عاملة شابة في عشرينياتها، كانت تعمل في أحد القلاع الصناعية الكبرى في مصر، والتي تستخدم الجهد البدني في العمل لعدد كبير من الرجال والنساء. وبحكم صلة قرابتها بعائلتي، شاركت في مراسم زواجها، ووسط المفروشات البسيطة والمتواضعة لبيتها الذي شاركت وباقي نساء وتيات الاسرة في إعداده للسكن، كانت قطعة مميزة جداً ومرتفعة الثمن، سألنا جميعا عنها فأجابت أنها هدية من المصنع الذي تعمل به، أرسلوها مع زميلة لها في المصنع مع إخطار شفوي بإنهاء عملها لقرب زواجها. هذه القطعة، مثلت "مكافأة نهاية خدمتها" بشكل إجباري.
مع الغياب المتعمد لقوانين العمل ودور النقابات، لا توجد ضمانات للعمال في مواجهة أصحاب الأعمال، ما يعني غياب عقود العمل وسهولة مخالفة القوانين المانعة للتمييز، أو التي ترتِّب حقوقاً للعمال ومن بينهم النساء
سياسات عامة وأوضاع خاصة
وأمام اندهاشنا جميعاً من تلقيها الهادئ لهذا القرار، شرحت لنا أن هذا تقليد داخل المصنع، وأن الشابات المقبلات على الزواج يعلمن أن المصنع لا يعمل به سيدات متزوجات، وأنه بمجرد زواجهن يتم انهاء عملهن في المصنع مضيفة في تسليم واقتناع: "هم يعني هيستحملونا في أجازة جواز إجازة وضع وساعة رضاعة؟".
في حوار مع الأستاذ راجي أسعد أستاذ التخطيط والشؤون العامة بجامعة مينيسوتا، أشار الى أن القطاع الخاص في مصر لا يرحب بشكل خاص بالمرأة المتزوجة. وذلك مع تحول الدولة إلى إلقاء عبء اتشغيل بشكل متزايد على القطاع الخاص الذي يعاني انكماشاً متزايداً منذ العام 2014.
ومع غياب متعمد لقوانين العمل ودور النقابات، لا توجد ضمانات للعمال في مواجهة أصحاب الأعمال، ما يعني غياب عقود العمل وسهولة مخالفة القوانين المانعة للتمييز أو التي ترتب حقوقاً للعمال ومن بينهم النساء.
وبحسب دراسة أصدرها مركز حلول للسياسات البديلة (مؤسسة بحثية ضمن هيكل الجامعة الأمريكية في القاهرة)* حول العمل اللائق، فإن النساء هن الفئة التي تعاني بشكل أكبر من غياب العمل اللائق، حيث يميل أصحاب الأعمال إلى تشغيلهن بشكل مؤقت ومن دون عقود، وبأجور أقل ومن دون أية تامينات اجتماعية أو صحية فيما يوفرون هذه الميزات بشكل نسبي – وإن كان يقل كثيراً عما يفرضه القانون- ولكن للرجال.
في ظل هذه الأوضاع، تقل فرص النساء المتزوجات في العمل، وهذا يمثل عائقاً كبيراً أمام تشغيل النساء بشكل عام. ويأتي هذا ي إطار السياسات طويلة الأجل لتقليل التشغيل في القطاع العام، وهي سياسة عند وضعها لم تأخذ في اعتبارها تداعيات التنفيذ على النوع الاجتماعي.
في باب تشغيل النساء في مشروع القانون، لم نر طفرة حقيقة أو تغيرات جذرية تستجيب لسنوات طويلة من العمل على إرساء قواعد المساواة في الحقوق الاقتصادية للنساء
قانون تغيب عنه الضمانات
تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع مناقشات مجلس الشيوخ لمشروع قانون العمل الجديد، الذي استجابت الحكومة لمطالبات سحبه من البرلمان بعض اعتراضات عمالية حقوقية ونسوية واسعة النطاق.
في باب تشغيل النساء في مشروع القانون، لم نر طفرة حقيقة أو تغيرات جذرية تستجيب لسنوات طويلة من العمل على إرساء قواعد المساواة في الحقوق الاقتصادية للنساء. على العكس؛ أبقى المقترح على أوجه تمييز متعددة، حيث استمر حرمان العاملات بالزراعة البحتة والعاملات في مهام الخدمة والرعاية المنزلية من أي حقوق يضمنها باب تشغيل النساء في قانون العمل، خاصة فيما يتعلق بالحقوق الإنجابية والمساواة في الأجر ووجود عقود مكتوبة تضمن التوازن في علاقات العمل بين أصحاب العمل والعاملات.
أما المادة المستحدثة في القانون الجديد والتي تنص على أن "للعاملة الحق أن تنهي عقد العمل بسبب زواجها، أو حملها، أو إنجابها، على أن تخطر صاحب العمل كتابة برغبتها في ذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إبرام عقد الزواج، أو ثبوت الحمل، أو من تاريخ الوضع بحسب الأحوال، مع مراعاة ألا يؤثر ذلك على الحقوق المقررة لها وفقاً لأحكام هذا القانون، أو لأحكام قانون التأمين الاجتماعي"، فهي تفتح الباب لأصحاب الأعمال للضغط والتحايل لانهاء علاقات العمل بموجب مستجدات تحت زعم اختيارات النساء لحياتهن الشخصية.
رغم أهمية أدوار الرعاية في بناء المجتمع، إلا أن النساء القائمات بها لا يلقين الاحترام والتقدير الكافي داخل الأسرة أو خارجها، ولا يترتب عليه أي حقوق مالية أو تأمينية، مما ينعكس على الاستقلال والأمان الاقتصادي للنساء، ويعطل بشكل مباشر حياتهن المهنية
الرعاية... عمل من دون أجر
تناولت الكثير من الأدبيات اليسارية والنسوية مسألة إلقاء أعباء الرعاية والعمل المنزلي على النساء، وتأثير هذه الأعباء على تواجد النساء في سوق العمل، حيث ترصد المقالات والتقارير أن خروج النساء لسوق العمل وما تبعه من مشاركتهن في الأعباء المادية للإنفاق على الأسرة، لم تعفيهن من أعباء العمل المنزلي غير مدفوع الأجر. وبالتالي أضيف العمل خارج المنزل إلى أعباء العمل المنزلي ليكون تهديداً دائماً لصحة النساء وقدرتهن على الإسهام في سوق العمل بشكل طبيعي.
تؤكد ذلك دراسات متعددة، منها الورقة البحثية: "المرأة في سوق العمل مدفوع الأجر في مصر" للباحثة حنان نظير، والتي وجدت أن 45% من عينة البحث يعتقدن أن المرأة المصرية غير قادرة على إيجاد توازن بين العمل مدفوع الأجر والأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر ورعاية الأسرة. وتدفعهن العادات والتقاليد ومطاردة المجتمع إلى تقييم أنفسهن وفقاً لهذه الأدوار، إلى جانب ما يتعرضن له من اتهامات متواصلة بالتقصير، ما يدفع كثيرات منهن إلى اختيار البقاء في المنزل والتفرغ لرعاية الأبناء وكبار السن، بل والحيوانات والطيور أيضا خاصة في الريف.
ورغم أهمية أدوار الرعاية في بناء المجتمع إلا أنها لا تلقى الاحترام والتقدير الكافي داخل الأسرة أو خارجها، ولا يترتب عليه أي حقوق ائتمانية أو تأمينية، مما ينعكس على الاستقلال والأمان الاقتصادي للنساء، ويعطل بشكل مباشر حياتهن المهنية.
القضاء والاعتداء على النساء
"المحكمة تستخدم الرأفة مع مدير مدرسة هتك عرض معلمة: ليعود مستقيما ومربيا للأجيال"
تحت تنويعات على هذا العنوان، نشرت صحف مصرية حيثيات حكم محكمة جنايات الجيزة ضد أحد مديري المدارس، الذي استغل سلطته الوظيفية على معلمة متدربة في مدرسته فقام بملامسة جسدها وهو تصرف حسب التوصيف القانوني "جريمة هتك عرض"، وهددها وابتزها للحصول على رشوة جنسية منها.
تتعرض النساء بشكل مضاعف للعنف النفسي والجنسي في أماكن العمل، بسبب موازين القوى المختلة لصالح الرجال في المجتمع، مع صعوبة إثبات هذه الجرائم، وميل في سلك القضاء لتخفيف عقوبات المعتدين أو إعفائهم منها
قررت المحكمة أن يفلت مدير المدرسة صاحب الجريمة الجنسية بفعلته ويعود إلى المدرسة من دون عقاب ليواصل ما فعله بحق اخريات، على الرغم من اعترافه وثبوت فعله بشهادة الشهود وتحريات المباحث، ومع ذلك تم تخفيف الحكم باستخدام المادة 17 من قانون العقوبات والتي تعطي للقاضي صلاحيات واسعة لتخفيف العقوبات من خلال "السلطة التقديرية".
وهي السلطة التي تستخدم بشكل واسع في إعفاء الرجال من القعبا في جرائم الاعتداء البدني أو الجنسي على النساء.
وتتعرض النساء بشكل مضاعف للعنف النفسي والجنسي في أماكن العمل، بسبب موازين القوى المختلة لصالح الرجال في المجتمع، مع صعوبة إثبات هذه الجرائم، حيث يتمتع مكان العمل عادة بخصوصية ويكون المتهم حريص على عدم وجود شهود أو وسيلة إثبات، وحتى في حالة وجود شهود لا يستطيع عادة الشهود للإدلاء بشهادتهم خوفا من انتقام صاحب العمل، وكثيرا ما تكون سيطرة الشخص المتحرش أو المعنف ممتدة للسيطرة على كاميرات المراقبة أو المسئول عنها لمحو أي أثر لجريمة التحرش أو العنف ضد العاملات.
ورغم توقيع مصر على الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية النساء من العنف في أماكن العمل إلا أننا في انتظار التصديق على هذه الاتفاقية لتصبح جزء من التشريع الوطني الرسمي ويصبح على مصر التزام دولي بمواءمة قانون العمل والقوانين الوطنية مع مواد الاتفاق.
وتعتبر هذه الاتفاقية أن العنف في أماكن العمل يشمل الطريق من والى مكان العمل سواء تم هذا باستخدام وسائل مواصلات خاصة بجهة العمل أو وسائل مواصلات عامة، وقد تعاني الكثيرات من العنف في وسائل وطرق المواصلات خاصة من يعملن في ظروف عمل صعبة أو تضطرهن ظروفهن للعمل ليلاً.
مؤخراً تعرضت إحدى الممرضات للاغتصاب من قبل شقيقين حيث اختطفاها بعد استقلالها سيارة أحدهما لتستطيع اللحاق بموعد عملها في المستشفى، وتعرضت للتهديد بالسلاح الأبيض من شقيقه وتناوبا الاغتصاب عليها بعد إحداث عدة لإصابات بها. لم يكن هذا ليحدث لوكان هناك إلزام لأصحاب الأعمال ببنود الاتفاقات الدولية لحقوق العمال التي وقعت عليها مصر، والتي تلزم صاحب العمل بتوفير وسيلة آمنة لنقل العاملين والعاملات من وإلى أماكن العمل.
تشكل كل هذه العقبات بجانب وجود إشكاليات اقتصادية عامة يعاني منها سوق العمل ويتقلص فيه فرص العمل بشكل عام، أسباباً اضافية لحرمان النساء من حقهن في العمل، وتؤثر بشكل مباشر على استقلالهن الاقتصادي ومساهماتهن في الاقتصاد الوطني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 16 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 16 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت