تتوالى التوقيفات التعسفية للصحافيين التونسيين، في عهد منظومة 25 تموز/ يوليو. مؤخراً، اعتُقل الصحافي والناشط السياسي غسان بن خليفة، مؤسس موقع "انحياز"، كما أذنت النيابة العمومية في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، باحتجازه لمدة خمسة أيام قابلة للتمديد، في إطار التحقيق معه.
التوقيف التعسفي، بحسب المنظمات الصحافية والحقوقية، جوبه برفض وتنديد واسعين من قبل المجتمع المدني، وسط مخاوف من التراجع عن حرية الصحافة والتعبير والحريات العامة التي أشارت إليها الاعتقالات المتعاقبة في الأشهر الأخيرة بتهم لا تتعلّق بمهنة الصحافة.
استنكرت نقابة الصحافيين التونسيين، "تسجيل فريق الدفاع خروقات إجرائيةً وشكليةً بالجملة رافقت عملية التوقيف، من مداهمة منزل بن خليفة ومنزل والديه من دون تقديم إذن قضائي، والتلاعب به (تنقيله) طوال يوم إيقافه بين الفرق الأمنية المختلفة ووكلاء الجمهورية من دون سماعه والسماح لفريق الدفاع بمقابلته".
عودة سيف "الإرهاب"
إحالة صحافي على القطب القضائي لمكافحة الإرهاب ليست سابقةً، فقد أوقف في شهر آذار/ مارس الماضي، الصحافي خليفة القاسمي، بموجب قانون الإرهاب، على خلفية نشره خبراً يفيد بتفكيك خلية إرهابية، كما اعتُقل الصحافي صالح عطية، ووجّهت إليه تهمة "المسّ بصفو النظام العام وحياد المؤسسة العسكرية"، إثر مداخلة له عبر قناة "الجزيرة" التي تحدث فيها عن عصيان الجيش لأوامر رئيس الجمهورية قيس سعيّد. بدوره، تعرّض الصحافي عامر عياد، إلى التوقيف لمدة شهر، بتهمة التآمر على أمن الدولة وارتكاب أمر "موحش" ضد رئيس الدولة.
استنكرت نقابة الصحافيين استسهال النيابة العامة إصدار أوامر التوقيف في حق المواطنين والصحافيين من دون وجود شبهات قوية أو أركان جريمة، كما أدانت في بيان لها التوقيف التعسفي للصحافي بن خليفة واحتجازه من دون موجب، مطالبةً بالإفراج الفوري عنه ومحاسبة كل من ساهم في التنكيل به وبعائلته.
اعتقال الصحفي غسان بن خليفة بقانون "الإرهاب"، ومن قبله آخرين، يثير المخاوف من ردّة في مجال الإعلام تعيد تونس إلى زمن ما قبل الثورة
ولفتت النقابة إلى أن غسان بن خليفة وغيره من الصحافيين والصحافيات والمدوّنين/ ات والناشطين/ ات والحقوقيين/ ات، يتعرضون لحملات تشويه وتهديد وسحل إلكترونية تقوم بها صفحات محسوبة على السلطة من دون أن يتخذ فيها القضاء أيّ إجراءات بالرغم من رفع العديد من الشكاوى، وهو ما يؤكد وفق النقابة أن السلطة توظّف الأجهزة الأمنية والقضاء وتحركها في قضايا بعينها دون أخرى.
بدورها، تحدثت منظمة "أنا يقظ"، عن اقتحام منزل الصحافي والناشط السياسي غسان بن خليفة، واعتقاله تعسفياً، "في خرق واضح للإجراءات ولحقّه الإنساني في الدفاع عن نفسه بحضور محاميه مع احترام قرينة البراءة، وحقه كذلك في المحاكمة العادلة بعيداً عن التشفي أو التدخل السياسي، ومحاولات السحل الإلكتروني من مساندي الرئيس وأنصاره".
وقفة احتجاجية مساندة لغسان بن خليفة
كما رأت أن "اعتقال غسان بن خليفة، نكسة جديدة لحرية التعبير ومحاولة فاشلة لتكميم الأفواه الحرة والقلم المتمرد".
من جهته، أعرب حزب التيار الديمقراطي عن استغرابه من الزجّ بشخص عُرف بنضاله واستقلاليته في ملف خطير كالإرهاب، كما وصف الصحافي بن خليفة بالمناضل الاجتماعي والمناصر للقضايا التحررية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وندّد الحزب بعمليات تحرّش "منظمة ضد المناضلين السياسيين والأصوات الحرة في البلاد، وكل من يعلو صوته انتقاداً للمنظومة المتحكمة مع استعمال ‘الوظيفتين’ الأمنية والقضائية في تصفية الحسابات السياسية، وأداةً لتطويع المعارضين ولجم القوى المجتمعية الحية".
"اعتقال غسان بن خليفة، نكسة جديدة لحرية التعبير ومحاولة فاشلة لتكميم الأفواه الحرة والقلم المتمرد"
وأعرب الحزب عن "رفضه للعبث المتواصل بأمن الدولة والسلم الأهلي، عبر استسهال اختلاق التهم الإرهابية في حق الصحافيين والمناضلين السياسيين، سعياً إلى التضييق على حقوقهم، بما يشوّش على الجهد الأصلي الذي يُفترض أن تبذله المؤسسات الأمنية في التصدي للإرهاب الحقيقي المترصد لبلادنا".
أما الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، فقد أدان التساهل الذي تتعامل به السلطتان القضائية والتنفيذية في مداهمة بيوت الصحافيين وتفتيشها واعتقالهم وحجز معداتهم، كما أكد أن حالة الغموض الإجرائي التي تكتنف ملف غسان بن خليفة، تأتي في سياق تتعامل فيه السلطة مع الصحافيين كمجرمين، في ملفات لها علاقة بحرية التعبير.
وقفة احتجاجية
أكدت مروى الشريف، زوجة الصحافي غسان بن خليفة، أن 12 رجل أمن يرتدون الزي المدني اقتحموا منزل غسان، وحجزوا حاسوبه وهاتفه وأوقفوه بتهمة إرهابية، كما تم اتهامه بالإشراف على صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، من الواضح أنها تابعة "للخوانجية" (الإسلاميين)، في حين أن غسان يساري شيوعيّ تقدمي ديمقراطي. ورأى أن زوجها معتقل سياسي لأنه صحافي مزعج للسلطة ويتناول العديد من القضايا التي يؤمن بها ويدافع عنها ويناضل من أجلها ومن بينها مناهضة التطبيع والظلم الطبقي.
الشريف: زوجي معتقل سياسي، لأنه صحافي مزعج للسلطة ويتناول العديد من القضايا التي يؤمن بها ويدافع عنها ويناضل من أجلها
وتضيف الشريف في حديثها إلى رصيف22، أنه حسب قانون الإرهاب، تُمنع زيارة الموقوف لمدة 48 ساعةً، لكن هذه المدة تم تجاوزها بـ12 ساعةً، ولم يتمكّن أحد من زيارة غسان، وتابعت: "حتى رابطة حقوق الإنسان وهيئة مكافحة التعذيب مُنعتا من زيارته، بالإضافة إلى أن مكان احتجازه غير معلوم".
وأشارت إلى أنه خلال استفسارها عن سبب إيقاف الصحافي بن خليفة، يحاول أعوان الأمن الزج بها في متاهات تقنية تنأى عن الخوض فيها معلنةً عن تنظيم وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحافيين، تليها ندوة صحافية. كما أضافت: "لن نسكت عن الظلم الذي تعرّض له غسان ولا عن توقيفه بموجب قانون الإرهاب".
تهديد لحرية الصحافة
تحدثت أميرة محمد، نائبة رئيس نقابة الصحافيين، عن وجود تهديدات جديّة تدلّ على تراجع عن حرية التعبير، والدليل على ذلك المحاكمات العديدة في صفوف الصحافيين والمدوّنين، لافتةً إلى أن أكثر فترة تم فيها تسجيل اعتداءات ومحاكمات للصحافيين وسلب للحرية هي الفترة الحالية، التي عدنا فيها إلى فترة ما قبل 14 كانون الثاني/ يناير (الثورة).
كما لفتت النقابية في حديثها إلى رصيف22، إلى وجود حملة ممنهجة ضد الصحافيين وضد الآراء المخالفة للسلطة، وإلى أن الصحافيين مستهدفون في الدرجة الأولى، لأن كل الآراء تمر عبرهم، مشيرةً إلى وجود سياسة الكيل بمكيالين عند السلطة، فالآراء المخالفة لمنظومة الحكم يتم استهدافها، في حين أن صفحاتٍ وجهاتٍ أخرى تقوم بسحل المعارضين وتشويه سمعتهم والتنكيل بهم لا يتم التعاطي معها بالجدية نفسها.
وتشدد أميرة محمد، على ضرورة وجود إرادة فعلية لاحترام حرية الصحافة من أجل حماية حرية التعبير، قائلةً: "ينفي الرئيس في كل مرة وجود تهديد لحرية التعبير. هذا غير صحيح، والدليل حوادث التوقيف العديدة في صفوف الصحافيين والمدونين والناشطين التي نسجلها يومياً. النقد هو من بين أدوار الصحافة، ولا يجب استهداف الأشخاص بناءً على مواقفهم من المنظومة".
وقفة احتجاجية مساندة لغسان بن خليفة
وأكدت المتحدثة على ضرورة سنّ قوانين داعمة لحرية الإعلام تضمن حق الصحافي في العمل في بيئة آمنة وسليمة، عادّةً أن غياب الإرادة السياسية لاحترام حرية التعبير والحق في الاختلاف يغطّي على وجود القوانين.
جدير بالذكر أن الصحافة في تونس تشهد مؤخراً حالات متعددةً من التضييق على حرية التعبير، من بينها تواتر الاعتداءات المتكرّرة على الصحافيين في أثناء أدائهم مهامهم، والمنع من العمل، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على المعلومات من الجهات الرسمية، وهو ما يثير أكثر من تساؤل حول واقع الإعلام في تونس، في ظل التهديدات الجدية التي تطال حرية التعبير.
وتراجعت تونس 21 مرتبةً في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2022، وعزت منظمة "مراسلون بلا حدود" التي تُصدر التصنيف، هذا التراجع إلى الإجراءات الاستثنائية التي أقرّها رئيس الجمهورية قيس سعيّد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 23 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع