شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عزل

عزل "مشار" يثير قلقاً من "انهيار السلام" في جنوب السودان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 7 أغسطس 202103:46 م

في خطوة لها تأثيرها على مسار عملية السلام في دولة جنوب السودان، أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان (معارضة)، عزل نائب رئيس جنوب السودان رياك مشار عن رئاستها وقيادة ذراعها العسكري، منوهة إلى أنه لم يَعد يُمثل مصالحها، بعدما تخلى عن قضاياها مقابل مشاركته في السلطة.

يأتي ذلك بعد عام واحد من إبرام اتفاق سلام بين مشار ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، انتهت بموجبه ست سنوات من الحرب الأهلية ذات الطابع القَبلي والعرقي، بعدما أودت بحياة 400 ألف شخص، وشردت الملايين، ودفعت بالكثير من أبناء جنوب السودان إلى حافة المجاعة.

من هو رياك مشار؟

رياك مشار الذي ينتمي لقبيلة "النوير" ثاني أكبر المجموعات القبلية في جنوب السودان بعد "الدينكا"، من مؤسسي الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهو شخصية سياسية مثيرة للجدل، وصاحب دور محوري في العديد من الأحداث التي وقعت في السودان وجنوب السودان منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث قاد انشقاقاً عن الحركة الشعبية عام 1991، وأسس ما عرف بـ "مجموعة الناصر"، نسبة إلى مدينة الناصر في ولاية أعالي النيل، كما أسس الحركة الموحدة عام 1992، ثم حركة استقلال جنوب السودان عام 1995، ما يكشف عن الميل الإنفصالي لمشار، بالمخالفة لأفكار الراحل جون قرنق، الزعيم التاريخي للحركة الشعبية.

عزل مشار يأتي بعد عام واحد من إبرام اتفاق سلام بينه وبين رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، انتهت بموجبه ست سنوات من حرب أهلية ذات طابع قَبلي وعرقي، أودت بحياة 400 ألف شخص

وقاد مشار في تلك الفترة عملية تفاوض مع نظام عمر البشير آلت إلى "اتفاقية الخرطوم للسلام" التي لم تحظ بإجماع في جنوب السودان، وتم تعيينه على إثرها مستشاراً لرئيس الجمهورية السودانية (قبل الانفصال) ورئيساً للمجلس الأعلى للجنوب، فوصفه قرنق بقوله: "إن التاريخ سيظل يَذكر رياك مشار بالشخص الذي طعن الحركة في ظهرها، حينما كنا على وشك الانتصار".

كان تحالف مشار مع النظام السوداني السابق يعني اصطفافه مع عدد من الأطراف الإنفصالية، ومع القوميين الجنوبيين، الذين كان يدعمهم نظام البشير في إطار حربه ضد قرنق، وعلى رأسهم "قوة دفاع جنوب السودان" بقيادة الجنرال الراحل فاولينو ماتيب، لكن سرعان ما نشب الصراع بين مشار وماتيب، وسارت الأوضاع باتجاه عودة مشار إلى الحركة الشعبية الأم، وذلك قبل التوقيع على اتفاقية نيفاشا للسلام بين قرنق ونظام البشير في عام 2005.

يُوصف مشار دائماً بـ "زعيم التمرد" و"رجل الحرب"، كون تاريخه السياسي ظل على الدوام في حالة حروب متقلبة مع الجميع، فعدوه اليوم صديقه غداً، وصديقه اليوم عدوه غداً، فيما يعتبره الكل عدواً محتملاً في حالات السلم، ويضعون لتحركاته ألف حساب، بسبب مكره السياسي، وثقله القبلي.

الأزمة السياسية في جنوب السودان

بدأت دوامة الحرب الأهلية في جنوب السودان منذ عام 2013، أي بعد عامين فقط من استقلاله عن السودان، وذلك على خلفية اتهام الرئيس سلفاكير لنائبه مشار بالسعي للإنقلاب عليه، وهو ما نفاه الأخير، ليظهر في الأثناء الوجه القبلي للصراع السياسي بينهما، من خلال النزاع بين قبيلتي الدينكا والنوير، ما عرقل عملية التأسيس للدولة الوليدة، وأفقدها القدرة على توجيه مواردها لمصلحة مشاريع البنية التحتية.

"كثيراً ما يقود التنافس حول مناصب ومكاسب التسويات السياسية إلى نزاعات داخل الحركات المسلحة بعد تحالفها مع السلطة"

وبضغوط كبيرة من المجتمع الدولي وصلت إلى درجة التلويح بفرض عقوبات على جنوب السودان في حالة لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام يُنهي الحرب الأهلية، التقى طرفا الصراع في عدة مفاوضات لوقف إطلاق النار والوصول إلى تسوية سياسية، كان أبرز محطاتها اتفاق السلام الذي أبرم في آب / أغسطس 2015، والذي لم يصمد أكثر من عام، إثر تجدد القتال في العاصمة جوبا، الأمر الذي أجبر مشار على الفرار إلى الكنغو.

وفي أيلول/ سبتمبر 2018 وقع سلفاكير ومشار في العاصمة الإثيوبية أديس أببا اتفاقاً جديداً، غير أن هذا الاتفاق ظل متعسراً، ولم تتم المصادقة عليه، لأن الطرفين لم يصلا إلى تفاهمات خاصة بشروط تشكيل حكومة انتقالية، وكان من المفترض أن يتم التصديق والموافقة على الاتفاق بحلول أيار/ مايو 2019، لكن جرى تأجيل ذلك عدة مرات.

وفي شباط/ فبراير العام الماضي أدى مشار اليمين الدستورية نائباً أول للرئيس، بيد أن الخلافات التي قد تعصف بعملية السلام الوليدة القائمة الآن في جنوب السودان، أخذت ملامح جديدة، بحدوث انقسامات داخل الفصيل السياسي والعسكري الذي يتزعمه مشار، حيث وصلت الخلافات إلى مرحلة إعلان قيادات ميدانية في الحركة الشعبية عزله من رئاسة الحركة وذراعها العسكري، بعد اجتماعات عقدتها في منطقة مقينص على الحدود السودانية.

أسباب الصراع داخل جناح مشار

وبينما يذهب بعض المراقبين للمشهد في جنوب السودان إلى الاعتقاد بأن الخلافات داخل الحركة الشعبية "جناح مشار" يتم تأجيجها بواسطة الجناح الآخر الذي يتزعمه سلفاكير، لإضعاف موقف مشار داخل السلطة، يستبعد الكاتب والناشط في منظمات المجتمع المدني يدجوك آقويت في حديثه لرصيف 22، ضلوع الرئيس سلفاكير أو حتى تدخله في الخلافات التي تحدث داخل مجموعة مشار، تفادياً للضغوط الدولية عليه، وحتى لا يتورط في أي أنشطة تعيق تنفيذ اتفاق السلام.

وعن أسباب الصراع المفاجئ داخل الحركة الشعبية "جناح مشار" يقول آقويت: "دائماً ما يقود التنافس حول مناصب ومكاسب التسويات السياسية؛ لنزاعات داخل الحركات المسلحة بعد تحالفها مع السلطة، وهذا ما حدث بعد انهيار اتفاق عام 2015، حينما آثر الجنرال تعبان دينق القيادي السابق البارز في مجموعة مشار، البقاء داخل السلطة، والتحالف مع سلفاكير، والتخلي عن مشار".

وأضاف أن الخطوة الأخيرة المتمثلة في عزل مشار من رئاسة الحركة من قبل رئيس أركان الجيش الشعبي في المعارضة قارويج دوال بعد إعلان مقينص، رغم أنها جاءت وفقاً لما اعتبره دوال بسبب "خيانة مشار للثورة"، إلا أن الخطوة تأتي في سياق مختلف، فهي جاءت بعد رفض دوال للحضور إلى مدينة جوبا لتولي وظيفة مستشار لشؤون السلام؛ لكونه توقع أن يتولى حقيبة الدفاع مع تشكل الحكومة، إلا أن مشار قرر تسمية زوجته انجلينا تنج وزيرة للدفاع وشؤون قدامى المحاربين، أما الجنرال جونسون اولونج، فقد فضل الانضمام لخطوة عزل مشار، بعدما فقد منصب حاكم ولاية أعالي النيل.

وتوقع آقويت أن تنتج من هذه الخطوة حرب جديدة في منطقة أعالي النيل، والتي هي منطقة نفوذ أنصار دوال واولونج وغيرهم من كبار الضباط المتذمرين من انفراد مشار بالسلطة وباتخاذ القرارات، وبتعيينه أفراد أسرته والمقربين له في الوزارات والمناصب المهمة.

وأشار إلى أن جبهة الحرب قد تُفتح من جديد، رغم تقليل مشار من خطوة عزله، وسيؤدي ذلك إلى إرباك وتعكير الساحة السياسية، التي تتجه نحو السلام حالياً، من خلال المفاوضات المستمرة مع جبهة الخلاص بقيادة توماس شريلو، وقوى "سوما" المعارضة، التي تضم عدة أطراف غير موقعة على اتفاقية السلام الحالية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image