يُعتبر أفراد مجتمع الميم-عين من أكثر الفئات المهمشة والضعيفة في لبنان، فهم يتعرضون لقدر كبير من التمييز المنهجي وسوء المعاملة في المنزل، كما في مختلف نواحي الحياة العامة، بما في ذلك من جهة النظام القضائي والقانوني.
وفي هذا الإطار، أجرينا في منظمة Legal Action Worldwide (LAW) استطلاعاً* شمل أكثر من 150 فرداً من مجتمع الميم-عين ممَّن تعرضوا للتمييز والمعاملة السيئة لمعرفة كيفية تعاطيهم مع نظام العدالة القانونية في لبنان. ومع أن النتائج كانت مثيرة للاستغراب والقلق في آن واحد، إلا أنها قدّمت فكرة عما يمكن فعله لتحسين النظام القضائي حتى يتمكن من دعم حقوق واحتياجات مجتمع بأمسّ الحاجة إلى الحماية والتمثيل على الصعيد القانوني.
ويعني مصطلح "مجتمع الميم-عين" المثليات والمثليين ومزدوجي ومزدوجات الميل الجنسي والعابرين والعابرات جنسياً وحاملي وحاملات صفات الجنسين وثنائيي وثنائيات الجنس، ويشمل جميع الأشخاص الذين لديهم جنس أو نوع اجتماعي غير معياري.
أولّ ما خرج به الاستطلاع هو أن نسبة المشاركين الذين أفادوا بأنهم عزفوا لأسباب عدة متنوعة عن طلب المساعدة القانونية بعد تعرضهم للتمييز و/أو سوء المعاملة بلغت 80%، متحمّلين بذلك وزر الجريمة المرتكبة بحقهم من دون أي وصول إلى العدالة وسبل الانتصاف.
يتوانى كثيرون من أفراد مجتمع الميم-عين عن طلب الدعم القانوني خوفاً من أي تداعيات وردود فعل عكسية محتملة. ما يخيفهم عادةً هو توجيه التهم لهم واعتقالهم بموجب المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني التي تحظر "كل مجامعة على خلاف الطبيعة" والتي تستعين بها الأجهزة الأمنية غالباً لتوجيه التهم لأفراد مجتمع الميم-عين وممارسة التمييز ضدهم.
وعلى الرغم من عدم إلغاء هذه المادة ومن إثارتها في بعض الأحيان، تصبّ الاجتهادات القضائية اللبنانية في مصلحة أفراد مجتمع الميم-عين مراعيةً القانون الدولي لحقوق الإنسان فتحميهم من الملاحقات القانونية، وهو أمر لا يعرفه جميع أفراد مجتمع الميم-عين.
وإحدى الصعوبات التي تواجهها هذه الفئة هي إيجاد محامٍ مناسب مستعد لتقديم المساعدة القانونية. فمن جهة، غالباً ما يتأثر المحامون بالعوامل الدينية والسياسية ويمارسون التمييز ضد الموكلين بناءً على هويتهم الجندرية أو توجههم الجنسي بحسب ما أفاد به المشاركون/ات في الاستطلاع. ومن جهة أخرى، يرفض بعض المحامين تولي قضايا متعلقة بأفراد مجتمع الميم-عين خوفاً من "تلطيخ" سمعتهم، حتى وإنْ كانوا متسامحين ومتقبلين للأمر وفقاً لما أفاد به بعض المحامين/ات في نقاشات متعددة.
وأكثر من ذلك، يسعى أفراد مجتمع الميم-عين إلى تجنب النظام القضائي لسجله الحافل بالإهمال والتمييز. فقد أدلى عدد من أفراد مجتمع الميم-عين لمنظمة LAW بأنهم تعرضوا للتمييز من جانب الشرطة ومؤسسات النظام القانوني خلال سير الإجراءات القانونية، وحصل ذلك إما لفظياً أو من خلال فرض بعض التدابير مثل اعتقالهم بسبب هويتهم الجنسية فحسب لا بسبب تهم جنائية ثابتة. ويؤكد هذا على فكرة الخوف من الاعتقال الذي يعتري الناجين/ الناجيات عند طلبهم الحماية القانونية.
"يتوانى كثيرون من أفراد مجتمع الميم-عين (في لبنان) عن طلب الدعم القانوني خوفاً من أي تداعيات وردود فعل عكسية محتملة. ما يخيفهم عادةً هو توجيه التهم لهم واعتقالهم بموجب المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني التي تحظر ‘كل مجامعة على خلاف الطبيعة’"
ومن الأمثلة على التدابير التمييزية التي تتخذها الشرطة احتجاز النساء العابرات جنسياً في أماكن احتجاز الرجال لا النساء بحجة أنه يجب التقيّد بالجنس المذكور في بطاقة الهوية لا الاستناد إلى جنسهم الفعلي. وأيضاً، يمارس القضاء التمييز في القضايا المتعلقة بمجتمع الميم-عين، فيتصرف القضاة استناداً إلى تفسيراتهم الخاصة ومعرفتهم المحدودة وأحكامهم الشخصية ويصدرون قراراتهم على أساسها.
ليس من المستغرب أن يواجه أفراد مجتمع الميم-عين الذين يتعرضون للتمييز وسوء المعاملة في أغلب الأحيان عقبات تتعلق بالصحة النفسية وتداعيات نفسية نتيجة الوصول المحدود إلى الخدمات ذات الصلة. وبالرجوع إلى الاستطلاع الذي أجرته LAW مع أفراد مجتمع الميم-عين، تبيّن أن نسبة كبيرة من المشاركين، بلغت 71%، إما شعروا بالقلق أو بالتوتر نتيجة تعرضهم للتمييز وسوء المعاملة وتأثُر رفاههم وصحتهم النفسية، في حين شعرت نسبة 53% بالاكتئاب و52% بالعزلة و44% باليأس. والأمر الذي يثير القلق هو أن ربع المشاركين في الاستطلاع عبّروا أيضاً عن رغبتهم في الانتحار و/أو عن محاولتهم الانتحار.
"من الأمثلة على التدابير التمييزية التي تتخذها الشرطة احتجاز النساء العابرات جنسياً في أماكن احتجاز الرجال لا النساء بحجة أنه يجب التقيّد بالجنس المذكور في بطاقة الهوية لا الاستناد إلى جنسهم الفعلي"
ومن الأسباب الأخرى التي تعوق وصول أفراد مجتمع الميم-عين إلى العدالة هو الموارد المالية المحدودة، بحسب إفادة نسبة 42% من المشاركين. فغالباً ما يجد كثيرون الرسوم القانونية، بما في ذلك أتعاب المحامي، مرتفعة، لا سيما خلال الأزمة الاقتصادية الحالية، ومن هنا يصعب على الكثير من أفراد مجتمع الميم-عين تأمين التكاليف، ما يحول دون سلوكهم المسارات القانونية.
وبالنظر إلى ما ورد آنفاً وآخر التطورات التي تشهد على ازدياد التمييز، ولا سيما قرار وزارة الداخلية بحظر التجمعات المؤيدة لمجتمع الميم-عين واعتداءات جماعات دينية متطرفة عليهم، باتت الدعوات لزيادة الانفتاح والحدّ من التمييز في النظام القضائي أكثر ضرورة من أي وقت مضى لضمان المصلحة الفضلى لمجتمع الميم-عين. فمن المهم أن يصل كل فرد في المجتمع إلى العدالة عندما يتعرض للتمييز وسوء المعاملة، وهي خطوة أساسية في إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب في لبنان وتحسين النظام القضائي بشكل عام.
*نشرت منظمة Legal Action Worldwide مؤخراً تقريراً بعنوان "هويات مَخفيّة وحياة مدمرة وعدالة بعيدة المتناول: أشخاص من مجتمع الميم-عين في لبنان يعبّرون عن معاناتهم". يلقي التقرير الضوء على الصعوبات القانونية والاجتماعية التي يعاني منها أفراد مجتمع الميم-عين ويدعو إلى دمجهم في المجتمع بموجب القانون اللبناني. يمكن الحصول على التقرير عبر الرابط التالي: النسخة العربية والنسخة الإنكليزية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...