شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"ليش ما بتفلّوا؟"... معاناة ومبادرات شبّان وشابات سوريين في لبنان، تُجيب!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الخميس 2 مارس 202301:18 م
Read in English:

"Why don't you leave?" Syrian refugees in Lebanon share their daily struggles

اتهامات بسرقة الخبز والبلد والناس، وكلام عنصريّ أينما كان، ونبذٌ وعنفٌ وأذى، هي كلّها ردّات فعلٍ تجاه اللاجئين السوريين، تحدّث عنها الإعلام اللبناني، وأجّجتها المنشورات المفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبحت الصورة المهيمنة على المشهد اللبناني: خطاب الكراهية ضدّ اللاجئين السوريين.

لم تكن هذه الحملات، الممنهجة والعشوائية، وليدة الصدفة، بل أتت نتيجة تراكماتٍ عدّة، استخدمها زعماء السياسة اللبنانيون كحجّة ليرفعوا المسؤولية عنهم في قضايا الفساد، التي لطّخوا أيديهم وضمائرهم فيها. ولأننا في عصر الميديا الرقمية، أتت النتائج وخيمةً، فأصبح كلّ من يحمل في قلبه حقداً وغيظاً، يصوّب بكلامه نحو اللاجئ/ ة السوريّ/ ة، محمِّلًا إيّاه/ ا عبء الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان!

لم تقتصر الكراهية على العنف اللفظي والإلكتروني تجاه اللاجئين السوريين، بل تفاقمت إلى ردّات فعلٍ مؤذية وغير مبرَّرة على أرض الواقع: الاستغلال، رفض المتقدِّم/ ة إلى عملٍ ما إذا كان/ ت من الجنسيّة السورية، الطرد من المنازل ومن النقل العام، وغيرها الكثير من الانتهاكات لحقوقهم/ نّ.

تشخيصٌ خاص، وتحليلٌ عميق، وملاحظةٌ مستمرّة، أمورٌ أفضت إلى استنتاجٍ خطير: هذه كلّها عوارض مرض قديم-جديد، يعاني منه بعض اللبنانيين، هو "رُهابُ اللاجئين"!.

لم تقتصر الكراهية على العنف اللفظي والإلكتروني تجاه اللاجئين السوريين، بل تفاقمت إلى ردّات فعلٍ مؤذية

والعلاج؟ بالمواجهة، بالانفتاح، بدعم الآراء البديلة، بنقل الحقيقة، وبشكلٍ أساسيّ، بمواجهة الإعلام الموجّه، ورفض خطاب الكراهية الذي ينقله، والتي تُفاقمه وسائل الإعلام الإلكترونية.

لذلك، أنا أكتب. أكتب لأخبركم/ نّ، بلسان بعض الشبان/ الشابات واللاجئين/ ات السوريين/ ات، واللبنانيين/ ات، قصصَ ألمٍ وأمل.

"بحثاً عن الأمان"

إذن الإقامة تأشيرةُ اللاجئ الذهبية في لبنان. من دونها، يظلّ هارباً من الحواجز، ومن الأماكن العامّة، ومن الناس ومن نفسه.

"بخاف أمرق على الحاجز، بخاف ياخدني هيدا الحاجز. بحسّ بعد شوي رح يقولولي، شرّف انزل"؛ بنبرةٍ حادّة ونظرةٍ شريدة، يستذكر محمد (رفض ذكر اسمه كاملاً كون إقامته غير قانونية)، وهو لاجئ سوري موجود في لبنان منذ العام 2014، الرعب الذي يعيشه عندما يمرّ بحاجزٍ أمنيّ في لبنان. ويضيف: "مع إني مش عامل شي، بس بضلّ خاف، لإني ربيت بنظام كتير بيخوّفنا من الأمن والشرطة والجيش".

محمد شابٌّ طموح يبلغ من العمر 23 سنةً، درس السينما والإخراج، ويكافح اليوم في لبنان من أجل رغيف الخبز، وتجديد الإقامة! يشاركُ خوفه خلال جلسة نقاشٍ آمنة في أحد مقاهي بيروت، في حضور رفاقه ورفيقاته. والصدمة كانت، أنّ هذا الألم النفسيّ الذي يعيشه، يتشاركه معه الكثير من اللاجئين/ ات الشبان/ الشابات، وخاصةً أولئك الذين لا يملكون إذن إقامة رسميّ في لبنان.

"أنا هربت إلى لبنان خوفاً من أن يقتلوني في سوريا بعد تدمير منزلنا، وأريد أن أكمل دراستي الجامعيّة هنا، لكنّ الشروط التعجيزية للحصول على إذن الإقامة، والتي من بينها التسجيل في الجامعة، تمنعني من ذلك"؛ تتحدّث شهد (24 سنةً، رفضت ذكر اسمها الكامل)، بحسرة عن معاناتها كلاجئة شابة تسكن في لبنان منذ العام 2018، وتضيف: "لم أكن بوعيي الكامل لأجلب معي شهادات دراستي. أنا أريد أن أكمل دراستي الجامعيّة وأن يكون لي مستقبل جيّد.".

بعد محاولاتٍ عدّة، تمكّنت شهد من الحصول على أوراق شهاداتها منذ الصف السابع حتى الصف الثاني عشر، وفق ما تشترط الدولة اللبنانية. قصدت وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان لتبدأ بتحصيل حقّها، لكنّها صُدمت بواقعٍ مرير: "كان بعض الموظفين ينظرون إليّ باحتقار، وشكّكوا في صلاحية وحقيقة أوراقي، فشعرت بالخذلان"، تقول.

لم تستسلم شهد وحاولت توكيل محامٍ لكي يساعدها، إلّا أنّ الأخير طلب مبلغ 6،000 دولار أميركي بدل أتعابه، وهو رقمٌ خياليّ يستحيل على شهد تأمينه، هي التي تحاول يوميّاً، بكلّ ما لديها من طاقة، أن تحصّل أبسط احتياجاتها الحياتية.

تُنهي شهد بنبرة حادّة، تختلط فيها سِمات التمرّد والأسى، حديثها قائلةً: "تعبت نفسيّاً من المحاولة. أنا لاجئة، ليش بدّي أعمل إقامة؟ ارحمونا!"

شهد، المُقيمةُ جسداً في لبنان، والمحرومة من الإقامة قانونيّاً فيه، والهاربةُ من حرب البنادق والمدافع، إلى الحرب النفسيّة، لا ذنب لها إلّا أنّها لجأت إلى لبنان. آثار أقدامها على طرقات بيروت كفيلةٌ بتوصيف معاناتها، فهي تتفادى ارتياد النقل العام، فارّةً من خوفها من أن تتعرّض للتوقيف على حاجزٍ ما. تُنهي شهد بنبرة حادّة، تختلط فيها سِمات التمرّد والأسى، حديثها قائلةً: "تعبت نفسيّاً من المحاولة. أنا لاجئة، ليش بدّي أعمل إقامة؟ ارحمونا!".

رُعبُ الحواجز، ومعضلة الحصول على إذن للإقامة أو تجديده في لبنان، والحرمان من التعليم والعمل، هذه فقط، بعض المخاوف والمشكلات التي يعاني منها اللاجئون/ ات، فما بالكم بالغريق والحريق والبرد والمرض؟ ومع ذلك، لا يزال بعض اللبنانيين يسألون: "ليش ما بتفلّوا؟".

لماذا لا يعودون إلى بلدهم؟

يرفض لؤي العودة إلى سوريا، قائلاً: "لا عودة آمنةً، لذلك لا أريد أن أعود. أنا إنسان لا عنفي، أنا إنسان سلمي. إذا عدت، أنا مجبرٌ على تنفيذ الخدمة الإلزامية في الجيش وتالياً القتال".

وإجابةً عن السؤال نفسه، يقول محمد خيت (25 عاماً)، وهو شابٌ سوري لجأ إلى لبنان قبل سبع سنوات: "أنا لم أهرب إلى لبنان بقرارٍ طوعيّ. أنا أتيت لأنّه لم يكن هناك خيار آخر أمامي. هربت من الحرب. وعودتي اليوم إلى سوريا لن تكون كما يتوقّع البعض. فالعودة مؤلمة، ولا شيء يضمن بقائي بأمان هناك، وتصرّفي بحريّة". وعن إمكانيّة الانتقال للعيش في بلدٍ آخر غير لبنان، يقول: "لو كانت لديّ فرصة للخروج من لبنان إلى بلدٍ آخر غير سوريا، لما تخلّيت عنها".

محمد خيت، من أكثر اللاجئين السوريين الذين يعملون على كسر الصور النمطيّة تجاه اللاجئين بمختلف جنسيّاتهم في منطقة البقاع الأوسط. هو ناشطٌ اجتماعي، ومتطوّعٌ في أكثر من مبادرةٍ ضمن جمعيّاتٍ مختلفة في لبنان، تهدف إلى بناء السلام. وبعد تلقّي تدريبٍ لمدة 6 أشهرٍ مع جمعية بيتنا سوريا، تمكّن هو وزملاؤه المشاركون في البقاع، من القيام بتدريب 40 شاباً وشابةً، من الجنسيات اللبنانية والسورية والفلسطينية، وارتكزت التدريبات على تقبّل الآخر وتقبّل الذات والحدّ من العنف.

التدريبات وفرص التطوّع الدامجة للجنسيّة اللبنانية مع الجنسيّة السورية كان لها تأثير إيجابي كبير عليّ، فأنا تخلّصت من الصورة النمطيّة الراسخة في رأسي عن اللاجئين السوريين

لاقت هذه التدريبات نتائج إيجابيّةً، بحسب محمد. يقول: "كان شعارنا الأساسي: اختلاف وليس خلافاً. فبعد أن لاحظنا ارتفاع حدّة خطاب الكراهية ضدّ اللاجئين السوريين وخاصّةً خلال أزمة انقطاع الخبز، قرّرنا أن نساهم في كسر الصور النمطيّة المتداولة عن السوريين في لبنان"، ويشرح محمد: "لقد حاولنا اعتماد أساليب عفويّةً في التدريب، بحثاً عن الروابط المشتركة بين المتدرّبين، وتسهيلاً لعملية التواصل بينهم". ويُضيف: "مثلاً من الأساليب التي اعتُمدت في التدريب، الاستماع إلى الأغاني التي يحبها الجميع، مثل أغاني فيروز".

يتحدّث محمد عن أثر هذه التدريبات على المشاركين، وعيونه تشعّ بالأمل، فهو يسعى إلى تحقيق السلام وتعميم المحبة والأمان. وهنا يستذكر روح التعايش والتعاون التي كانت سابقاً تجمع اللبنانيين مع السوريين في المنطقة، متأسّفاً على الوضع الحاليّ المشحون بالكراهية.

كسر الصور النمطيّة

"في كلّ مرّة أستمع إلى قصة أحد اللاجئين، أشعر بأنني أريد أن أقدّم لهم المساعدة من قلبي"؛ هكذا تختصر ماري صالح شعورها تجاه اللاجئين.

ماري شابة عشرينية وناشطة لبنانية في مجال حقوق الإنسان، دائماً ما تتطوّع في جمعيّات وتشارك في مشاريع تهدف إلى تحقيق السلام. كانت تنظر إلى السوريين بدونيّة، قبل اندماجها في العمل الاجتماعي، وملاحظتها الميدانية لحقيقة الأمور. فقد كانت تعدّهم جاهلين، وغير معلّمين، وأقلّ شأناً من اللبنانيين. لكن هذه النظرة تغيّرت كلّياً بعدما تعرّفت إلى شريحة كبيرة من اللاجئين السوريين خلال التدريبات وفي أماكن العمل الدامجة.

كتبتُ لأنّ الكره يستنفد إنسانيتنا، ولا يولّدُ إلّا النزاعات

لدى ماري اليوم أصدقاء وصديقات مقرّبون/ ات، من الجنسية السورية. تعترف بأنّها تشعر أحياناً بأنّهم أفضل منها علماً ومعرفةً، وتؤكّد أنّ "التدريبات وفرص التطوّع الدامجة للجنسيّة اللبنانية مع الجنسيّة السورية كان لها تأثير إيجابي كبير عليّ، فأنا تخلّصت من الصورة النمطيّة الراسخة في رأسي عن اللاجئين السوريين". وتضيف: "أنا فخورة بأنّ أكثرية الشباب السوريين الذين أعرفهم يطوّرون من معلوماتهم ومهاراتهم باستمرار كما أنّ بعض الطفلات والشابات السوريات اللواتي أعرفهنّ من خلال التدريبات رفضن الزواج المبكر كنتيجة للنقاشات التي نجريها وحملات التوعية التي نحضرها معاً".

لم تكن ماري فقط متلقّيةً لهذا التغيير، بل حاولت نقله إلى مجتمعها، فأنشأت مع أصدقائها مركزاً في بعلبك، خصّصته كمساحة آمنة لجمع الشبان والشابات من مختلف الجنسيّات، ليتشاركوا هناك كل مشاعرهم وقصصهم بصدقٍ وحرّية وأمان.

كتبتُ من أجلهم

كتبتُ لأنّ الكره يستنفد إنسانيتنا، ولا يولّدُ إلّا النزاعات. كتبتُ لأقول: رفقاً باللاجئات واللاجئين السوريين/ ات. فهُم لم يتولّوا قيادة الدولة اللبنانية لمدّة 30 سنةً، وليسوا هم الذين "خربوا البلد".

كانت هذه السطور تعبيراً عن صوتهم/ نّ المكتوم. كتبت عمّن داسوا على الكُرهِ فنبتَ مكانه الأمل، وعن آخرين يعيشون حرباً نفسيّةً، يصارعون فيها من أجل الأمان، بكلّ جوارحهم.

كتبتُ من أجلهم كلِّهم. من أجل المحبة. من أجل السلام. وليتَ السطور تتّسِع لكلِّ قصصهم التي أسمعها وأشهدها.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image