شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
محاربة المحتوى الهابط في العراق... لكواتم الصوت قوانينها

محاربة المحتوى الهابط في العراق... لكواتم الصوت قوانينها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الجمعة 17 فبراير 202304:09 م

لا تزال معالم الديمقراطية مشوهةً في العراق. وبرغم أن الدستور العراقي قد كفل حرية التعبير والصحافة، منذ ما يقارب الـ20 عاماً، إلا أن نصوصه لم تجد مساحةً على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال، أن تكون صحافياً في العراق أو ناشطاً في أي مجال من مجالات التعبير عن الرأي، أمر سيضعك بلا شك في دائرة حمراء؛ تراقبك الدولة من بعد، والجماعات المسلحة من قرب، وأنت مستهدف في أي لحظة، لن تبتعد عن هذه الدائرة حتى، وستطالك يد الاعتقال أو كواتم المسلحين، أو القانون، بعد أن أقرّت هيئة الإعلام والاتصالات، لائحة تنظيم المحتوى الرقمي، في مطلع شهر شباط/ فبراير الحالي، أو ما عُرف محلياً بقانون محاربة المحتوى الهابط.

مع إقرار القانون، خرجت أصوات كثيرة مؤيدة له، اعتقاداً بأنه سيُقلّل من المحتوى التافه الذي ازداد كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية، لكن سريعاً بدأ القضاء العراقي بإصدار أحكام تتراوح ما بين السجن لـ6 أشهر إلى سنتين، ضد بعض المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل البلوغر المعروفة باسم أم فهد، وصانع المحتوى حسن صجمة، بتهمة نشر المحتوى الهابط.

استندت أحكام القضاء إلى بنود المادة 431 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، والتي تنص على أنه "يعاقَب بالحبس كل من قام بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار"، وهددت القوات الأمنية على لسان قادتها، باستكمال الحملة ضد شخصيات أخرى، مطالبةً الدول بتسليمهم في حال هروبهم إلى خارج البلد.

استندت أحكام القضاء إلى بنود المادة 431 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969

إعادة تدوير القوانين

على الإثر، سرعان ما انقلب التأييد الشعبي إلى مخاوف من تقييد حرية التعبير عن الرأي، وأثار حفيظة العديد من الناشطين والصحافيين، بعد تسريب بنود اللائحة، وعدّه تأكيداً على ما سينتظر العراقيين، إذا ما استمر العمل به.

يقول عضو مجلس المفوضين، والمتحدث السابق باسم مفوضية حقوق الإنسان في العراق، علي البياتي: "ندرك جيداً أن هناك فوضى في ما يتم بثه على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الإعلام عبر القنوات والمؤسسات الخاصة، التي تصنَّف في غالبيتها ضمن بوتقة المؤسسات السياسية، ولكن هناك ضرورةً لبدء تنظيم عمل هذه المؤسسات وطبيعة ما تبثه، قبل التركيز على المحتوى الهابط، خاصةً أن بعضها يُعدّ جزءاً مما عاناه العراق خلال السنوات السابقة، من الإرهاب وخطابات التطرف والكراهية والطائفية".

ويستدرك في حديثه إلى رصيف22، أن "هذه اللائحة تتعارض بشكل صريح مع بنود الدستور العراقي الذي كفل حرية التعبير وحقوق الإنسان، لا سيما أنها ارتبطت بقانون العقوبات العراقي المرقم 111 لعام 1969، المتعارض مع الدستور بدوره"، مشيراً إلى أن الطبقة السياسية لا ترغب في تشريع أي قانون من شأنه حماية الرأي العام أو حرية التعبير في البلاد.

ولطالما اعتمدت الحكومات السابقة في قراراتها على قانون العقوبات العراقي، برغم مرور أكثر من خمسين عاماً على إقراره، وراح ضحيته العديد من الصحافيين والناشطين والمتظاهرين.

التضييق المزمن

في ليلة السابع من تموز/ يوليو عام 2020، داهمت قوة أمنية تابعة لوزارة الداخلية، منزل الناشط حسن العبادي، بحثاً عنه، ولكن غيابه عن المنزل، نجّاه من الاعتقال، وأبرزت هذه القوة أمر اعتقال صادر بحقه، بناءً على أحكام قانون العقوبات، كما يقول، وبتهمة التحريض ضد الدولة، على إثر نشره منشوراً على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، دعا فيه إلى محاكمة المتورطين في قتل المتظاهرين، بعد مقتل الخبير السياسي هشام الهاشمي.

 اللائحة المعروفة بتنظيم المحتوى الرقمي، ليست سوى أحد وجوه محاربة الديمقراطية في العراق، وتقف خلفها جماعات مسلحة مقربة من القرار السياسي، تريد كتم الرأي العام

غادر العبادي العراق بعد الحادثة بيومين، متجهاً إلى بيروت ومنها إلى دولة أخرى. يقول لرصيف22: "لكن الهرب لم يهدّئ خوفي، بعد أن هددت جماعة مسلحة، بقتل أقاربي، في حال عدم التزامي الصمت وإغلاق صفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي".

ومثل هذه الممارسات ليس جديداً على العراقيين، إذ قام مسلحون، في 10 آذار/ مارس عام 2021، بخطف ابن الناشط التشريني أيوب الخزرجي، محمد، لحثّه على العودة إلى بغداد، وتسليم نفسه، ولكنهم عادوا وأفرجوا عنه لاحقاً في ظروف غامضة.

الحملة الحالية، دفعت العبادي إلى التأكيد على أن "هذه اللائحة المعروفة بتنظيم المحتوى الرقمي، ليست سوى أحد وجوه محاربة الديمقراطية في العراق، وتقف خلفها جماعات مسلحة مقربة من القرار السياسي، تريد القضاء على فضاء الحريات، وكتم الرأي العام والصحافي على وجه الخصوص"، وهو ما يوافقه عليه الكاتب العراقي رسلي المالكي.

سياسة "الكواتم"

لا يقتصر هذا الاعتقاد على حسن العبادي أو المالكي، بل يسود بشكل شاسع بين الصحافيين، وكُثر يعتقدون أنه أتى كبديل من سياسة كواتم الصوت والاغتيالات، التي كانت معتمدةً سابقاً.

علي العلي، وهو اسم مستعار لصحافي عراقي هاجر العراق في عام 2021، بعد تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة، أصيب على إثرها برصاصتين، أطلقتهما أسلحة كاتمة للصوت في منطقة المحمودية جنوب بغداد، وقد هرب على إثر الحادثة إلى تركيا ومنها إلى مصر، يقول لرصيف22: "الجماعات المسلحة وبعد سيطرتها على مراكز القرار السياسي والأمني، اضطرت إلى تغيير طبيعة عملياتها، خاصةً أن الاستمرار في عمليات الاغتيال سيهدد وجودهم داخل الدولة، ويعرضهم للانتقاد الدولي، وتالياً اضطروا إلى الخوض في إقرار مثل هذه اللوائح كبديل عن الكواتم المسلحة".

صحافيون وناشطون كُثر يعتقدون أن القانون أتى كبديل من سياسة كواتم الصوت والاغتيالات، التي كانت معتمدةً سابقاً

اللائحة الحالية أشارت بشكل واضح إلى منع انتقاد الشخصيات السياسية أو الدولة ومعاقبة الجناة وفقاً لقوانين الإرهاب، إذ نصت المادة الخامسة، على أن الإساءة إلى الدولة أو السلطات العامة والشخصيات السياسية من الأفعال المخلّة بالمحتوى الرقمي، وذكر الفصل الخامس، معاقبة صاحب المحتوى الذي من شأنه المساس بسيادة الدولة أو نظامها الديمقراطي المقرر في الدستور أو علمها أو شعارها أو النشيد الوطني، فيما أشارت المادة الـ4 في بندها السابع، إلى منع إفشاء أو تسريب الوثائق الرسمية أو ما يدور في الاجتماعات الرسمية السرّية إلا بإذن خاص منها.

ومن الجدير بالذكر، أن هذه اللائحة لم تكن جديدةً على العراق، وحاول البرلمان الحالي مؤخراً في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إدراج قوانين مشابهة لها، على غرار، قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، قبل أن يتم إحباطه نتيجة ضغط بعض الكتل السياسية المدنية، وسبقته بشهر واحد، محاولة من قبل البرلمان لإدراج قانون جرائم المعلوماتية على جدول أعماله، قبل أن يلاقي المصير نفسه.

انتقائية في التنفيذ

حتى الآن، طالت القوانين شخصيات ومؤثرين دون غيرهم، ويتساءل الناشط التشريني حسين باسكت بول، عن أسباب عدم محاسبة قناة صابرين نيوز على التليغرام والمقربة من قادة الإطار أيضاً، والمتهمة بالتحريض، أو غيرها من المقربين من الإطار التنسيقي أو الأحزاب السياسية.

وبالفعل، فإن الانتقائية التي رافقت تنفيذ هذه اللائحة، قد طالت شخصيات معيّنةً حصراً، فعلى سبيل المثال، نشر الكاتب أحمد عبد السادة المقرب من الإطار التنسيقي، تغريدةً في 9 شباط/ فبراير، على صفحته في تويتر، قال فيها: "بعض السذج يتصورون، أن زيارة السوداني للإمارات ستغير موقفنا ضد الإمارات ودورها التخريبي في العراق والمنطقة"، وختم تغريدته: "ما زلت أحلم بأن يكرر أنصار الله قصفهم لإمارات آل زايد"، في حين تشير اللائحة في مادتها السادسة من الفصل الرابع، إلى محاسبة كل من أساء قولاً وفعلاً إلى علاقات العراق سواء مع دول المنطقة والعالم أو مع شعوبهما.

يُذكر أن عبد السادة سبق أن نشر في عام 2010، مقالاً بعنوان وقود الخرافة في جريدة الصباح الحكومية، تهجّم فيه على النبي محمد، والإمام المهدي، ولكنه سرعان ما تراجع وأصبح من أبرز المدافعين عن حقوق الشيعة، فيما نصت المادة السابعة من اللائحة على منع الإساءة إلى المعتقدات والرموز الدينية.

وفي الوقت ذاته، طالت بنود اللائحة باقي الشخصيات بأثر رجعي، برغم اعتكافهم عن النشر منذ إعلانها، وهو ما يعزز انتقائية تنفيذها ضد شخصيات دون غيرها.

مدى شرعية اللائحة

يلفت المتحدث السابق باسم مفوضية حقوق الإنسان في العراق، إلى أن "الدولة بحاجة ماسة إلى آليات متطورة للتعامل مع الشبكات العنكبوتية، والتعاون مع جهات دولية ضالعة في هذا المجال، من أجل تنفيذ مثل هذه القوانين، بعد تأكدها من عدم انتهاك الحريات التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي، وحجب ما يتعارض مع الذوق والآداب العامة حصراً".

الجماعات المسلحة وبعد سيطرتها على مراكز القرار السياسي والأمني، اضطرت إلى تغيير طبيعة عملياتها، فأقرت مثل هذه اللوائح كبديل عن الكواتم المسلحة

ويشير في الوقت ذاته، إلى أن "مثل هذه الخطوات بعيدة عن صلاحيات هيئة الإعلام والاتصالات، وفقاً للدستور العراقي الذي منح تنظيم هذه اللوائح للحكومة العراقية ورئاسة الجمهورية بعد تصويت ثلث أعضاء البرلمان عليها".

وعليه، يعتقد البياتي بأن الخوض في ذلك، يجب أن يكون من خلال قانون مصوّت عليه برلمانياً، وتحدد بنوده نوع الجريمة المحاسب عليها وتفاصيلها، قبل الشروع فيه، لكي يكون واضحاً للجماهير بدلاً من المصطلحات الفضفاضة، على حد تعبيره.

وإلى ذلك، يقول مصدر قانوني في هيئة الإعلام والاتصالات، إنه "من المحتمل أن يذهب البرلمان إلى معارضة هذه اللائحة، أو دفع الدولة إلى تعديلها"، ويؤكد أن تسريبها يأتي كمحاولة من قبل الهيئة لجس نبض الشارع، ليتم تعديلها وفقاً لذلك.

ويشير في تصريحه لرصيف22، إلى أن مقاصد اللائحة هدفت إلى تقييد بعض المحتويات المخلة بالآداب العامة ولم تقصد تقييد حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، بدليل عدم اعتقال أي صحافي حتى الآن.

في المحصلة، فإن هذه اللائحة ليست واقعاً جديداً في العراق، بل تعدّ استكمالاً لسنوات من الحرب على حرية التعبير، بدءاً من حملات الكواتم وصولاً إلى لوائح التكميم، بدعوى المحتوى الهابط، بعيداً عن أرداف الحرية وابتعاداً عن ضوء الحريات في الفضاء العراقي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard
Popup Image