شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
تقف وراءه أسباب اجتماعية والنظرة الدينية للمرأة... هوس الإيرانيات بعمليات التجميل

تقف وراءه أسباب اجتماعية والنظرة الدينية للمرأة... هوس الإيرانيات بعمليات التجميل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 25 نوفمبر 202012:09 م

الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة "کیهان" الإيرانية عدداً من فتاوي المرشد الإيراني علي خامنئي، كان أبرزها إجابته على سؤال عن جواز عمليات التجميل للنساء. جاء حكمه "بأنها جائزة إذا لم تلحق الضرر بالمريضة، ولكن يجب الانتباه إلى أن عمليات التجميل غير ضرورية وعليه فإن لمس أو رؤية الطبيب الرجل للمرأة المريضة غير جائزة".

على الرغم من أن الفتوى غير جديدة وموجودة على موقع المرشد منذ سنوات، إلا أن إعادة نشرها أحدثت ضجة جديدة حول الحريات في ظل النظام الديني الحاكم في طهران وحول تفشي عمليات التجميل في أوساط الشعب الإيراني، إلى درجة تشييء النساء.

وأغلب مراجع الدين في إيران، ومن ضمنهم آية الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، اعتبروا عمليات التجميل بحد ذاتها حلالاً، مستشكلين فقط على لمس الطبيب للمرأة ونظرته إلى جسدها.

أنفي عائق يثير الشفقة

"لم يتبقَّ في الشركة التي أعمل بها سوى أنا وسيدة أخرى لم نقم بعملية تجميل للأنف"، تقول لرصيف22 نسيم (26 عاماً)، وهي شابة إيرانية من مناصري الحركة النسوية، في سياق حديثها عن تفشّي ظاهرة عمليات التجميل بين الإيرانيات، وتضيف: "أسبابنا مختلفة، لكن نظرة الآخرين إلينا واحدة. هنالك نوع من الشفقة التي يشعرون بها تجاهنا كلما ذكرنا أنوفنا، وهنالك محاولات دائمة لإقناعي بتصغير أنفي".

نسيم وأخريات من النماذج القليلة في محيطهنّ لصاحبات الأنف العقابي الطويل اللواتي لم يجرين عمليات تجميل. فتيات كثيرات يقمن بعملية تجميل قبل دخول الجامعة، فالسن القانوني لإجراء هكذا عمليات هو 16 عاماً، وتكاليفها غير باهظة، ما يدفع أغلب العائلات إلى الموافقة على إجراء بناتهنّ عمليات تجميل للأنف، وركوب موجة الجمال الاصطناعي التي أغرقت البلاد.

ترى نسيم أنها جميلة وتحبّ جسدها ولا ترغب في تغييره وترفض على حد قولها "ضبط وجهي ضمن معايير القوالب الجاهزة للجمال الاصطناعي المنتشرة اليوم".

وتقول: "بالفعل، كثيرون من الشباب الإيرانيين يرغبون بشفاه منتفخة ومكياج صارخ ولا يرغبون بإقامة علاقة مع فتاة مثلي لم تنحت خدّيها، لكنّي سعيدة جداً لأن أغلب أصدقائي يفكرون مثلي وأقيم علاقة مع شاب يكره هذا التزييف في الجسد وأشعر بالفعل أنني مميزة هكذا كمان أنا".

في فتوى قديمة متجددة، اعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي أن عمليات التجميل للنساء "جائزة إذا لم تلحق الضرر بالمريضة، ولكن يجب الانتباه إلى أن عمليات التجميل غير ضرورية وعليه فإن لمس أو رؤية الطبيب الرجل للمرأة المريضة غير جائزة"

لم يخطر ببال ناهيد (49 عاماً) أن أنف ابنتها سيعيق خطوبتها. تقول لرصيف22: "أشعر بالندم لتأجيل عملية تجميل أنف ابنتي. أهل الخطيب قالوا لنا بوضوح إن عملية تجميل أنف ابنتي ستكون على حسابنا، وما ادّخرته من مال لا يكفي للعملية وجهاز عرسها معاً".

وتلتزم العائلات الإيرانية بتقاليد تجهيز العروس وتقديم هدايا إلى منزلها الجديد.

صدارة عالمية في عمليات التجميل

اقترن اسم إيران منذ سنوات بإحصاءات عمليات التجميل عالمياً، ولا سيما عمليات تجميل الأنف، فقد احتلت إيران المرتبة عشرين عالمياً عام 2017 في عموم عمليات التجميل، لكنها لا تزال تتصدر المراتب الأولى في عمليات تجميل الأنف.

الدراسات المحلية في إيران تشير إلى أن هوس عمليات التجميل يشمل الرجال والنساء، لكن نسبة إقبال النساء على عمليات التجميل أعلى. وبحسب دراسة ميدانية أجرتها الباحثة طاهرة ميرسادو، هنالك أسباب اجتماعية وراء انتشار هوس عمليات التجميل لدى السيدات في المجتمع الإيراني، كالزواج وإيجاد فرصة عمل أفضل والتطور في العمل وإرضاء المجتمع، إضافة إلى عدم وجود قوانين رادعة للحد من تنافس الأطباء في سوق عمليات التجميل.

شهد عهد الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني بروز مفاهيم جديدة للجمال في الشارع الإيراني، بالتزامن مع ظهور طبقة محدثي النعمة، فأصبحت بطلات الفيديو كليبات والأفلام الأمريكية التي كانت تُنسخ وتشاهد سراً حينذاك معياراً للجمال المطلوب بين أبناء المرفهين

يقول الباحث الإيراني أمين بزرغيان إن عهد الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني (1989-1997) شهد بروز مفاهيم جديدة للجمال في الشارع الإيراني، بالتزامن مع ظهور طبقة محدثي النعمة، فأصبحت بطلات الفيديو كليبات والأفلام الأمريكية التي كانت تُنسخ وتشاهد سراً حينذاك معياراً للجمال المطلوب بين أبناء المرفهين، ولتصبح بعد مدة لصاقة عملية تجميل الأنف رمزاً يميّز أنباء هذه الطبقة ويعكس رفاهيتهم.

لم تبقَ عمليات تجميل الأنف حكراً على طبقة المرفهين بل انتشرت بعد سنوات بين جميع طبقات المجتمع الإيراني حتى تلك الفقيرة، فمن الممكن اليوم مشاهدة عاملات من ذوي الدخل المحدود جداً في طهران يدّخرن من أجورهن لإجراء عملية تجميل.

زوجي مؤمن لكنه يرغب بصدر أكبر

تقول ناهيد (34 سنة) لرصيف22: "أنا وزوجي من عائلات محافِظة وزوجي متديّن جداً وملتزم بالعبادات والشعائر، ولكننا نواجه بعض المشاكل الجنسية، فأنا أمتلك صدراً صغيراً، رغم اتباعي حميات خاصة لتكبيره".

وتضيف: "في نهاية الأمر طلب منّي زوجي إجراء عملية تكبير صدر. في البداية رفضت لكنّي استشرت عائلتي واستفتينا أحد رجال الدين في المدينة فقال إن ذلك يجوز إذا كان بغرض الحلال".

ناهيد وأخريات من عائلات محافظة وملتزمة دينياً لا تمنعهن العباءة السوداء من التردد كثيراً على عيادات عمليات التجميل، فالوجه والجسد هي مساحاتهن الوحيدة لإبراز جمالهن.

كرّست الثورة الإسلامية في إيران مفهوم المرأة الزوجة المرضية لزوجها والملبية لاحتياجاته الجنسية، وبدل أن تكافح الموجة العالمية لتكريس الجمال الاصطناعي بين النساء وتشييئهنّ، حوّلت طهران إلى قطب عالمي في عمليات التجميل

ويشكّل السعي إلى تحسين نوعية العلاقات الجنسية وإرضاء الزوج سبباً رئيسياً لتوجّه كثيرات إلى عيادات التجميل. تروي الطبيبة فاطمة، صاحبة مركز تجميل في غرب العاصمة طهران، أن عملية تجميل الشفرين رائجة بين السيدات الإيرانيات من مختلف الأوساط الاجتماعية، وأنه لا يمكن أبداً القول إن هنالك شريحة محددة من السيدات يلجأن إلى هذا العمل، فتكبير الصدر والجراحات التجميلية المهبلية من العمليات الشائعة والأقل تكلفة مقارنة بتلك المعنية بالتنحيف ونحت الأفخاذ والبطن، ولذلك تلقى رواجاً أكثر.

كانت سياسات الجمهورية الإسلامية تجاه المرأة، بعد انتصار الثورة، مختلفة جداً عن تلك التي كانت سائدة في زمن الشاه. شهد العهد السابق حرية ارتداء المرأة ما تشاء من ملابس، وكانت الأبواب مفتوحة أمام دخول التصوّرات العالمية حول المرأة، وما فيها من تشييء لها.

وعندما جاءت الثورة الإسلامية، رفعت شعارات مناهضة لتشييء المرأة ورافضة لتسليعها لكن هذه الثورة نفسها لم تنتصر لشعاراتها بل غيّرت أطراف المعادلة فقط وبقي التشييء، فقد كرست مفهوم المرأة الزوجة المرضية لزوجها والملبية لاحتياجاته الجنسية، وبدل أن تكافح الموجة العالمية لتكريس الجمال الاصطناعي بين النساء، حوّلت طهران إلى قطب عالمي في عمليات التجميل.

على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة حول سوق عمليات التجميل في إيران، إلا أن وزارة الصحة کشفت سابقاً عن إجراء 300 عملية تجميل يومياً في العاصمة طهران فقط.

المجتمع الإيراني اليوم جزء من المجتمع الإنساني الذي غزته مفاهيم الجمال الاصطناعي، لكن ظروف هذا المجتمع الخاصة في ظل حكومة تفرض الحجاب وقواعد دينية صارمة، جعلت من نسائه خاصةً طعماً سهلاً لعمليات التجميل.

صار الوجه المنحوت تحت العباءات السوداء والشفاه المنتفخة مظهراً اعتيادياً للشابات المحافظات في إيران اللواتي لا يمكنهنّ إبراز مفاتنهنّ سوى من فتحات ضيّقة.

في الوقت ذاته، تشهد طهران موجات من انتشار النسويات اللواتي يرفضن الحجاب ويرفضن أيضاً قولبة أجساد النساء تحت مقصات عمليات التجميل. والمفارقة أن الأسر المتزمّتة هي المحرّك الأكبر لسوق عمليات التجميل من خلال تشجيعها بناتها على الحفاظ على الزوج والأسرة بأي ثمن.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard