تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.
لم تتغير بعد نظرة المجتمع المغربي إلى موضوع المثلية الجنسية، ولا يزال المجتمع الكويري في المغرب يعاني من النظرة الدونية التي تعمّق إحساس الأفراد بالذنب والنقص. لكن الأمر لا يستقرّ عند هذا الحد وحسب، بل يتجاوزه إلى المعاقبة القانونية على الميول الجنسية، ومحاولات متكررة إلى اليوم لصدّ كل الحركات الحقوقية المناهضة لما يعيشه مجتمع الميم-عين من تجاوزات تمسّ بحقوقهم كبشر، وذلك بموجب القانون كما الأعراف وسلسلة التقاليد المجتمعية.
انتقائية صريحة لحقوق الإنسان
تعاني مجموعة من الجمعيات التي تحمل قضية الدفاع عن حقوق الأقليات الجنسية في المغرب، من الرفض من قبل وزارة الداخلية المغربية، من خلال عدم منحها الترخيص الذي يسمح بتمتعها بإطار قانوني يحميها ويرخص لها ممارسة أنشطتها وغيرها من الامتيازات، التي تُعدّ حقاً دستورياً.
كانت جمعية "أقليات" لمناهضة التجريم والتمييز ضد الأقليات الجنسية والدينية، أول جمعية في المغرب تسلّط الضوء على هذا الإشكال عندما تم منعها من الحصول على الترخيص أو حتى الوصل المؤقت، برغم عقدها جمعيتها التأسيسية في كانون الأول/ ديسمبر 2016، إذ كشفت الجمعية أن وزارة الداخلية رفضت منحها وصل الإيداع وتسلّم وثائق تأسيس الجمعية.
لم يستسلم المدافعون/ ات الكوير في المغرب برغم التضييق القانوني والمجتمعي الممارس عليهم/ نّ، حيث استمرت الجمعيات في العمل في صمت من دون تراخيص من وزارة الداخلية، واختارت الترافع عبر منصات التواصل الاجتماعي التي توفر قدراً لا بأس به من الحرية
وقد سبق لـ"أقليات" أن عبّرت في بيان لها، بُعيد إعلان تأسيسها، أن أعضاءها يواجهون مجموعةً من الممارسات المستفزة وغير القانونية من طرف رجال السلطة، وهو الموقف الذي دفعها إلى التشديد على "تشبثنا بحقنا في التنظيم وتأسيس جمعيتنا في إطار القانون"، خاصةً بعدما اختارت الجمعية الانتقال إلى العمل القانوني من العالم الافتراضي الذي كانت تشتغل فيه تحت يافطة "أقليات لمناهضة التجريم والتمييز ضد الأقليات الجنسية والدينية".
وفي حوار سابق لمؤسس جمعية أقليات طارق الناجي، قال إن "قرار الرفض جاء بحجة أن الجمعية لم تعلن عن نيتها في التأسيس طبقاً لمقتضيات الفصل الثالث من قانون تأسيس الجمعيات". وبرغم محاولاته لتقديم إيضاحات معززة بالوثائق، رفض الوالي هذه الإيضاحات، و"قام بدفعه بقوة من الخلف، وطرده من المكتب" حسب ما قال.
انطلاقاً من الفصل الثالث من القانون المنظِّم للحق في تأسيس الجمعيات في المغرب، الذي ينص على أن "كل جمعية تؤسس لغاية أو لهدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو قد تهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعو إلى كافة أشكال التمييز تكون باطلةً"، فإن البلد لا يسمح بتأسيس جمعيات تدافع عن حقوق مجتمع الميم-عين في المغرب، ويستبطئ ترخيص الداخلية المغربية قبل إعلانها الرفض وذلك لمجموعة من الاعتبارات، حيث تختلف الحجج كل مرة.
في حديثه إلى رصيف22، يوضح المحامي في هيئة الرباط، المهدي الودي اليزيدي: "تم نشر الظهير 58 الذي ينظم الحق في تأسيس الجمعيات، في الجريدة الرسمية سنة 1958، أي بعد استقلال المغرب بسنتين، وكان السياق المجتمعي آنذاك محافظاً ملكياً يستمد مرجعيته من الدين الإسلامي. إذاً حتى الدساتير الأولى للمغرب، تذهب في هذا السياق".
ويضيف اليزيدي أن "الظهير الذي يُضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات، يجعلنا نفهم أنه لا يمكن عدّه حقاً مطلقاً ولكنه مقيّد بمجموعة من الشروط أبرزها النظام العام، ومن خلال الفصل الثالث، يبدو لنا أن الدولة تقيّد هذا الحق عبر الرقابة التي تخوّلها لوزارة الداخلية، وذلك عبر التفويض للباشا والقايد والسلطات المحلية إلى آخره. في عملية البحث، تلقائياً تمارس وزارة الداخلية وصايةً في هذا الاطار، حيث كان من الممكن أن تكون هذه المسطرة مخولةً لوزارة الشباب والثقافة، على كونها مسؤولةً عن القطاع الجمعوي".
ويوضح: "الفصل الثالث يقول بصريح العبارة إن كل جمعية تؤسس لغاية مشروع يتنافى مع الآداب العامة، تكون باطلةً وعديمة المفعول، وهذا هو العذر الذي ترتكز عليه الدولة لتبرر قرار منع الجمعيات الممثلة لمجتمع الميم-عين المغربي، الشيء الذي يصور لنا انتقائيةً في حقوق الإنسان التي يتبناها المغرب ضارباً بعرض الحائط مبدأ الشمولية الذي يقوم عليه وعدم تجزئته حسب الأهواء".
ويختم المهدي الودي اليزيدي: "سقوط أي شرط من الفصل الثالث يجعل من تأسيس الجمعية غير ممكن، وتالياً فإن رفض منح التراخيص للجمعيات المدافعة عن حقوق الأقليات الجنسية في المغرب، راجعة لعدّ هذه الأخيرة تتنافى مع متطلبات هذا الفصل، فالقانون يستند إلى كون الدولة "دولةً اسلاميةً" بحسب دستور 2011، وبما أن الدين الاسلامي يُحرّم المثلية الجنسية والعبور الجندري وغيرهما، والقانون يجرّم هذه الممارسات، فهدف الجمعية يتعارض مع مرجعيات الدولة، ويتنافى مع مقتضيات الفصل الثالث من ظهير 58، وتالياً هذا الحق كما أشرنا مسبقاً هو حق نسبي في المغرب".
جمعيات حقوقية تواصل النضال في صمت
لم يستسلم المدافعون/ ات الكوير في المغرب برغم التضييق القانوني والمجتمعي الممارس عليهم/ نّ، حيث استمرت الجمعيات في العمل في صمت من دون تراخيص من وزارة الداخلية، واختارت الترافع عبر منصات التواصل الاجتماعي التي توفر قدراً لا بأس به من الحرية.
تأسست جمعية "نسويات"، المعنية بالدفاع عن حقوق النساء الكويريات والأشخاص العابرين/ ات جندرياً، في المغرب، ويكمن هدفها الجوهري في محاربة جميع أشكال وأنواع العنف والتمييز على أسس التوجه الجنسي والهوية الجندرية وكذلك العنف الممارس ضد الأقليات الجنسية التي يعدّونها "مهمشةً" في المغرب.
تقول إحدى مؤسسات "نسويات"، أميمة، لرصيف22، إنهم لا يتوفرون على إطار قانوني كما باقي الجمعيات أو التجمعات الممثلة لمجتمع الميم-عين في المغرب، وعليه، فإن تنظيمهم للفعاليات الخاصة بهم لا يأخذ منحى الجمعيات العادية نفسه في طلب الترخيص وتوفير الأمن خصوصاً، وتالياً في جل الأحيان إن لم نقل في أغلبها، يعملون من دون رخصة من السلطات، لأنهم لا يدخلون ضمن خانة الجمعية، بل الـ"مجموعات".
تتابع أميمة: "نحاول قدر الإمكان العثور على أماكن مؤمّنة لتنظيم لقاءاتنا ومختلف فعالياتنا. لم يسبق أن تعرضنا لأي هجوم او اعتداء لحسن الحظ، لكن أظن أنه في حال وقع الأمر سنتوجه أولاً إلى السلطات، لأنه من واجبها تجاهنا الدفاع عنا لأننا مواطنون/ ات كباقي المواطنين/ ات ولا نختلف عنهم في شيء".
وتضيف: "أما في ما يخص التدابير الاحترازية، فنعمل على تفادي نشر إعلانات فعالياتنا بشكل عمومي، ولا نقوم بدعوة إلا من نثق بهم/ نّ، أي نتفادى رهاب المثلية ما أمكن، لأن لا شيء يضمن لنا أننا لن نتعرض للاعتقال، ونتحول من ضحايا إلى جناة، لأن القانون المغربي يجرّم المثلية الجنسية والعبور الجندري، كما أننا لا نستطيع التمتع بحقنا المدني في تأسيس الجمعيات والتظاهرات كباقي أطياف المجتمع المدني المغربي، والأمر راجع إلى طبيعة القضية التي نحمل همّ النضال من أجلها".
العابرون/ ات جندرياً... عنف مؤسساتي وتملّص من المسؤولية
على مستوى آخر، ليس المنع أو التضييق القانوني، المظهر الوحيد الذي يمثّل عدم تحمّل الدولة للمسؤولية تجاه أفراد مجتمع الميم-عين في المغرب، بل إنها تتملص من تسوية وضعية العابرين/ ات القانونية، وهذا أيضاً انتهاك لحقوقهم/ نّ المدنية، وعليه تكون المرأة العابرة أكثر من غيرها مسلوبة القدرة على مزاولة حياتها اليومية بشكل اعتيادي، إذ إن تجريم المشرّع المغربي قضية العبور والتنوع الجندري عبر إدراجهما في باب الإخلال بالآداب والأخلاق العامة يعمّق هوة التمييز على أساس الميول الجنسية والهويات والتعبيرات الجندرية في المغرب.
تحدثت الناشطة النسوية، أنيا دحان، المهتمة بحقوق النساء العابرات جنسياً ومؤسسة منصة "لعيالات للمساواة الجندرية"، إلى رصيف22، قائلةً: "يجب عدم إغفال معاناة العابرين/ ات من غياب الهوية القانونية، حيث يضطرون إلى حمل بطاقة تعريف وطنية باسم ذكر وجنس ذكر طوال الوقت، وهذا بحد ذاته عنف مؤسساتي في حقهم/ نّ وانتهاك خطير لحقوقهم/ نّ المدنية".
وتضيف دحان: "إن وطأة غياب الهوية القانونية للنساء العابرات ذوات الدخل المحدود، تكون أشد من غيرهنّ، خصوصاً على مستوى البحث عن عمل أو سكن، لأنهن يضطررن إلى اختيار سكن مشترك مع الرجال في ظل غياب هوية قانونية تصرح بنوعهنّ الجندري الجديد، مما يعرضهنّ للتحرش والاغتصاب، أما على مستوى العمل، فلا تتوفر أي قوانين تأخذ بعين الاعتبار الخصائص والمحددات الخاصة بفئة النساء العابرات جنسياً، فضلاً عن كون سياسات الدولة المتعلقة بتطبيق مقاربة النوع الاجتماعي في التشغيل لا تأخذ بعين الاعتبار النساء العابرات".
"يجب عدم إغفال معاناة العابرين/ ات من غياب الهوية القانونية، حيث يضطرون إلى حمل بطاقة تعريف وطنية باسم ذكر وجنس ذكر طوال الوقت، وهذا بحد ذاته عنف مؤسساتي في حقهم/ نّ وانتهاك خطير لحقوقهم/ نّ المدنية"
وفي السياق نفسه، استرسلت دحان: "تملص الدولة من مسؤولياتها تجاه مجتمع الميم-عين في المغرب، يفاقم أوضاعهم المتردية، خاصةً على المستوى الصحي، الذي هو حق لجميع المواطنين من دون تمييز، فالنساء العابرات يعانين من غياب بروتوكول صحي gender affirmation therapy، كما هو معمول به في الدول التي تحترم حقوق الإنسان، فعلى وزارة الصحة توفير عبور هرموني آمن للنساء العابرات، وغياب العبور الهرموني والهوية القانونية للعابرات انتهاك صارخ للحق في الصحة والصحة الجنسية والإنجابية على وجه الخصوص، وكذلك الحق في التعريف والأمن، وهي حقوق أساسية مدنية المفروض أن الدستور يكفلها لجميع المواطنات والمواطنين".
وتختتم أنيا دحان: "على الدولة تكييف قوانينها وسياساتها الإقصائية للنساء العابرات مع روح الدستور الجديد، كما أن هذه الانتهاكات الحقوقية تدل بشكل صريح على عدم التزام الدولة المغربية بالتزاماتها الدولية بشكل عام خصوصاً ما يتعلق منها بمحاربة جميع أنواع التمييز ضد النساء والفتيات (سيداو)".
بين القوانين وتطبيقها، تُنتهك حقوق أفراد مجتمع الميم-عين المغربي من دون أن تكون لديهم القدرة على مقارعة ذلك قانونياً بسبب التضييق والنظرة المجتمعية الدونية.
هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...