أثارت قفزة في الصادرات الإماراتية من السلع الحيوية إلى روسيا مخاوف الحلفاء الغربيين لأوكرانيا من أن يكون هناك "ما يشتبه في أنه خرق" للعقوبات التجارية والاقتصادية المفروضة على موسكو، ما دفع الدول الغربية إلى ممارسة الضغوط على البلد الخليجي لـ"تضييق الخناق" على الجيش الروسي ومعاناته بسبب نقص المكونات الضرورية لمواصلة حربه ضد كييف.
هذا ما أفادت به صحيفة "فايننشال تايمز"، في تقرير لها اليوم الخميس، 2 آذار/مارس 2023، مشيرةً إلى أن مسؤولين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة زاروا أبو ظبي في الأسابيع الأخيرة "لتوضيح النطاق الواسع للعقوبات التجارية (المفروضة على روسيا)، والضغط على المسؤولين الإماراتيين لتضييق الخناق على خرق محتمل للعقوبات".
وأوضحت الصحيفة أنها استندت في معلوماتها هذه إلى "أشخاص شاركوا في الزيارات" إلى الإمارات، مضيفةً أن لدى حكومة الولايات المتحدة قلقاً من أن تصبح الإمارات مركزاً لشحن عناصر مهمة إلى روسيا، مثل الإلكترونيات التي يمكن إعادة استخدامها لتعزيز المجهود الحربي الروسي.
على نحو خاص، أخبر مطلعون على المناقشات بين الغرب والبلد الخليجي الصحيفة أن هناك تخوّفاً مما يسمى بـ"إعادة التصدير"، أي أن تُوجّه البضائع التي يحتاجها الجيش الروسي إلى الإمارات ومنها إلى موسكو لتجاوز عقبة العقوبات الغربية.
لعل هذا ما دفع رئيس مكتب تنسيق العقوبات الأمريكي جيمس أوبراين، ومبعوث عقوبات الاتحاد الأوروبي ديفيد أوسوليفان، ومدير مديرية العقوبات في المملكة المتحدة ديفيد ريد إلى زيارة الإمارات الشهر الماضي لمناقشة هذه القضية.
خشية "خرق" العقوبات المفروضة على روسيا… مسؤولون غربيون يزورون #الإمارات ويحذرونها من أن تصبح مركز "إعادة تصدير" للمنتجات التي تدعم المجهود الحربي الروسي
ونقلت الصحيفة عن مسؤول غربي لم تذكر اسمه: "مطلبنا الرئيسي (من الإمارات) هو وقف إعادة التصدير (و) الاعتراف بأن إعادة التصدير إشكالية"، مؤكداً أن "المحادثات ما تزال مستمرة" بين الجانبين.
قفزة في الصادرات الإلكترونية
العام الماضي، قفزت صادرات الأجزاء الإلكترونية من الإمارات إلى روسيا إلى نحو سبعة أضعاف بلغت 283 مليون دولار أمريكي، ما يجعل هذه الفئة أكثر المنتجات شحناً في هذا الاتجاه، وفق بيانات الجمارك الروسية التي حلّلتها مؤسسة "روسيا الحرة".
كذلك، صدّرت الإمارات 15 ضعفاً من الرقائق الدقيقة إلى روسيا خلال 2022 مقارنة بـ2021، وقفز التبادل التجاري بينهما في هذه المنتجات إلى 24.3 مليون دولار العام الماضي إلى 1.6 مليون دولار في عام 2021. وباعت الدولة الخليجية 158 طائرة بدون طيار إلى روسيا العام الماضي، بقيمة تقارب 600 ألف دولار أمريكي، وفق المصدر نفسه.
تأتي هذه النقاشات بين الغرب والإمارات في وقت فضّلت الدول الغربية التركيز على تشديد الرقابة على تنفيذ العقوبات المفروضة على روسيا والتأكد من امتثال القطاع الخاص لها عوضاً عن فرض مزيد من العقوبات الجديدة عليها.
وكان أوسوليفان قد صرّح لـ"فايننشال تايمز"، في الشهر الماضي، بأن الدول الغربية لاحظت "ارتفاعات غير عادية" في تجارة روسيا مع بعض الدول، رافضاً تسمية أي من هذه الدول. لكن الصحيفة أشارت إلى أن الحلفاء الغربيين لأوكرانيا يراقبون الإمارات وتركيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز، مستطردةً أنه "يُنظر إلى الإمارات على أنها وجهة مفضلة للأثرياء الروس الذين يبحثون عن مكان لإيواء أصولهم".
العام الماضي، قفزت صادرات #الإمارات من الأجزاء الإلكترونية لروسيا إلى أكثر من سبعة أضعاف بلغت 283 مليون دولار أمريكي. وباعت الدولة الخليجية 158 طائرة بدون طيار لروسيا، بقيمة تقارب 600 ألف دولار أمريكي، ما أثار قلق الغرب.
في غضون ذلك، أكد المسؤولون الأمريكيون لنظرائهم الإماراتيين على العواقب المحتملة للشركات الخاصة التي قد تتورط في تسهيل تدفق البضائع التي يمكن للجيش الروسي الاستفادة منها. وقال أوبراين: "جزء من الرسالة الموجهة للقطاع الخاص - في أي من هذه البلدان - هو أنها تلعب لعبة الروليت (يقصد تقامر وتغامر). أي شخص يتاجر في هذه البضائع يخضع هو الآخر الآن لعقوبات لأن بعض البضائع التي يشحنها تظهر في ساحة المعركة".
تحالفات الإمارات
تصنِّف الإمارات نفسها قوة إقليمية محايدة تتباهى بتوازن علاقاتها الأمنية الوثيقة والتاريخية مع الشركاء الغربيين مع احتفاظها بعلاقاتٍ وثيقة بشكل متزايد مع القوى العسكرية والاقتصادية مثل روسيا والصين.
وتُعد إمارة دبي مركزاً حيوياً لإعادة التصدير في المنطقة، كما يُعتبر ميناء جبل علي أحد أكبر مراكز إعادة الشحن في العالم. في إطار مساعيه لإلزام مراكز التصدير هذه بالعقوبات المفروضة على روسيا، قدّم الاتحاد الأوروبي إجراءات جديدة أواخر العام الماضي تمكّنه من معاقبة الأفراد الذين يساعدون على التهرب من العقوبات. يشمل ذلك الحصول على معلومات محدّثة عما تصدِّره الإمارات إلى روسيا، في ظل الشكاوى من وفرة المعلومات ذات الصلة.
ردّ مسؤول إماراتي على ذلك بقوله إن "دولة الإمارات تدرك دورها الحاسم في حماية سلامة النظام المالي العالمي. دولة الإمارات تأخذ هذه المسؤولية بجدّية، ولديها إجراءات واضحة وقوية للتعامل مع الكيانات الخاضعة للعقوبات".
"العلاقات بين روسيا والخليج أعمق مما يتخيله الكثيرون"... الحديث عن ضغوط غربية على #الإمارات لـ"تضييق الخناق" على الجيش الروسي يثير من جديد السؤال المهم: لماذا تميل دول الخليج إلى روسيا في صراعها مع أوكرانيا والغرب؟
لماذا تميل دول الخليج لروسيا؟
يُثير كل ما سبق مرة أخرى النقاش حول الجانب الذي تنحاز إليه الدول الخليجية، وتحديداً الإمارات في الصراع الروسي الأوكراني، أو على الأقل إلى أي منهما تميل.
منذ البداية، انتهجت الدول الخليجية "الحياد"، فرفضت إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا أو تأييد العقوبات الغربية على موسكو إلا على استحياء، لا سيّما أنه تزامن مع فترة من ضعف الثقة خليجياً بالولايات المتحدة وتوتر العلاقات مع واشنطن بسبب عدة ملفات حقوقية واقتصادية وسياسية.
في مقال تحليلي سابق، قال الصحافي الأمريكي الإيراني بورزو دراغاهي، المتخصص في الشؤون الدولية بصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، إن دول الخليج التي ارتبطت بتحالفات طويلة الأمد مع الغرب تميل إلى روسيا في الصراع الدائر الذي يشكّل "منعطفاً حاسماً في تاريخ أوروبا".
دلّل دراغاهي على وجهة نظره هذه مشيراً إلى امتناع جميع الدول الخليجية عن التصويت على عزل موسكو من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وإلى عجز الغرب عن حمل الدول الخليجية على زيادة إنتاجها من النفط والغاز لدرء آثار غياب الطاقة الروسية، والفشل في جعل هذه الدول الثريّة تمتثل للعقوبات الغربية على موسكو أو حتى عدم استقبال الأثرياء الروس المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين.
واعتبر الصحافي البارز أن موقف الدول الخليجية يعكس "نجاح الكرملين في غزو الشرق الأوسط وبناء علاقات جيدة معه على مدى العقد الماضي"، متابعاً "تتمتع موسكو بعلاقة وثيقة بشكل خاص مع الإمارات، ويجد البلدان نفسيهما شريكين في مناورات خارجية عبر أفريقيا والشرق الأوسط. في غضون ذلك، تسعى الولايات المتحدة قولاً وفعلاً إلى فك ارتباطها بالشرق الأوسط".
وبينما شدد على أن "العلاقات بين روسيا والخليج أعمق مما يتخيله الكثيرون في واشنطن"، لفت: "على الرغم من أن روسيا ليست عضواً في أوبك، فإنها شريكة في ‘أوبك بلس‘ ويمكن أن تقلب الأسعار العالمية من خلال زيادة الإنتاج أو خفضه. كما تتشارك الإمارات وروسيا في الموانئ ومشاريع البنية التحتية الأخرى في جميع أنحاء أفريقيا".
وخلص الكاتب إلى أن دول الخليج، وفي مقدمتها الإمارات، تضع مصالحها الاقتصادية والأمنية قبل رغبات الغرب الحليف التقليدي، خاصة مع رهانها على مغادرة الإدارة الأمريكية الحالية بانتهاء السنوات الأربع لحكم الرئيس جو بايدن مقابل بقاء بوتين في السلطة، وعدم الثقة في دعم واشنطن لحلفائها من الحكام العرب بعكس بوتين الذي استمر في دعم الرئيس السوري بشار الأسد برغم التحالفات الدولية ضده.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون