شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
بذريعة

بذريعة "الارتقاء بالذوق العام"... هل بدأت الحكومة العراقية عهداً جديداً من القمع؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الأربعاء 8 فبراير 202305:26 م
Read in English:

Under pretext of “public decency”, Iraq’s government begins new era of repression

أثارت حملة شنّتها الحكومة العراقية ضد صنّاع المحتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد بذريعة "الإخلال بالحياء والآداب العامة"، مخاوف على حرية التعبير في البلاد، خاصةً عقب توقيف ومحاكمة عدد من مشاهير السوشال ميديا وإصدار أحكام بالسجن سريعة بحقهم. 

الأربعاء 8 شباط/ فبراير 2023، أصدرت محكمة جنح الكرخ أحكاماً بالسجن بحق صانع المحتوى حسن صجمة، وصانعة المحتوى غفران مهدي سوادي الشهيرة بـ"أم فهد"، بتهمة "المحتوى السيىء"، عبر "نشر عدة أفلام وفيديوهات تتضمن أقوالاً فاحشة ومخلّة بالحياء والآداب العامة وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

حُكِم الأول بالسجن سنتين، والثانية بالسجن ستة أشهر استناداً إلى "أحكام المادة 403 من قانون العقوبات المرقم 111 لسنة 1969 المعدل"، التي تنص على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتاباً أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوماً أو صوراً أو أفلاماً أو رموزاً أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة. ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أعلن عن شيء من ذلك أو عرضه على أنظار الجمهور أو باعه أو أجّره أو عرضه للبيع أو الإيجار ولو في غير علانية، وكل من وزعه أو سلمه للتوزيع بأية وسيلة كانت. ويعتبر ظرفاً مشدداً إذا ارتُكِبت الجريمة بقصد إفساد الأخلاق".

بالتزامن، وجّه رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، فائق زيدان، بـ"الردع العام" عبر اتخاذ الإجراءات القانونية المشددة ضد كل من ينشر محتوى "يُسيء للذوق العام ويُشكل ممارسات غير أخلاقية". 

على خطى "قيم الأسرة المصرية"... الحكومة العراقية تشن حملة ضد صنّاع "المحتوى الهابط" عبر السوشال ميديا، وتحث مواطنيها على التبليغ عنهم. مخاوف حقوقية بعد صدور أحكام سريعة بالسجن ضد "صجمة" و"أم فهد"

ورد في تعميم موجه إلى المحاكم العراقية الأربعاء: "لوحظ من خلال الرصد الإعلامي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر محتويات تسيء للذوق العام وتشكل ممارسات غير أخلاقية إضافة إلى الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات. لذا اقتضى اتخاذ الإجراءات القانونية المشددة بحق من يرتكب تلك الجرائم وبما يضمن تحقق الردع العام".

ما قصّة الحملة؟

في 16 كانون الثاني/ يناير 2023، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، في بيان، عن "تشكيل لجنة لمتابعة المحتويات في مواقع التواصل ومعالجة الهابط منها وتقديم صانعيها للعدالة"، مضيفةً "القضاء دعم مقترحات الأجهزة الأمنية حول ملف المحتوى في السوشيال ميديا". وشددت: "اللجنة باشرت عملها وحققت عملاً في الوصول إلى صنَّاع المحتوى الهابط والقبض عليهم".

بعد أيام، دشّنت الوزارة منصة "بلِّغ" الرقمية لتلقي بلاغات المواطنين ضد صانعي المحتوى "الهابط" لاتخاذ اللازم بشأنهم و"الارتقاء بالذوق العام"، على حد تعبيرها.

وفي مقاطع فيديو، ناشدت الوزارة المواطنين، على لسان شخصيات عامة بينها فنانون وأكاديميون وإعلاميون وأيضاً قانونيون، التبليغ عن أي "محتوى هابط أو مسيء" يصادفونه عبر الإنترنت، محذرةً من خطورته وأثره على المجتمع والتبعات القانونية التي قد تترتب على مقدمه أو مروجيه.

في الأثناء، تواترت أنباء عن توقيف عدد من صناع المحتوى تمهيداً لمحاكمتهم بنفس التهمة، ومن بينهم: سعلوسة وعسل حسام وسيد علي. علاوة على المحكومين أخيراً أم فهد وحسن صجمة. وأعلن عدد من مشاهير السوشال ميديا في البلاد "الاعتزال" أو تغيير محتواهم خوفاً على ما يبدو من حملة الاعتقالات، وفي مقدمتهم البلوغر إيناس الخالدي. 

وفي مقابلة مع قناة الرشيد الفضائية، نُشرت الأربعاء، قال رئيس خلية الإعلام الأمني ومدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية، اللواء سعد معن، إن كل إنسان يتفاعل مع "المحتوى الهابط" بوضع إعجاب أو تعليق معرّض للتوقيف والمحاكمة باعتباره "شريك بالجريمة" وليس فقط صانع أو ناشر المحتوى، مشدداً على أن هناك "قائمة انتظار" لصناع المحتوى المستهدفين بالمحاسبة بمن فيهم الموجودون خارج العراق.

وحثّ معن صنّاع المحتوى "الهابط" على إظهار "حسن النيّة" و"احترام المجتمع العراقي" عبر حذف المقاطع والمنشورات "غير الأخلاقية" لتفادي المحاسبة عليها.

بعد توقيف بعض صناع المحتوى في #العراق، وإصدار أحكام سريعة بالسجن ضد اثنين منهم، حذّرت وزارة الداخلية من أن كل إنسان يتفاعل مع "المحتوى الهابط" بوضع إعجاب أو تعليق معرّض للتوقيف والمحاكمة باعتباره "شريكاً بالجريمة" وليس فقط صانع المحتوى أو ناشره

ذريعة لقمع الأصوات المعارضة؟

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعرب عدد من العراقيين عن تخوّفهم من أن تكون الحملة عباءة وذريعة لـ"قمع كل الأصوات المعارضة" فيما تساءل معلّقون: "من يحاسب أصحاب المحتوى السياسي الهابط؟".

من هذه الأصوات الإعلامي والباحث القانوني العراقي حسام الحاج الذي قال: "أخشى أن تتمدد حملة مكافحة ‘المحتوى الهابط‘ لتصل إلى تقييد الحريات والأفكار والأيديولوجيات وبالتالي فرض نسق مُحدد من الأفكار والآراء، وما سواه يُعامل على أنه ‘محتوى هابط‘... نحن سائرون بخطى ثابتة نحو تكميم الأفواه لضمان أكبر قدر ممكن لتسوير (حماية) السلطة من الرأي المضاد".

وحذّر الناشط علي سوهيلي من أن "اللي يشجعون على قانون المحتوى الهابط يأتي يوم وستندمون على دعمه". وكتبت ناشطة تُدعى سارة: "إلقاء القبض على أصحاب المحتوى الهابط وحكمهم بالسجن ما هو إلا بداية لتكميم الأفواه. هناك ألف طريقة للتخلص من المحتوى الهابط غير سجنهم. تصفيقكم لهذه الأعمال الحكومية التي تقيد حريات الأفراد ستندمون عليه لاحقاً. سيأتي اليوم الذي نخاف أن نكتب فيه حرفاً ضدهم… سيكون ثمن الحرف سجن".

وحثّ مغرّد يُدعى أيمن "الشباب الواعين" على عدم التعاون مع منصة "بلِّغ" أو "لجنة المحتوى الهابط"، محذراً "إذا تخلون الدولة تتحكم بحرية تعبيركم هاي بداية النهاية". "المحتوى ‘الهابط‘ شي موضوعي أي شي ما عجبك سوي له بلوك… بس أبد لا تخلون الحكومة تكللكم شنو تنشروه وشنو لا لأن كلكم تعرفون شكد بسهولة ممكن يتسيس الموضوع ويشيلون أي واحد يختلف وياهم بأي فكرة ونرجع للعصور المظلمة اللي ممكن تنسجن بيها علمود أفكارك"، أردف.

وأظهر مغردون تشككهم في المعايير التي تستند إليها الحملة. غرّد الناشط منذر الغريباوي: "من دون أن نعرف ما هي المعايير التي تحدد المحتوى الهابط لنتفق على أنه هابط وخلص... الفساد، القتل، التحريض السياسي، التشهير والخطابات المتطرفة التي تطلق من على المنابر الإعلامية والدينية… ذولة شنسميهم؟ قضاء هابط. يليق به هذا المستوى المتدني".

"هناك ألف طريقة للتخلص من #المحتوى_الهابط غير سجن ناشريه. تصفيقكم لهذه الأعمال الحكومية التي تقيد حريات الأفراد ستندمون عليه لاحقاً. سيأتي اليوم الذي نخاف أن نكتب فيه حرفاً ضدهم… سيكون ثمن الحرف سجن" #العراق

بدوره، اعتبر عضو مجلس المفوضين العراقي د. علي البياتي أن "النظام الذي يحاكم من ينشر #المحتوى_الهابط بحجة تأثيره على الذوق العام، ويعفو عن سارق قوت الفقراء والمتسبب بالفقر وتوجه الأفراد إلى أي باب لكسب المال سواء نشر المحتويات الهابطة أو الانحراف أو السقوط ضحية لتجارة المخدرات أو الاتجار بالبشر، نظام أعور ومزاجي وغير عادل".

مع ولكن…

على الجانب الآخر، أظهر عدد من العراقيين دعماً للحملة الأمنية ضد صنّاع المحتوى، بعضهم بشكل غير مشروط، والبعض الآخر اشترطوا وضوح معايير المحاسبة التي يتعامل وفقها القضاء العراقي مع المحتوى "المخالف".

في هذا الصدد، قالت الإعلامية جمانة ممتاز، وهي واحدة من الشخصيات العامة التي شاركت في مقاطع الفيديو التي نشرتها وزارة الداخلية للتوعية بحملتها: "أنا أدعم #وزارة_الداخلية في حملتها لمكافحة المحتوى الهابط، ومعظمنا فرح لكن! أن تمنع وتحد وتوجِّه انذارات، مو فوراً تروح تلقي أحكام قضائية! الداخلية خل تروح تلقي القبض على مروجي خطاب الكراهية اللي مالين الفضائيات، واللي حرضوا على قتل الناس بمواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً في #تظاهرات_تشرين".

"النظام الذي يحاكم من ينشر #المحتوى_الهابط بحجة تأثيره على الذوق العام، ويعفو عن سارق قوت الفقراء والمتسبب بتوجه الأفراد إلى أي باب لكسب المال سواء نشر المحتويات الهابطة أو الانحراف أو السقوط ضحية لتجارة المخدرات أو الاتجار بالبشر، نظام أعور ومزاجي وغير عادل"

وقالت الإعلامية سجى البياتي: "أنا مع القضاء العراقي لمحاسبة المحتوى الهابط ولكن أطالبه بتعريف القوانين المشرعة والمطبقة للمواطن العراقي قبل محاسبته؛ ما هو السلوك والآداب العامة المخلة بالشرف؟ وكيف يمكن التصرف؟ وما المادة التي سوف يعاقب بموجبها القضاء؟ ما ملزم يتصرف بكيفه وحسب مزاجه".

أما المذيع محمد الكبيسي فناشد القضاء العراقي: "أكملوا جميلكم بمحاربة المحتوى الهابط وحاسبوا القنوات ومقدمي البرامج الذين يستضيفون أصحاب المحتوى الهابط ويسألون أسئلة تافهة من أجل الطشة (الضجة/ الترند) والمشاهدات".

يُشار إلى أن الحملة العراقية تسير على خطى حملة شنّتها الحكومة المصرية قبل أشهر ضد صنّاع وصانعات المحتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً "فتيات التيك توك" اللواتي اشتهرن بتقديم محتوى راقص عبر التطبيق، لكن بذريعة المحافظة على "قيم الأسرة المصرية". وتعرضت تلك الحملة في مصر لانتقادات حقوقية واسعة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image