرع أمني بحضور الفاشنيستا، فما كان منه إلا أن اعتذر مراراً وتكراراً إلى أن قبلت أن تسامحه، لكنها أصرّت على نقله إلى محافظة بعيدة عن مكان إقامته وعائلته، لتلقّنه درساً كما قالت".
يحكي علي أنه في العمل، وكُل من يعمل مثله، يتحاشون أن يحتكّوا بهنّ، نتيجةً لحوادث كثيرة حصلت، تمّ على إثرها نقل عناصر الأمن أو حتى فصلهم وكُثر أوقِفت ترقيتهم بسبب فاشنيستا.
نفت وزارة الخارجية في 24 كانون الثاني/ يناير الجاري، "منح أي جوازات سفر دبلوماسيَّة خارج الضوابط القانونيَّة"
"أُبخر الّي يندك بيه"
"يتبخر كائناً من يكون الّي يندك بيه"، بهذه الكلمات تبدأ الفاشنسيتا توته (36 عاماً) من بغداد، وهي تمتلك مركزاً للتجميل في منطقة الحارثية في مكان إستراتيجي في العاصمة، وهو للصدفة، هدية من أحد المسؤولين في الدولة.
تروي لرصيف22، وهي تقهقه بصوت مرتفع، لا يُشبه نعومة صوتها وهي تتكلّم، وتقول: "لم أكمل دراستي المتوسطة، لكني اليوم أنا ناجحة في عملي، ففي مركز التجميل الذي أمتلكه، يعمل تحت إشرافي أطباء واختصاصيون، ومن خلال علاقاتي وشأني بين القيادات، أمتلك جواز سفر دبلوماسياً تم إرساله لي مع بصمة الاستلام إلى منزلي".
وتضيف: "في عملي هناك أعداء نجاح يحاولون أن يقفوا في طريقي، فعلى سبيل المثال في المركز، يأتي أحياناً موظفو الصحة ويتحججون بأن موافقات المركز لا تتماشى مع الترخيص الممنوح لي، لأننا نستخدم إبر البوتوكس والفيلر، وهذا قد حدث منذ مدة وكان ردي قاسياً معهم ولقّنتهم درساً، يكون عبرةً لمن يحاول أن يعبث معي مجدداً".
وكان قد انتشر في أيلول/ سبتمبر الماضي، مقطع فيديو مسجل لفتاة تدعى همسة ماجد، تقول إنها عارضة أزياء عراقية (موديل)، وهي تحتجز فتاةً ووالدتها، مستعينةً بخمسة ضباط من الشرطة وتحقق معهما وتستجوبهما داخل مطعم يمتلكه أحد معارفها من دون أمر قضائي على إثر خلاف نشب بينهن، ويظهر في المقطع صوت الموديل وهي تهدد الفتاة ووالدتها بإحدى الميليشيات العراقية التي تمتلك السلاح وتتوعدهن بالتصفية إن لم ينصعن إلى أوامرها.
سمعة العراق
يقول الكاتب وأستاذ العلوم السياسية الدكتور السعد ناجي جواد، إن "الفساد في العراق وصل إلى ذروته، حتى أن راقصات وفاشنيستا عراقيات يُمنحن جوازات سفر دبلوماسية هن وأقاربهن"، ويضيف: "إنها فضيحة دولية، حتى أن وزارة الخارجية ليس لها معرفة بعدد الجوازات التي أصدرتها، فهن يستخرجن هذه الجوازات نتيجة علاقاتهن مع كبار المسؤولين الذين يفعلون كل ما يطلبن هؤلاء منهم".
من جهتها، تتحدث النائبة سروة عبد الواحد، إلى رصيف22، حول كيف "يُسهّل أصحاب المناصب ومحتكرو السلطة، امتلاك الفاشنيستا وبنات التيك توك والمودلز جوازات سفر دبلوماسيةً، وهن لا يخفينها ويتباهين على الملأ بكيف أن السياسي الفلاني صديقي وزعيم الحزب الفلاني أعرفه ولذلك آمره "يسويلي" ما أريد".
وتقول: "هكذا تُدار الدولة في العراق، وحين حاولت أن أستفسر عن الموضوع من الجهات المختصة أتاني الرد منها عبر شرح الآلية المتبعة في وزارة الخارجية لمنح الجواز الدبلوماسي، وتالياً هم فعلياً لا يجيبون".
سأل مذيع إحدى القنوات العراقية الفاشنيستا إسراء العبيدي من أين للبلوغرز هذه الأموال والسيارات الفارهة، فقالت: "من طيبة كلبها"، وهي كلمة تُستخدم بين الأوساط العامية باللهجة العراقية وتعني من مؤخرتها
ونفت وزارة الخارجية في 24 كانون الثاني/ يناير الجاري، "منح أي جوازات سفر دبلوماسيَّة خارج الضوابط القانونيَّة"، فيما كانت وزارة الداخلية العراقية قد أعلنت في في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أنه تم "خلال سنة واحدة، بين 2021 و2022، منح 4 آلاف جواز دبلوماسي".
ويتيح القانون العراقي منح الجواز الدبلوماسي لرؤساء الجمهورية والوزراء والنواب وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، بالإضافة إلى أعضاء البرلمان وموظفي الخارجية وبعض مسؤولي البعثات، عدا عن الاستثناءات التي يحق لوزير الخارجية حصراً إصدارها.
ويسأل ناشطون عراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقابلات تلفزيونية أو صحافية، عما إذا كانت الجوازات الدبلوماسية تُمنح للمسؤولين والمهمّين في الدولة، وهل صار الفاشنيستا و"المودلز" من هؤلاء القوم ويُقدّمن خدمات داخليةً وخارجيةً للبلاد تخولهن الحصول على هذه الجوازات؟
"من طيبة كَلبها"
تمتلك الفاشنيستا في العراق حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تصل فيها أعداد متابعيهن إلى الملايين، وهن يتنافسن بين بعضهن البعض في إظهار ممتلكاتهن ومشاريعهن التي تُقدّر بملايين الدولارات وسياراتهن الفارهة من خلال مقاطع فيديو ينشرنها على حساباتهن الشخصية.
"لو أكبر رتبة، اشلع رتبته بإيدي إلي يندك بيه"؛ جملة قالتها فاشنيستا وراقصة في المسارح العراقية على حساباتها الرسمية، بعد خلافها مع أحد الضباط في وزارة الداخلية، الذي حاسبها لافتتاحها مركزاً للتجميل من دون إكمال الموافقات المطلوبة، فنشرت مقطع فيديو صغيراً تهدد من خلاله الضابط بـ"ألا يُكرر فعلته وإلا ستفصله من منصبة بعد خلع رتبته بيدها".
وتمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطعهن وهن يتوعدن كل من يقترب منهن بالتصفيتة، ولا ينكرن في مقابلاتهم الإعلامية أن هذه الأموال هي من أجسادهن، ففي مقابلة إعلامية لإحدى البلوغرز، وتدعى إسراء العبيدي، في إحدى القنوات المحلية، سألها المذيع من أين للبلوغرز هذه الأموال والسيارات الفارهة، فقالت بكل صراحة: "من طيبة كلبها"، وهي كلمة تُستخدم بين الأوساط العامية باللهجة العراقية وتعني من مؤخرتها.
تسيطر الفاشنيستا على الإعلانات وعلى مراكز التجميل وعلى القنوات الإعلامية ولا نستثني حتى الرصينة منها
تقول الإعلامية والناشطة نهله إياد، إن "الفاشنيستا يسيطرن على الإعلانات وعلى مراكز التجميل وعلى القنوات الإعلامية ولا نستثني حتى الرصينة منها، وما يؤهلهن إلى ذلك، عمليات التجميل التي تُعدّ من الأمور الأساسية خاصةً نحت الخصر وتكبير المؤخرة، ومن ثم يتجهن إلى سوق العمل حيث يتبناهن الكبار في السلطة، وهذا الموضوع أصبح مألوفاً عند العامة".
وتضيف لرصيف22: "لا نستغرب مثلاً في دائرة حكومية أن معاملةً يستغرق وقتها للشخص العادي شهراً كاملاً وطابورها يتجاوز المئة شخص مثلاً، وصدفةً تظهر لك فاشنيستا، فتُستثنى من الانتظار ومن شروط المعاملة ويستقبلها مدير الدائرة وإن كانت علاقاتها منسوجةً بالشكل الصحيح، فإن البصمة والموظفين يذهبون إلى مخدعها لإنهاء حاجتها، فهي من طرف الحجي".
والحجي، لقب تتم الإشارة من خلاله إلى كبار السلطة.
تضيف إياد: "ما شاهدته في إحدى مبارايات خليجي 25، أن قسماً من مقاعد الـvip وكبار الشخصيات كانت محجوزةً للبلوغرز والفاشنيستا اللواتي يدخلن الملعب مع حمايات أمنية تنقلهم إلى صالات خاصة وفي سيارات حكومية، ناهيك عن أن إحداهن وأنا من متابعيها نشرت أن دخول الملعب كان صعباً جداً على الناس، لكنها دخلت من دون بطاقة وبحماية أوصلتها إلى مقعدها".
تُشدد إياد على أن "هذه الظاهرة سيئة جداً وسلاح فتاك وخطر على المجتمع، وعلى النساء الأخريات والأجيال القادمة التي سيكون هدف جزء كبير منها أن تخضع لعمليات التجميل وتتاجر بأجسادها نتيجة الفكرة التي صدّرنها الفاشنيستا بأن الدراسة والجهد والقراءة لا تربح شيئاً بل ‘طيبة الكلب’ هي الرابح الأكبر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 14 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت