قبل الدخول في الفراغ الرئاسي، وقبل الانتخابات النيابية التي أُجريت في أيار/ مايو الماضي، جمع أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، على طاولة الطعام، فسمع باسيل كلاماً واضحاً من الحزب عن نيته دعم ترشيح فرنجية للرئاسة، ومن هنا بدأت الحكاية.
في العام 2014، قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، ترشّح ميشال عون للمنصب، وأعلن حزب الله دعمه له بعد وعد قطعه الحزب لعون بأن يأتي به رئيساً، فاستمر الفراغ الرئاسي حتى العام 2016، ليتم بعده انتخاب عون بعد تفاهمات عقدها التيار الوطني الحر مع خصومه، أبرزها الاتفاق مع تيار المستقبل، وتفاهم "معراب" مع القوات اللبنانية. لم تصمد تفاهمات التيار، فسرعان ما تحولت العلاقات بين القوات والمستقبل من جهة، والتيار من جهة أخرى، إلى صدامية، ما جعل عهد عون يمرّ بصعوبات كبيرة في السياسة.
قبل انتهاء ولاية عون، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات ضد باسيل بتهم الفساد، الأمر الذي قلّص، إلى جانب علاقاته السياسية السيئة مع الجميع، من حظوظه الرئاسية، لكن ذلك لم يمنع التيار من محاولة الحصول على دور جوهري في الاستحقاق الذي لا يزال معطلاً حتى الساعة.
قبل انتهاء ولاية عون، فرضت أمريكا عقوبات ضد باسيل بتهم الفساد، الأمر الذي قلّص من حظوظه الرئاسية
باسيل يبحث عن صديق؟
لم يرضَ باسيل بدعم المرشح الذي يدعمه حزب الله، فساءت العلاقة بين الحليفين السابقين بشكل كبير، حتى بات باسيل خصماً قاسياً في وجه ترشيح رئيس تيار المردة، كذلك لم يُعجبه ترشيح قائد الجيش جوزيف عون، وهو الذي ورد اسمه في لقاءات دولية كثيرة كمرشح محتمل للرئاسة، وحاول في المقابل تقديم مبادرة رئاسية تقوم على اختيار رئيس ثالث، توافقي، يكون له الدور الأساسي في تسميته، فجال على قطر وفرنسا لمحاولة تسويق المبادرة، وجال ممثلون عنه في الداخل لطرحها، لكن المبادرة لم تلقَ تأييداً من أحد، خاصةً أن القوى السياسية فقدت الثقة بالتيار ورئيسه بعد سقوط التفاهمات التي أوصلت عون إلى الرئاسة، ما أن وصل الأخير إلى بعبدا.
في الداخل اللبناني، كان باسيل مؤيداً وداعماً لحوار مسيحي-مسيحي، وحاول البطريرك الماروني بشارة الراعي، إطلاقه بين القوى المسيحية الأساسية، فأراد طرح فكرة عقد حوار بين النواب المسيحيين لتقريب وجهات النظر الرئاسية في ما بينهم.
بالنسبة لباسيل، حوار كهذا سيُسقط بالتأكيد ترشيح فرنجية وقائد الجيش، ويمكن عندها أن يكبر دوره في اختيار الرئيس المقبل، لأن حزب الله وحركة أمل سيضطران عندها إلى البحث عن مرشح ثالث غير فرنجية، ولن يكون لديهم سوى التشاور مع التيار الوطني الحر لتأمين الأكثرية له، إلا أن الحوار لم يحصل بسبب اختلاف أجندة باسيل عن أجندة القوات اللبنانية التي رأت أن أي حوار مسيحي-مسيحي يجب أن يخرج باسم مرشح يتم اختياره بالانتخاب بين النواب المسيحيين المجتمعين في بكركي. عندها، سقط الحوار قبل أن يبدأ، لأن معركة باسيل ستكون خاسرةً في هذه الحال.
خيارات ثلاث!
من خيارات باسيل الحالية، العودة إلى الحوار مع حزب الله، والحصول منه على ضمانات رئاسية وحكومية في حال انطلق مسار وصول فرنجية دولياً، لكن طالما أن هذا المسار لا يزال متوقفاً، فلا يجد باسيل نفسه مضطراً إلى هكذا حوار، فهو لا يزال يظن أن الأمور تتجه إلى مرشح ثالث، قد يكون أحد الذين يسمّيهم، مثل زياد بارود أو جهاد أزعور.
هذا الخيار قد يكون مستبعداً، فبحسب عضو المجلس الوطني في التيار الوطني الحر رندلى جبور، هناك شقّان للعلاقة مع حزب الله، الأول إستراتيجي يضمن الاستقرار والوحدة الوطنية والحفاظ على البلد وهو موجود، أما في موضوع الرئاسة فالخلاف قائم وكل طرف لديه وجهة نظر مختلفة عن الآخر.
أمام باسيل خيار البقاء في موقعه، ولو وحيداً، في انتظار تبدلات إقليمية أو داخلية؛ لكن هذا الخيار دونه محاذير، إذ قد يجعله خارج كُل المعارك، الرئاسية وغير الرئاسية، فهل يقوى على فعلها؟
كذلك، لم يُقفل باسيل الباب أمام الحوار مع المسيحيين، وتحديداً القوات اللبنانية، فهو تمكّن بالتعاون معها، ولو من دون تنسيق، من منع انعقاد المجلس النيابي في جلسة تشريعية، واتفق معها على عدم جواز انعقاد حكومة تصريف الأعمال الحالية بسبب سقوط شرعيتها، وتالياً أحد الخيارات لديه هو الحديث مع القوات اللبنانية، برغم أن جبّور تؤكد أن "باسيل لم يطلب لقاء سمير جعجع أو أي قيادي مسيحي، ولكن إذا صار هناك ظرف يُوجب اللقاء فلن يمانع، ولكنه طبعاً لن يصعد إلى معراب ولن يطلب هو اللقاء".
وأخيراً، هناك خيار البقاء في موقعه، ولو وحيداً، في انتظار تبدلات إقليمية أو داخلية؛ فإن كانت لصالحه فاز، وإن لم تكن، يتوجّه حينها نحو المعارضة في حال حصلت انتخابات الرئاسة، لأن وجوده في موقع كهذا سيكون أربح له على الصعيد الشعبي، لكن هذا الخيار دونه محاذير، فالخروج من السلطة قد لا تكون تأثيراته عليه جيدةً في المرحلة المقبلة، خاصةً أنه يعدّ نفسه مرشحاً للرئاسة في كل زمان.
التيار على موقفه
تؤكد عضوة المجلس الوطني في التيار الوطني الحر، أن التيار واضح في خياره الرئاسي، وهو مبادرة مبنية على شقين، الأول؛ طرح سلّة أسماء لمجموعة مرشحين موارنة يمكن أن تشكل نقاط التقاء بين معظم الأفرقاء، وليس دعم مرشح اصطفاف أو مرشح محور أو مرشح مدعوم من الخارج، والشق الثاني هو المشروع الرئاسي والملفات التي يجب أن يلتزم بها الرئيس العتيد، مشيرةً في حديث لرصيف22، إلى أن التيار ما زال على هذا الموقف وهو يعتقد أن الاسم الثالث، أي الاسم الذي من خارج الأسماء المطروحة (أي غير سليمان فرنجية وجوزيف عون)، هو الذي يمكن أن يشكّل حلاً.
وتُضيف: "التيار مع التفاهم الداخلي والحوار الداخلي قبل الوصول إلى أن يؤخذ الملف اللبناني إلى طاولة خارجية تفرض عليه خياراتها. التيار صاحب مبادرة وفي النهاية سيجده الجميع ولن يبقى وحيداً لأن الجميع سيقتنع بأن رفع السقوف والتمسك بأسماء بحد ذاتها هي أسماء اصطفافات لن توصل إلى أي نتيجة، وبكركي على الموجة نفسها مع التيار الوطني الحر، وجبران باسيل داعم لطرح بكركي لجمع الأفرقاء المسيحيين بل هو من المطالبين بهذا الموضوع لكن باقي الأفرقاء هم الرافضون".
التواصل شبه مقطوع حالياً بين حزب الله والتيار الوطني الحر، لكن لا شيء مستحيلاً في ما يتعلق بالملف الرئاسي
حزب الله ينتظر التقارب
صحيح أن التواصل شبه مقطوع حالياً بين حزب الله والتيار الوطني الحر، لكن لا شيء مستحيلاً في ما يتعلق بالملف الرئاسي الذي سيخضع للكثير من المفاوضات.
مصادر قريبة من حزب الله ترى أن خيارات التيار الوطني الحر محدودة رئاسياً، بالنظر أولاً إلى الافتراق في هذا الملف مع حزب الله، وثانياً بالنظر إلى عدم قدرة التيار على صياغة تفاهمات داخل المجتمع السياسي المسيحي تؤدي إلى موقف مسيحي موحّد من الرئاسة.
وتضيف المصادر المطلعة على موقف الحزب، لرصيف22: "تمسّك التيار بموقفه وبمضمون كلامه وطرحه للمرشح الثالث، يكرس الافتراق في الملف الرئاسي مع حزب الله، ولكن لم تُقفل الأبواب نهائياً، بل يمكن أن نصل بالحدّ الأدنى إلى مرحلة يكون فيها التيار جزءاً من الأفرقاء الذين يؤمّنون نصاب جلسة الانتخاب داخل المجلس النيابي، والمحدد بـ86 نائباً من أصل 128، حتى لو لم ينتخبوا المرشح الذي يدعمه الحزب، أو أن يترك التيار الحرية لنواب تكتله لاختيار من يريدون".
وترى أن تمسك التيار بموقفه الرئاسي سيؤدي إلى خسارة العلاقة زخمها مع الحزب من دون أن يكون لديه أفق واضح، لا سيما في ظل التحولات التي نشهدها، بدءاً من عودة العرب إلى سوريا، ووصولاً إلى إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وهي كلها أمور من المفترض أن تصب في مصلحة وجهة نظر الحزب وحلفائه.
هل يعود تفاهم معراب؟
"لا إمكانية لتفاهم معراب، لأن تفاهم معراب حصل في زمن معين نتيجة ظروف مؤقتة قادت إليه"، يقول رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية شارل جبّور، مشيراً في حديث لرصيف22، إلى أنه "في ظل الفراغ الرئاسي الطويل حينها، وتخلي الدكتور جعجع عن الترشح للرئاسة، والدعوات المسيحية إلى توحيد الصف على قاعدة أن المصالحة حصلت وطنياً، كان من غير المعقول أن تبقى القنواة مقطوعةً بين القوات والتيار، على قاعدة أن ميشال عون كان الأكثر تمثيلاً بعد انتخابات 2005 و2009، ويجب طي هذه الصفحة؛ والخيار الأقل ضرراً حينها كان أن يأتي ميشال عون رئيساً بدل رئيس من فريق 8 آذار، فجاء هذا المشروع على خلفية رئاسية وليست مبدئيةً".
ويرى أن "هذا التفاهم الذي بُني على نقاط 10 سياسية سيادية تم نقضه وتم الانقلاب عليه واليوم هناك أزمة ثقة كبيرة وواسعة، ولا يمكن أن تتكرر الأمور. يمكن تسكير صفحة نزاعية بعد 25 سنةً نتيجة مطالبات وحثّ، لكن اليوم هذه الصفحة لا يمكن إقفالها بطريقة التصرف هذه وانعدام الثقة والانقلاب على التفاهمات التي كانت قائمةً، وعليه لا ظروف إطلاقاً لقيام تحالف من هذا القبيل".
ما يحصل اليوم بين التيار والقوات هو تقاطعات غير مباشرة، وهي تحصل بين الأعداء كما حصلت في ترسيم الحدود بين العدو الإسرائيلي وحزب الله، فهذه التقاطعات تحصل انطلاقاً من منطلقات مختلفة. ويقول جبور: "جبران باسيل لم يتخذ أي موقف من سلاح حزب الله، وبالنسبة لنا الأساس هو سلاح حزب الله، المشكلة هي السلاح، وهذه الإشكالية الأساس، أي لا يمكن لدولة أن تستقيم في ظل ازدواجية السلاح، وطالما لم يتخذ باسيل أي موقف على هذا المستوى، فما زلنا في الدائرة نفسها. أما إذا ذهب في اتجاه اتخاذ موقف من السلاح، تبقى عندها المشكلة المتعلقة بالممارسة".
عام 2016، صاغ التيار الوطني الحر تفاهمات مع ألد أعدائه لتأمين وصول عون إلى الحكم، لكن ظروف تلك الحقبة غير متوفرة اليوم، فهل يُجازف باسيل، في محاولة لاستعادتها؟
ويضيف: "نحن أمام إشكاليتين؛ حسن الإدارة وهي إدارة سيئة بطريقة الممارسة السياسية والشعبوية وممارسة تتناقض بأقوالها مع الأفعال، فضلاً عن أن مشكلة باسيل مع حزب الله هي مشكلة سلطوية، فلو أن الحزب سمّاه هو وليس سليمان فرنجية أو أعطى مفاتيح الرئاسة له فلن تكون هناك إشكالية، لذا العودة إلى تفاهم معراب غير مطروح لا من قريب ولا من بعيد".
إيران-السعودية... ولبنان؟
لم يُمانع التيار الوطني الحر التحالف مع كل القوى التي يسميها "المنظومة"، ليصل ميشال عون إلى الرئاسة، لكنه اليوم أصبح يؤيد خيار الرئيس من خارج المنظومة، من غير أن نعرف ما إذا كان باسيل نفسه من ضمن المنظومة أم لا، وبحسب رندلى جبور فإن "مصلحة التيار هي أن يأتي رئيس لا يعيد إحياء المنظومة وهنا أساس المصلحة الوطنية ولهذا هو رافض لسليمان فرنجية، وأيضاً لقائد الجيش وذلك بسبب أن المصلحة اليوم هي في وصول رئيس قادر على الإنقاذ والإصلاح من دون ارتباطات عميقة بالمنظومة الفاسدة، أو أن يكون مفروضاً علينا من الخارج".
بالحديث عن الخارج، كان لافتاً إعلان التفاهم الإيراني-السعودي من الصين، وإنهاء خلاف دام نحو 7 سنوات بعد إقفال السفارات في البلدين وإنهاء الوجود الدبلوماسي، فهل يؤثر هذا التفاهم على لبنان؟
المصادر القريبة من حزب الله ترى أن "كل التفاهمات في المنطقة تؤثر على لبنان، لكن بشرط وجود أرضية لبنانية خصبة لانعكاس هذه التفاهمات، وفي المسألة الرئاسية، فإن هذه الأرضية تتمثل في حوار لبناني-لبناني يضع اللبنة الأولى للحل".
وهذا ما يتقاطع مع كلام وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي قال: "لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني، لا إلى تقارب إيراني-سعودي"، فهل يكون هذا الكلام مقدمةً للمسؤولين اللبنانيين لكي يتخلوا عن سقوفهم المرتفعة ويجلسوا معاً على طاولة واحدة للتفاوض؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع