يروي أصحاب مقهى "عمارت يار" (تعني بالفارسية: مبنى الحبيب) حكاية مثيرة للاهتمام حول مبنى المقهى وهو منزل صغير، شُيّد على الطراز الإيراني الحديث في ثلاثة طوابق، يعود تاريخه إلى مطلع القرن الماضي، وقد تحول اليوم إلى أحد أشهر المقاهي في العاصمة طهران وأكثرها زحمة.
الحكاية الشائعة بين الناس، هو أن مبنى المقهى منزل فخر السلطنة، عمة ثريا إسفندياري، ثاني زوجات آخر شاه إيران محمد رضا بهلوي، وهو كان محلاً للقاء الشاه بحبيبته قبل الزواج، وقد أنشأت الحكومة آنذاك ممراً خاصاً خلف المنزل لتأمين سلامة الشاه عند حضوره للقاء ثريا. ومن أجل مكوثها فيه أشهراً، أطلق الشاه اسم ثريا على الشارع الذي ينتهي بمنزل عمتها فخر السلطنة.
تزوج آخر شاه إيران ثلاث مرات في حياته. زواجه الأولى كان عام 1939 وهو زواج سياسي مع فوزية بنت فؤاد الأول وشقيقة آخر ملوك مصر فاروق، وأنجب منها طفلة باسم شهناز، وتطلقا رسمياً في 1948، بعد سنوات من الانفصال.
دخلت ثريا الفاتنة ذات الثماني عشرة عاماً مع والديها إلى حفل خاص بالسفارة الإيرانية في لندن بحضور شقيقة الشاه، شمس. فرأتها شمس واختارتها زوجة لشاه إيران الأعزب
وتزوج الشاه للمرة الثانية بعد تعرّفه على الشابة ثريا إسفندياري في 1951، واشتهرت زوجته بلقب "الملكة ذات العينين الزمرديتين".
حياة ثريا
ولدت ثريا إسفندياري في 1932 في مدينة فارسان وسط إيران، ووالدها هو خليل بن إسفنديار خان، من عائلة سياسية ومناضلة ومن كبار البختياريين (قوم من الفرس)، وأمها ألمانية الأصول اسمها إيفا كارل.
حينما تفشى مرض الجدري في البلاد، قررت أسرة ثريا الهروب إلى ألمانيا، وكانت ثريا طفلة ذات ثمانية أشهر، وعادت إلى بلادها بعد خمس سنوات، فتعلمت الفارسية على يد معلم خاص ودرست في المدرسة الألمانية في مدينة أصفهان.
خلال الحرب العالمية الثانية وتعطيل المدارس الألمانية، التحقت بالمدرسة البريطانية وعندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها، ذهبت ثانية مع أسرتها نحو أوروبا وقطنت في سويسرا، وتعلمت الفرنسية كذلك، لتصبح ملمة بأربع لغات هي الفارسية والألمانية والإنجليزية والفرنسية.
دخلت ثريا الفاتنة ذات الثماني عشرة عاماً مع والديها إلى حفل خاص بالسفارة الإيرانية في لندن بحضور شقيقة الشاه، شمس. فرأتها شمس واختارتها زوجة لشاه إيران الأعزب أي شقيقها والذي كان في تلك الفترة في إيران، فوافق والدها خليل خان ووافقت هي كي تعود إلى طهران للقاء الشاه.
وتذكر ثريا في مذكراتها "قصر العزلة" أنها كانت تهوى التمثيل في السينما قبل زواجها، وقد اشترطت على والدها بأن إذا ما أعجب الشاه بها أو لم تعجب هي به، فليوافق على ذهابها إلى هوليوود.
وقع شاه إيران البلغ من العمر 32 عاماً بحب ثريا منذ اللقاء الأول، وكبر حب الشاه في قلب الصبية ليشتعل الغرام بينهما، وقررا اقامة حفلة الخطوبة في كانون الأول/ديسمبر 1950، بيد أن ثريا أصيبت بحمى التيفوئيد، وظلت طريحة الفراش بعض الوقت فتأجلت حفلة الخطوبة إلى من شباط/فبراير 1951.
قضى الزوجان عدة سنوات مليئة بالرومانسية، فكبرت قصة حبهما وتحققت أحلامهما، وذهبا معاً في عدة رحلات داخلية وخارجية، وكانت الدولة بأكملها تنتظر قدوم وريث الشاه بعد هذا الزواج.
السياسة تمنع استمرار الوصال
لم يأتِ طفل هذا الزواج حتى بعد مرور سنوات، فسافر الزوجان إلى أمريكا في رحلة علاج، ولم يجد الأطباء أي سبب لعدم الحمل وأعلنوا أن الحصول على طفل قد يستغرق عدة أعوام، بيد أن ضرورة وجود الوريث والضغوط العائلية والسياسية وضعت شاه إيران في موقف حرج.
تراكمت الضغوط في ظل مشهد سياسي ملتهب في البلاد، فاقتنع الشاه بأن يتزوج للمرة الثالثة لضمان استمرار الحكم في العائلة واستقرار الدولة ويحتفظ بثريا زوجة له، لكنها رفضت ذلك وتوصلت مع الملك إلى حل مفاده أن يتطلقا قبل زواجه مجدداً.
طلب الملك من ثريا أن تذهب إلى مدينة سان موريتز السويسرية، فغادرت البلاد وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، باحتفال رسمي في 13 شباط/فبراير 1958، الذي صادف ذكرى حفل زواجها السنوي السابع.
"الشاه كان مغرماً بثريا، وإذا تمكنت ثريا من إنجاب وريث له، فلن ينفصلا أبداً"، هكذا نُقل عن أشرف الأخت التوأم للشاه عن علاقة الشاه بثريا. بعد سنتين من الانفصال من ثريا، تزوج الشاه فرح ديبا، وأنجب منها رضا، وفرحناز، وعلي رضا، وليلا.
عودة ثريا إلى هوايتها الأولى
أما ثريا التي قررت أن لا تعود إلى وطن كانت فيه ملكة لسبع سنوات وقضت أحلى أيامها مع حبيبها، ذهبت من سويسرا إلى إيطاليا كي تلتحق بهواياتها القديمة، فدخلت عالم السينما محاولة نسيان مرارة الحدث العظيم الذي حل في عز شبابها.
كان المخرج الإيطالي فرانكو إندوفينا يعرف ثريا وقد اقترح عليها في الماضي أن تؤدي دوراً في فيلمه، لكنها رفضت خشية أن لا يقبل زوجها الشاه محمد رضا بَهْلَوي، لكن هذه المرة قبلت بأن تمثل في الفيلم الكوميدي "الوجوه الثلاثة"، الذي عرض عام 1965، لكنه لم يحصل على إقبال جماهيري.
لاحقاً تزوجت من المخرج إندوفينا، وعاشا أوقاتاً من الحب في ظل عالم السينما، بيد أن فرانكو توفي في حادث تحطم طائرة في 1972، لتقع الملكة الإيرانية السابقة في صدمة مريرة أخرى.
نهاية مصير ثريا
توفيت ثريا إثر جلطة دماغية في باريس في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2001، وهي في عامها الـ69. وشيعت جنازتها بحضور أشرف وغلام رضا شقيقي الشاه المخلوع والمتوفي، في الكنيسة الأمريكية في باريس، بعدما دخلت الديانة المسيحية الكاثوليكية، هي التي كانت مسلمة شيعية. ولم يُعرف متى حدث تغيير ديانة ثريا ولكن يبدو أنه جاء بعد طلاقها من الشاه.
دفنت ثريا في المقبرة العائلية في مدينة ميونيخ الألمانية، وكانت قد أوصت قبل ذلك بعشر سنوات، بأن تمنح جزء من أموالها ومجوهراتها الثمينة التي تباع في المزاد، للصليب الأحمر الفرنسي وجمعية رعاية الأطفال المعوقين ومؤسسة ترعى الحيوانات والكلاب الضالة هناك.
مبنى المقهى منزل فخر السلطنة، عمة ثريا إسفندياري، ثاني زوجات آخر شاه إيران محمد رضا بهلوي، وهو كان محلاً للقاء الشاه بحبيبته قبل الزواج، وقد أنشأت الحكومة آنذاك ممراً خاصاً خلف المنزل لتأمين سلامة الشاه عند حضوره للقاء ثريا
كانت ثروتها الهائلة تقدر بنحو 50 مليون يورو ما عدا العقارات، بيد أنه شقيقها بِيْجَن توفي بعد أسبوع من وفاتها، ليتصارع نحو ثلاثين شخصاً من أقارب ثريا على ثروتها في محكمة ألمانية دون حسم الجدال حتى الآن.
تشكيك في حكايات المقهى وتاريخه
لا يستضيف مقهى عمارت يار في قلب طهران زبائنه دون حجز مسبق، لكثرة رواده لما يتمتع به من موقع ومنظر خاصين وسط مزيج من التراث والحداثة في المشروبات والأكلات وحتى المعدات المستخدمة فيه. ويعود جزء مهم من هذا الزحام إلى السمعة التي كسبها المقهى، بسبب حكاية ثريا ولقاءاتها الرومانسية مع محمد رضا شاه.
ويعتقد عدد من خبراء التراث والسياحة، أن لا صحة لهذه الحكاية المتداولة عن مبنى المقهى وهو أنه يعود إلى فخر السلطنة وسكنت فيه ثريا لفترة ما. وقال الباحث في تاريخ إيران المعاصر محمد دُروكَر حول ذلك: "وضع أصحاب مقهى عمارت يار، لوحة تعريفية هناك تشرح أن هذا المكان هو محل اقامة ثريا إسفندياري لوقت ما، ولكن هذا غير صحيح".
ويكمل الباحث أن ثريا شرحت في مذكراتها "قصر العزلة" وجودها في إيران قبل حفل الخطوبة، إذ تذكر أنها سكنت في فيلا عمّها وليس في فيلا عمّتها، كما أن اسم عمّتها هو "فروغ ظفر" وليس فخر السلطنة.
وأكد دُروكَر أن ثريا تذكر في كتابها أن الشاه كان يأتي للقصر من بابه الثاني، والفيلا أو القصر لا يشبه هذا المنزل الصغير الذي تحوّل إلى مقهى، ويصرح بأن سردية أصحاب المقهى غير موثوق بها ولربما يتم استغلالها لأغراض اقتصادية.
وبين نفي وتأكيد على وجود ثريا الفاتنة في منزل تحول اليوم إلى مقهى يعد من أشهر وأجمل مقاهي طهران، يبقى هذا المكان ينظم الكثير من مواعيد الحب في العاصمة الإيرانية ويتهافت عليه الشباب لعقد موعداً مع الحبيب، في لقاء ودي عسى ولعل ختامه مسك في تحوله إلى حفلة خطوبة ووصال بين الحبيبين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com