شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
السّخرية من الزواج أثناء تحضير طبق الباذنجان

السّخرية من الزواج أثناء تحضير طبق الباذنجان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 7 يناير 202312:14 م

المفاهيم

 

الحياة طفلة تتمرّغ بالرماد

أضع هذا العنوان بدقّة غير كافية لإيجاز حياتي الآن، الحياة الطفلة التي يتم تعذيبها وتخويفها بأصابع النار دون أن تعلم أن ذلك الحريق سيبدو هائلاً وغير حقيقي. مشكلة الجحيم الكبرى ألا يكون حقيقياً.

لنفترض المشهد على هذا النحو: يجلس أربعة أصدقاء في غرفة واحدة، أحدهما متزوج أما البقية فهم عزّاب، لكن ليس للأبد بالطبع.

يبدأ الرجال الثلاثة بالسخرية من الزواج، فيعتبرونه نسيجاً متذبذباً ومؤلماً ومنحطاً، وبعد جدال يشتدّ، يلتزم الرجل المتزوج الأسباب، فيما يتشبّث الرجال الآخرون بالنتائج، وفي النهاية سنقرّر نحن الإجابة على سؤال: من سيقذف طبق الباذنجان على الأرضية أولاً؟

ما يلزم المرء معرفته قبل الإقدام على الزواج ضئيل جداً وغير مجد، من قبيل: "ينبغي أن تقبّل امرأتك جيداً، أن تحترم نكدها، وألا تكذب عليها حتى وإن اضطررت"،  أما ما يحتاجه المرء فعلاً فهو ما سيعرفه لاحقاً بنفسه.

إحدى صفات الزوج المثالي هو ألا ييأس حتى عندما يرى الزواج جثة عفنة، فمن واجبه أن يتعامل معها كما لو أنها نابضة بالحياة، وبالنسبة لشاعر، فإن تأليف حكمة عابرة عن زواج يبدو مستقراً لن تتوفر على صياغة أفضل مما أقترحها الآن: "من حق أي أحد أن يكون حراً، ومن واجبه أن يصبح زوجاً".

الزواج كعمل أدبيّ ناجح

تنشب الخلافات الزوجية الكبيرة بفعل أغلاط مألوفة. إنها مثل الأعمال الأدبية العظيمة التي غالباً ما تقدح بفعل لقاءات عابرة أو قصص يومية أو ضغائن تستثمر على أتم وجه، وبالفعل ينبغي التفكير بقدرة المرأة على الانتباه مقابل لا مبالاة الرجل الذي يواجه نسيانه عيد ميلاد شريكته بنسيانه عيد ميلاد الشخصي، ليجد الرجل نفسه كائناً وحشياً يحاول اقتلاع التاريخ وإهماله، فيما تحافظ المرأة على أن يجيء كلّ يوم في مكانه.

في المطبخ يفهم الزواج فهماً كافياً، إذ يقوم الزوج بقذف الأطباق وتكسيرها، فيما تقوم الزوجة بلملمة شظايا الزجاج، وفي المحصلة باستطاعتنا صفّ قطع الزجاج بما يسمح لإعادة صناعتها كمرايا... مجاز

ومثل ما يُقدم المرء على تأليف رواية، يُقدم على الزواج معوّلاً على الآثار المعمارية لهذا البناء التقليدي الموشك على الانهيار منذ وضع أول حجرة له. إنّه الاختطاف الغابر متطوّراً، إذ يتفق الطرفان على اختطاف حياتهما، ومع طلوع الشمس يوقن الاثنان أن ما اختطف لا يمكن استرداده بأقل الخسائر، وبالعودة إلى الزواج كعمل أدبي، دويتو روائي طويل يبدأه الرجل مندفعاً، ثم تتلقى المرأة ذلك بتردّد مصحوب بنشوة خفية، ينهيان فصوله معاً، وتتوالى الأحداث تاركة كدمات، لا في الجسد فحسب إن كنا نقارب زواجاً مستقراً، إنما بالروح، الروح بوصفها المسرح الخشبي الذي يقف عليه الممثلون لأداء أدوارهم.

مع نهاية كل فصل، تشعر الضفادع بالارتياح، يوحي نقيقها أن الحياة على اليابسة هي الأشقى بالفعل، فتبدأ بغطس رأسها في الطين، إذ تمنحها تلك الرطوبة الآسنة الشعور بالأمان غالباً، وهو مشهد لا يشبه مشهد غطس النعامة رأسها في الرمل، فالأولى تنشد الأمان، فيما تمارس الأخيرة هروباً دراماتيكياً لا يمكننا أن نمنحه بُعداً فلسفياً، الآن على الأقل.

إننا مطالبون بالانتهاء من هذه الرواية بالرغم من فشلنا ويأسنا، من هشاشتنا واستعدادنا الآثم للاستمرار بكتابتها. هي عمل ماكر ينتهي من اللحظة التي ننتبه فيها بأننا وحيدون ومفضوحون بطريقة محرجة، طريقة أن أحدنا يتحول لغطاء للآخر بينما يتعرى دون دراية. "هن لباس لكم وأنتم لباس لهنّ"... ذلك ليس في غرف النوم، حيث الأرض الخصبة لأزمات الزواج و عاهاته و هزائمه، إذن هي أضحوكة من نوع آخر. إننا مستورون في أعين المارة وعرايا، إذ ننتهي أخيراً وجهاً لوجه. تصل الرواية إلى حلول مؤقتة، من ضمنها إطفاء الشموع للتخلص من عواء الريح، فيعرف الكاتب قبل المتزوج أن أشق ما ينبغي على المرء تعلمه هو وضع نقطة السطر في مكانها المناسب فقط.

الإله المثالي ضروري لأنه غير موجود 

لنقل إن الإنسان دون قدرته على إضفاء أشياء أخرى على الأشياء ذاتها لن يكون سعيداً، بمعنى أن التأمل البشري يلبس العالم ثوباً مزركشاً ولا يبقيه على جلده المتعفّن. لا تقودنا تلك العبارة إلى أن العالم متعفن بالكامل، إنما هو متعفن أينما صادفناه ولمسناه أول مرة، إذ إن العيش فيه على الدوام يحرمنا من معرفة كنهه بفعل اعتيادنا عليه.

لقد فكرت بذلك النحو وأنا أحلم بزواج مثالي، مثل ذلك الإله الذي يفتح لنا أبوابه مع بزوغ الفجر، يساعدنا ويلهمنا ويضمد جراحنا، يرحمنا بحكمة بالغة وفي نهاية الأمر يشعرنا بأننا صغاره ورعاياه.

بالنسبة لشاعر، فإن تأليف حكمة عابرة عن زواج يبدو مستقرّاً لن تتوفر على صياغة أفضل مما أقترحها الآن: "من حق أي أحد أن يكون حراً، ومن واجبه أن يصبح زوجاً"... مجاز

إنه إله مثالي، وما رهانه الوحيد إلا الزمن. تعي المرأة الزمن فيما الرجل يعيشه ويلوثه ويمضي تاركاً كل شيء للمجهول أو للغابر، وعبر ذلك التضاد يصف الرجل نفسه بالواقعية والمرأة بالنكد، بينما ينبغي اختيار صفات لها دلالات أخرى، كالحساسية العالية قبالة التسطيح، لكن الحياة ينبغي أن تعاش كما تبتلع اللقمة التي تلسعنا، بما يعني أن الحس المتقد هو الذي يضخم الألم.

يود الآخرون بالطبع سماع الحديث الشخصي، لأن التجارب الشخصية، مع أنها تجارب شخص واحد، من المفترض أن تنفع أشخاصاً آخرين لتشابه الأزمنة والمصائر والأزمات، والعلة المركزية هي تشابه البدايات فحسب، إذ إن الإقدام على الزواج مدفوع بعلل غابرة :

الخلاص من الوحدة - ترسخيها-

التغلب على النزوات - تنظيمها-

الحصول على بيت آمن - مهدد على الدوام-

الاستقرار مع الأسرة - الحاجة إلى النفي-

ومما سبق يلاحظ أن الزواج يقدم عكس ما نتوقعه منه، لذا ينبغي أن يُفهم جيداً، أن نرغب به و نحذر منه،  وأن نعتبره إضافة معقدة لثنائية الموت والحياة، وسعي الكائن البشري لتحسس وجوده، ذلك الوجود المهدد في أي لحظة بالفناء.

طبق الباذنجان يبرد، الزواج يستمرّ 

وبالعودة إلى تخيل طبق باذنجان في غرفة تجمع متزوجاً مع رفاقه العزّاب، فإن ما يفوت الالتفات له هو الجانب الأهم: ما الذي يجمع متزوجاً مع رفاق عزاب غير سياق المواجهة؟ السياق الذي يضعنا على طاولة واحدة كقرّاء، نستكشف ما لم يقله مؤلف النص، لا ما قاله أو نثره بوضوح جلي أو برمزية خافتة، ولنقترح أن المتزوج هو من سيقذف الطبق، متخيلاً أنها الطريقة الصالحة لإنهاء جدال بيزنطي، وبالمعنى المنافي للعاطفة الشخصية، فإن الرجال لهم أعباؤهم أيضاً.

بينما يبدأ الصراع الزوجي - صراع لأتفه الأسباب على اعتبار أن الأسباب الأعظم لن تدفع المرء لخوض حرب - بينما يبدأ الصراع في غرفة الاستقبال بين زوجين، فإن الحلبة هي المطبخ لا غرفة النوم، كما يتوهم من لم تكن له تجارب حية.

في المطبخ يفهم الزواج فهماً كافياً وتتكشف فلسفته إزاء الأطباق الشفافة ذاتها، إذ يقوم الزوج بقذف الأطباق وتكسيرها كطرف يفكر بالاسترخاء، فيما تقوم الزوجة، وهي المسؤولة عن إدامة الحب والحفاظ على نظافته- استمرار لمعانه - بلملمة شظايا الزجاج، وفي المحصلة باستطاعتنا صفّ قطع الزجاج بما يسمح لإعادة صناعتها كمرايا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard