أعلنت وزارتا الدفاع والداخلية الموريتانيتان، مساء يوم السبت 11 آذار/ مارس 2023، عن مقتل ثلاثة سجناء متطرفين فرّوا من السجن المدني في نواكشوط، واعتقال الهارب الرابع. قُتلت المجموعة خلال اشتباكات مع قوات موريتانية في منطقة نائية شمال موريتانيا، وذُكر في البيان المتعلق بالعملية، أنه: "في أثناء عمليات التمشيط والبحث التي نفذتها وحدات برية ووحدات من الدرك متخصصة في مكافحة الإرهاب، تعرضت هذه الأخيرة لإطلاق نار كثيف، أدى بها إلى الدخول في اشتباك مع العناصر الإرهابية، وقد أسفر هذا الاشتباك العنيف عن قتل ثلاثة من الإرهابيين وإلقاء القبض على الرابع واستشهاد دركي من أبطال القوات المسلحة".
حسب البيان، "بعد توصل اللجنة بجملة من المعلومات قامت بتحليلها ورجحت منها الفرضية التي تقول بتواجد الإرهابيين في منطقة في ولاية آدرار، وبعد تحليل المعلومات، تم التأكد منها ومن ثم بدأ التنسيق بشكل محكم بين القوات الجوية والبرية، مما قاد إلى تحديد مكان الإرهابيين وذلك بعد تحصّنهم في منطقة جبلية وعرة".
وكانت بداية العملية التي أدت إلى قتل الثلاثة، عند تعطّل عجلات سيارة دفع رباعي كانوا يستقلونها في بلدة أمژماژ، حيث أوقفوا سيارةً محليةً شك صاحبها فيهم فأبلغ عنهم السلطات، وفق بعض وسائل الإعلام المحلية.
لكن كيف تمت العملية؟ وهل تعني عودة الإرهاب إلى البلاد؟ وما هي آثار قطع الإنترنت عن السكان الذين دخلوا دائرةً من القلق لانقطاع اتصالهم بالعالم؟ وما الخسائر التي سببتها لأصحاب المشاريع الذين تعتمد تجارتهم على الإنترنت؟
أسبوع من القلق
عملية هروب السجناء المتطرفين من السجن المدني في نواكشوط، تسببت في حالة من الهلع في العاصمة نواكشوط، وفي موريتانيا بشكل عام، لخطورة السجناء الفارين والعملية التي تسببت في قتل عنصرين من الحرس، وكان من بين الفارين من السجن السالك ولد الشيخ، المحكوم بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى عبر حمل السلاح ومشاركته في "تفجير الرياض"، في نواكشوط 2011.
رافق السالك في عملية هروبه، الشبيه محمد الرسول، المدان بتهمة "حمل السلاح ضد موريتانيا وارتكاب اعتداءات بغرض القتل"، والمحكوم عليه بالإعدام، وإمحمد محمود محمد يسلم، وهو مدان بمحاولة الانتساب إلى تجمع بهدف ارتكاب جرائم إرهابية، ومحكوم عليه بالسجن عشر سنوات، وفي السجن منذ 2020، وأبو بكر الصديق عبد الكريم، الذي أدين بمحاولة إنشاء تجمّع بهدف ارتكاب جرائم إرهابية وتلقّي تدريبات في الخارج، وحُكم عليه بالسجن سبع سنوات، وموجود في السجن منذ 2021.
وهذا ما عدّه بعض المراقبين خرقاً أمنياً كبيراً ومقلقاً لأمن موريتانيا المحاطة ببؤر التوتر والإرهاب.
عملية هروب السجناء المتطرفين من السجن المدني في نواكشوط، تسببت في حالة من الهلع في العاصمة نواكشوط، وفي موريتانيا بشكل عام، لخطورة السجناء الفارين
قال الباحث المساعد في "مجموعة الأبحاث حول الساحل" في جامعة فلوريدا، باب آدو، في حديثه إلى رصيف22، معلّقاً على عملية الهروب: "برغم أن عملية الهروب من السجن، أعادت إلى الأذهان أجواء العمليات الإرهابية ما بين 2005 و2012، فما يبدو لي أن هذه العلمية الأخيرة لا تعبّر عن عودة النشاط الجهادي إلى الساحة الموريتانية، فعملية الهروب على الأرجح معزولة، وحتى لو كانت هناك أطراف من الخارج ساعدت السجناء على الهروب، فالهدف يبدو أنه كان الخروج من الأراضي الموريتانية والالتحاق بالتنظيم الموجود في مالي وليس بالضرورة القيام بأعمال إرهابية داخل البلد".
