شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا أشارك في انتخابات نقابة الصحفيين المصرية؟

لماذا أشارك في انتخابات نقابة الصحفيين المصرية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الاثنين 6 مارس 202311:50 ص

في الدول الديمقراطية، أن تسأل أحداً لماذا تشارك في استحقاق انتخابي ما، كأنك تسأله لماذا تأكل أو تشرب، فحق الاختيار من بديهيات الحياة، لكن في دولنا التي لم تعرف الديمقراطية، لا يكون السؤال فقط لماذا تشارك، بل هل هناك أي انتخابات تُمنح فيها حق الاختيار أصلاً؟

لذلك لم يكن سؤال لماذا أشارك في انتخابات نقابة الصحفيين المصرية التي تُجرى هذه الأيام سؤالاً غريباً، ورغم أني صحفي، أي مشاركتي بدافع مهني أولاً، لكني أشارك لأسباب أخرى، وببساطة، في دولة كل شيء فيها محسوم، بداية من انتخابات الرئاسة ووصولاً لأعضاء مجلسي النواب والشورى، تكون انتخابات نقابة الصحفيين بالنسبة لي هي التجربة الوحيدة التي أشعر فيها أني أملك حق الاختيار، لأنها، رغم كل ما يشوبها، لم يُفرض عليها قانون الحسم مُسبقاً، وهذا لحسن الحظ.

ولأنها كذلك، فخلال ست سنوات من المشاركة، تعلّمت أولاً أن الديمقراطية، ذلك الطريق الذي لم نسر فيه بعد، ليس طريقاً وردياً يترشّح فيه ناس أنقياء نختارهم لتحقيق المصلحة العامة، وتلتزم فيها الدولة وأجهزتها الأمنية الحياد التام، والنتائج تكون مبهرة والمشاكل تُحلّ سريعاً، بالعكس، فالديمقراطية تعني أن الجميع، ممن نحبهم أو نكرههم، لهم حق الترشح، وفي نقابة الصحفيين تحديداً شاهدت ما يمكن تسميتهم بمرشحي السلطة وهم يخوضون المعركة بأنصارهم وتزكية أجهزة الدولة.

في الدول الديمقراطية، أن تسأل أحداً لماذا تشارك في استحقاق انتخابي ما، كأنك تسأله لماذا تأكل أو تشرب

ولأن الطريق ليس وردياً أيضاً، فإن التجاوزات التي يظنّها البعض لصيقة بالديكتاتورية، موجودة أيضاً في طريق الديمقراطية، فقد رأيتها بعيني بداية، من منح الدولة مميزات وسبل أكثر انتشاراً لمرشحيها، أو حتى من خلال طرق ليست نزيهة في الدعاية من قِبل بعض الذين يمثلون التيار "المعارض"، أما من يظن أن النتائج دوماً إيجابية، كما كنت أظن، عليه أن يمارس حق الاختيار ليعرف أن الأمور ليست كذلك.

فكثيراً ما نجح مرشحو السلطة، كما كان اختياري في بعض الأوقات خطأ، وشهدت كيف تنصّل منا من اخترناهم بمجرّد نجاحهم، وأغلقوا هواتفهم وصار الوصول إليهم يحتاج "واسطة"، بل وبعضهم، ممن أطلق برامج برّاقة تغنّى فيها بالحرية وحق التعبير، لم ينفذ من برنامجه أي شيء، ثم يعود إلينا كل دورة انتخابية ليتحدث أيضاً عن نفس البرامج.

بالطبع السؤال الآن: إذا كان كل هذا يحدث في الديمقراطية، فماذا اختلفت عن الديكتاتورية، ولماذا نضيّع عمرنا في طريق نتائجه ليست بالضرورة جيدة؟ والإجابة لأنه الطريق الوحيد الذي يمنحنا حق تصحيح المسار، فحين أخطأت في نظرتي إلى مرشح نجح، استطعت في الدورة التي تلته أن أختار غيره، وهذا حدث مع زملاء لي، والنتيجة أنه، مع مرور السنوات، كانت نظرتنا أصوب وقدرتنا على اختيار من يحقق المصلحة العامة أفضل، وهذا لا يعني أننا وصلنا إلى نتائج ترضينا، لكن على الأقل سائرون في الطريق، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن من يتولون المسؤولية أدركوا إنهم معرّضون في أي لحظة لفقدان أصواتنا، وهذا جعلهم أقل وقاحة، ولعل المثال الأبرز عالمياً ما حدث حين اختار الأميركيون أنفسهم ترامب، وكان هذا خطأ لكنهم صحّحوه بعد ذلك مباشرة.

في دولة كل شيء فيها محسوم، بداية من انتخابات الرئاسة ووصولاً لأعضاء مجلسي النواب والشورى، تكون انتخابات نقابة الصحفيين بالنسبة لي هي التجربة الوحيدة التي أشعر فيها أني أملك حق الاختيار

النقطة الثانية أنه بسبب ممارستنا تلك، سقطت وجوه كثيرة خلال الدورتين السابقتين في نقابة الصحفيين، وهذا أفرز وجوهاً جديدة، بعضها أثبت جدارة، أي أن الديمقراطية تخلق لنا كوادر وتجعلنا نتعرف على أناس قد يصلحون، وكمصري عشت سنيناً من حياتي أسمع سؤال: "مين يقدر يحكمنا غير حسني مبارك؟"، ثم تكرّر السؤال مع كل حاكم بعد، والحقيقة أننا لو مارسنا الديمقراطية لظهر من يستطيع كما يظهرون عند وفاة أي حاكم، الأمر فقط يحتاج لتداول السلطة.

تعلّمت أيضاً أن ما يردّده الطغاة من أن تحديد مدة للمسؤول بحيث لا يجوز له الترشح بعدها، أمر يصلح في الغرب فقط لكنه لدينا يعطّل المسيرة ويجعل الأوضاع غير مستقرة، هذه كلها أكاذيب، ففي نقابة الصحفيين لا يحق للنقيب ان يترشح أكثر من دورتين، كل دورة عامين فقط، رغم ذلك، ومع معاصرتي لثلاثة نقباء حتى الآن، لم تتعطل أي مسيرة ولم يحدث أي اضطرابات، بالعكس كل نقيب يأتي بوعود جديدة حتى لو لم ينفذها، وفي النهاية الجميع يسير وفق قواعد ولوائح منظمة.

وأخيراً، ما أدركته بعد كل ذلك أمر يُدركه الطغاة والحكّام الديكتاتوريون جيداً، بل ولعل ذلك بالتحديد ما يجعلهم يطلقون الأكاذيب ويحذّرون من الديمقراطية، مرة حين يشيرون إلى أن نتائجها ليست جيدة، ومرة بأننا غير مستعدين لتلك الممارسة، ومرة ثالثة بأن ذلك لا يحقق الاستقرار ويعطّل التنمية، والحقيقة الوحيدة أنهم يعرفون أن هذا الشعب لو تمرّس جيداً سيصوّب أخطاءه ويتحمل النتائج حتى لو سيئة، ووقتها، وهنا مربط الفرس، لن يكون لهؤلاء الحكام مكان في المستقبل، أما بالنسبة لمن يسألون أنفسهم عن الديمقراطية أو من يتوهّمون أنها طريق سهل، أقول لهم ليس سهلاً لكنه الوحيد الذي يصلح حتى الآن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard
Popup Image