إبراهيم مجذوب شاب سوداني من الذين نقابلهم كل يوم، وليس في حياتهم شيء صارخ، وسنعلم بعد قليل، كيف كانت نهايته غير عادية على يد شرطي رماه بالرصاص في الشارع، لتنتهي حياته بشكل درامي فاقمه ما قاله الأب على قبر ولده، مؤكداً على استمرار التظاهر ضد العسكر في السودان!
مطلع الشهر الجاري، انطلقت المظاهرات في العاصمة السودانية الخرطوم، ومدينتَي أم درمان (غرب)، وبحري (شمال)، بدعوة من "تنسيقية لجان المقاومة"، رفضاً للاتفاق الإطاري الموقّع بين المكوّن العسكري في السلطة وقوى مدنية.، وقد شارك الشاب السوداني إبراهيم مجذوب في تلك التظاهرات، وفقد حياته خلالها رمياً بالرصاص علي يد ضابط في الشرطة السودانية، في ما يُشبه الإعدام رمياً بالرصاص.
تصفية الشاب بدم بارد علي يد الشرطة، خلّفت غضباً واسعاً بين السودانيين، وعدّه كثيرون فعلاً ممنهجاً دأبت عليه الشرطة. بما في ذلك التعذيب والقتل داخل مراكز الاحتجاز، في ظل سياسة الإفلات من العقاب.
وتضاعف الغضب، بعد أن بث ناشطون مقاطع فيديو تُظهر مقتل المتظاهر الذي أسند يديه إلى الرصيف ليرفع رأسه ناظراً في عين قاتله، قبل أن يرتطم بالأرض ليُسارع رفاقه إلى نقله إلى مستشفى شرق النيل، شرق العاصمة الخرطوم، والتي فارق الحياة فيها.
فديو من زاوية أخرى لقاتل الشهيد إبراهيم مجذوب.#مليونية28فبراير #عنان_قوش_البرهان pic.twitter.com/Rd3RWg3e5l
— ترند السودان | SudanTrend (@SudanTrend) February 28, 2023
إصرار وترصّد
في البداية أصدرت شرطة ولاية الخرطوم بيانا بدا وكأنه تبرير للقتل، مشيرا إلى إن المتظاهرين استخدموا العنف المفرط في مواجهة العناصر التي تعمل على تأمين منطقة شرق النيل، بالحجارة والزجاج والنبال.
ولكن بعد انتشار الفيديوهات التي تُوثّق عملية الاغتيال، سارعت وزارة الداخلية إلى وصفها بأنها سلوك شخصي وتصرّف مرفوض ومخالف لتوجيهات الوزارة .
من جانبها علّقت الحركة الاحتجاجية، على بيانات الشرطة ووزارة الداخلية، بأنها مبطّنة بالتبريرات التي تنمّ عن نوايا الشرطة في انتهاك حرمة الدم السوداني. وهذا أمر سايرها فيه معظم رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أجمعوا على أن قتل المتظاهر لم يكن سلوكاً فردياً، وإنما هو فعل منظّم.
هل يعاقَب الضابط قاتل المتظاهر السوداني إبراهيم مجذوب، أم يفلت من العقاب كسابقيه؟
رصيف 22 التقت محمد عيسى ( ضابط شرطة متقاعد)، الذي أشار الى أن زملاء مُطلق النار لم ينزعوا منه سلاحه ولم يهتقلوه مما يعني اعتيادهم على القتل
هذا سلوكاً ممنهجاً، يقولها عيسي مستدلّاً بحادثة شبيهة جرت في 30 حزيران/ يونيو الماضي، عندما ركل شرطي جثة متظاهر للتأكد من أنه فارق الحياة بعد إطلاق النار عليه.
آنذاك، قالت الشرطة إنها تُحقق في هذه الجريمة، ودرجت على إصدار بيانات إدانة لعناصرها الذين تُوثّق الكاميرات قتلهم المتظاهرين مع التعهد بالتحقيق معهم، لكنها لم تُعلن يوماً عن نتائج التحقيقات، فيما تتجاهل عمليات القتل التي لا ترصدها الصور ومقاطع الفيديو.
ويشدد محمد عيسى، على أن قتل المتظاهر غير مبرر، إذ لم يكن إطلاق النار بدافع الدفاع عن النفس، ولم يكن الهجوم واسع النطاق يستدعي استخدام القوة، كما أن المجني عليه أعزل ولا يحمل سلاحاً.
ويشير، خلال حديثه لرصيف22، إلى أن الجريمة التي وقعت تُصنَّف على أنها هجوم متعمد على المدنيين، لا تنحصر فيه المسؤولية الجنائية في مُطلق النار فقط، وإنما تمتد إلى قائده الميداني والقائد الذي سلّحه بالذخيرة الحيّة، لتفريق الاحتجاجات السلمية، ومدير عام قوات الشرطة، وهي جريمة ضد الإنسانية وليست قتلاً عمداً.
ويضيف: "لا يُسمح للشرطي بإطلاق النار إلا في حالة الدفاع عن النفس، شريطة أن يكون المستهدف مسلّحاً ويمثل خطراً على الشرطي لا يمكن تفاديه إلا بالرصاص لثنيه وليس لقتله".
وحديث الضابط المتقاعد غير بعيد عن حملة نظمتها الحركة الاحتجاجية قبل فترة قصيرة، تُطالب فيها بتوجيه اتهام الجرائم ضد الإنسانية، وليس القتل العمد، إلى قتلة المتظاهرين.
وتُعاقب المادة 130 في القانون الجنائي السوداني، الخاصة بالقتل العمد، الجاني فقط، بالإعدام قصاصاً وفق الشريعة الإسلامية، وفي حال سقوط القصاص يُسجَن 10 سنوات، ويُشترط فيها أن يكون الشهود قد شاهدوا الفعل الذي أدى إلى وفاة المجني عليه.
أما المادة 186 من القانون نفسه، والخاصة بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، فهي تُعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أو بعقوبة أقل، لكل من يرتكب ويشترك ويشجع ويعزز أي هجوم واسع النطاق على المدنيين، من دون أن تشترط أن يكون الشهود قد شاهدوا الجناية، وإنما تكتفي بحضورهم وقائع الهجوم.
ضغوط سياسية
سارعت القوى السياسية المؤيدة للديمقراطية، إلى إدانة مقتل المتظاهر، وطالب ائتلاف الحرية والتغيير، بمحاكمة الضابط علانيةً، وقالت إن هذا الحادث يعزز قناعتها بضرورة الإصلاح للقوات النظامية، وعلى رأسها قوات الشرطة، وتأسيسها على عقيدة جديدة تقوم على احترام القانون وحماية المواطن.
وينخرط الائتلاف وقوى سياسية في عملية سياسية مع القادة العسكريين الذين يحكمون البلاد حالياً، وتسعى إلى إعادة العسكر إلى الثكنات وإطلاق فترة انتقال جديدة بقيادة مدنية، بعد التوافق على قضايا من بينها العدالة والعدالة الانتقالية وإصلاح قطاع الأمن والدفاع.
ووصف أحد فصيلَي تجمّع المهنيين السودانيين، مقتل المتظاهر، بأنه عملية اغتيال، وقال إنها "استمرار لنهج العنف الذي تتّبعه القوات النظامية تجاه المتظاهرين السلميين منذ انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، خاصةً قوات الشرطة التي ظل المنتسبون إليها يرتكبون هذه الانتهاكات والعنف المفرط من دون محاسبة أو إجراءات قانونية تنصف الضحايا وذويهم".
ودعت بعثة الأمم المتحدة في السودان، إلى إجراء تحقيق سريع وشفاف في مقتل المتظاهر، وجميع انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى التي وقعت في سياق الاحتجاجات منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، ومحاسبة المسؤولين عنها، وهو ما طالب به أيضاً الاتحاد الأوروبي، فيما أدانت دول الترويكا (أمريكا، بريطانيا والنرويج)، استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، وقالت: "يجب ألا يفلت الجُناة من العقاب".
وإزاء هذه الضغوط السياسية المحلية والدولية، شرعت النيابة في التحقيق مع الضابط الذي رُفعت ضده دعوى جنائية وفق المادة 130 من القانون الجنائي، والتي تصل العقوبة فيها إلى الإعدام قصاصاً حال الإدانة.
وبلغ عدد الضحايا في سياق الاحتجاجات 125 قتيلاً، ولم تقُل النيابة العامة إنها حققت مع العناصر الأمنية والشرطية إلا في قضية إبراهيم مجذوب.
وأُصيب أكثر من 7 آلاف متظاهر منذ لحظة سيطرة الجيش على السّلطة، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وحتى 4 آب/ أغسطس 2022، منهم أكثر من 400 طفل، بجانب رصدها 50 حالة عنف جنسي. ومن مجموع الإصابات، هناك 955 إصابةً بالرصاص، و274 إصابةً بالطلق الناري المتناثر (الخرطوش)، وفقاً لمنظمة حاضرين.
وتستخدم قوى الأمن والشرطة، في تفريق الاحتجاجات، أسلحةً مضادةً للطيران "الدوشكا"، والكلاشنكوف، والخرطوش، وحشو قاذفة إطلاق الغاز المسيل للدموع "الأوبلن" بالحجارة والزجاج المتناثر، بالإضافة إلى خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والأسلحة البيضاء.
الإفلات من العقاب
ويقول المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، بشير الطيب، إن ابتكار الشرطة أسلحةً بين الحين والآخر، مثل الخرطوش ومسدسات الليزر التي تُسبب كسوراً في الأيدي وحشو "الأوبلن" بالحجارة، يؤكد أن الانتهاكات بحق المتظاهرين أفعال ممنهجة، وليس تصرفات فردية من الجنود والضباط.
ويشير، خلال حديثه لرصيف22، إلى أن انتهاكات الشرطة لا تنحصر في استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين، وإنما تصل إلى قتل المحتجزين داخل مراكز الاحتجاز، مثل حالة الشاب كمال مدثر، الذي ترفض النيابة العامة تحويل قضيته من الوفاة في ظروف غامضة إلى القتل العمد، على الرغم من توفر أدلة تفيد بأنه قُتل تحت التعذيب، من بينها التقرير الطبي.
تُعاقب المادة 130 في القانون الجنائي السوداني، القاتل بالإعدام قصاصاً وفق الشريعة الإسلامية
رسخ في أذهان معظم السودانيين، بما في ذلك القوى المؤيدة للديمقراطية والحركة الاحتجاجية، أن قوات الشرطة تتعمد استخدام العنف ضد التظاهرات السلمية وارتكاب الانتهاكات بحق المواطنين، بسبب الإفلات من العقاب، خاصةً في ظل عدم تنفيذ أحكام قضائية صدرت في أثناء فترة الانتقال، قضت بإعدام قتلة متظاهرين خلال الاحتجاجات ضد النظام السابق.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ 6 أيامSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.