وأشار آدو، إلى أن "هذه ليست أول عملية هروب من السجن من طرف السجناء السلفيين، فأحد الفارّين، وهو السالك ولد الشيخ، كان قد هرب من السجن المدني نهاية العام 2015، ولم يتم اعتقاله إلا بعد ثلاثة أسابيع على الحدود الغينية، ومع ذلك فالعملية تدلّ على وجود ثغرات أمنية كبيرة، كما أن ثلاثة أفراد من الحرس والدرك، سقطوا قتلى وأصيب آخرون، ما يعني أن عملية الفرار والتعقب أدت إلى خسائر فادحة على الجانب الموريتاني".
موريتانيا ومحيطها الملتهب
تعيش موريتانيا في ظل محيط ملتهب، خاصةً في جارتها مالي المتضررة من الإرهاب، وهو ما يجعل بعض المراقبين يرون أن موريتانيا تواجه بدورها مخاطر جمةً. قبل أيام تحدث الرئيس الموريتاني محمد ولد غزواني، عن أن الجماعات الإرهابية، فهمت أنه عليها الحذر من القدوم إلينا، وربط البعض بين هذا التصريح وهروب مجموعة السجناء. عن ذلك قال باب آدو: "لا أعتقد أن هناك ارتباطاً بين تصريح الرئيس الموريتاني وتوقيت الهروب. ربما الأمر مجرد صدفة"، مؤكداً أن "موريتانيا جزء من منطقة الساحل التي لم تعرف الاستقرار منذ أحداث مالي 2012، وهي أيضاً جزء من مجموعة دول الساحل الخمس التي أنشئت خصيصاً لمواجهة هذه التحديات الأمنية".
رغم أن السلطات الأمنية استطاعت تحييد إرهابيين فارين من أحد السجون الموريتانية إلا أن قطع الأنترنت وتضرر الآلاف من أصحاب التجارة المعتمدة عليها أثار غضبا في موريتانيا
وأشار المتحدث إلى أن موريتانيا تتأثر سياسياً وأمنياً بالأوضاع الأمنية في المنطقة، وأمامها تحديان أساسيان: "الأول هو تأمين الحدود الشاسعة خصوصاً مع دولة مالي ضد هجمات المجموعات المسلحة التي تنشط هناك، والثاني هو منع تسلل عناصر جهادية إلى داخل الأراضي الموريتانية، بهدف ارتكاب عمليات خطف أو قتل، وموريتانيا نجحت خلال السنوات الماضية في هذين التحديَين. ولا أعتقد أن هذا النجاح يعود لاتفاق سرّي بين موريتانيا والتنظيمات المسلحة، كما يقول بعض المحليين، وإنما هو نتيجة لتضافر عوامل عدة بعضها يتعلق بظروف الدول الأخرى التي اتجهت إليها هذه التنظيمات".
وأكد أن "التحدي الأبرز الذي يواجه موريتانيا، معالجة المظالم الاجتماعية التي أصبحت تغذي المجموعات المسلحة خصوصاً في منطقة الساحل، وموريتانيا لم تنجح حتى الآن في معالجة هذه القضايا الاجتماعية التي تشكل تهديداً حقيقياً للسلم الأهلي، وسبباً محتملاً لانتشار الخطاب الإرهابي".
قطع الإنترنت وتداعياته المقلقة
بعد عمليات فرار السجناء المتطرفين، قطعت السلطات في موريتانيا الإنترنت المحمول منذ 6 آذار/ مارس 2023، في حين استمرّ الإنترنت في العمل على الخطوط الثابتة، وهو ما عُدَّ تضييقاً على المواطنين في عيشهم وحريتهم، واستسهالاً من السلطات في قطع الإنترنت بلا داعٍ، وأن القطع يغذّي الشائعات ويحرم الإنسان من المعلومة الصحيحة، ويحرم الناس من الاطمئنان على بعضهم داخل موريتانيا وخارجها بعد الحادث، والقطع أيضاً يتسبب بخسائر مادية مباشرة للمواطنين، إذ توّقفت الكثير من تطبيقات التاكسي وتطبيقات التحويلات.
وفي حديث إلى رصيف22، قال الناشط الموريتاني ناصر ودادي: "بالنسبة إلى خطوة قطع الإنترنت، فهي مقاربة أمنية لكنها للأسف غير موفقة، لأن هناك أدوات للتعامل مع التطبيقات التي تُستخدم من قبل الإرهابيين للتواصل، وتلك هي الحجة الشهيرة، وطبعاً المشكلة الحقيقية هي أن هناك نقصاً حقيقياً في الأداء، في ما يتعلق بسياسة الاتصال مع المواطنين، وأيضاً في عملية التوعية وإدارة مثل هذه الطوارئ. هذه هي المشكلة الحقيقية، أما قطع الإنترنت فهو الحل الأسهل".
أضاف المتحدث: "المؤسف في القطع هو أنه أحدث أضراراً كبيرةً. مثلاً، يعتمد الموريتانيون بشكل كبير على الإنترنت، خاصةً أصحاب الشركات الصغيرة والأعمال الصغيرة، ولن تتضرر مثلاً شركة "سنيم"، أكبر مصدر للحديد، بل أصحاب الأعمال الصغيرة، مثل مالك وكالة إيجار للسيارات، أو صاحب مطعم يعتمد على خدمة التوصيل، وصاحب الأعمال الحرة، وشركات القطاع الخاص المتوسطة والصغيرة، لأن الإنترنت هو شريان اتصالهم ببقية العالم. طبعاً هم يقولون إن خدمة الواي فاي موجودة، لكنها خدمة ترجعنا إلى فترة تسعينيات القرن الماضي، وتحدّ من حركة أصحاب الأعمال. مثلاً، بعض أصحاب الأعمال يعتمد عملهم على قدرتهم على الحركة والاتصال في الوقت نفسه، وهذا هو الخطير، وطبعاً هذا سيتضرر منه عدد من المواطنين".
المؤسف في القطع هو أنه أحدث أضراراً كبيرةً. مثلاً، يعتمد الموريتانيون بشكل كبير على الإنترنت، خاصةً أصحاب الشركات الصغيرة والأعمال الصغيرة
وحسب ناصر ودادي: "هناك شرائح عريضة لا تملك إنترنت ثابتاً في المنازل، وهذا يقطع أوصال المواطنين في البلد المترامي الأطراف، والشرائح الأكثر تضرراً هي الأقل دخلاً".
وأكد ودادي أنه "يجب الاعتراف بأن الإنترنت، أصبح جزءاً من الحياة اليومية مثل الماء والكهرباء، وحسب بعض التقديرات كلفة خمسة أيام من القطع 10 ملايين دولار، أي بحدود ثلاثة مليارات أوقية، وهي مبالغ طائلة بالمقاييس المحلية، ناهيك عن تأثير قطع خدمة الجوّال على حركة المستثمرين الأجانب وغيرها من الأمور، وهذا القطع يضرّ بسمعة البلد كمكان غير قابل للاستثمار، ويفتقد الاستقرار في البنى التحتية، وهذا مضرّ جداً بسمعة بلد يحتاج إلى الاستثمارات الخارجية، ويحتاج إلى جلب الشركاء الدوليين، وهذا كله غير مفيد لتحسين صورة البلد كمكان يستثمر فيه الشركاء الأجانب".
الواضح أن الهدف من قطع الإنترنت، هو إجبار الفارين على التواصل بالهاتف العادي الذي يخضع للرقابة الأمنية
وخلص المتحدث إلى القول: "من الناحية الحقوقية البحتة، هذا من شبه المؤكد أنه مضر بالتصنيفات الحقوقية للدولة".
وعلّق الناطق باسم الحكومة الموريتانية، وزير التجهيز والنقل، الناني ولد أشروقه، عقب انتهاء اجتماع الحكومة، يوم الخميس 9 آذار/ مارس، على قطع الإنترنت وقال إن "الأمن مقدَّم على كل شيء، وما قُطع من الإنترنت هي شبكة الجوال وحدها لدوافع أمنية".
بدورها طالبت منظمة أكسس ناو Access Now السلطات الموريتانية، بإعادة الإنترنت بشكل كامل وربط البلاد بها على الفور، وأكدت المنظمة في بيان أصدرته أن "السلطات الموريتانية لها باع طويل في قطع الإنترنت خلال اللحظات الوطنية الحرجة، فقد قطعت الإنترنت في عام 2019، بعد انتخابات رئاسية شديدة التنافس".
وقال الباحث باب آدو: "لا أعرف بالضبط كيف ساعد تعطيل إنترنت الهاتف في تعقب السجناء الفارين، الواضح أن الهدف من قطع الإنترنت، هو إجبار الفارين على التواصل بالهاتف العادي الذي يخضع للرقابة الأمنية عكس التطبيقات المشفّرة. لكن حتى لو كان قطع الإنترنت حاسماً في عملية تعقّب الفارين، فإن الثمن باهظ جداً على حياة الناس اليومية التي أصبحت مرتبطةً بالإنترنت، كما هو الحال في بقية بلدان العالم. ومع غياب إحصائيات دقيقة تحدد الخسائر، يمكن القول إن قطع الإنترنت أثّر بشكل واضح على الشركات الصغيرة والمتوسطة، خاصةً تلك التي تعتمد على تطبيقات الهاتف في التواصل مع الزبون، بالإضافة إلى شركات الاتصال طبعاً. بالإضافة إلى ذلك، قطع الإنترنت أيضاً سيؤثر على سمعة البلد وسجلّه الحقوقي".
وخلص المتحدث إلى القول إنه "لا مسوغ لهذه الخطوة، خصوصاً أنها تتم من دون الرجوع إلى أي إطار قانوني ومن دون تقديم أي مبررات أو توضيحات للرأي العام".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...