شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الشارع فيه بنات"... عسكر السودان يشهرون سلاح الاغتصاب في وجه الاحتجاجات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 16 مارس 202203:42 م

لم تدرِ الطالبة الجامعية (أ. خ.) المنحدرة من دولة جنوب السودان أن استخدامها مركبة عامة في قلب الخرطوم قد ينتهي عند محطة مؤلمة تقلب حياتها رأساً على عقب، بعدما فقدت عذريتها على يد عسكريين تناوبوا على اغتصابها بالقرب من منطقة القصر الرئاسي خلال تعامل قوى الأمن مع موجة احتجاجية جديدة ضد الانقلاب العسكري.

 وفي محيط احتجاجات 14 مارس/ آذار التي دعت إليها لجان المقاومة السودانية، تعمد أمنيون مع حلول خيوط المساء إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على مركبة عامة متجهة إلى محطة مواصلات رئيسة بالعاصمة السودانية، وإرغام ركابها على الترجل منها، والاستيلاء بالقوة على مقتنياتهم الثمينة (هواتف وأموال) ومن ثم إجبارهم على المغادرة، ما عدا طالبة جامعية أمسك بها أحدهم عنوةً، ورمى بها على الأرض، وجردها من بنطالها وبدأ باغتصابها، ثم لحق به أربعة من رفاقه مكررين نفس الفعلة على التوالي، بالقرب من جسر المسلمية حيث مجمع سكني يضم مقارَّ لوكالات أنباء عالمية وصحف محلية.

باحثة بالجامعة السودانية: تسجيل بعض حالات الانتحار من قبل فتيات جرى اغتصابهن في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة

يقول أحد الصحافيين القريبين من موقع الجريمة لرصيف22 إنه وجد وبعض السكان الطالبة متكورة ومجردة من ملابسها التحتية وغارقة في نوبة من البكاء.

ويضيف: "قمنا بتغطيتها وتهدئتها إلى أن بلغنا مستشفى قريب، ولاحقاً استطعنا أن نأخذ منها رقم جوال شقيقها، الذي دخل في حالة انهيار تام عندما رآها في المستشفى".

"ما بكسروك"

في أول ردة فعل على حادثة الاغتصاب التي أعلنت عن توثيقها سليمى إسحق، رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة الرعاية الاجتماعية، سيّرت لجان المقاومة، أمس الثلاثاء، 15 مارس/ آذار، موكباً، تنديداً بالواقعة، تحت شعار "ما بكسروك" أي لن يكسروك.

وحمل المشاركون في الموكب المتوجه مجدداً إلى القصر الرئاسي، شعارات عدة، منها "صوت المرأة ثورة" و"الحروب لا تخاض في أجساد النساء"، و"العسكر للثكنات.. الشارع فيه بنات".


انتهاك متكرر

غضب المحتجين ضد استخدام عناصر الأمن سلاح الاغتصاب بحق النساء المشاركات في التظاهر، أو اللواتي رمى سوء حظهن في قبضة العسكر وإن لم يكنّ بين المتظاهرات، هذا الغضب لم يكن الأول من نوعه منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

وفي 21 ديسمبر/ كانون الأول 2021، خرجت احتجاجات في عدة مدن سودانية للتنديد باغتصاب 13 فتاة خلال احتجاجات 19 ديسمبر في العاصمة الخرطوم، على يد عناصر عسكرية.

وجرى تسليم 13 شكوى لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالخرطوم، تتضمن بلاغات اغتصاب الفتيات ومطالبة بإجراء تحقيق مستقل في التهم الموجهة للعسكر.

ولاحقاً، أعربت الأمم المتحدة، على لسان ممثلة الأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، براميلا باتن، عن قلقها من التقارير التي تفيد باغتصاب قوات الأمن السودانية للنساء، داعيةً إلى إنهاء العنف الجنسي بحق النساء، وتقديم الدعم النفسي والقانوني والاجتماعي للناجيات.

خضعت السلطات السودانية للضغوط المحلية والدولية، وأصدر مجلس السيادة الذي بات يسيطر عليه العسكريون في 28 ديسمبر/ كانون الأول توجيهاً للجهات المختصة بالتحري في الأمر، إلا أنه لم يفصح عمّا انتهت إليه التحقيقات.

يقول أحد الصحافيين القريبين من موقع الجريمة لرصيف22 إنه وجد وبعض السكان الطالبة متكورة ومجردة من ملابسها التحتية وغارقة في نوبة من البكاء

سلاح الاغتصاب

السؤال المهم الذي تطرحه هذه الوقائع هو هل تتعمد قوات الأمن استخدام الجنس والاغتصاب كسلاح ضد المحتجين السلميين؟

تجيب النسوية والقيادية في تحالف قوى الحرية والتغيير (معارضة)، نور محي الدين، بـ"نعم". وتقول لرصيف22 إن قوات الدعم السريع (مليشيا الجنجويد سابقاً)، التابعة للرجل الثاني في الانقلاب، محمد حمدان (حميدتي)، تنقل انتهاكاتها التي طالما مارستها ضد النساء في إقليم دارفور، وعلى رأس ذلك (الاغتصاب)، إلى بقية المدن.

وتضيف أن اللجنة المستقلة للتحقيق في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو/ حزيران 2019 تبحث في دعاوي اغتصاب عدد من النساء على يد قوات الأمن. مشددةً على أن العسكر "يستخدمون هذا السلاح بصورة ممنهجة" لكسر النساء، خاصة الفاعلات منهن، وحملهن على عدم المشاركة في الأنشطة العامة، بعد ثبوت تأثير مشاركتهن الكثيفة في الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019.

وتكمل: "أي محاولة لإنكار هذه التهم لا تعدو كونها خطلاً، بعدما أكدت وحدة العنف ضد المرأة (الحكومية) وقوع كل هذه الانتهاكات الجسيمة والمتكررة ضد النساء من قبل رجال البرهان أثناء الاحتجاجات".

أكاذيب لا تنتهي

يدافع الخبير الأمني، اللواء المتقاعد ميسرة محمود، عن قوات الدعم السريع والمكون العسكري قائلاً: "هناك محاولات حثيثة لتشويه صورة العسكريين من قبل المعارضة المدعومة من سفارات وكيانات غربية".

ويؤكد لرصيف22: "هذه المزاعم لم يثبت توكيدها من قبل لجان مستقلة، وهي صادرة عن أجسام تخوض صراعاً سياسياً ضد الحكومة، وهذا ما يجعل شهاداتهم غير موثوق بها، باعتبارها لا تخلو من الأجندات"، مذكراً بأن نفس المزاعم تطال الكيانات المعارضة التي شاركت في اعتصام القيادة العامة الذي استمر من 11 أبريل/ نيسان إلى 3 يونيو/ حزيران 2019، إذ إن هناك اتهامات ضدهم بالاعتداء على المعتصمات.

وعن تسجيل وقائع الاغتصاب الأخيرة من قبل وحدة حكومية (وحدة العنف ضد المرأة)، يردّ محمود أنه حتى في حال حدوث بعض التجاوزات، فهي "عائدة لسلوك فرداني، ولا يمكن أن تصبغ بها المؤسسات العسكرية المعروفة بالانضباط والاحترام والاحترافية"، مشيداً بتحركات مجلس السيادة في التحقق من هذه المزاعم، "من باب تحقيق العدالة، وتبديد أي شكوك تطال عمل المؤسسات الحكومية".

في سياق متصل، أكد المحامي شرف سعيد، عضو مبادرة "محامو الطوارئ"، تحرك المبادرة لتوثيق انتهاكات العسكر بحق المدنيين السلميين. وعدا التوثيق، يعمل محامو الطوارئ على تقديم العون القانوني للمتعرضين لعسف القوات الأمنية، والدفاع عنهم أمام المحاكم.

وتوقع سعيد في حديثه لرصيف22 فراغهم من تقديم قضايا متكاملة ضد بعض المشاركين في جرائم الاغتصاب من العسكريين، وشمول قادتهم في البلاغات "بما في ذلك عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان حميدتي" واعتبارهما مسؤولين جنائياً عن تلك الانتهاكات بحكم طبيعة المجتمع العسكري الذي يجعل الجنود لا يتحركون إلا بناء على أوامر من قادتهم، وكون رأسا المكون العسكري (البرهان وحميدتي) هما اللذان أعادا صلاحيات الأمن والاعتقال للأجهزة الأمنية، ومنحا حصانة للعسكريين من المساءلة، وهذا ما كان سبباً في زيادة عدد الانتهاكات.

سلاح ماضي

تقول الناشطة نور محي الدين، القيادية في "الحرية والتغيير" إن الكثير من المغتصبات على يد العسكر يمارسن الصمت خشية الوصمة الاجتماعية. وتضيف: "هذا يعني عملياً أن الجرائم غير المبلغ عنها تساوي أضعاف ما هو مدون في التقارير الرسمية منذ فجر الانقلاب".

وتلفت ميسون النجومي، الباحثة في علم الاجتماع بجامعة الأحفاد للبنات، إلى أن المغتصبة في السودان تتعرض للعنف في مستويين، الأول يتمثل في تعرضها لجريمة العنف الجنسي، والثاني يتمثل في طريقة تعامل المجتمع معها بتحويلها من ضحية إلى جانية بعد طرح تساؤلات من شاكلة أسباب خروجها في الاحتجاجات، أو نوع الزي الذي كانت ترتديه، "وصولاً إلى سقف مستوى الدناءة ببروز من يتبرع بالزواج بها بدعوى سترها من الفضيحة".

وكشفت النجومي عن تسجيل انتحار عدة فتيات جرى اغتصابهن في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة.

وكانت قوات أمنية تابعة للمجلس العسكري بقيادة البرهان، قد فرّقت، بالقوة المميتة، اعتصام القيادة العامة الذي أنهى ثلاثة عقود من حكم البشير، في 3 يونيو/ حزيران 2019.

إلى متى؟

هل تنتهي غضبة السودانيين وخروجهم إلى الشوارع وجرائم الاعتداء الجنسي المصاحبة للاحتجاجات؟ ترد النجومي بأن "النساء لم يعدن بأمان في عهد الانقلابين، فالطالبة الجامعية التي جرى اغتصابها الاثنين، لم تكن مشاركة في الاحتجاجات".

وختمت: "هذا أمر لن ينتهي إلا بسقوط النظام العسكري نفسه بناء على القاعدة الشهيرة بأن الأثر يزول بزوال المؤثّر".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image