شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الغزو الروسي لأوكرانيا... نجاح الحياد الخليجي محكوم بأمد الحرب

الغزو الروسي لأوكرانيا... نجاح الحياد الخليجي محكوم بأمد الحرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 9 مارس 202208:48 ص

لا يزال الغموض سيد المشهد في المواقف الخليجية، وعلى رأسها الموقف السعودي-الإماراتي-القطري، وذلك منذ دخول الحرب في أوكرانيا أسبوعها الثاني، والتي تلقي بظلالها على المشهد السياسي الدولي برمته لاعتبارات المراوحة بين قطبين أساسيين، الأول ممثل في الولايات المتحدة الأمريكية والثاني يتمثل في روسيا التي يراهن الكثيرون على أنّ حربها في أوكرانيا تنذر بأنّ مرحلة القطب الواحد قد انتهت، وبأن العالم يتغير بسرعة وبشكل جذري.

وفي هذا الصدد كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد حذّر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مما رأى أنّه تسييس لقضايا الطاقة العالمية، وذلك بعد جهد منسق من قِبل واشنطن والدول الأخرى المصدرة للنفط، لمواجهة موسكو التي تشن هجوماً مستمراً على أوكرانيا.

تحذير الرئيس بوتين للأمير محمد بن سلمان جاء في اتصال هاتفي جمعهما مساء الخميس 3 آذار/ مارس 2022، حسب بيان للكرملين نقلته صحيفة "The Wall Street Journal" الأمريكية.

المواقف الأوليّة

وفي سياق متصل، كانت السعودية التي تُعدّ الزعيم الفعلي لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، قد رفضت طلبات الولايات المتحدة لضخ مزيد من النفط للمساعدة في تخفيض أسعار الخام المرتفعة، التي لامست 140 دولاراً للبرميل، وسط مخاوف بشأن الإمدادات بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

رفضت السعودية طلبات الولايات المتحدة لضخ مزيد من النفط للمساعدة في تخفيض أسعار الخام المرتفعة، التي لامست 140 دولاراً للبرميل

أما الجانب الإماراتي، فقد امتنع مرتين عن التصويت لصالح قرار أممي يطالب روسيا بوقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا والتي دخلت أسبوعها الثاني، لكن أبو ظبي غيّرت موقفها الأربعاء الماضي، وصوتت لصالح قرار تبنّته الجمعية العامة للأمم المتحدة، يطالب روسيا بوقف حربها في أوكرانيا، الأمر الذي يفسر التذبذب الإماراتي في أخذ موقف واضح من الحرب، والذي سيدخلها إلى الاصطفاف في محور من المحورين.

وفي ما يتعلق بالجانب القطري، فقد دعت قطر إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد والالتزام بالسبل الدبلوماسية لتسوية النزاع بين روسيا وأوكرانيا. جاء ذلك في بيان ألقته علياء أحمد بن سيف، مندوبة قطر الدائمة لدى الأمم المتحدة، أمام جلسة أممية طارئة للتباحث في شأن الأوضاع في أوكرانيا، الأمر الذي يعكس حالة الحياد القطري إذ تتناغم في مواقفها مع كلّ من الرياض وأبو ظبي.

يرى الكاتب والباحث السياسي التركي مهند حافظ أوغلو، أنّ "السعودية والإمارات وقطر تُعدّ في التحالف الغربي عموماً، ولكن في المسألة الأوكرانية تلتزم بشبه حياد، لأنّها تدرك تماماً أن أي تحرك نحو أي طرف، سواء أكان إلى روسيا أو إلى أوكرانيا التي تدعمها واشنطن والغرب، ستكون له تبعاته على سياساتها الخارجية أو الداخلية، وخصوصاً سياساتها في إنتاج النفط".

ويضيف أوغلو لرصيف22: "لا أظن أنّ هذه الدول بعد وصول بايدن إلى سدة الحكم، تعوّل على الموقف الأمريكي كثيراً، فما بالك بالملف الأوكراني الذي يُعدّ بمثابة اللغم الدولي، فأي تحرّك غير محسوب لأي طرف ستكون لها ارتدادته على المنطقة والدول الخليجية النفطية المصدرة التي تدرس وتحسب خطواتها بشكل أدقّ لأنّ الوضع حساس وخطير للغاية".

وصرحت السعودية بأنّها ستلتزم بما يتعلق بتصدير النفط مع المجموعة النفطية الخاصة بها "أوبك"، وأعلنت موقفها المبدئي، فهي لا يمكن لها التقدم خطوةً والاستعجال في اتخاذ القرارات حتى تتضح الرؤية، والأمر مرهون، حسب أوغلو، بطبيعة هذه الحرب وما إذا كانت حرب استنزاف أم سيتم احتواؤها، وهل ستكون هناك ضغوط اقتصادية أو عسكرية أو سياسية أكثر على روسيا، وبمدى انعكاسات الحرب على الصين وإيران، فهذه أيضاً حسابات تحسبها هذه الدول بدقة، لأنّ لديها علاقات وشراكات كبيرة ومتطورة مع الصين".

لا تعوّل دول الخليج على الموقف الأمريكي في ظل إدارة بايدن، وبالتالي فإن أي تحرّك غير محسوب لها في الملف الأوكراني ستكون لها ارتدادته على المنطقة والدول الخليجية النفطية المصدرة التي تدرس وتحسب خطواتها بشكل دقيق

ومن هنا، فإنّ تغير مواقف تلك الدول مرتبط بتغيّر الأمور على الأرض في أوكرانيا، إذ يرى أوغلو، أنّه "إذا طال أمدّ الحرب وتحولت إلى حرب استنزاف طويلة، فيمكن أن تكون حينها لتلك الدول مواقف واضحة في اصطفافاتها، أو إذا ما تحولت إلى حرب عالمية ثالثة، فإنّ هذا من شأنه أن يقلب المواقف والحسابات في المنطقة، مع أنّ هذا الخيار يبقى مستبعداً، لأنّ الأطراف والدول لا تحتمل أن تتحول إلى حرب بالمفهوم العسكري التقليدي".

في المحصلة، يعتقد أوغلو أّنّه سوف يكون هناك استغلال من قبل المحور الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، للضغط على روسيا وفرض الكثير من العقوبات عليها لردعها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وحتى لا تتجرأ على تكرار الأمر لاحقاً.

الخيارات المتنوعة

الخيارات الخليجية بشكل عام تختلف وتتنوع من دولة إلى أخرى، حتى وإن صح القول إنّ هناك موقفاً خليجياً عاماً يرتكز على عدّ واشنطن حليفاً إستراتيجياً، ولكن هذا الموقف يتجه نحو التغيّر ببطء شديد، وهذا ما يذهب إليه المحلل السياسي والاقتصادي سركيس قصارجيان، الذي يرى أنّ سياسة الدول الخليجية لم تتغيّر جذرياً، فالأمريكي لا يزال الحليف الأقوى لها، والقوة الأكثر تواجداً في الخليج. لكن هذه المعادلة بدأت تتغيّر بعد تطور العلاقات الخليجية-الصينية، وخصوصاً مع السعودية والإمارات، إذ أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لدول الخليج، وأزاحت أوروبا، بعد أن بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 180 مليار دولار في 2020.

ويرى قصارجيان أنّ القوة الناعمة التي تستخدمها الصين في ما يخص التقارب مع الخليج أعطت نتائجها، والتقارب هذا جاء بالتزامن مع توقيع طهران اتفاقية "طريق الحرير"، مشدداً على أنّ هذا الأمر في السياسة يُعدّ من الخطوات الصعبة، خاصةً وأنّ حجم الاتفاقيات يُقدّر بمليارات الدولارات.

أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لدول الخليج، وأزاحت أوروبا، بعد أن بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 180 مليار دولار في 2020

المحاولات الخليجية المتمثلة في الإمارات، للتقارب مع المعسكر الشرقي، بدت واضحةً بعد الأزمة الروسية-الأوكرانية، وهذا ما تُرجم في امتناع الإمارات مؤخراً عن التصويت في مجلس الأمن كدولة غير دائمة العضوية على مشروع قرار أمريكي يحظى بدعم المجتمع الدولي لإدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهذا يُعدّ حسب قصارجيان محاولةً لرسم سياسات خاصة.

وفي ما يتعلق بقطر، فهي تختلف قليلاً عن كل من السعودية والإمارات، ويظهر حتى اللحظة أنّها أقرب إلى واشنطن، وفي هذا الصدد قام الرئيس الأمريكي جو بايدن، بإعلان قطر حليفاً إستراتيجياً من خارج حلف الناتو، بينما السعودية والإمارات تنتهجان سياساتهما الخاصة في ملف الأزمة الأوكرانية.

ملامح السياسية القادمة

ملامح السياسة القادمة باتت واضحةً، وإن كانت ضخامة أحداث الأزمة تمنع من استقراء المستقبل البعيد. ولكن يبدو أنّ "أوبك بلس" ستقوم برفع إنتاج النفط بالاتفاق مع موسكو بشكل مؤكّد، لأنّ الأخيرة لن تتسامح في إغراق الأسواق بالنفط والغاز. فبعد فرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية على موسكو، أصبح هذا المورد المالي شبه وحيد بالنسبة إليها.

وعليه، فمن المرجح حسب ما يذهب قصارجيان، أن تقوم الإمارات بلعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا في مراحل متقدمة، خاصةً من خلال علاقاتها المتميزة مع إسرائيل، وهذه الأخيرة أيضاً يمكن أن تكون دولةً مقبولةً للوساطة بين موسكو وكييف، نتيجة علاقاتها الجيدة مع الطرفين، ومن هنا قد نرى دوراً إماراتياً-إسرائيلياً للوساطة بين الطرفين. وكان رئيس الوزارء الإسرائيلي نفتالي بينيت، قد زار موسكو والتقى بوتين قبل ثلاثة أيام.

تحكم المصالح والسياسات الموقف الخليجي تجاه الأزمات العالمية، والإمارات تتجه نحو انتهاج القوّة الناعمة في السياسة الخارجية منذ عام 2017، وتالياً ستكون في منأى عن الصدام مع أي قوى إقليمية.

وتتربع روسيا على رأس قائمة الدول التي تتمتع بأكبر احتياطات من الغاز الطبيعي في العالم، وتُقدّر بـ48.9 تريليون متر مكعب، كما جاءت في مقدمة الدول الأولى من حيث صادرات الغاز الطبيعي ليصل حجم صادراتها لعام 2020 إلى 199.9 مليار متر مكعب.

ويُرجّح قصارجيان، ألا تستمر الحرب طويلاً في أوكرانيا، لأنّ استمرارها سيخلق مشكلات كبرى، وعلى رأسها إمدادات الطاقة الروسية، وتالياً الأمن الغذائي المتمثل في إمدادات القمح والذرة الأوكرانية، وعليه فجميع دول العالم ليست لها مصلحة في استمرار الحرب طويلاً.

تتربع روسيا على رأس قائمة الدول التي تتمتع بأكبر احتياطات من الغاز الطبيعي في العالم، وتُقدّر بـ48.9 تريليون متر مكعب

يؤكدّ المحلل السياسي محمد السعيدي، لرصيف22، أنّ الحكم على تداعيات الحرب على أوكرانيا لا يزال مبكراً، خصوصاً وأنّ هناك قنوات اتصال فرنسية مع الرئيس الروسي يومياً، وكذلك هناك اتفاق غير مباشر بين روسيا وأوكرانيا على عدم التصعيد في محاولة لإيجاد مخرج مناسب ونهاية للغزو والتوتر، مشيراً إلى أنّ النفط السعودي مهم جداً في تعويض النفط الروسي بالتأكيد، وهو بمثابة احتياطي عالمي لضبط سوق النفط.

ويشير السعيدي إلى أن قطر ستعوّض الغاز إن طال أمد الحرب، بالإضافة إلى موردين آخرين له، وهذا لا يمنع من ارتفاع كلفة الاستهلاك في أوروبا وسيحدد الاتحاد الأوروبي تسعيرةً جديدةً للغاز والمحروقات عموماً خلال ساعات، مشدداً على أنّ أمد الحرب إن طال ربما سيغيّر المعادلة والمواقف السعودية-الإماراتية-القطرية تجاه الأزمة، وسيكون موقفهم متشدداً إزاء روسيا، وذلك لأنّ الدول الثلاث لها علاقات واتفاقيات أمنية وسياسية مع الولايات المتحدة، وستتخذ قرارات بمقاطعة روسيا سياسياً واقتصادياً. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image