أسمع صوت ضحكاتهم عالياً، والدخان الكثيف يخرج من سطح المنزل. فهنا في قرية بقاعية تقع في البقاع الأوسط، وتُعدّ مدخلاً إلى البقاع الشمالي، المنازل قريبة من بعضها البعض. اقتربت أكثر من المنزل، ليعلو صوت الضحك أكثر وينتهي بجملة: "نضيفة هالبزرة، دوّرها منيح عالشباب".
تنتشر الحشيشة، في غالبية القرى اللبنانية. أصبحت متداولةً بشكل شبه علني، إذ يسأل الشبّان عنها في ما بينهم بكلمتين: "معك شي؟". لكن في الآونة الأخيرة، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً عن سكاكر محشوة بسائل الماريجوانا في قرى بعلبك، تشبه السكاكر العادية التي تُباع في الدكاكين، ويتم الترويج لها بين الشباب، والبعض لا يعلم ما في داخلها.
كيس ملوّن
التسجيل الصوتي انتشر، كتحذير للأهالي في بعلبك خوفاً من تناولها عن طريق الخطأ. رفيق (23 عاماً، اسم مستعار لشاب من مدينة بعلبك رفض الكشف عن اسمه)، يروي لرصيف22 تجربته مع "الحبّة"، ويقول: "حصلت عليها من أحد أصدقائي كضيافة عادية، عند قدومه إلى لبنان من الولايات المتحدة الأمريكية".
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً عن سكاكر محشوة بسائل الماريجوانا في قرى بعلبك
بعد تناولها، لم يستطع رفيق الوقوف على قدميه. يقول: "كانت رائعةً جداً، فيها سائل من الماريجوانا طعمه حار، وتعادل الحبة الواحدة أكثر من أربع سجائر من الحشيش، وتجعل المزاج جميلاً، ويوجد منها في قرى عدة في البقاع وبدأت تنتشر مؤخراً في بيروت ولكن سعرها غالٍ جداً".
في السابق، لم تكن الماريجوانا منتشرةً ومعروفةً في المناطق البقاعية بكثرة، وكان الاعتماد على الحشيش، فتلك المناطق تشتهر بزراعة الحشيشة وتجارتها، إذ يُزرع اليوم 40 ألف هكتار من الأراضي على الأقل، بالحشيشة في لبنان، وفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة صدر عام 2020. ويبدأ سعر الكيلو الواحد من 100 دولار، حسب نوعية الحشيش، كما تُعدّ تجارتها مربحةً، إذ إن تكلفة زراعته متدنية وتباع بالدولار.
يتابع رفيق في حديثه: "انتشرت هذه السكاكر بين الشبان، وكان سعر الحبة الواحدة عندما اشتريتها نحو مليون ونصف مليون ليرة، أما الكيس الواحد فيباع بنحو 100 دولار وأكثر، حسب ما قاله صديقي الذي أتى بها، والتجار الكبار باتوا يستوردونها من الدول التي شرّعت الماريجوانا، ويشتري التاجر كميات كبيرةً منها بسعر مقبول، ليبيعها في لبنان بسعر أعلى".
سعادة "هستيرية"
لم يكن رفيق وحده الذي تناول من هذه السكاكر، ولا يقتصر الأمر على القرية التي يقيم فيها. في قرية مجاورة لقريته، أيضاً انتشرت هذه السكاكر. التقى رصيف22، محمد، وهو شاب آخر تناولها. يقول: "المتعاطي المبتدئ لا يجب أن يأخذها فوراً، إذ لا يستطيع تحمّل مفعولها. سيشعر كأنه دخّن أكثر من أربع سجائر دفعةً واحدةً، ومفعولها أقوى، إذ إن سيجارة الحشيش الواحدة يحتاج الشخص بعد شربها إلى تناول السكر بكميات كبيرة كي تنتقل إلى الدم ويزداد مفعولها في الدماغ. أما هذه السكاكر، فكمية السكر الموجودة في السائل في داخلها، تكون مضاعفةً".
ويتابع: "عندما تناولتها للمرة الأولى، هبط ضغطي بسرعة كبيرة، وبدأت أتعرّق وانخفضت حرارتي ولم أقدر على تحريك رأسي والتركيز خلال النظر، فخفت كثيراً، ولكن بعد نحو نصف ساعة تحول هذا الخوف إلى سعادة غير طبيعية وضحك هستيري، دام أكثر من ست ساعات".
ويروي أكثر من شاب التقاهم رصيف22، ورفضوا الحديث باسمهم، أنهم اعتادوا التوجه إلى قرى بعلبك للحصول على "طحبوش" أو "كف" من الحشيش، ومؤخراً صار التجار يعرضون عليهم هذا النوع من السكاكر، رافضين الحديث أكثر عن الموضوع.
"كانت رائعةً جداً، فيها سائل من الماريجوانا طعمه حار، وتعادل الحبة الواحدة أكثر من أربع سجائر من الحشيش، وتجعل المزاج جميلاً، ويوجد منها في قرى عدة في البقاع"
ويشتهر لبنان منذ عقود بزراعة "القنّب الهندي"، وفي نيسان/ أبريل من عام 2022، شرّع لبنان زراعة الحشيشة لأغراض طبية وصناعية، من أجل توفير مصدر جديد للخزينة العامة في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي حلّت بلبنان، لكن القرار لا يزال موضوعاً على الرف في خزائن مجلس النواب، فيما يُعدّ لبنان رابع منتج للحشيش عالمياً بحسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2017.
بنج حمير!
"الكثير من الشبان بدأوا بتداول هذه السكاكر كضيافة أيضاً، وانتشرت بين الجيل الجديد بكثرة"، يقول صاحب دكان في بعلبك رفض الكشف عن اسمه. ويضيف: "في بادئ الأمر لم نصدّق هذه الروايات، فنحن نعلم بسيجارة الحشيش فقط، لكن هناك شاباً بدأت عليه أعراض هلوسة، ظنّوا للوهلة الأولى أنه يعاني من مرضٍ ما، ولكن عندما أُسعف إلى المستشفى قيل إنه تعاطى جرعةً من المخدرات، في الوقت الذي بدأت فيه تنتشر هذه السكاكر للمرة الأولى".
يتابع: "هذه كارثة أيضاً. لم يتوقف الأمر على هذه السكاكر، فسابقاً انتشر بنج الحمير، وبدأت حالات الإغماء تنتشر بين الناس، إذ أصبح المروّجون يبيعون سجائر من الحشيش مخلوطةً ببنج مخصص لتخدير الحيوانات، وطبعاً المخدّر بحد ذاته مستخلَص من المواد المخدرة كالكيتامين والأفيون، كما يقال، كما انتشرت هذه السجائر أيضاً في الضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت، لا في البقاع فقط".
مفعول أقوى
يرى رئيس عام "جمعية جاد" التي تُعنى بالتوعية حول مكافحة المخدرات في لبنان، جوزيف حواط، أن "تأثير الحشيش يكون على الدماغ مباشرةً، والمادة السامة الموجودة داخل الحشيش THC (تيترا هيدرو كانابينول)، تضرب الدماغ على الفور، أما السكاكر التي تأتي من الخارج فيكون مفعولها أقوى، أي النسبة فيها أعلى، وهي صناعة أجنبية وليست وطنيةً، ونحن ليست لدينا في لبنان إلى اليوم معامل شوكولا وسكاكر تصنع المخدرات أو الحشيش".
هناك قانون جديد حول CBD، وهي مادة غير ضارة، ومن الممكن أن يبدأ لبنان بتصنيع هذه السكاكر والشوكولا
ويضيف: "هناك قانون جديد حول CBD، وهي مادة غير ضارة، ومن الممكن أن يبدأ لبنان بتصنيع هذه السكاكر والشوكولا، ولكن في ظل مراقبة كميات مادة الـCBD وليس الـTHC السامة، ففي الخارج يصنعون هذه السكاكر وفيها كميات من الـCBD غير السامة إلى حدٍ ما، وفي الوقت ذاته يضعون فيها نسبةً عاليةً من الـ'دي أر سي' التي تؤدي إلى الهلوسة".
وفق رأي حواط، من الممكن أن تأتي هذه السكاكر من الخارج عبر أشخاص يضعونها داخل الحقيبة بشكل طبيعي لا يلفت النظر، وتدخل عبر المطار على أنها سكاكر عادية، وهناك دول عدة مثل ألمانيا وغيرها، تصنع هذه السكاكر، وعندما تقرأ المعلومات على الكيس يكون مكتوباً عليه صُنع في ألمانيا وتُباع خارج الدولة الألمانية، كما يوجد منها في كندا وأمريكا أيضاً، ودول عدة تصنعها بالإضافة إلى الكيك والشوكولا".
ويضيف: "أكياس السكاكر هذه مرسومة عليها نبتة الماريجوانا، ولكن في حال تم إفراغ السكاكر في أكياس أخرى، كيف سيعلمون في المطار بأنها ماريجوانا؟". ويسأل: "هل كل العاملين في المطار يعرفون أن هذه النبتة المرسومة على الكيس هي ماريجوانا؟".
يشير حواط إلى أنه "داخل المطار، لا أحد سيأخذ هذه السكاكر إلى المختبر، ويحلّل كل واحدة منها، وإذا بدأ بيعها في السوق اللبنانية، فهذا يعني أن هناك كميات جيدةً موجودةً، إما دخلت عبر المعابر غير الشرعية أو عبر الرشوة عن طريق المعابر الشرعية، لكن ليست لدي معلومات دقيقة لأنها ظاهرة جديدة، وبالتأكيد خطرة جداً لأنها ببساطة يمكن إعطاؤها لطفل صغير دون علمه أو لفتاة في سهرة، بينما سيجارة الحشيش واضحة من شكلها ورائحتها".
مواد مباحة
"قبل جائحة كورونا، كان البنج الذي يستعمله الأطباء البيطريون للبقر والحمير والأحصنة، من الكيتامين، مباحاً للجميع، إذ توجد فيه أيضاً نسبة أفيون عالية، ويباع في محال المواد الزراعية كإبر سائلة بنحو 8 آلاف ليرة للإبرة الواحدة، وهذا النوع يستعمله مدمنو الهيرويين"، يقول حواط، ويضيف: "إلى الآن يُستعمل طبياً للإنسان ولكن بنسب قليلة جداً".
وتعمل جمعية "جاد" على العديد من ملفات مكافحة المخدرات، وقد استطاعت بالتعاون مع مدير وزارة الصحة السابق الدكتور وليد عمار، ونقيب الصيادلة السابق الدكتور زياد نصور، نقل ملف "بيع الإبر التي تُستعمل كبنج للحيوانات في المحال الزراعية"، من وزارة الزراعة إلى وزارة الصحة، بعد ثلاث سنوات من العمل، لتصبح اليوم مادتا الأفيون والكيتامين مدرجتين على جدول المخدرات.
ويشرح حواط أن "مهمة نقل ملف هذه المادة، عبء كبير علينا لأن التجار كانوا محميين ولا يمكن إيقافهم، والسبب أن هذه المادة كانت غير مدرجة على جداول المخدرات، كما أن المتعاطي لا يمكن إيقافه لأنه كان يشتريها من أي محل يبيع مواد زراعيةً. وكان يباع منها نحو 500 إبرة سنوياً، وارتفع العدد إلى 7،000 و8،000، وأصبح الناس يتعاطونها".
قبل جائحة كورونا، كان البنج الذي يستعمله الأطباء البيطريون للبقر والحمير والأحصنة، من الكيتامين، مباحاً للجميع، إذ توجد فيه أيضاً نسبة أفيون عالية، وهذا النوع يستعمله مدمنو الهيرويين
ويشير إلى أن الملاحقة القانونية للتجار غائبة، متسائلاً: "ما دور رئيس مكافحة المخدرات في البقاع، ورئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي؟ أين دورهما اليوم من ملاحقة المروّجين والتجار، وأين دور القضاء من هذا الأمر؟"، واضعاً هذا الواقع في سياق "التورط وليس التقصير من قبلهم، بحسب الفضائح التي نسمعها من وقت إلى آخر".
الشراء أونلاين؟
لهذه السكاكر أنواع عدة، منها ما يحتوي على مادة CBD غير الضارة، وأخرى تحتوي على مادة THC، بحسب مروان حشيمي، أحد المتطوعين في جمعية جاد. ويقول لرصيف22: "من خلال البحث عبر الإنترنت عن THC infused gummy، يظهر لنا نوع هذه السكاكر المنتشرة في البقاع، وهي غير ضارة في حال احتوت مادة الـCBD فقط".
ومن خلال البحث، تبيّن أن السكاكر تسمى Space Drops بحسب ما عرفت عنها الشركة، "وهي علكة حلوة نباتية تحتوي على 100 ملغ رباعي هيدروكانابينول في كل صندوق، وتحتوي على عشر علك حامضة فردية في قوس قزح من النكهات. يوفر كل صمغ 10 ملغ من رباعي هيدروكانابينول من تجزئة الماء المثلج ذي المصدر الواحد لرفع كيانك. وجميع منتجات Space Jam مصنوعة يدوياً في مقاطعة Humboldt من مكونات عضوية ونباتية ونكهات وألوان طبيعية"، وذلك بحسب موقع farmhouse.delivery.
ويقول الموقع: "بدأ إنتاج سكاكر Space Gem في عام 2013، في مطبخ منزلي. وأيضاً صُنعت الأطعمة مع حشيش عالي الجودة في مقاطعة Humboldt لمساعدة الناس على عيش حياة أكثر صحةً وسعادةً. الآن يمكن العثور على منتجات Space Gem في جميع أنحاء ولاية كاليفورنيا، لكن لا يزال صنعها في مقاطعة Humboldt، حيث بدأ كل شيء، مع تجزئة المياه المثلجة المحلية".
ويباع الكيس الذي يحوي على 10 حبات، كما يُبيّن الموقع، بـ22 دولاراً أمريكياً، فيما يشتري من يريد تجربة هذه السكاكر في لبنان، الحبة الواحدة بما يقارب 15 دولاراً أمريكياً.
وتحتوي السكاكر على "شراب التابيوكا، السكر، البكتين، زيت جوز الهند، زهرة القنّب وحشيش الماء المثلج أحادي المصدر، حمض الستريك، زيت عباد الشمس، والنكهات الطبيعية".
مسؤولية الجمارك
ينفي مصدر في قوى الأمن الداخلي لرصيف22، إمكانية دخول هذه السكاكر أو تهريبها عبر المطار، ويقول: "حاول بعض الأشخاص إدخال أكياس السكاكر ولكن تم منعهم، أما نحن فليست لدينا معلومات عن هذا الموضوع، ولا حول ترويجها في بعلبك، ولكن ربما يكون قد دخل شخص ما يضعها بطريقة معينة مخفية من غير أكياس، أو عن طريق التهريب عبر المعابر غير الشرعية".
مصدر أمني: حاول بعض الأشخاص إدخال أكياس السكاكر ولكن تم منعهم، أما نحن فليست لدينا معلومات عن هذا الموضوع
ويتابع في حديثه: "هناك الكثير من الوسائل كي تدخل هذه السكاكر، ولكن بطريقة غير شرعية، ولا يمكن أن تدخل بطريقة شرعية عبر المطار"، عادّاً أن "هذا الأمر من مسؤولية جمارك المطار، وهي المسؤولة عن البضائع ولديها قسم معني بالمخدرات".
راسل رصيف22، قبل أكثر من 20 يوماً، بكتاب رسمي، المجلس الأعلى للجمارك للاستفسار عن كيفية إدخال هذه السكاكر عبر المطار أو المعابر الشرعية، لكن إلى اليوم لم يأتِ الرد، بحجة أن الموظفة غير موجودة ولا يمكنهم التصريح إلا بكتاب رسمي.
قبول شبه رسمي
يرى رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برّو، خلال حديثه إلى رصيف22، أن "هذا الموضوع أمني بالكامل، ومن المفترض أن تتابعه أجهزة الدولة"، مشيراً إلى أن "القانون الذي يُنتظر تفعليه في لبنان، يتحدث عن تشريع الزراعة لأغراض طبية، وزيت الحشيش يُباع حالياً في بيروت وهذا ليس بجديد حتى قبل صدور قانون، ولم يتم منع هذه المواد لأنها تملك نسبةً ضئيلةً جداً من المادة المخدرة".
ويضيف: "يجب تحديد نسبة المخدر في هذه السكاكر، وبناءً عليها يتم إقرار دخولها أم لا، وفي حال كانت تدخل البلاد وبنسبة أعلى من الاستخدام الطبي (أي 3%)، فيجب تقديم طلب ترخيص إلى الوزارة المعنية لإدخالها، والتصريح عنها لوزارة الاقتصاد، وفي لبنان هناك اختلاط في صلاحيات الوزارات"، عادّاً أن "تصريح دخول نوعية هذه السكاكر تابع لوزارة الاقتصاد وقد يكون تابعاً لوزارة الزراعة".
يعتقد برو أن "هذه السكاكر لا يمكن أن تكون للاستخدام الطبي، ولا تزال مراسيم تحديد نوعيتها وما إذا كانت للغرض الطبي أو لا، غير واضحة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
أحمد لمحضر -
منذ 3 ساعاتلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ يومينالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 3 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري