شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الحب غير المشروط: هل كنا سنعبد الله لو لم يكن هناك جنة وفوز؟

الحب غير المشروط: هل كنا سنعبد الله لو لم يكن هناك جنة وفوز؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 1 ديسمبر 202201:43 م

"أحبك في الله". "لا يوجد حب حقيقي إلا حب الآباء لأبنائهم". "أحب الله مهما فعل بي". جمل نردّدها كثيراً ونسمعها دون أن نفكر فيها للحظات وندقّق في تفسيرها. هل هناك حقاً حب غير مشروط؟ وهل كون الحب غير مشروط يجعله حقيقياً، بينما كونه مشروطاً يحوله لشي بخس وبلا قيمة؟

نحب دائماً المبالغة والتطرّف في استخدام الألفاظ وخاصة العاطفية منها. والمعنى الحقيقي للعاطفة في رأيي كونها شيئاً متبادلاً، أخذاً وعطاء، منحاً ومنعاً، فما الذي يجعلنا نتشدّق بكلمات مثل الحب غير المشروط في حين أنه يتنافى مع طبيعة الإنسان الذي فطر عليها؟

لماذا نحب الله؟

أتذكر الشيخ الذي كان يخطب في عدد غفير من الناس داعياً الله قائلاً: "اللهم إن كنت أحبك طمعاً في جنتك فاحرمني منها، وإن كنت أحبك خوفاً من نارك فألقني فيها. فأنا أحبك لأنك ربي". كان الناس وراءه يؤمّنون، بينما أنا أفكر في معنى هذا الدعاء الغريب، وسألت نفسي: لماذا نعبد الله؟

أنا أعبد الله لأنني أحبه، وأحبه لأنه وعدني بالجنة والطمأنينة والاستجابة لدعائي على الفور. إذن، هل كنا سنعبد الله لو لم يكن هناك جنة وفوز؟ هل كنا سنعبد الله لو كان لا يستجيب لنا ويحرمنا من عطاياه ونعمه؟ هل كنا سنكتفي بكونه خالقنا ثم نتغاضى عن كل شيء ونعبده دون أي وعود؟

أنا أعبد الله لأنني أحبه، وأحبه لأنه وعدني بالجنة والطمأنينة والاستجابة لدعائي على الفور. إذن، هل كنا سنعبد الله لو لم يكن هناك جنة وفوز؟ هل كنا سنعبد الله لو كان لا يستجيب لنا ويحرمنا من عطاياه ونعمه؟

في نقاش مع شقيقتي التي ظلت تراوغني للتهرب من الإجابة، ثم قالت في النهاية إننا نحب الله طمعاً في جنته، سألتني أيضاً: ولماذا يحبنا الله؟

سؤال يحتاج للتفكير. يحبنا الله لأننا عبيده، ولكنه خلقنا لنعبده ونطيعه ونعمر الأرض. لو لم نعبد الله وخلا الكون من عباده وعبدنا دونه أي شيء هل سيبقى الله على حبنا فقط لأنه نفخ فينا من روحه؟ هل سيتجاوز عن أفعالنا وسيتنازل عن كل مطالبه كمعبود ويظل يحبنا رغم كل شيء؟

إذن، كيف ستتجلى عظمته كخالق؟  كيف يظهر مردود الحب الذي يمنحه لنا إن لم يكن له شروط متبادلة يطلبها لأنه الخالق، وننتظرها نحن لأنه قادر على منحها، ليس طمعاً فيها بل حقاً ووعداً منه؟

حب الوالدين الماكر

تقول صديقتي بثقة: "لا يوجد شخص يحبك مثل والديك، فهما يحبانك دون أي شرط ولا يريدان منك شيئاً". سألتها إن كانت واثقة أن الآباء لا يريدون من أبنائهم شيئاً، قالت: "بالتأكيد". بينما صديقتي الأخرى قالت بعد تفكير: "غير صحيح. الآباء يريدون منا الكثير وربما ما لا نقدر عليه". وقال الثالث: "يكفي أنهم يضعون كل أحلامهم فينا ويجبروننا على تحقيقها بمرور الوقت".

هذه الجملة التي نكرّرها دائماً دون أن نقف أمامها كثيراً، هل هي حقيقية؟ هل حب الأب والأم مجرّد؟ بمعنى أن يظل الحب باقياً مهما فعلنا وسلكنا طريقاً لا يتماشى مع رغباتهما. إذن، من أين ظهر تعبير "الابن العاق"؟

لو كان الوالدان يحبان أولادهما دون أي شرط، لماذا تأتي جملهما الرنانة بخصوص الغضب والطرد من رحمة الآباء والعقوق وغير ذلك.


لو كان الوالدان يحبان أولادهما دون أي شرط، لماذا تأتي جملهما الرنانة بخصوص الغضب والطرد من رحمة الآباء والعقوق وغير ذلك.

عزيزتي الأم/ عزيزي الأب: ألا تريد/ين من ابنك/ ابنتك شيئاً؟! ألا تريد/ين الطاعة؟ ألا تتمنى/ين أن يجعلك فخور/ة بما يحققه؟ ألا تنتظر/ين منه درجات عالية في الامتحان لتفتخر/ي وسط الأهل؟  حسناً دعك من ذلك. ألا تريد/ينه أن يحملك في الكبر؟ ألا تنتظر/ين أن تتزوج ابنتك لتفرح/ي بعروستك الصغيرة. وحبذا لو اختار/ت وفق هواك ورغبتك؟ جميعنا نريد شيئاً من أبنائنا، ولكننا اعتدنا أن نجمل رغباتنا بتلك الجملة الماكرة: "كل هذا من أجل مصلحتهم".

أنا واثقة أن أهلي يحبونني ولكنهم يريدون الكثير مني في المقابل. في البداية، كانوا يخططون لتعليمي وغضبهم كان واضحاً عندما خالفتهم، ثم رغبوا في تزويجي بسرعة لتتم فرحتهم، ويتدخلون في حياتي وزواجي وغيره، ودائماً النصيحة المتكرّرة: يجب أن تطيعي والديك حتى تعيشي سعيدة بقية حياتك.

أحبك في الله 

"أحبك في الله". هذه الجملة لم تكن مفهومة بالنسبة لي. ولم أعرف لماذا يستخدمها البعض من وقت إلى آخر لإثبات نوع من الحب القيّم والكبير والذي لا توجد أي أغراض من ورائه. ما معنى "أحبك في الله؟". هل معناها أنني أحبك دون أي مصلحة وسبب، وأن هذا الحب مستمر مهما حدث؟ إذن، هل يمكن أن أحب في الله شخصاً يكرهني مثلاً؟

"أحبك في الله". هذه الجملة لم تكن مفهومة بالنسبة لي. ولم أعرف لماذا يستخدمها البعض من وقت إلى آخر لإثبات نوع من الحب القيم والكبير والذي لا توجد أي أغراض من ورائه.

هناك منشور لصديقتي الكاتبة رشا عبادة التي كانت كلماتها سبباً في كتابتي لهذا المقال، قالت فيه: "تقول صديقتي إنها تحبُني في الله، فأقول: أشطات، وأنا أحبكِ فيما لا يضرني ويا حبذا لو ينفع يا عسل، تغضب في امتعاضٍ، وتسألني إن كنت لم أزل على إسلامي! أقسم وأنا أشير لرأسي: إنه والنعمة دي في رأسي لازلت عليه، تسترسل، أنه يجب أن أقول ببساطة، إني أحبها في الله الذي تحبُني فيه".

هذه الكلمة سمعتها مراراً أيام الجامعة من زميلة لي كانت تقولها كل حين "أحبك في الله"، بينما كانت تطلب مني أوراقاً لتلخيص المواد، وتأتي لتأخذها ثم تقبلني وتقول: "أحبك في الله". سألتها مرة وأنا أضحك: "ما معنى أحبك في الله؟". نظرت لي وكأني كافرة ثم ردت: "إنه الحب الأكبر والأعظم، فعلينا جميعاً أن نكون متحابين في الله دون مصلحة". منعني خجلي وقتها أن أخبرها أنها تعرفني فقط لمصلحتها.

في رأيي، الحب من شروطه وسلامة تكوينه أن يكون مشروطاً

هل سيغضب الله لو جمعتنا مصلحة مشتركة؟ هل سيصب علينا لعنته إن لم نردد تلك الجملة غير المفهومة وغير الصادقة ليل نهار، وجعلنا منها ستاراً لكل رغباتنا ومصالحنا الخفية والمتنكرة!

في رأيي، الحب من شروطه وسلامة تكوينه أن يكون مشروطاً. فهو يأتي لسبب ويستمر لأسباب عديدة، وينجح لأننا نوفر للآخر ما يريده من شروط تشمل النفع والمحبة والاستزادة من كل العواطف الممكنة. وعلينا قبل أن نردد تلك العبارات أن نفكر فيها فقد يكون وراءها أنانية كبيرة من الآخر تدفعنا للهاوية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard