شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ناطحات السحاب في بساتين الرمان... طهران في عيون الرحالة الأجانب

ناطحات السحاب في بساتين الرمان... طهران في عيون الرحالة الأجانب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

السبت 25 فبراير 202301:58 م

كانت طهران، قرية مجهولة في الجهة الشمالية من مدينة ري التاريخية، وكباقي القرى والأحياء التي تدور حول ري، شهدت طهران تطوراً مقبولاً، إلا أنها لم تكن حاضرة في المصادر والكتب عند بداية التاريخ الإسلامي. وهكذا استمر الحال حتى هجوم المغول على إيران.

دخلت طهران، عاصمة الإيرانيين اليوم في أمهات الكتب منذ القرن 11 الميلادي بشكل تدريجي، وكان سبب شهرتها كثافة بساتين الرمان فيها، وحين وصول الإلخانيين لسدة الحكم وهي دولة مغولية (1256-1335م)، عُرفت بخصوبة أراضيها الواسعة.

"طهران منطقة مرموقة. طقسها أجود من مدينة ري، إذ تتمتع أراضيها بخصوبة مكنت سكانها بوفرة النعم"، هذا ما جاء في كتاب نزهة القلوب للرحالة والجغرافي حمدالله مستوفي في القرن 14م.

أول رحالة غربي دخل طهران وتحدث عنها، هو كلافيجو المبعوث الخاص للملك الإسباني إلى تيمور لنك، ملك الإمبراطورية التيمورية في أفغانستان وإيران وآسيا الوسطى، ذلك في نهاية القرن 14 وبداية القرن 15م

نتطرق في هذه المادة عن مكانة طهران في وجهة نظر السياح والسفراء الذين دخلو تلك المدينة النائية التي أصبحت دار الخلافة الإيرانية في ما بعد، كي تتسنى لنا معرفة تاريخ تطوير وتنميتها من خلال أقوالهم.

السور الطهماسبي

أول رحالة غربي دخل طهران وتحدث عنها، هو كلافيجو المبعوث الخاص للملك الإسباني إلى تيمور لنك، ملك الإمبراطورية التيمورية في أفغانستان وإيران وآسيا الوسطى، ذلك في نهاية القرن 14 وبداية القرن 15. أقام الرحالة الإسباني ليلة في طهران وأشار عنها: "وصلت نهار يوم الأحد 6 من تموز/يوليو 140 إلى مدينة تسمى طهران".

وعند تأسيس الدولة الصفوية الشيعية في حلول القرن السادس عشر حتى منتصف القرن الثامن عشر، استعادت إيران شيئاً من مجدها القديم. ووفر الاستقرار السياسي فرصة لتنمية وتطوير البلاد. وفي عهد الشاه طهماسب الصفوي، امتلكت طهران برجاً وسوراً وسوقاً وجامعاً. وقد بنى الملك سوراً حول المدينة مما أثر في تطورها. ويعرف ذاك السور، بالسور الطهماسبي حيث يقع اليوم في قلب العاصمة طهران لما شهدته العاصمة الإيرانية من تنمية في حدودها الجغرافي.

الرحالة الإيطالي بيترو ديلا فاليه، زار إيران في سنة 1618، وذكر: "طهران مدينة كبيرة، تمتلك شوارعاً مليئة بأشجار الدلب مع أوارقها المكتضة. وعليه أن أقول أن في حياتي لم أرى هذه الكمية الكبيرة من الأشجار السميكة والجميلة. فإن جذع هذه الأشجار سميكة جداً ... لابد أن أسمي طهران بمدينة الدلب".

مدينة الدلب

مازال اللقب الذي أطلقه ديلا فاليه، على طهران يتذكره البعض ويستخدمه عند الحديث عنها، وتم ترجمة المصطلح الإيطالي إلى اللغة الفارسية تحت مسمى "جِنار ستان"، حيث "جِنار" اسم شجرة الدلب و"سْتَان"، المنطقة أو المدينة.

بعد سقوط الدولة الصفوية، دخلت طهران في حالة فوضى كباقي المدن الإيرانية، ومع إعلان الدولة القاجارية (1797- 1925)، باتت طهران عاصمة الإيرانيين.

عند حلول القرن التاسع عشر، يصف السير جون مالكوم، السفير البريطاني لدى إيران، "كانت رؤيتنا الأولى من طهران، العاصمة الحديثة الإيرانية، مثيرة للإعجاب، فطهران كانت تقع تحت سلسلة جبال البرز، الممتدة من أوروبا إلى آخر نقطة في آسيا".

أما الجنرال طرزال السفير الفرنسي في عهد نابليون لدى إيران، فقد اعتبر السور الطهماسبي في طهران متواضعاً بعد مرور عقود مديدة على إنشاءه، "إن حصن المدينة متوسط للغاية في رأي. ولا يوجد فيها مباني تظاهي المبناي الجميلة في مدينة أصفهان".

روسياً فقد زار الرسام الشهير إلكسيس سولتيكوف، طهران في سنة 1837، حيث ذكر أزقتها وممراتها الضيقة في مذكراته: "تتمتع طهران بطقس معتدل وسماء صافية. وحين حل الثلج، دمر أملي الأخير، فالعبور من أزقتها يتم بصعوبة، وأما الترحال إلى خارج المدينة في ظل هذه الأجواء يحتاج إلى قرار شجاع".

دار الخلافة

في عهد الملك ناصر الدين شاه القاجاري، والذي إمتد حتى خمسين عاماً، شهدت العاصمة تطوراً ملحوظاً من أربعة جهات. وتم إنشاء أسوار وخنادق جديدة وأخذت تشتهر بـ "دار الخلافة".

وحول الطلة الحديثة لدار الخلافة في إيران، شرح الدبلوماسي هاينريش كارل بروغش، الذي كان بمعية السفير الألماني في طهران، سنة 1859 "يحوط مدينة طهران التي تحتل لقب دار الخلافة، خندقاً بعمق 15 قدماً وعرض مايزيد على 20 قدماً، ولها 6 بوابات كبيرة. مساحتها نحو ثلاثة أرباع ميل ألماني، كما يقدر عدد سكانها بين 80 إلی 120 ألف نسمة. موقع السوق هو في وسط المدينة، كباقي المدن الشرقية والذي يشهد حركة الأهالي ونشاطهم. وتفتقر المدينة إلى المساحات الواسعة والدوارات الكبيرة".

وبعد زيارات ناصر الدين شاه إلى أوروبا، أمر الملك بإنشاء مباني على الطراز الغربي خاصة تلك التي ذاب في حبها بعاصمة الفرنسيين، ونُفذَ ما أمر به الشاه لتصبح تلك المباني المؤلفة من عدة طوابق من رموز طهران، ولكن هذا النمط من التنمية خلق الكثير من التناقضات الهيكلية.

يبيّن ذلك الدبلوماسي البريطاني اللورد جورج كرزون، سنة 1889: "حينما تدخل من البوابة يظهر جلياً أن البوابات تتمتع بأقواس عالية تزينها المئآذن والأبراج ولديها منظر ملفت للاهتمام من مسافة بعيدة، مما يثير الشغف والحماس لدى السياح حين دخولهم طهران ... في كل ممر تجد هناك تناقضات في المباني، والتي تخلق مظهراً جيداً أحياناً، وأحياناً أخرى تضم أضداداً مضحكة من المزج بين العمارة الشرقية والغربية ... إن إعمدة الإنارة التي تم تركيبها للغاز في الشوارع، وضع عليها مصابيح زيتية بشكل مؤقت وغير آمن، وبهذا قد سخروا من العالم المتحضر".

ومع موجة التحولات التي حدثت في العاصمة بإيعاز من ناصر الدين شاه، ولكن طهران مازالت تعاني من حيث التخطيط العمراني والبناء، وعن ذلك نجد في مذكرات الطبيب والرحالة البريطاني ويلسوثر ويلز، في 1870، "إن رؤية طهران يثير التأسف، خاصة عندما تنظر لها من خارج المدينة فإنه لا يصدق حقاً، حيث الشوارع الضيقة والبيوت مشيدة من طابق واحد، إذ مزيج من الطابور والطين أو الطين فحسب".

أما الرحالة الياباني سوزوكي شين جو، يخبرنا عن أوضاع العاصمة في عهد الشاه مظفر الدين ابن ناصر الدين، في نهاية القرن التاسع عشر، "سكان طهران هم 220 ألف نسمة، وهي أكبر المدن الإيرانية، يقع القصر الملكي في وسط المدينة وساحة المدفعية في شمالها، حيث حولها مباني مؤلفة من طابق واحد ذات لون سيء. كما أن في الجهتين من ساحة المدفعية هناك مباني على الطراز الغربي وهو المصرف الملكي".

زي غربي ومتسولين أكثر من إيطاليا

زاد تطور طهران في حلول القرن العشرين، "عند المشي في الشوارع، ومشاهدة زي المارة، يمكن فهم مدى اختراق الحضارة الأوروبية في حياة الإيرانيين، فالبعض يرتدي زياً غربياً بالكامل ... شوارع طهران مليئة بالمتسولين، وهم أسوأ بكثير من متسولي إيطاليا ... الأزقة والشوارع تكتض بالمقاهي والمطاعم الشعبية والباعة المتجولون الذين يحملون الحلويات والبضائع المحلية في أواني يضعونها على رؤوسهم ويصدحون بصوت عالٍ. تغسل النساء ملابسهن، ويغسل عمال المقاهي الأكواب والفناجين في الشوارع والأزقة"، قالتها دوروثي دوفارزي زوجة السفير البلجيكي في كتابها بعنوان "نظرة على إيران" في 1920.

في عهد السلالة البهلوية (1925- 1979)، والذي قام رضا شاه خلالها بتأسيس الدولة الإيرانية الحديثة على غرار جمهورية تركيا في عهد مصطفى أتاتورك، شهدت طهران سرعة فائقة في الحداثة، إذ ساهم في ذلك الكثير من المعماريين والمستشارين الأجانب.

عندما تولى محمد رضا شاه، مقاليد الحكم بدل والده، وتدفق أموال البترول والعلاقات الاستراتيجية مع أمريكا وأوروبا، قفزت العاصمة بتنميتها أكثر من أي وقت مضى، بيد أن ذلك حصل مع هدم الكثير من المعالم الأثرية الماضية

"من حوالي طهران هناك عدة بوابات كبيرة وجميلة وملونة بالبلاط القاشاني، وتتباهى طهران بها ... تغيرت الشوارع مؤخراً والمدينة في حال اكتساب وجهاً أوروبياً"، هذا ما قاله كازاما السفير الياباني عن طهران في مرحلة الحداثة عند سنة 1929.

وعندما تولى محمد رضا شاه، مقاليد الحكم بدل والده، وتدفق أموال البترول والعلاقات الاستراتيجية مع أمريكا وأوروبا، قفزت العاصمة بتنميتها أكثر من أي وقت مضى، بيد أن ذلك حصل مع هدم الكثير من المعالم الأثرية الماضية.

يعكس هذا التناقض الإيراني، نيكولا بوفير الكاتب والمصور السويسري في كتابه 1954، "في رأي الطهرانيين، إن طهران لم تعد تلك المدينة الجميلة، فللحداثة تم هدم الكثير من الزوايا الجميلة في البازار. واصطفت الشوارع دون التعريف بها، وقد خلعوا مداخل البوابات القديمة".

مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والانفجار السكاني، لم تكن طهران مدينة الدلب القديمة، أو دار الخلافة في عهد القاجاريين، فطهران باتت تضم ملايين السكان وتحولت إلى واحدة من المدن الكبرى عالمياً. وأما ناطحات السحاب فقد تزداد كل عام، وتنمو طهران يومياً باتجاه ما حتى تحولت ضواحيها إلى مناطق في داخلها، وهكذا تستحدث ضواحي جديدة لها. ولربما يمكن لسلسلة جبال ألبرز من جهتها الشمالية أن تقف حداً في وجه نموها المتصاعد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image