هل أنت عشرينية لم تجد الحبّ بعد؟ هل تنصتين لمن يقول لك إنه عليك خوض تجارب عدة من العلاقات حتى وإن فشلت، فقط ليصبح لديك "خبرة" في الحب؟ هل تتهربين من أسئلة شتّى عما إذا كنت في علاقة "غرامية"؟
إن كان جوابك نعم، فأنت يا عزيزتي لست وحيدة. نعم لست وحيدة.
عندما كنت في الخامسة من عمري، بحسب ما أذكر، كان العديد من الأشخاص يسألونني السؤال المعتاد الذي تسأله البشرية بأكملها للأطفال، ويفتحون باباً في مخيلتهم عن مستقبلهم المشرق في هذه البلاد، كان السؤال: "شو بدك تصيري بس تكبري؟".
لم أفكر كثيراً في جوابي، رددت وبسرعة: "أريد أن أصبح مثل أمّي". كانت إجابتي هذه تنبع من فطرتي كأنثى خُلقت في هذا العالم: أريد أن أكون أمّاً، ولا يزال هذا الشعور يكبر معي يوماً بعد يوم، وخصوصاً في هذه الفترة من حياتي، حيث بدأت في العمر الذي يعتبر بنظر العديد، فترة عمر الزواج وبناء العائلة. لا مانع لديّ لكن أين هو، أو بالأحرى أين أنا؟
المشكلة التي يعاني منها العديد من النساء في ما خصّ الحب وبناء العائلة هي أننا لا نعرف ما نريد، وأغلبنا يُقبِل على الزواج من زاوية الخوف: الخوف من الوحدة، الخوف من كبر السن، الخوف من سباق الوقت وعدم الحصول على فرصة الحبّ والأمومة.
نعيش في عالم يقنعنا دائماً أنه لا حاجة لنا لأن نصبح ما أصبحت عليه صديقاتنا وأصدقاءنا، لا حاجة لأن نرزق بالأطفال، لا يوجد ما نسمّيه بفطرة الأمومة، وأنَّ هذا الشعور نستطيع استبداله بتربية قطّة أو كلب، أو أي حيوانٍ آخر. لكننّا، وفي نفس الوقت، نعيش في وقت لا يتوانى أي شيء فيه عن تذكيرنا بأننّا وحيدون، وحيدون جدّاً.
في مرحلة الثانوية، كان جميع أصدقائي يعيشون علاقات غرامية، يحظون باختبار مشاعر جميلة وبسيطة، كنت أنا ومن أرافقهم على نحو آخر كلياً، نمشي مع بعضنا البعض، ونتذمّر من واقعنا هذا، بين العديد من الأشخاص الذين يحظون بعناقات صغيرة وكلماتٍ جميلة، كل صباح وكل مساء. لم نعلم لمَ لسنا مثلهم؟ هل لأنّهم يفقننا جمالاً أم أننا أعقل منهم؟ طبعاً كان جوابنا الدائم: سنحظى بحب أعمق وأصدق.
هل أنت عشرينية لم تجد الحبّ بعد؟ هل تنصتين لمن يقول لك إنه عليك خوض تجارب عدة من العلاقات حتى وإن فشلت، فقط ليصبح لديك "خبرة" في الحب؟ هل تتهربين من أسئلة شتّى عما إذا كنت في علاقة "غرامية"؟
انتقلنا إلى الجامعة وما زال حالنا كما هو، طوال فترة الدراسة لم نحظ بعلاقة حبّ واحدة، دائماً ما كان هناك لحظات إعجاب متبادلة تقاطعها أفكار نيّرة وصدمات قاتلة، وأعلام حمراء كبيرة. وندرك مرّة أخرى أننا على حقّ، وإن انتظارنا وصمودنا كلَّ هذه المدة بلا علاقات حب، في مجتمع وعالم دائماً ما يذكرنا بوحدتنا وبضرورة خوض تجارب الحب، أمر يعزز من ثقتنا بنفسنا، يقوّينا ويجعلنا ندرك الحبّ الحقيقي من الحب التافه، لم يكن بلا جدوى أو خطأ.
متى أصبح الحبّ عمره قصير لدرجة تسميته بـ "تجربة عبثيّة"؟ بالله عليكم، من يحتاج خبرة في الحبّ؟ هل احتاجت ليلى دورات تدريبية لحبّ قيس؟ أم أنّ جولييت تلقت تدريباً من مدرب حياة وعلاقات عن تحدّي جميع من يحيط بها لتكون حبيبة روميو؟ وأساساً، ماذا يعني الحبّ التافه؟ لنكن واضحين: ما من حبّ تافه وحبّ كاذب، الحب دائماً حقيقي، وأنا لست بمدربة علاقات لأتلو هذا الكلام، لكنني أتتبع قدرتي وفطنتي في الفهم والاستيعاب والإحساس.
عبّرت عليا (اسم مستعار) صديقتي العشرينية، في حديث لي معها عن عدم فهمها لأصدقائها الذين يخوضون علاقات حب متعدّدة، وكيف أن هذه العلاقات المتعدّدة لا تُعبّر سوى عن ضياعهم في موجة خوف من الوحدة، وعدم اتباع ما يقوم به الجمع المسيطر، أو على الأقل ما نظن أنه مسيطر، ذلك بحسب ما نراه على وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت إنّها لم تكن يوماً في علاقة حب، وأن خوض تجربة من علاقة عاطفية عابرة هي ليست بخبرة يجب أن تحظى بها، وأكملت حديثها معي بالتعبير عن شعورها بالغربة عن غالبية الناس في محيطها. إنّهم يجعلونها تشعر بأنها إنسانة غريبة الأطوار وبعيدة عنهم.
أسبابنا لخوض الحب لم تعد سامية كما كانت، لم نعد نستقبله بروحانية ونيّة عذبة، بل أصبح العديد منّا يستقبلونه بدافع الرغبة الذاتية في التملك والخوف من الوحدة
يتفاجأ العديد من الأشخاص عندما يعلمون أن الفتيات اللواتي يتعرفون عليهن لم يحظين بعلاقة عاطفية من قبل، ويشعرون بالذهول، إضافة إلى أن الخبرة في العلاقات العاطفية أصبحت شرطاً من شروط خوض علاقات أخرى.
تتدخل العديد من العوامل في آرائنا وأفكارنا وقراراتنا، لدرجة أننا نرى أنفسنا في مكان نشعر فيه أننا غرباء عمّا حولنا، نتعرّض فيه بنفس الوقت لكميّة خيالية من المحفزات على خوض تجارب رومانسية من منظور استهلاكي بحت، وهذه ليست سوى رغبة تتواجد في كل شخص، ما يؤكد لنا هشاشة هذه العلاقات وسطحيتها، حيث يقول عالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان في كتابه "الحب السائل" أن "الرغبة بطبيعتها تهرب من قيود الحب"، مضيفاً على قوله هذا: "إذا ما كانت الرغبة تدمّر نفسها بنفسها، فإن الحب يديم نفسه بنفسه"، وبمجرد تلاشي هذه الرغبات تتلاشى معها العلاقة التي بالأساس كانت بنيتها هشّة.
ليس بالأمر السهل أن تكتبوا عن تجاربكم الشخصية، فما بالكم إن كنتم تقصّون تجربتكم الشخصية عن الحب، الحب في زمن العجائب، في زمن الاستهلاك، وزمن الخبرة، فأصبح للشعور الأسمى في الحياة متطلبات، من الخبرة إلى القدرة على فكّ الارتباط وعدم التعلق المبالغ فيه.
إن أسبابنا لخوض الحب لم تعد سامية كما كانت، أو بالأحرى كما كان يحكى لنا عنها، لم نعد نستقبله بروحانية ونيّة عذبة، بل أصبح العديد منّا يستقبلونه بدافع الرغبة الذاتية في التملك والخوف من الوحدة أو الغربة عن مجتمعاتنا المشتتّة المتأثرة بما تراه وما يُسوّق له.
فيا عزيزتي لا تقلقي، أنت لست وحيدة، لقد مررنا في حالة الوحدة والشعور بالغربة فقط لأننا لا نلحق بالقوالب التي تُصنع لانصياعنا لها، وإن كنت تريدين الحبّ فأنصحك بالابتعاد عن قراءة النصائح العشر لجذب الحبيب.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 7 ساعاتيعني اذا اليسا اللي عملت اغاني وفيديو كليبات عن العنف ضد النساء وقال حملت قضايا المرأة العربية، غنت ودافعت عن المغتصب سعد المجرد... قرطة منافقين.
Farah Alsa'di -
منذ 14 ساعةرغم قديه الحادثة موجعة ومؤسفة إلا أني مبسوطة أنه هاي من المرات القليلة تقريباً اللي المجتمع الأردني بوقف فيها مع "المرأة" الضحية... عشان تعودنا يكون الحق عليها دايماً أكيد!
Line Itani -
منذ يومعجيب في بلد ومجتمع "محافظ" زي المصري انه يكون فيه حرمات على أشياء كثيرة بس الموت لا - ودا بس لأن فيها أرض ومصاري..
jessika valentine -
منذ يومالمشكلة هي المجتمع واللغة انبثقت منه وتغذي هذا الفكر الذكوري. لن تتغير اللغة الا إذا نحن تغيرنا. وزيادة على الأمثلة التي قدمتها للغة العربية، الانكليزية ليست افضل حالا فيُقال للقميص الابيض الذي يُلبس تحت القمصان wife beater باللغة الانكليزية، والنق bitching. وعلى سيرة say no، يقول الذكور المتحدثون باللغة الانكليزية no means yes and yes means anal. على الدجاجة أن تكسر قوالب التربية لبيضها الإناث والذكور لان أحدا سواها لن يفعل.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعit would be interesting to see reasons behind why government expenditure on education seems to be declining -- a decreasing need for spending or a decreasing interest in general?
Benjamin Lotto -
منذ أسبوعجدا مهم البحث