أصبح اتفاق جوبا بعد عامين من توقيعه مركز الأحداث في السودان، حيث تطالب قوى الحرية والتغيير بتعديله ضمن بنود الاتفاق النهائي مع المكون العسكري.
وقد شهدت عاصمة الجنوب السودانية جوبا، توقيع اتفاق السلام بين الفرقاء السودانيين، لينهي سنوات من الحرب الأهلية التي شنتها الحركات المسلحة ضد نظام البشير منذ عام 2002، في دارفور، وعام 2011، في النيل الأزرق وجبال النوبة، شهدت إبادةً جماعيةً وجرائم حرب لا تزال منظورةً أمام محكمة الجنايات الدولية.
وقد وقّع الاتفاق كلّ من الجبهة الثورية التي ينضوي تحتها عدد من الحركات المسلحة أبرزها الحركة الشعبية جناح مالك عقار في النيل الأزرق وجبال النوبة، وجيش تحرير السودان جبهة مني أركو مناوي والعدل والمساواة، مع الحكومة الانتقالية بقيادة د. عبد الله حمدوك.
وقد اتفقوا فيه على:
تقاسم ثروات الأقاليم بين سكانها والحكومة المركزية.
حكم ذاتي للأقاليم وتقاسم للسلطة بـ3 مقاعد في مجلس السيادة و5 وزارات، مع وجود 3 مسارات أخرى للشرق والشمال والوسط.
دمج الحركات بالجيش وتعويضات للمتضررين.
هل ادى تولية الحركات المسلحة لمناصب رسمية في الحكومة الي زيادات معدلات السرقة والنهب
حتمية التعديل
طالبت الحرية والتغيير، وهي الحاضنة السياسية للحكومة الموقعة على الاتفاق السابق، مراجعته وتعديله، ودمج الحركات المسلحة في الجيش وعلى رأسها الدعم السريع، ومراجعة المناصب التي حصلت عليها الحركات في الحكومة ومحاسبتها، إذ تتهم بعضهم بأنهم فاسدون مالياً مثل وزير مالية الانقلاب جبريل إبراهيم، ومدير شركة الموارد المعدنية مبارك أردول، بحسب القيادية في حزب البعث وقوى الحرية والتغيير نشوى عثمان، التي أكدت لرصيف22، أنه لا بد أن تعاد ترتيبات الاتفاق، لأن أغلب أصحاب المناصب في الاتفاق دعموا الانقلاب ورئيس المجلس العسكري اتخذ الحركات كحاضنة سياسية له.
هذا بينما تتمسك الحركات المسلحة ببنوده، وترى أن الاتفاق يرضي طموحاتها، وأنهم انتزعوا عبره حقوق مناطقهم والاعتراض الرئيسي للحرية والتغيير هو على "المسارات"، وكانوا كحركة أول معترض عليها وقت التوقيع، ولكن اللجنة الأمنية للبشير أضافتها لتفخيخ الاتفاق، حسب ما أفاد مدير مكتب القاهرة للحركة الشعبية جناح مالك عقار، محمود إبراهيم، لرصيف22.
تباين المسارات
أول نقطة اتفق الفرقاء على تعديلها هي "المسارات"، خاصةً بعد رفض نظارات البجا لمسار الشرق وغلق الطريق المؤدي إلى ميناء بورسودان، وذلك بعد أن أتى المسار بمجموعة أسامة سعيد وخالد شاويش وهما ضد مجموعة البجا.
بينما مسار الشمال قام به الجاكومي مع الحركة الشعبية، ومسار الوسط قام به التوم هجو، وكلها ولايات لم تتأثر بالحرب الأهلية.
تطالب الحرية والتغيير بإلغاء مساري الوسط والشمال لأنهما قضية تنمية وليس سلاح، وقيام مؤتمر لمناقشة قضايا الشرق وبقية مؤتمرات الولايات، ووضع التوصيات ضمن أوراق مؤتمر نظام الحكم تمهيداً لقيام المؤتمر الدستوري.
ويرفض المجلس الأعلى لنظارات البجا مسار الشرق، وذلك لأنه أعطى 30% للإقليم من ثرواته، مطالباً بأن تذهب كل موارد الإقليم إلى سكانه ويعطي الحكومة المركزية 20-30%، حسب ما أفاد أمين العلاقات العامة في المجلس أحمد بيرق، لرصيف22.
كما يعارض المجلس تعديل الاتفاقية ويطالب بمنبر تفاوضي لشرق السودان، متمسكاً بمخرجات مؤتمر سنكات، وهي 11 بنداً تبدأ بإلغاء المسار، وتنتهي بحق تقرير المصير مروراً بالحصص العادلة لأهل الشرق في ثرواتهم.
وترفض أيضاً قوى الولاية الشمالية الاتفاق وتعديله، ويرى بعضها، مثل تجمع مزارعي الشمالية، وهو التجمع الذي أغلق طريق الشمال احتجاجاً على زيادة تعريفة الكهرباء، أن الاتفاق لا يمثل الشارع الشمالي وإنما الأحزاب الموقعة عليه، وما جاء به لا يمثل ولاية لديها 90% من الذهب ومعظم الزراعة السودانية، حسب ما أفاد عثمان الملك، المتحدث باسم التجمع لرصيف22.
ويهدد التجمع باستخدام كل وسائل الضغط من قطع شريان الشمال "الطريق الواصل بين مصر والسودان"، وإغلاق سد مروي وصولاً إلى المطالبة بالحكم الذاتي حال لم تستجب الحكومة لمطالبهم بإلغاء زيادة تعريفة الغازولين والكهرباء، وقالوا إنهم يجرون اتصالات بولاية نهر النيل لتوحيد المطالب.
لماذا لم تتم مشاورة النازحين في المعسكرات حول الاتفاقية ومفاوضاتها، برغم أنهم دفعوا لـ20 عاماً ثمن فاتورة التغيير ؟
المناصب والغنائم
تظل مناصب الحركات في السلطة، الملف الأكثر التهاباً مع اتهامات بالفساد وعدم الكفاءة في الإدارة للبعض، ويريد رافضو الاتفاق إبعاد الحركات عن المناصب التي حصلوا عليها، خاصةً مع عدم وجود رؤية اقتصادية ومع التخبط في القرارات من دون دراية وعدم وضع خطة اقتصادية متكاملة لمعالجة جذور المشكلة الاقتصادية.
ويرى رئيس تجمع الكفاءات السودانية في الخارج، والقيادي في تجمع المهنيين المهندس عبد العظيم عبد المطلب، في حديثه إلى رصيف22، أن المناصب الجديدة للحركات المسلحة في الحكومة وخاصةً وزارة المالية وشركة المعادن وسّعت من عمليات نهب الموارد السودانية، وهوت بالاقتصاد نحو الركود وأطلقت عنان التضخم، ووضعت الاقتصاد السوداني على محك أضيق مما هو عليه.
بينما تدافع الحركات عن المناصب الجديدة، قائلةً إنه من دونها لن تستطيع الحركات إدارة مناطق الحكم الذاتي، أو أخذ حصة الموارد المنصوص عليها في الاتفاق، وترى أن حاكم إقليم دارفور مني مناوي، بلا صلاحيات قانونية، لعدم وجود قانون يحدد العلاقة بين حاكم الإقليم والوالي، ويسيّر الأمور بالتفاهمات الودية، حسب ما أفاد مهندس العمل المسلح في دارفور، والقيادي في تحرير السودان-المجلس الانتقالي، وأحد الموقعين على جوبا، صلاح أبو السرة.
كما أكد أبو السرة في حديثه إلى رصيف22، أن وزير المالية جبريل إبراهيم، مرتبط بالواقع الاقتصادي السوداني الصعب لانهيار سعر الصرف وقلة الموارد، مما يجعله يلجأ لزيادة الضرائب، وهي أزمة تحتاج إلى تشغيل عجلة إنتاج تعتمد على الزراعة والصناعة، بينما تحقق شركة الموارد المعدنية برئاسة مبارك أردول نتائج جيدةً إذ وصل الإنتاج عام 2022، إلى 73 طنّاً ولكن العوائد لا تذهب إلى خزينة الدولة وإنما إلى جيوب المصدّرين، بسبب قوانين النظام البائد.
دمج الحركات
لا تزال هناك جيوش مدججة بالسلاح للحركات برغم توقيعها على اتفاق السلام، لعدم تنفيذ بند دمج الحركات في الجيش، وهو ما تطالب الحرية والتغيير بإنجازه، وتتمثل أبرز التحديات أمام دمج القوات في أن الحركات فيها رتب عليا كثيرة وعمليات الدمج والتسريح ستحتاج إلى سيولة مالية، والاتفاق لم يحدد موارد ماليةً لتنفيذه، وقوات الدعم ترفض أن يتم دمجها، لأن حميدتي يرى أنه حال دمج قواته بالجيش سيصبح بلا قوة وقد تتم الإطاحة به.
وتدافع الحركات المسلحة عن بقاء الدعم السريع من دون دمجه في الجيش، ويرى بعض قادتها مثل محمود إبراهيم، أن الدعم السريع أوقف الكثير من الاقتتال الأهلي، لأن القوات المسلحة لم تتدخل في الصراعات بين القبائل، بل يقتتلون بسلاح من مخازن الحكومة وبعض قياداتها سهلت للقبائل الحصول عليه، واللجنة الأمنية للبشير تصنع فتناً بين الإثنيات في مناطق كالنيل الأزرق، ووقفت حجر عثرة أمام تكوين القوات المشتركة المذكورة في الاتفاقية، بينما ترى قيادات أخرى مثل أبو السرة، أن قوات الدعم حققت إنجازات عديدةً لطبيعتها غير المركزية ولذاتية الحركة لديها، بخلاف القوات النظامية المرتبطة بمهام محددة، وتدريبها وتسليحها يفوق الجيش.
مزيد من الانتهاكات
تُعدّ الأزمة الحقيقية للاتفاق، تأثيره على الأرض، ووقف حمامات الدماء في أقاليم الحرب، وهو ما لم يحدث إذ تصاعدت الانتهاكات وتوسعت، ولم تقتصر على عناصر الجماعات المسلحة بل صارت أشبه بالقبلية لانتشار السلاح واستغلال رمزية القبيلة في الصراع، بحسب وصف رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور، الصادق السندكالي.
وتطرق السندكالي في حديثه إلى رصيف22، إلى حركات الاتفاق، مبيناً أنها صارت بعيدةً عن قواعدها وحينما تتأثر مناطقها باشتباكات نتيجةً للصراعات المحلية تجد أقوالاً عن مشاركة لمنسوبيها ضمن الأطراف من دون توجيه من قياداتها، بينما حوّل انتشار السلاح أي مشكلة بسيطة بين فردين إلى معركة بكافة أنواع الأسلحة تسقط فيها عشرات الضحايا وتُحرق القرى.
وترى الحركات أن الصراعات الحالية في دارفور قبلية مرتبطة بالحدود والتداخلات الإدارية بين القبائل وعدم تغيير العقلية القديمة، وأصبح ينعت الطرف العربي في الصراع القبلي بـ"الجنجويد" وتهمة "الدعم السريع" شماعة جاهزة، مع وجود أطراف لها أجندات تؤجج الصراعات القبلية لتحويلها إلى تقسيم سياسي للسودان، وتحويل البلاد من البند السادس للسابع والوصاية الدولية، بحسب أبو السرة.
ولم تقتصر الصراعات القبلية على دارفور، ولكن امتد القتال القبلي إلى النيل الأزرق، بين قبيلتي الهوسا والهمج، حيث قام مكون الهمج باستخدام عربات القبيلة وأفرادها المنتسبين إلى القوات النظامية، بقتل وحرق عدد من القرى لقبيلته، وهجّروا سكانها، وتتهم قبيلة الهوسا الحركة الشعبية جناح الحلو، بأنها دبرت الهجوم مع الهمج كعقاب للإقليم على الدخول في السلام، بحسب حديث رئيس اللجنة الإعلامية لأبناء الهوسا، أحمد عثمان أبكر، لرصيف22.
معسكرات النازحين
توجهت أم نازحة تُدعى نوال إسماعيل يعقوب، لا يزيد عمرها عن 20 ربيعاً، وتسكن معسكر بنيرتتي، إلى مزرعتها لتطعم طفلها الوحيد، ليُعثر عليها على جانب الطريق مغتصبةً ومقتولةً طعناً في البطن والظهر، بينما مصدر رزقها الوحيد تم إتلافه بشكل كامل على يد "مجهولين". بتلك القصة يصف آدم رجال الناطق باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، تأثير الاتفاق على معسكرات النازحين، مبيناً أنها لم تجنِ غير الموت والتشريد والدماء، وتُعدّ الحادثة السابقة جزءاً من سلسلة يومية لجرائم القتل والاغتصاب للنازحين.
ولم تتم مشاورة النازحين في المعسكرات حول الاتفاقية ومفاوضاتها، برغم أنهم دفعوا لـ20 عاماً فاتورة التغيير في السودان، وفي كل عام تتعرض معسكراتهم لهجمات مميتة. أعقبت الاتفاق مشكلات في شمال دارفور وغربها وجبل مون وجنينة وقريني، وأصبح سكان المعسكرات ينتظرون قدوم المنظمات بأي شيء ليأكلوه، حسب ما أوضح رجال، لرصيف22.
الرافضون للاتفاق
ترفض حركتا جيش تحرير السودان جبهة عبد الواحد محمد النور في دارفور، وهي تسيطر على جبل مرة، والحركة الشعبية لتحرير السودان جبهة عبد العزيز الحلو والتي تسيطر على جبال النوبة، الانضمام إلى إتفاق جوبا.
وترى الحركتان أن الإتفاق قام على منهج ثبت فشله مراراً، إذ وقعت 47 اتفاقية سلام في السودان لم تخاطب جذور الأزمة، بداية باتفاقية أديس أبابا 1972 بين جعفر نميري وحركة الأنانيا، مروراً باتفاقيات نيفاشا 2005 بين الحركة الشعبية والبشير، واتفاق أبوجا 2006 مع حركة مناوي، واتفاقية الدوحة 2010 مع حركة التحرير والعدالة، وهو لتقاسم السلطة والثروة، وفشل في وقف النزاعات الدامية التي شهدتها دارفور ومناطق أخرى ولم يعد المواطن آمناً في الخرطوم ناهيك عن الأطراف.
وتتفقان على وجوب مناقشة القضايا الأساسية مثل علاقة الدين بالدولة والهوية والمواطنة المتساوية واللا مركزية، لكن ليس للأقاليم الموقعة على الاتفاق، مما يهدد بقيام هامش جديد، وإنما لكل أقاليم السودان، وأنها قضايا لا يتناولها الاتفاق أو تعديلاته.
وتطالب حركة جيش تحرير السودان جبهة عبد الواحد محمد النور، بإلغاء كافة إجراءات ما بعد سقوط النظام، وتسليم السلطة للشعب، وتكوين حكومة انتقالية مدنية من شخصيات مستقلة مشهود لها بمقاومة المخلوع، وإجراء حوار سوداني سوداني لا يستثني سوى النظام البائد وواجهاته، لمخاطبة جذور الأزمة التاريخية، والاتفاق على مشروع وطني لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وتكوين جيش قومي واحد بعقيدة عسكرية جديدة، حسب ما ذكر محمد الناير المتحدث باسمها لرصيف22.
بينما انخرطت الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، لفترة في المفاوضات، ويوضح علي الماحي القيادي في الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو، أن حمدوك بدأ بتفاهمات مع الحركة، ولكن قدمت الحكومة الطرف العسكري كمفاوض، وبدأ الحديث عن الترتيبات الأمنية، برغم عدم حل الإشكال السياسي، وأجهض التسويف المفاوضات وأفرغها من محتواها.
وأكد الماحي لرصيف22، أن الحلو لا يعارض الاتفاق الإطاري، وسيفاوض الحكومة الناتجة عنه، مبيّناً أن مجموعة اتفاق جوبا أصبحت جزءاً من مركز السلطة، وعليهم أن يحلّوا مشكلاتهم وتعديل "جوبا" سيجعل المركز متماسكاً، مما يسهل مفاوضاته مع الحركة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...