احتشد "العونيّون"، يوم الأحد 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في ساحة القصر الجمهوري في بعبدا، لوداع قائدهم ميشال عون. رحل "الرئيس القوي"، كما كانوا يصفونه، تاركاً خلفه فراغاً تزامن مع توقيعه مرسوم قبول استقالة حكومة تصريف الأعمال في اليوم الأخير من العهد. وتتوجه الأنظار اليوم إلى معركة رئاسة الجمهورية التي صار "حزب الله" منذ آخر عهدين، هو المقرر الأوّل وشبه الوحيد فيها.
في العام 2014، رحل الرئيس الأسبق ميشال سليمان، الذي أتى نتيجة تسوية الدوحة التي تلت أحداث 7 أيار/ مايو 2008، حين سيطر الحزب وحلفاؤه على العاصمة بيروت، بقوّة السلاح. سليمان الذي كان قائداً للجيش، ويتمتع برضا الحزب حين انتخابه، أنهى عهده "عدواً" للأخير، بعد أن جاهر منذ العام 2012، أي قبل سنتين من نهاية ولايته، بضرورة نزع السلاح غير الشرعي، قائلاً خلال زيارة له إلى العاصمة الأرجنتينية بيونيس آيريس، في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، إن "لبنان يعمل على نزع السلاح من القوى غير الرسمية فيه، سواء أكان حزب الله أو القوى السلفية أو غيرهما، وذلك عبر تجميد استعمال السلاح في المرحلة الأولى، تمهيداً لنزعه في مرحلة ثانية".
مرحلة 2014-2016
اعتمد حزب الله إستراتيجية "النفق الطويل"، التي قامت على التعطيل وعدم حضور جلسات انتخاب رئيس في انتظار نضوج اتفاق/تسوية
بعد مغادرة سليمان القصر الرئاسي، إثر انتهاء ولايته في 24 أيار/ مايو 2014، كان من الواضح أن انتخاب رئيس جديد سيكون معقداً نتيجة القدرة التعطيلية التي يملكها ما كان يُعرف آنذاك بفريق 8 آذار، وفي مقدمته حزب الله، وتحتاج الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد إلى أكثرية الثلثين، أي 86 نائباً، وهو عدد لم يكن يتوفر لدى طرفي الانقسام اللبناني في ذلك الحين، وتالياً اعتمد أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، إستراتيجية "النفق الطويل"، التي قامت على التعطيل وعدم حضور جلسات انتخاب رئيس في انتظار نضوج اتفاق/ تسوية، يوصل مرشحه الأول ميشال عون إلى بعبدا.
عاش لبنان في تلك الفترة حالة فراغ رئاسي ودستوري استمرت أكثر من عامين ونصف، انتهت بجنوح الفريق الخصم لتحالف عون والحزب، إلى السعي نحو إنضاج تسوية تُنهي الفراغ، بعد أن ضربت الخلافات في داخل فريق 14 آذار، ففتح رئيس حزب القوات اللبنانية حواراً مع خصمه اللدود في الشارع المسيحي التيار الوطني الحر، انتهى باتفاق "أوعى خيّك" الذي أوصل عون إلى سدة الرئاسة، توازياً مع اتفاق التيار أيضاً مع تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري للغاية نفسها، فكان وصول عون في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، إلى رئاسة الجمهورية، بمثابة تتويج "الحزب" لاتفاقية مار مخايل 2006، الموقّعة بعد عودة عون من فرنسا، والتي أعطت سلاح "حزب الله" الغطاء المسيحي.
تكرار الإستراتيجية
اليوم، انتهى عهد ميشال عون، والأنظار من جديد تتجه بطبيعة الحال إلى حزب الله، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الانتخابات اللبنانية الأخيرة التي جرت في أيار/ مايو 2022، لم تعطِ أي فريق أكثرية "النصف زائد واحد" في مجلس النواب، وهو ما يعني أن إيصال رئيس للجمهورية بأصوات حزب الله وحلفائه غير ممكن، إذا لم يتم الاتفاق مع نواب من خارج هذا التحالف لكي يصلوا إلى العدد المطلوب، أي 65 نائباً.
في الوقت نفسه، اختلف الواقع كثيراً عما كان عليه عام 2016، إذ يعيش لبنان اليوم أزمةً اقتصاديةً هي الأسوأ في تاريخه ومن بين الأسوأ في العالم، مع انهيار عملته بشكل دراماتيكي وتراجع الخدمات وانهيار قطاعات كبرى في الدولة، وهو ما يضغط على الحزب وسائر الأفرقاء اللبنانيين للتعجيل في إنهاء الفراغ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المجتمع الدولي قد أوصل رسالته إلى المعنيين بضرورة عودة انتظام عمل المؤسسات لكي تتمّ مساعدة لبنان في محنته.
حزب الله اتخذ قراراً بعدم إعطاء أي وعود رئاسية، ويرى أنّ الأفضلية اليوم لسليمان فرنجية، على حساب جبران باسيل. وأكثر ما يهمه هو الوصول إلى رئيس توافقي "بشروطه" بعيداً عن المشكلات مع أي طرف
كان من المقرر أن يُشارك حزب الله في عشاء دعت إليه السفارة السويسرية في بيروت، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، واختارت مجموعةً من الشخصيات التي تُمثّل شريحةً واسعةً من اللبنانيين للحضور والتشاور، تمهيداً لمؤتمر يضم كافّة الأطراف السياسية اللبنانية في جنيف. عُلِّبَ المؤتمر على أساس أنّه يدعو لتغيير النظام السياسي القائم منذ اتفاق "الطائف"، فسارعت السفارة إلى تأجيله، بعدما لاقى احتجاجات واسعةً ممن يصفون أنفسهم بـ"المؤتمنين" على "الطائف".
اللافت آنذاك، كان عدم ممانعة الحزب الجلوس مع خصمه المسيحي، "القوّات اللبنانية"، على المائدة السويسرية، والعكس كذلك، بالرغم من العداوة "المزعومة" بين الطرفين، والتي كانت أساساً في المعركة الانتخابية للطرفين، وأيضاً بالرغم من الـ"ميني حرب أهليّة" التي شهدتها مستديرة الطيونة، في 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وهي مجموعة من عمليّات إطلاق نار متبادلة بين "القوّات" ومناصرين لـ"حزب الله" و"حركة أمل"، في أثناء احتجاج الثنائي على أداء المحقّق العدلي في تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار، نتج عنها 6 قتلى وأكثر من 32 جريحاً على الأقل.
حظوظ باسيل
يشدد الكاتب السياسي قاسم قصير، لرصيف22، على أنّ حزب الله اتخذ قراراً بعدم إعطاء أي وعود رئاسية، والتي كان آخرها للرئيس السابق ميشال عون"، ويرى الحزب بحسب ما يصدر عن أوساطه، أنّ الأفضلية اليوم لرئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، على حساب النائب جبران باسيل. وأكثر ما يهمه اليوم هو الوصول إلى رئيس توافقي "بشروطه" ولكن بعيداً عن المشكلات مع أي طرف خصوصاً مع رئيس "حركة أمل" نبيه بري، أو أي صدام مسيحي-شيعي.
يُستبعد وصول باسيل، رئيس "التيار الوطني الحر" وصهر عون، إلى قصر بعبدا. إذ يقول قصير إنّ "الحزب لديه 13 نائباً والوطني الحر يمكن أن يجيّر 20 صوتاً في الحد الأقصى لباسيل في المجلس النيابي".
لم يمانع الحزب الجلوس مع خصمه المسيحي، "القوّات اللبنانية"، على المائدة السويسرية، والعكس كذلك، بالرغم من العداوة "المزعومة" بينهما
ويلقى باسيل رفضاً قاطعاً من "أمل" و"المردة"، وهو ما ترجمته السنوات الست من عهد عون، وكثيراً ما هاجم بري وفرنجية باسيل كونه "رئيس الظل للجمهورية".
اتخذ "حزب الله" قراراً واضحاً بعدم إجراء أي تعديلات على اتفاق الطائف "إلا بتوافق وطني"، وهو ما يُظهر الواقعية التي بات يتعامل بها نصر الله بعد الانتخابات النيابية وتدهور الوضع المعيشي. كذلك، لا يمكن التغاضي عن تأثير باسيل في الساحة السياسية اللبنانية، إلا أن هذه القوة لا تستطيع تعطيل وصول فرنجية في حال التوصّل إلى "اتفاق وطني" حول اسم زعيم "المردة"، كما يدور في أوساطه.
من جهته، يقول أستاذ القانون الجامعي والناشط السياسي علي مراد، لرصيف22، إنّ "حزب الله لا يمتلك وحلفاءه، القوة لإيصال رئيس، والأمر نفسه ينطبق على الأحزاب المعارضة له. لا يمكن تناول ملف رئاسة الجمهورية من دون رئيس مجلس الوزراء، فالعمل عليهما يخطَّط له بالتوازي، وهو ما حصل في التسوية التي أوصلت عون إلى بعبدا في 2016، والتي بُنيت على قاعدة: ست سنوات رئاسة لعون، وست سنوات حكومة للحريري".
"ممثلو الشارع المسيحي هم "القوات والتيار" لأنهما الأكثر تمثيلاً، ما يعني حكماً أن رئيسي هذين الحزبين مرشحان للرئاسة حتى لو لم يُعلِنا عن ذلك"، يقول القيادي في "التيار الوطني الحر" ناجي حايك. لا قنوات تواصل بين الحزبين المسيحيين اليوم، إلا أن حايك لا يستبعد إمكانية اتفاقهما على مرشح منهما، أو على مرشح وسطي يلقى توافق الأطراف الأخرى. ويضيف أن رفض باسيل لفرنجية، "هو رفض حقيقي"، وليس مجرّد عراضة إعلامية، وفرنجية "لا يملك تمثيلاً مسيحيّاً كافياً".
الزّج بمعوض
تراهن أحزاب 14 آذار (سابقاً)، "القوات والاشتراكي والكتائب"، على اسم رئيس "حركة الاستقلال" ميشال معوض، كأداة ضغط على "الحزب" وحلفائه. لجأ هؤلاء إلى تسمية معوّض في الجلسات الماضية لانتخاب رئيس للجمهورية، ليبادر الطرف الثاني إلى الكشف عن أوراقه أيضاً.
وتدرك الأحزاب المعارضة لمحور الممانعة، أنّ وصول معوّض إلى بعبدا مستحيل، فهو رئيس تصادمي يرفضه "الحزب" بسبب "قربه من الولايات المتّحدة الأمريكيّة"، كما يقولون. وكان معوض قد حصل على 39 صوتاً في جلسة مجلس النواب الأخيرة، في 24 تشرين الأول/ أكتوبر. الوصول إلى الـ65 صوتاً، وهو الحدّ الأدنى للفوز بالرئاسة، مستبعد، حتى لو وافق نوّاب "التغيير"، المنبثقون من انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر 2019، على اسم معوّض، وهو ما لم يتحقق إلى الآن.
لا يمكن تناول ملف رئاسة الجمهورية من دون رئيس مجلس الوزراء، فالعمل عليهما يخطَّط له بالتوازي، وهو ما حصل في تسوية 2016، والتي بُنيت على قاعدة: ست سنوات رئاسة لعون، وست سنوات حكومة للحريري
أمّا مع النوّاب السُنّة، الّذين تشتّتوا مع تعليق رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، عمله السياسي، فلا يمكن التنبّؤ بأي مسار سوف يسلكون. انبثق بعض من هؤلاء عن "تيّار المستقبل"، وآخرون نتيجة تحالفات متشعبة، والبعض مقرّب من فريق 8 آذار.
يرى مراد أنّ "ما يُعرف بـ14 آذار، يعلّي السقف بقصد الدخول بقوة عندما تنتج تسوية ويحين وقت التفاوض على قطعة الجبنة، لتقاسم الحصص". مجرد دخول معوض نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية، مكسب له، خصوصاً أن عدد الأصوات التي جُيّرت له ليست بالقليلة.
وبعيداً عن رفض "حزب الله" لميشال معوض، واستحالة تأمين الأصوات المطلوبة، يستبعد حايك إمكانية وصول معوض نظراً إلى افتقاده الكاريزما والحضور السياسي، فـ"من يريد أن يصل إلى الرئاسة عليه أن يتقن كتابة اللغة العربية وقراءتها".
وتوجهت الأنظار في الآونة الأخيرة إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والتسريبات حول إمكانية أن يوافق على السير باسم فرنجية في نهاية المطاف، وهو ما يُدركه حزب الله، إلا أن جنبلاط، رد على هذه "الأخبار"، على هامش المؤتمر الوطني في الذكرى الـ33 لإبرام اتفاق الطائف الذي عُقد في الأونيسكو، قائلاً إنه لن يقبل بسليمان فرنجية و"مرشحنا هو ميشال معوّض".
طريق عون 2
منذ 2019، لاقى جوزيف عون اعتراضاً كبيراً من باسيل، إذ يرى الأخير أن قائد الجيش "تهاون" في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية
لا يزال اسم قائد الجيش جوزيف عون، بعيداً عن التداول خلال التطرّق إلى الانتخابات الرئاسية، تجنّباً لحرقه كما يتردد على لسان المحللين والمتابعين للشأن اللبناني. ويروّج لعون بأنه استطاع أن يدير المؤسسة العسكرية بشكل جيد في المرحلة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد. كما أنّ لعون علاقات طيبةً مع الخارج وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعطيه "أفضليةً" نسبيةً على منافسيه بالرغم من الحاجة إلى تعديل دستوري، ما يتطلب وجود حكومة.
يدرك "حزب الله" أن اسم جوزيف عون سوف يكون الأبرز في حال عدم التوافق بين فرنجية وباسيل. يرى مراد، أن وصول عون "قد يشكل تهديداً حقيقياً للزعامة الباسيلية في التيار الوطني الحر، وأن السير برئيس من دون تعديل دستوري بحكم الفراغ، كما حصل في 2013، هو بدعة قضائية".
ومنذ انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر في خريف 2019، لاقى عون اعتراضاً كبيراً من باسيل، إذ يرى الأخير أن قائد الجيش "تهاون" في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية التي كان لباسيل نصيب كبير منها.
وفي حال وصول قائد الجيش إلى بعبدا، يتساءل مراد عما إذا كان عون سيشبه الرئيس الراحل فؤاد شهاب من حيث دخوله بعبدا عام 1958، بدعم من الجيش للسير بالإصلاحات، أم كميشال سليمان الذي بدا وحيداً من دون أي مساندة عسكرية. يتفوق الاحتمال الثاني على الأول، نظراً إلى تغيّر المعطيات اليوم بالمقارنة مع عهد شهاب، ما قد يجرّد عون من قوته في حال صار "فخامة الرئيس" الجديد.
يُذكر أن رصيف22، حاول التواصل مع المكتب الإعلامي لـ"تيار المردة"، لكنه فضّل الابتعاد عن أي تصريح إعلامي في الفترة الحالية إلى حين بلورة الأمور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.