شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ما بعد الانهيار... هل نعلق الأمل بالعملات الرقمية؟

ما بعد الانهيار... هل نعلق الأمل بالعملات الرقمية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

السبت 11 فبراير 202305:27 م

هذا المقال جزء من مجموعة مقالات ينجزها رصيف22 عن العملات الرقمية والاستثمارات الجديدة، في محاولة لتقديم خارطة طريق نحو "اقتصاد آمن"، بعيداً عن احتكارات البنوك، وفساد الحكومات، والتغيرات السياسية العالميّة.

...

شهدت بداية هذا العام عدة أحداث في الشرق الأوسط لا يمكن وصفها إلا بالتراجيديّة؛ الاقتصاد مُنهار، من العراق، مروراً بسوريا، فلبنان، وصولاً إلى مصر. كل واحدة من هذه الدول -حرفياً- لا يمتلك أغلب سكانها ثمن الطعام والوقود ومقومات الحياة. في العراق، ما زالت أصداء سرقة القرن تتردد، أما سوريا، فتحولت إلى دولة-كارتيل، تقتات على مبيعات الكبتاغون والمساعدات الإنسانيّة، ولبنان، لا يمكن وصفه إلا ببلد مُخرَّب، لا بنوك فيه ولا عدالة ولا دولة تقوم بواجباتها. أما مصر، فيمكن اختزال حالها بنصائح التلفزيون الرسمي التي تدعو المواطنين إلى الاقتيات على أرجل الدجاج لما تحويه من فوائد صحيّة.

توّجت الانهيارات التي شهدتها الأعوام الماضية بصدور تقرير أوكسفام الاقتصادي لهذا العام، المعنون بـ"البقاء للأغنى" والذي يكشف بالأرقام الوضع المتردي الذي وصل إليه العالم، إذ يكفي أن نقرأ  أنه "خلال سنوات الجائحة وأزمة كلفة المعيشة منذ عام 2020، استحوذ أغنى 1% من البشر على 26 تريليون دولار (63٪) من جميع الثروات الجديدة، بينما ذهبت 16 تريليون دولار (37٪) فقط إلى باقي سكان العالم مجموعين".

 تزامن إصدار التقرير مع منتدى دافوس الاقتصادي، حيث اجتمع أغنياء العالم ليناقشوا ويقترحوا حلولاً لما نشهده في المنتج السويسري، بعيداً عن أصوات الجائعين والراكضين وراء لقمة العيش.

نعيش في مناطق الدولة والبنوك فيها موجهة ضد الأفراد، فالعملات الرقميّة تمثل لنا خلاصاً من نوع ما، لكن أي خلاص؟

الملفت أن المنتدى شهد جلسة بعنوان "إيجاد التوازن الصحيح للعملات الرقميّة" والتي، كما يتضح من العنوان، يسعى المتحدثون فيها إلى تقنين استخدام العملات الرقميّة، وفهم الفقاعة المحيطة بها، خصوصاً أمام جهود الحكومات والبنوك للوقوف بوجهها بسبب التهديد الذي تشكله للاقتصاد التقليدي، القائم على سيطرة "الدولة" على تحرك الأموال، والبنك كوسيط بين الأفراد، إلى حد دفع العديد من الدول إلى منع التداول بالعملات الرقميّة كما في الجزائر، بنغلادش، بوليفيا، الصين، كولومبيا، مصر، إندونيسيا، غانا، إيران، الهند، العراق، كوسوفو، المكسيك، نيبال، روسيا، مقدونيا الشماليّة، تركيا، فيتنام. ولكن بالمقابل اعتمدت السلفادور عام 2021 البيتكوين عملةً رسمية لها، لتكون البلد الأول في العالم الذي يخطو هذه الخطوة، ولحقتها "جمهورية إفريقيا الوسطى" عام 2022.

العملات الرقميّة: أمل محفوف بالمخاطر

تقدم العملات الرقميّة بشكلها اليوتوبي الذي تخيله صانع عملة البيتكوين (ساتوشي ناکاموتو) أملاً للكثيرين، فهي أسلوب للخلاص من البنك والدولة، وجعل المعاملات المالية علاقة مباشرة بين الأفراد، قائمة على التعاضد اللامركزي، التكلفة فقط في سعر "الغاز" (أدناه تعريف لمعنى الغاز في عالم العملات الرقمية)، أي كلفة التبادل. هذا الحلم وتطبيقاته المتنوعة حالياً هدد أشكال الاقتصاد التقليدي، كونه يضع السلطة بيد "الأفراد" لا "المؤسسات".

نحن الذين نعيش في مناطق الدولة والبنوك فيها موجهة ضد الأفراد، تمثل العملات الرقميّة خلاصاً من نوع ما، لكن أي خلاص؟

خلال سنوات الجائحة وأزمة كلفة المعيشة منذ 2020، استحوذ أغنى 1% من البشر على 26 تريليون دولار (63٪) من جميع الثروات الجديدة، بينما ذهبت 16 تريليون دولار (37٪) فقط إلى باقي سكان العالم

لن نخوض حالياً في المفاهيم التقنيّة، لكن، يمكن القول إن العملات الرقمية، ونظم البلوك تشاين، بديل اقتصادي لا مركزي، تتم عبره التبادلات بين "أطراف" موثوقة ذات هويات مغفلة، بصورة علنيّة عبر المحافظ والتحويلات التي يمكن متابعتها من قبل أي شخص دون تدخل طرف ثالث (الدولة، البنك) في التعامل، ما يعني التحرر من الرقابة، والمراقبة واقتطاع ثمن التعامل نفسه.

نفي الوسيط الثالث يسمح بحريةِ التبادل (يستغل البعض هذه الحرية لأغراض غير مشروعة)، القائمة على الثقة والعلنيّة والحرية ذاتها. المحافظ الرقميّة تتيح استقلالية نقديّة عن أسعار التداول المحليّة والعالميّة التي تخضع لها العملات التقليديّة، تلك المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية ذات الأبعاد السياسية حكماً، فتغريدة واحدة من دونالد ترامب هددت سوق النفط العالميّ، والحرب الروسية على أوكرانيا هددت أسعار الغاز، وانكماش ما بعد كورونا عدد سكان العالم بأسره.

 لكن، ما الذي يمكن أن تقدمه العملات الرقميّة للمواطنين العاديين؟

1-    الحفاظ على المدخرات

ينصح المختصون بعالم العملات الرقميّة الأشخاص العاديين بالاستفادة من هذه التكنولوجيا في تأمين مستقبلهم ومدخراتهم. تتم هذه الخطة عادة على مرحلتين؛ الأولى، وضع 1% فقط من قيمة المدخرات ضمن محفظة استثمارية رقميّة، تتيح مراكمة الأرباح نتيجة اختلاف أسعار العملات.

المرحلة الثانية، وضع المدخرات ضمن محفظة محميّة لا تمسّ، بعيدة عن تقلبات السوق، يتم ذلك عادة عبر استخدام عملات، أسعارها ثابتة نسبياً، ولا تتعرض لخسائر. المثال الأشهر عليها عملة USDC، وإلى الآن، لم تظهر عملة رقمية مشابهة لا تتعرض لتقلبات السوق بصورة كبيرة (تقلبت هذه العملة منذ تأسيسها عام 2018 حتى الآن بين 0.8 $  حتى 1.1 $).

2-    الحماية من التضخم

تتفادى العملات الرقميّة التضخم في الاقتصاد المحلي (ولا نقصد تضخمها نفسها)، أي أن انهيار الليرة اللبنانيّة والجنيه المصري والليرة السورية لا يؤثر بالعملات الرقميّة وأسعارها، كونها لا تخضع للبنوك المركزيّة أو الدولية، بل إلى التعاملات الرقمية وعمليات "التعدين" التي تحرك السوق. بالتالي، ما ثمنه 1 بيتكوين، يبقى ثمنه 1 بيتكوين، ولو كان ثمن البيتكوين الواحد ألف ليرة لبنانية أو 10 آلاف.

ناهيك أن عدد العملات الرقميّة ثابت، فالبيتكوين مثلاً، حسب الشيفرة التأسيسية لها، ونبوءة ساتوشي ناكاموتو، مخترع هذه العملة، لن تتجاوز الـ21 مليون بيتكوين. بالتالي، لا يمكن إنتاج "نقود" جديدة، تساهم في رفع معدلات التضخم.

3-    الأمان والخصوصيّة

تراهن العملات الرقمية على الأمان، أي من الصعب ضياع الأموال أو اختراقها، إلا من قبل القراصنة المحترفين، لكن ألا تُسرق البنوك؟ ألا تقوم البنوك نفسها بحرمان المودعين من أموالهم؟ تعمل شركات العملات الرقمية ومخدماتها بصورة يوميّة على زيادة جدران الحماية الخاصة بها والوقوف بوجه القراصنة.

تتفادى العملات الرقميّة التضخم في الاقتصاد المحلي، أي أن انهيار الليرة اللبنانيّة والجنيه المصري والليرة السورية لا يؤثر بالعملات الرقميّة وأسعارها.

الخصوصية أيضاً شأن لا يمكن التلاعب به. التبادلات تتم بين محافظ لا أفراد، ويمكن الحفاظ على هوية الشخص مجهولة، دون المساس به أو ملاحقته. صحيح أن هذه ميزة خطيرة، لكن التعاملات علنيّة، ويمكن عبر ملاحقتها ضبط أي تصرف يخالف القانون، خصوصاً أن العملات الرقمية لا تعني الاستقلال الكليّ عن الدولة، بل تفادي سيطرتها على "المال".

4-    سرعة الوصول والتبادل

إمكانية تبادل وشراء العملات الرقميّة شأن شديد الآنية. التطبيقات الحديثة تتيح لنا بثوان نقلَ العملات والقيام بالعمليات عبر هواتفنا النقالة والتطبيقات المشفرة، لأننا ببساطة خارج سلطة البنك وعمليات التأكد والتوثيق التي يقوم بها. تستغرق التحويلات ثوانيَ لا أكثر (حسب سعر الغاز). سرعة الوصول والتبادل هذه أتاحت للبعض دخول عالم الاستثمار، الشأن الذي ما زال خطراً حالياً، لكنه احتمال مفتوح أمام من يرغب.

معجم مبسط للعملات الرقميّة

البلوك تشاين - Blockchainيشار إلى هذا المصطلح بالعربيّة بـ"سلسلة الكتل"، والمقصود قاعدة بيانات تحافظ على ما يخزَن فيها دون قابلية التعديل أو الحذف، وهي أشبه بقيد تجاري للتبادلات والحسابات موجود علناً ولا يمكن التلاعب به.

العملات الرقميّة - Crypto Currencyهي نوع من أنواع المعادلات الرياضيّة شديدة التعقيد، والتي بمجرد حلّها يتم تثبيت الحلّ على "سلسلة الكتل" دون إمكانية التعديل. وتقابلها النقود في العالم الحقيقي، وبصورة أدق، تقابلها الأرقام في الحساب البنكي. الفرق أن البنك يمتلك العملات فعلاً، أما العملات الرقميّة فنتاج المعادلات، لا المال التقليدي.

المحفظة الإلكترونيّة - Crypto wallet: المساحة الرقميّة التي تتيح تخزين العملات الرقمية وتبادلها وشراءها وبيعها، دون إمكانية الدخول إليها إلا من قبل صاحبها فقط، ويمكن الدخول إليها عبر الهاتف النقال أو الكمبيوتر.

منصة التبادل: مخدمات رقمية تتيح لأصحاب المحافظ تبادل/شراء العملات الرقمية أو النقد الحقيقي.

الغاز: عمولة ضئيلة تدفع عند عمليات التبادل بالعملات الرقمية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard