في إحدى ليالي صيف 2022 كانت فرحة، وهي سيدة خمسينية مصرية مقيمة في محافظة الدقهلية، جالسة تداعب أحفادها وهم يضحكون ويتسامرون، ولكن سرعان ما تحول المشهد إلى وضع كارثي، فالحكة المستمرة التي أصابتها جعلتها تفقد لحظاتها الدافئة بجوار عائلتها. تقول لرصيف22: "شعرت بألم مفاجئ وحكة مستمرة، ووجدت العديد من البقع الحمراء في جميع أنحاء جسدي".
على الفور توجهت فرحة إلى الطبيب الذي شخّص حالتها. كانت مصابة بحساسية يطلق عليها اسم "الإرتكاريا"، وتتمثل أعراضها بطفح جلدي وحكة، وأرجع السبب لاحتمال تعرضها لهواء ملوث، لوقوع منزلها بالقرب من الأراضي الزراعية، حيث يُحرق قش الأرز.
يقول محمد علي، وهو شاب مصري مقيم في محافظة الدقهلية، إنه يعاني من مرض التينيا الجلدي، الذي بات يؤرقه بسبب شكله غير المحبب مع ظهور بقع ملونة على الجلد، تزداد خلال فترات الصيف لدى ارتفاع درجات الحرارة.
شعرت بألم مفاجئ وحكة مستمرة، ووجدت العديد من البقع الحمراء في جميع أنحاء جسدي.
ومع وضوح تبعات التغير المناخي والاحتباس الحراري، والآثار المترتبة عليه من فيضانات وأمطار وموجات حر وجفاف وغيرها من الظواهر، تنعكس هذه الآثار سلباً أيضاً على صحة الجلد. وتعدّ الأمراض الجلدية من أكثر الآثار الصحية شيوعاً التي نواجهها بشكل متكرر، والتي يمكن ردّها إلى اضطراب النظم البيئية الطبيعية، وعدم قدرة البشرة دوماً على التكيف معها.
وفقًا لدراسة نشرت عام 2022 في المجلة الدولية للأمراض الجلدية، فإن الميكروبيوم الجلدي، أي مجموعة الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش على سطح الجلد وتعمل كجهاز إنذار ضد البكتيريا أو الفيروسات الضارة، وبالتالي تساعد في الحفاظ على البشرة ضد العالم الخارجي، يتأثر بعوامل الحرارة والرطوبة وتلوث الهواء المصاحبة للتغيرات المناخية، التي يمكن أن تساهم تالياً بالإصابة بأمراض عدة كالتهاب الجلد وحب الشباب والصدفية وسرطان الجلد.
تأثيرات كبيرة
"أشعر وكأن أشواكاً تغرز في ظهري"، تقول عبير محمد وهي سيدة ثلاثينية مقيمة في محافظة المنوفية، إذ إنها تعاني من حمو النيل الذي بات يلازمها، وهو مرض جلدي يحدث خلال فصل الصيف ويسبب احمرار الجلد والحكة نتيجة انسداد قنوات التعرّق.
وتضيف وقد فضلت استخدام اسم مستعار: "في طفولتي عانيت من حمو النيل، الذي بدأ في الاختفاء بعد وصولي لسن الثانية عشرة، ولكن في صيف 2021 بدأت الأعراض في الظهور مرة أخرى"، كما أكدت أن ابنها ذا الخمسة أعوام يعاني هو الآخر من نفس الأمر.
يقول لرصيف22 الدكتور هاني الناظر، أستاذ الأمراض الجلدية والرئيس الأسبق للمركز القومى للبحوث: "للتغيرات المناخية تأثيرات كبيرة على صحة الجلد الذي يعدّ بمثابة حائط صد ضد عوامل البيئة الخارجية، وبالتالي فهو أكثر أعضاء الجسم تأثراً بهذه التغيرات".
ويضيف: "الآثار السلبية المصاحبة للتغيرات المناخية كالزيادة في معدل موجات الاحترار والفيضانات والسيول، تؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض الجلدية، فضلاً عن زيادة نسبتها، فعلى سبيل المثال الإكزيما وحمو النيل والتينيا من الأمراض الجلدية التي تظهر وتنشط مع زيادة معدل الارتفاع في درجات الحرارة والرطوبة. والملاريا من الأمراض التي تتفشى في المناطق المغمورة بالفيضانات نتيجة لتراكم المياه وركودها، إضافة إلى أن التعرض المباشر لأشعة الشمس فترات طويلة من الممكن أن يؤدي إلى الإصابة بسرطان الجلد".
للتغيرات المناخية تأثيرات كبيرة على صحة الجلد الذي يعدّ بمثابة حائط صد ضد عوامل البيئة الخارجية، وبالتالي فهو أكثر أعضاء الجسم تأثراً بهذه التغيرات، مثلاً تنشط الإكزيما وحمو النيل والتينيا مع زيادة معدل الارتفاع في درجات الحرارة والرطوبة
ويختم الناظر: "لتجنب التأثيرات السلبية الناتجة عن تغير المناخ، وللحفاظ على صحة الجلد، لا بد من أخذ الحيطة واتباع مجموعة من التدابير، كاستخدام كريمات الوقاية من أشعة الشمس، وترطيب الجلد باستمرار، والاعتماد على الملابس القطنية".
وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن عدد حالات الإصابة بسرطان الجلد ازداد خلال العقود القليلة الماضية، ويراوح ببن مليونين وثلاثة ملايين يصابون بسرطان الجلد كل عام على مستوى العالم، كما أشارت إلى أن واحداً من كل ثلاثة أنواع من السرطانات التي يتم تشخيصها هو سرطان الجلد.
وتشير تقديرات الأكاديمية الأمريكية للأمراض الجلدية إلى أن أكثر من 9500 شخص في الولايات المتحدة يتم تشخيص إصابتهم بسرطان الجلد كل يوم، وأن ما يقرب من 20 ألفاً يفقدون حياتهم بسببه يومياً.
حب الشباب والإكزيما
"عندما أنظر في المرآة وأجد الحبوب والبثور السوداء تملأ وجهي، أشعر وكأن غضب الدنيا يمتلكني"، تقول سارة علي لرصيف22، وهي طالبة جامعية مقيمة في محافظة الدقهلية، إذ إنها تعاني من حب الشباب الذي بات يلازمها على مدار العام، وتضيف أن المشكلة تتفاقم مع دخول فصل الشتاء.
عدد حالات الإصابة بسرطان الجلد ازداد خلال العقود القليلة الماضية.
ليست سارة وحدها تواجه هذه المعاناة، فقد أشارت ولاء ثروت (23 عاماً)، وهي مصرية مقيمة في محافظة الشرقية، إلى أنها تعاني هي الأخرى من نفس الأمر، لأن تعرضها لأشعة الشمس فترات طويلة يعرضها للإصابة بحب الشباب والنمش.
بحسب الأكاديمية الأمريكية للأمراض الجلدية، فإن ما يقرب من 85% من الأمريكيين الذين تراوح أعمارهم ما بين 12 و24 عاماً يعانون من حب الشباب، الذي يمكن أن يستمر معهم حتى سن الثلاثين أو الأربعين من العمر، كما أظهرت الأبحاث أن التعرض للدخان الناتج عن حرائق الأشجار والغابات والنباتات يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالتهاب الجلد التأتبي (الإكزيما) لدى البالغين، أو إلى ظهور حب الشباب أو تفاقمه.
ويؤثر تغير المناخ الذي تصاحبه زيادة التعرق وزيادة نشاط الغدد الدهنية في بشرتنا، في مقدار درجة توازن الحموضة في البشرة، مما يؤدي إلى زيادة معدلات حب الشباب في كثير من الأحيان. وطبقاً لدراسة أجريت عام 2019 فإن تلوث الهواء يؤدي إلى زيادة الإجهاد التأكسدي في الجلد، وبالتالي التعرض للإصابة بشيخوخة الجلد المبكرة.
التغذية الصحية السليمة
بدوره أكد الدكتور محمد نصر، أستاذ الأمراض الجلدية في كلية الطب في جامعة الزقازيق، أن لتغير المناخ تأثيراً سلبياً على صحة الجلد، سواء أكان خلال الشتاء أم الصيف، فخلال الصيف والفترات التي يتخللها ارتفاع في درجات الحرارة، يزداد نشاط الغدد العرقية التي يتحول معها الجلد لتربة خصبة لنمو الفطريات والبكتيريا، مما يؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض الجلدية كحمو النيل وحب الشباب، وفي بعض الأحيان يحدث ما يسمى بانسداد الغدد العرقية.
يجب عدم التعرض لأشعة الشمس صيفاً قدر الإمكان خاصة خلال أوقات الذروة، أو ارتداء ملابس تغطي كامل الجسم في حال الاضطرار لذلك، ومحاولة تجنب التعرق الشديد، والابتعاد عن أماكن تكاثر الحشرات التي يمكن أن تنقل الأمراض الجلدية
ويقول لرصيف22: "من جهة أخرى، تتسبب برودة الجو التي يصاحبها جفاف البشرة وتشققها بزيادة بعض الحالات المرضية، وجعلها أكثر سوءاً، كالإكزيما والصدفية اللتين تنشطان في فصل الشتاء، وتصاحبهما أعراض أكثر حدة مع المرضى الذين يعانون منهما".
ويطرح نصر بعض النصائح لتجنب الآثار السلبية لتغير المناخ، كترطيب الجلد الجيد والمستمر، وارتداء الملابس القطنية، والتهوية الجيدة للأماكن المصابة بأية أعراض جلدية بصورة دورية، فضلاً عن التغذية الصحية السليمة التي تعد أهم عامل للحفاظ على صحة الجلد.
ومن النصائح التي يوجهها الخبراء أيضاً، الحرص على عدم التعرض لأشعة الشمس صيفاً قدر الإمكان خاصة خلال أوقات الذروة، أو ارتداء ملابس تغطي كامل الجسم في حال الاضطرار لذلك، ومحاولة تجنب التعرق الشديد، والابتعاد عن أماكن تكاثر الحشرات التي يمكن أن تنقل الأمراض الجلدية. والأهم عدم تجاهل ظهور أي أعراض لأمراض جلدية محتملة ومراجعة الأخصائيين لمنع تفاقمها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...