عبارات عنصرية على الجدران في الشوارع التي تشهد وجوداً سورياً كثيفاً، وآلاف التغريدات العنصرية، ونشرات أخبار ومواد صحافية لا تتوقف، وفيلم قصير يُعرض عبر يوتيوب تتجاوز مشاهداته النصف مليون مشاهدة خلال 24 ساعةً؛ هذا كله يدور حول فكرة واحدة: مهاجمة اللاجئين السوريين والدعوة إلى طردهم من تركيا بغض النظر عن مصيرهم أو الجهة التي سيرحلون إليها.
لا تٌعدّ هذه الحوادث فرديةً، بل هي نتاج لعشرات التراكمات منذ سنوات، بالإضافة إلى حالة الاستقطاب التي تعيشها تركيا في الوقت الحالي، والذي يبدو أنها ستستمرّ حتى نهاية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في صيف 2023. انتخابات هي الأصعب على حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ وصوله إلى السلطة في عام 2002.
آلاف التغريدات العنصرية، ونشرات أخبار ومواد صحافية لا تتوقف، وفيلم قصير يُعرض عبر يوتيوب؛ هذا كله يدور حول فكرة واحدة: الدعوة إلى اللاجئين السوريين
أدت هذه الهجمات العنصرية تجاه السوريين إلى صدور مجموعة من القرارات من قبل الحكومة التركية لترحيل أكثر من مليون سوري إلى "مناطق آمنة"، خلال فترة تتراوح بين 15 و20 شهراً، وهو ما يجعل السوريين يعيشون ضغوطاً كبيرةً بعد سنوات من المعيشة في تركيا، والشعور بالتهديد بخسارة الاستقرار المؤقت والجزئي الذي شعروا به، ومن هنا تبرز أسئلة عدة حول المشكلات الاجتماعية التي يشعر بها السوريون في تركيا وكيفية التعامل معها، وأهمها ما هو جذر هذا الصراع؟ وكيف يؤثر على اللاجئين؟ وهل يمكن مواجهته؟
جذور الصراع
يبدو أن الصراع بين اللاجئين ومستضيفيهم من الشعوب الأخرى، بصورته العامة، يتعلّق ببعض الأفكار القومية أو المصاعب الاقتصادية أو تلك المتعلقة بالاختلاف الديني أو المذهبي، وبقدر ما تبدو هذه الأسباب صحيحةً وواقعيةً إلا أن ما يُطلق عليه اصطلاحاً بـ"الصراع"، يذهب إلى حدود أعمق من ذلك.
يشرح أستاذ علم الاجتماع والباحث، طلال مصطفى، لرصيف22، جذور هذا الصراع بقوله إن "اللاجئين السوريين تحولوا إلى ورقة مساومة مع الاتحاد الأوروبي ويتم استخدامهم كورقة تنافسية بين الأحزاب السياسية التركية بهدف الاستقطاب الانتخابي".
يضيف: "الصورة النمطية السلبية المتداولة عن اللاجئين تعبّر عن آراء مبسطة جداً أو مواقف عاطفية ضخمتها وسائل التواصل الاجتماعي"، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أنه لا يُعفى بعض السوريين من تحمل المسؤولية، وخاصةً من أصحاب السلوكيات السلبية التي تعزز هذه الصور السلبية والنمطية عنهم.
حسب رأيه، "نتيجة ما سبق هو العيش في حالة صراع بين ثقافتين: ثقافة النحن السورية وثقافة الآخر، والميل إلى تفوق الأولى على حساب الثانية في جميع مناحي الحياة وخاصةً ما يتعلق بالنسق القيمي الديني، إذ يجد سوريون أنفسهم أكثر تديناً ومعرفةً بالجوانب الأخلاقية القيمية".
واحدة من أهم خطوات مواجهة العنصرية هي الحصول على توعية نفسية ودعم نفسي على مستوى الأسرة، والنقاش حول كيفية مواجهة هذه الظواهر والمشكلات، وإنشاء مشاريع دمج تعتمد على حق الاختلاف وتعدد الثقافات
وبناءً على ذلك، يرى مصطفى، أن "هذا الصراع الثقافي القيمي المتبادل يعود بجذوره تاريخياً إلى الصور النمطية المسبقة عن اللاجئين بالرغم من كل المحاولات والجهود المبذولة، إلا أن الكثير من شعوب العالم لديها صورة نمطية عن اللاجئين أغلبها سلبي ومنفّر للغاية، وكأنهم أشخاص محتشدون على الحدود بين الدول ويقيمون في الخيام في انتظار المساعدات من الحكومات. وبالرغم من أن هذه الصورة ربما تبدو صحيحةً قليلاً في بداية حياة اللجوء، إلا أن التجارب أثبتت أن النتيجة النهائية تذهب في اتجاه الاندماج والوصول إلى مراتب علمية وسياسية واقتصادية عليا، فأغلبيتهم أنشأوا مؤسسات اقتصادية وبحثية وعلمية في فترة قصيرة جداً".
كيف يتأثر اللاجئون؟
الحملة الأخيرة على السوريين هي الأضخم منذ بدء وصولهم إلى الأراضي التركية في نهاية عام 2012، ما دعا وزارة الداخلية التركية إلى الإعلان عن ملاحقتها لعشرات الحسابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإلقاء القبض على أصحابها، ورفع دعوى جنائية ضد سياسيين أتراك يهاجمون اللاجئين وينشرون معلومات كاذبةً، لمكافحة خطاب العنصرية.
وهذه الحملة ليست الأولى، إذ سبق أن شهدت ولايات تركية عدة اشتباكات بين سوريين وأتراك، كذلك شهدت وسائل التواصل الاجتماعي حملةً مماثلةً إبّان الانتخابات البلدية في عام 2019، والرئاسية في 2018، ولو بدرجة أقل قليلاً.
ويعيش في تركيا أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري، وفق أرقام مديرية الهجرة التركية.
الحملة الأخيرة على السوريين هي الأضخم منذ بدء وصولهم إلى تركيا، ما دعا وزارة الداخلية إلى ملاحقة عشرات الحسابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإلقاء القبض على أصحابها
ترى أستاذة علم الاجتماع، كبرياء الساعور، في حديث إلى رصيف22، أن "الهجمات العنصرية على السوريين تؤدي إلى تنامي عدم الشعور بالاستقرار الاجتماعي والنفسي للاجئين، وزيادة انغلاقهم على أنفسهم، كما يؤدي خطاب الكراهية الصادر عن الشريحة الرافضة لوجود اللاجئين في تركيا إلى الخوف من مواجهة المواقف العنصرية والتمييز ضدهم وهو ما يؤثر على اندماجهم وزيادة التوتر الاجتماعي بين السوريين والأتراك".
وتشير إلى الدراسات النفسية التي تؤكد أن التعرض للمواقف العنصرية يؤدي إلى آثار نفسية على المدى البعيد، وخاصةً لدى شريحة الأطفال والمراهقين، إذ إن التعرض المزمن لهذه الحالات والشعور الدائم بالتوتر والقلق ينعكسان بشكل سلبي على الصحة الجسدية والنفسية على حد سواء.
ويتعرض اللاجئون لحملة ضخمة من قبل المعارضة التركية، وينعكس هذا الأمر عليهم بشكل مباشر في جميع مناحي الحياة اليومية، بما فيها الصحة والتعليم، في ظل غياب شبه كامل من قبل المؤسسات السورية المعارضة بما فيها المجلس الإسلامي السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية (أكبر منظمتين سوريتين في تركيا من الناحية الأيديولوجية محسوبتين على الثورة السورية)، فيما سبق وأصدرت 71 منظمةً تركيةً وسوريةً بياناً مطلع العام الحالي، طالبت فيه بوقف خطاب الكراهية والعنصرية المتزايد ضد اللاجئين، كما طالبت الحكومة التركية باتخاذ تدابير أكثر فعاليةً للحد من هذا الخطاب.
سبل المواجهة
بالرغم من تعقيدات الموقف الحالي للاجئين السوريين في تركيا تحديداً، وخاصةً بعد القرارات الأخيرة التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمتعلقة بإعادة مليون سوري إلى مناطق آمنة وبنى تحتية واقتصادية لحياة جديدة لهم في الشمال السوري، إلا أن الفرصة ما تزال قائمةً لدى السوريين للتغيير ومواجهة الحملات العنصرية ضدهم.
وهذه المواجهة لا تأتي عبر البيانات والشجب والاستنكار (بالرغم مما تحمله من أهمية)، بقدر ما ستكون نتيجة أفعال على الأرض على المستويين الضيق والواسع على حد سواء.
تؤكد الساعور، على أن "واحدةً من أهم الخطوات هي الحصول على توعية نفسية ودعم نفسي على مستوى الأسرة، والنقاش حول كيفية مواجهة هذه الظواهر والمشكلات"، مشيرةً إلى ضرورة وجود حلول على مستويات عدة، منها تجريم خطاب الكراهية والتمييز ضد اللاجئين، وإنشاء مشاريع دمج تعتمد على حق الاختلاف وتعدد الثقافات.
الصورة النمطية هي حصيلة ثقافة، وتغييرها يستدعي بناء ثقافة مغايرة تعيد تشكيل الموقف من الآخر، ويُمكن تنفيذ بعض الفعاليات المشتركة مع مواطني الدول المضيفة لسحب البساط من التيارات اليمينية المتطرفة
وتنص المادة 216 من قانون العقوبات التركي، على أنه "يُعاقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات من حرّض علانيةً شريحة من السكان ذات خصائص مختلفة من حيث الطبقة الاجتماعية أو العرق أو الدين أو المذهب أو المنطقة، على الكراهية والعداوة ضد شريحة أخرى من السكان، ما يتسبب بوجود خطر واضح ووشيك على السلامة العامة".
من جهته، يرى المصطفى أن الصورة النمطية هي حصيلة ثقافة، وتغييرها يستدعي بناء ثقافة مغايرة تعيد تشكيل الموقف من الآخر، وتؤكد على أهمية التواصل معه. ويضيف: "يمكن تنفيذ بعض الفعاليات والأنشطة الاجتماعية والثقافية والإعلامية المشتركة مع مواطني الدول المضيفة لسحب البساط من بعض التيارات السياسية اليمينية المتطرفة المعادية للّاجئين، وكذلك التركيز على بناء شخصية اللاجئ السوري الفاعلة والمتماسكة مهنياً واجتماعياً وثقافياً بعيداً عن الصورة التي تظهره كشخص خانع وخائف والاحتجاج على الصور النمطية المنشورة عبر وسائل الإعلام والرد عليها بلغة البلد المضيف".
يتحدث المصطفى عن ضرورة ابتعاد اللاجئين السوريين عن اختزال لجوئهم في بُعدٍ واحدٍ لا غير، وهو العلاقة مع الحزب الحاكم أو السلطة السياسية، بل التفاعل مع المكونات السياسية والاجتماعية كذلك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون